الأحد ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

اللحية البائسة

أرجوك لا تنظر إلي هكذا، فلست أقصد محاباتك أو مشاحنتك ففي كلا الحالتين لن يقع كلامي منك إلا موقع مستغرب أو مستنكر وهذا ما لا أقصده، بل أريد بحديثي هذا التنبيه إلى ما ينبغي علينا أخذه في اعتبارنا حيال أمر أصبح ملاذ كل طالب شهرة وكل غافل عن الدين أو حاقد عليه، وهو ليس محصورا في عنوان هذا المقال وحسب بل في كل سمة وعلامة تدل على امتثال أوامر الله.

لا ينكر المآخذ على المتدينين -لا الدين- إلا متعامي متعصب وهي مآخذ كثيرة غير أنها شخصية أي متعلقة بذات الشخص لا انتماءه أو شكله، فكم رأيت من ملتحٍ يسب الدين ويأكل الحقوق ويخون الأمانة ويشهد الزور ويحقر الصغير وينهر الكبير، نعم رأيت هذا وربما نسيت أشياء، لاتنزعج فأنا أيضا ملتحي، ولست أزعم أن هذا هو الغالب بل الغالب الخير لكن ضعاف العقول ومرضى القلوب لا يألون جهدا في الاستشهاد بهذه الأمثلة ليشنعوا على اللحية وأهلها، وهي إنما طاعة فمن أطلقها وحسن عمله فله الأجر ومن أطلقها وأساء فعليه الوزر، فالسوء ليس منها ولا هي صفته بل السوء واقع عليها من صاحبها إذا هو أساء إليها بتلك الأفعال، أما أن نظلمها ونظلم الصالحين من أهلها أو نزعم أن شيئا مما أمر النبي به مصدر أو وسيلة للشر فهذا من أقبح ما يكون.

ولنعلم أن السوء في المجتمع موجود وأنه في كل طبقاته وفئاته وعناصره في الكبير والصغير في الذكر والأنثى، فلا يعقل أن أعمد إلى أمثلة السوء في النساء وأجمعها وأسلط الضوء عليها لا لمعالجتها وتجنبها ولكن لإظهار قبح النساء وممارسة إيحاء فكري منظم ومتعاقب للتقليل من شأن المرأة، فالمرأة صفة محايدة زائدة على الإنسانية لا قادحة فيها والمأخذ إنما يكون على الأمور القادحة في الإنسانية ذاتها، بل إن المرأة إذا أساءت قدحت في إنسانيتها لا في كونها امرأة، وكذا أمر اللحية فهي إنما زائدة على الإنسانية غير قادحة فيها فإذا أساء ذو اللحية فإنما يقدح في إنسانيته لا لحيته.

وكما أنه يحز في نفوسكم أن نجمع سلبيات المجتمع المصري ثم ننعت المصريين بالسوء وبأنهم كذا وكذا، ويحز في نفوسكم أن يقال أن المصري يفعل كذا وكذا من الأمور السيئة ومن صفاته كذا وكذا من الصفات السيئة، لأن هذه الصفات إنما هي متعلقة بصاحبها لا بجنسيته أو نسبه، فكذا الأمر بالنسبة للملتحي، فبمنطقكم ذاك اعتبروا هذا.

ولا يتصور عاقل أن يؤثر على سلوك المرء شيء يلبسه أو لحية يطلقها إلا أن يقول أحدهم أن الاعتقاد الذي تنشأ عنه هذه اللحية هو الذي يؤثر سلبا على سلوكه، وفي هذا نقول أن مطلقها إنما يفعل هذا اقتداء بالنبي وهو إقتداء بخير الأنام فلا سوء فيه ولكن السوء ينشأ عن اقتداء جزئي، فهو إذا ليس متعلق باللحية ذاتها بل بترك التخلق بما تجلبه للظن من حسن السلوك إذ تتخذ علامة عليه، أو ربما يكون مطلقها خبيث النية وإنما أطلقها ليغرر بالناس معتمدا على حسن ظنهم بصاحبها وهنا أيضا نجد السوء غير متعلق بها بل مجلوب إليها، فهي في كل حال ضحية لا يعقل أن نحملها مآخذ السلوك.

إنني في حديثي هذا حيدت الدين بعض الشيء لأن السالكين هذا المسلك إنما هم في غالب أمرهم مؤمنون بالحريات متقنعون بقناع العالمية وما شابهها ويأخذون على عاتقهم التشنيع على كل ما يعد التزاما بأوامر لأنهم لا يرضون إلا بفصل الدين عن الدنيا، والدين إنما جاء ليسير الدنيا وفقا لمرضاة الله سبحانه وتعالى، فكان لزاما علينا أن نحدثهم بمنطقهم وبعقلهم، وهذا الحديث ليس متعلق فقط باللحية كما ذكرنا بل بكر مظاهر التدين من نقاب وتقصير للثوب وغيرها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى