الثلاثاء ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

رخص بلاغية

هذه بعض الرخص البلاغية التي جاءت في القرآن بلاغة لا ضرورة، ولا حرج على الشاعر في استعمالها بل يحسن به ذلك وهي كما يلي:

أ‌- أن يذكر شيئين ثم يخبر عن أحدهما دون صاحبه اتساعاً، كما قال الله عز وجل: «وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها» [1]. أو يجعل الفعل لأحدهما ويشرك الآخر معه، أو يذكر شيئاً فيقرن به ما يقار به ويناسبه ولم يذكره، كقوله تعالى في أول سورة الرحمن: «فبأي آلاء ربكما تكذبان» [2]، وقد ذكر الإنسان قبل هذه الآية دون الجان، وذكر الجان بعدها.

وقال المثقب العبدي:

فما أدري إذا يممت أرضاً = أريد الخير أيهما يليني

أللخير الذي أنا أبتغيه = أم الشر الذي هو يبتغيني

فقال أيهما قبل أن يذكر الشر؛ لأن كلامه يقتضي ذلك.

ب‌- حذف جواب القسم وغيره، نحو قوله عز وجل: «ق والقرآن المجيد، بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم» [3] وقوله: "والنازعات غرقاً" إلى قوله: "يوم ترجف الراجفة" [4] فلم يأت بجواب؛ لدلالة الكلام عليه، وقال عز وجل: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم " [5] أراد لعذبكم أو نحوه ومن هذا قول امرئ القيس:


ولو أنها نفس تموت جميعة = ولكنها نفس تساقط أنفسا

وقد تقدم ذكره.

ت‌- إضمار ما لم يذكر، كقوله جل اسمه: كقوله تعالى «حتى توارت بالحجاب» [6] يعني الشمس، وقوله: " فأثرن به نقعاً" [7]
ولم يجر للوادي ذكر.

وقال حاتم طيئ:

أماوي، ما يغني الثراء عن الفتى = إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر؟

يعني النفس، وأنشد ابن قتيبة عن الفراء:

إذا نهى السفيه جرى إليه = وخالف، والسفيه إلى خلاف

يعني جرى إلى السفه وحذف لا من الكلام وأنت تريدها، كقوله تعالى: "كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم" [8] وزيادة لا في الكلام كقوله سبحانه "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" [9] فزاد لا لأنهم لا يؤمنون، هذا قول ابن قتيبة، وقال جل اسمه: "ما منعك أن لا تسجد" [10] أي: ما منعك أن تسجد، قال: وإنما تزاد لا في الكلام لإباء أو جحد، وقال: «لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله» [11] أي: ليعلم.

وقال أبو النجم: فما ألوم النجم أن لا تسهرا يريد أن تسهرا.

ث‌- حذف المنادى كقوله تعالى: "ألا يسجدوا لله" [12] كأنه قال: "ألا يا هؤلاء اسجدوا لله " وقال ذو الرمة في مثل ذلك:

ألا يا سلمى يا دار مي على البلى = ولا أزال منهلاً بجرعائك القطر

ج‌- خطاب الواحد بخطاب الاثنين والجماعة، أو يخبر عنه، كقوله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" [13] وإنما كان رجلاً واحداً، وقوله "ألقيا في جهنم" [14] وإنما يخاطب مالكاً خازن النار، وقيل: بل أراد ألق ألق، فثنى الفعل، وقوله: "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" [15]
فخاطب الاثنين بخطاب الواحد، وقوله: "فقد صغت قلوبكما" [16] وقوله: "وألقى الألواح" [17] وهما لوحان فيما زعم المفسرون، حكاه ابن قتيبة؛ وأن يصف الجماعة بصفة الواحد كقوله: "إن كنتم جنباً" [18] .

ح‌- أن يأتي المفعول بلفظ الفاعل، كقوله تعالى: "لا عاصم اليوم من أمر الله" [19] أي: لا معصوم، وكذلك قوله: "من ماء دافق" [20] أي: مدفوق، وقوله: "في عيشة راضية" [21] أي: مرضي بها، وقوله: "وجعلنا آية النهار مبصرة" [22] أي: مبصر فيها، وأن يأتي الفاعل بلفظ المفعول به كقوله تعالى: "إنه كان وعده مأتيا" [23] أي آتياً.

وقد جاء الخصوص في معنى العموم في قوله تعالى: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" [24]، وجاء العموم بمعنى الخصوص في قوله: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً" [25].

خ‌- الحمل على المعنى، ومنه قوله تعالى: "وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم" [26] كأنه قيل: من زينه؟ فقيل: شركاؤهم.

والحمل على المعنى في الشعر كثير، ومن أنواعه التذكير والتأنيث، ولا يجوز أن تؤنث مذكراً على الحقيقة من الحيوان، ولا أن تذكر مؤنثاً.

قال ابن أبو ربيعة المخزومي:

فكان مِجَنّي دون من كنت أتقي = ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

فأنث الشخوص على المعنى. وكل جمع مكسر جائز تأنيثه وإن كان واحده مذكراً حقيقياً.

ومما أنث من المذكر حملا على اللفظ قول الشاعر، أنشده الكسائي:

أبوك خليفة ولدته أخرى = وأنت خليفة، ذاك الكمال


[1الجمعة: 11

[2الرحمن: 13

[3ق: 1-2

[4النازعات: 1-6

[5النور: 20

[6ص: 32

[7العاديات 4

[8الحجرات: 2

[9الأنعام: 9

[10الأعراف: 12

[11الحديد: 29

[12النمل: 25

[13الحجرات: 4

[14النور: 24

[15طه: 117

[16التحريم: 4

[17الأعراف: 150

[18المائدة: 6

[19هود: 43

[20الطارق: 6

[21الحاقة: 21

[22الإسراء: 12

[23مريم: 61

[24الطلاق: 1

[25المؤمنون: 51

[26الأنعام: 137


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى