الجمعة ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

العنصرية والطائفية

لنا أيام ولا يشغل الناس من حولنا إلا الحديث عما يجري بين مصر والجزائر، ولعل الضحية في هذه الزوابع إنما هو المواطن المغيب الذي لا زاد له في هذه الفتنة إلا ما يستقيه من الإعلام الموجه هنا وهناك، وتتأجج المشاعر وتتحرك الشعوب ظنا منها أنها على حق وأنها صاحبة قرارها وهي إنما في واقع الأمر مستغلة سواء من رؤوسها لمصالح شخصية أو من أعدائها لمصالح أخرى أكبر، ولست أزعم أن الخطأ واقع على الشعوب المغيبة وحدها لما ارتضت هذا الحال وانساقت كالشياة وراء كل ناعق وإنما واقع كذلك على الذين استؤمنوا وجُعلوا قادة وما أحسنوا أو صدقوا في قيادتهم.

إن أصل هذه الفتنة ليس مباراة كرة قدم أو أزمة سياسية أو تقسيم جغرافي أو انتساب قومي أو عرقي بل هو في ذات الإنسان، فقد جُبِلَ على نصرة أهله وعشيرته ودياره، وهذا ليس مذموم على إطلاقه، ولما كان الإنسان يطغى ويتحرى الأفضل له حتى ولو ظلم غيره جاء الإسلام مرشدا ومبينا ومقوما لسلوك الإنسان فشرع الزواج لاحتواء العلاقة بين الرجل والمرأة وحرم الزنا وشرع القصاص والدية لإرضاء أهل القتيل وحرم الثأر، وجعل الولاء والبراء والحب والبغض إنما هو تابع للدين، قال الله تعالى محدثا البشرية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، فلم يقل لتناحروا بل لتعارفوا وذكر الشعوب والقبائل لأنهما أكثر ما يتعصب إليه المرء ثم بين السبب الأوحد للتفاضل وهو التقوى، وقال صلى الله عليه وسلم "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فأسس المجتمع الإسلامي على الوحدة الدينية لا وحدة الأرض أو وحدة اللغة أو وحدة الأرض، وأنكر على الصحابة وهم خير الخلق بعد الأنبياء دعوتهم للانتصار باسم أفضل فئتين على وجه البسيطة المهاجرين والأنصار فقد جاء في البخاري أن رجلان من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ .فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ.

وإننا لو نظرنا في أنفسنا بتريث وتمعن وصدق لألفينا الطائفية والعنصرية جزء لا يتجزأ من تكويننا بل ومن تكوين كل نفس بشرية وحتى في الدول التي تزعم التقدم والمساواة فإن العنصرية فيها لا تمحى إلا بتقويم النفس البشرية وليس ثمة مقوم أفضل من الإسلام وتعاليمه، وما كان من الكامل فهو كامل، إننا نرى الطائفية في مصر ممثلة في التقسيم الجغرافي للمحافظات فنجد أهل المنوفية يعيبون أهل الغربية وأهل الغربية يعيبون أهل الإسكندرية وأغلب الناس يعيبون أهل الريف والصعيد، وهكذا، وفي السعودية نراها ممثلة في التقسيم القبلي للمملكة فالعنزي يسخر من السهلي والسهلي يسخر من الحربي، وقد نجد الأبيض يسخر من الأسود، وكذا في كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، فالعنصرية ليست بجديدة علينا وكلها بجميع صورها كما قال صلى الله عليه وسلم «منتنة».

فحتى دعاة القومية العربية والذين يزعمون أن لهم فضل لأنهم يتحدثون لغة القرآن ويجعلون التفاضل راجع للغة من دعاة هذه الضلالة، وقد نرى البعض يفضل غير المسلم المصري على المسلم غير المصري ولاءا لوطنه وبراءا من دينه وسحقا لأمثال هؤلاء، إنني مصري الجنسية ولكنني بريء من كل ما هو مصري وليس بمسلم بريء من كل معصية ترتكب في مصر بريء من مصر ذاتها إن هي تبرأت من هذا الدين، لست أفضل مصر على السعودية ولا السعودية على مصر ولا مصر على الجزائر ولا الجزائر على مصر إلا كما فاضل النبي بين زوجاته فقال "اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك" أي في قلبه فإن كنت أرتاح في المملكة فهذا لا يعني أنني أبغض مصرا أو أكرهها أو أنني أرضى لها الشر لأنني أتعامل أصلا مع البلدين من واقع أنها دول إسلامية لا فرق عندي فيما سوى ذلك من مسميات، فالمصري بطبيعة الحال يميل بقلبه إلى بلده وكذا كل إنسان يميل بقلبه إلى بلده، هذه ليست المشكلة وهذه يستحيل تغييرها لكن المشكلة أن يعمي حبك لشيء أيا كان بصيرتك ويحول دونك وتحكيم عقلك.

نعم أخطا إخواننا في الجزائر وأخطأنا نحن، ولكن الخطأ الأكبر أن تندلع الفتنة ويتحول الخطأ الذي نراه بزعمنا كبيرا إلى كارثة أكبر، فليس أقسى على هذه الأمة من أن يفترق أبنائها تحت أي دعوى، فمادام يوحدهم الدين اسما فعليهم أن يجعلوها وحدة حقيقية، سواء ارتضت هذا قياداتهم السياسية وإعلامهم أو دعوا إلى خلاف ذلك، علينا أن نكون أكثر ذكاءا وأوسع أفقا وأعمق إدراكا لحقائق الأمور، وأن نجعل مرجعنا في كل أمر إلى ديننا الحنيف، ففيه الخير في الدنيا والآخرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى