الأحد ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩

القرامطة من البحرين إلى المغرب

المؤرخ توما شماني

قال سليمان أبو طاهر القرمطيّ: (أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا)

القرامطة من الاسماعيليين، وتشير المصادر إلى أنّ مؤسّس مذهب القرامطة هو حمدان بن الأشعث الملقّب بقرمط، وكان في بداية حياته قد انضم للإسماعيلية الباطنيّة على يد حسين الأحوازي وهو ابن مؤسّس الإسماعيلية عبدالله بن ميمون القدّاح، عُرف عن حمدان شخصيّته القويّة ورأيه المقنع، وكان القرامطة يضمرون العداء والكراهية للخلافة العبّاسية، لكنّ حمدان القرمطي انقلب على الإسماعيليّة الباطنيّة مقيما له مذهبا خاصّا به، كما أنشأ (دار الهجرة) في الكوفة. ومن أشهر دعاة القرامطة مأمون وزكرويه بن مهرويه، وقريبه عبدان مفكّر القرامطة.

القرامطة من البحرين إلى المغرب

امتد نفوذ القرامطة إلى البحرين وعمان والاحساء والطائف واليمن وبعلبك ثم شنوا هجماتهم حتى وصلوا مصر والمغرب. أشهر ما عرف عنهم قيامهم بثورات ضد الخلافة العباسية في سنوات الفترة الأخيرة من القرن التاسع الميلادي واتعبوا العباسيين كثيرا، بسسب الاضطرابات في آنحاء الدولة المترامية الاطراف، وعندما استولوا على مكة سرقوا منها ماسرقوا.

قاموا بثورات متتالية أخذت الطابع الديني وبدت كانها ثورات اشتراكية، حيث جاءوا بنظامهم إذ اعتمدوا السيطرة على كل شئ وبعضهم يعتقد إنها خرجت من المباركية إحدى فرق الإسماعيلية، وهم يختلفون عن إسماعيلية النزارية والبهرة، قيل أن الموحدين الدروز هم بقايا الثورة القرمطية المجهضة وهناك من قال إنهم طائفة مستقلة و إنهم في دعوتهم يرون أن الكون لم يخلق في ستة أيام بل خلق بكلمة (كن فكان ).

أبو سعيد الجنابي قائداً

بدأ القرامطة ينشرون عقيدتهم الباطنيّة بين الناس، ثم نظموا صفوفهم فلمّا اشتدّ ساعدهم تمردوا على الخلافة في البحرين عام 286 هـ، وكان يقودهم أبو سعيد الجنابي القرمطي، قيل عنه كان كيّالاً في البصرة، وتعود جذوره إلى الأحواز، وكان معه الزنج والخرميّة وبعض العرب. في البداية غزا قرى الأحساء فعاث بها، ثم احتلّ المناطق المحيطة بالقطيف ثم يمم للبصرة لاحتلالها. إثرها وجّه لهم الخليفة العبّاسي المعتضد جيشاً قوامه عشرة آلاف بإمرة العبّاس بن عمرو الغنوي، التقى الجيشان في الطريق إلى البصرة وكانت نتيجة المعركة أن أُسِر الجيش العبّاسي بكامله وأميرهم، وكان جزاؤهم كما يقول (ابن خلكان) في (وفيّات الأعلام)، (أنّه أُحضر الأسرى جميعاً فأمر بقتلهم وتحريقهم ولم يبقِ منهم إلاّ أميرهم العبّاس بن عمرو الذي أرسله إلى الخلفية العبّاسي نذيراً وليعلمه بمقدار قوّته).

دخل القرامطة البصرة عام 311هـ فقطعوا الطريق على حجّاج العراق، ثم طلبوا من الخليفة المقتدر أن يتخلّى لهم عن الأحواز، وحين رفض المقتدر ذلك اتّجه إلى الكوفة فدخلها. وقد حاول قطع الطريق على حجّاج العراق مرّة أخرى، ولكنّ حُماة الركب اشتبكوا معهم بحرب خاطفة حتّى استطاعوا إعادة الركب إلى العراق، ولم يحجّوا عامهم ذلك. وبقوا يقطعون طريق الحجّيج، حتّى أنّ حجّاج خراسان والعراق والمشرق توقّفوا عن الذهاب إلى الحج.

في عام 315هـ قصد القرامطة بغداد والتقوا بجيش الدولة في الأنبار وكان عدد جيشه ألف فارس وسبعمائة راجِل، وجيش الخليفة أربعين ألف فارس. وعلى الرغم من ذلك فقد فرّ جيش الدوله قبل استخدام السلاح، فدخلوا الأنبار. وحاولوا دخول الرقة إلاّ انهم فشلوا. وفي عام 317هـ اتّجه سليمان أبو طاهر القرمطيّ إلى مكّة فدخلها يوم التروية وقتل أمير مكّة ابن محارب كما قتلوا الكثير من سكّان مكّة وهو يقول (أنا بالله و بالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا) وكان كل من سلم من القتل قد دفع رشوة قدرها خمسة دنانير.

بموت سليمان القرمطيّ عام 331هـ انقسم الحكم بين أبنائه، فخفّت قوّة القرامطة وتهديداتهم، فلجأوا إلى قطع الطرق وهجمات خفيفة. منحهم الخليفة المطيع خمسين ألف دينار لاسترداد ما سرقوه من مكة. المؤرّخون على اختلاف مذاهبهم، قالوا إن بعضهم من المجوس الإباحيّة أتباع مزدك، كما يقول ابن حزم الظاهري حيث يتساوي الناس في النساء والأموال. ويقول القيرواني في رسالة إلى سليمان بن الحسن (ولو عقل الجاهل لعلم أنّه أحقّ بأخته وبنته من الأجنبي)، وقال ما قال آخرون من لغو حيث ذكروا عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني وهو مؤسّس دين الرافضة كما يدعون بانه محرضهم على القرمطة وكذلك ذكروا بهتانا بانهم من الصابئة. في دعواتهم كانوا يلجأون إلى الاجتذاب لهم على مراحل، ذكرها الإمام عبدالقاهر الإسفرائيني، وهي كما يلي (التفرّس، والتأنيس، والتشكيك، والتلقين، والربط، والتدليس، والتأسيس، والمواثيق بالأيمان والعهود، وآخرها الخلع والسلخ).

وقد اوصوا دعاتهم لا تضعوا بذرتكم في أرض سبخة، ولا تتكلّموا في بيت فيه سراج، يقصدون من عنده علم. ومن شروط الداعي عندهم أن يكون عالماً بأنواع الناس وأصنافهم واختلاف مذاهبهم ونقاط ضعفهم والأبواب التي يدخل على كلّ واحد منهم..) ويواصلون (ثمّ يدخل عليه من باب الولاية والتأويل حتّى يخرجه من الدين). ويقول بعضهم (حياةٌ ثمّ موتٌ ثم نشرٌ - حديث خرافة يا أمَّ عمرو) ولقد ركّز القرامطة في دعوتهم على الموالي والعبيد على أسيادهم والأُجراء الناقمين على الملاكين، وكانوا يطالبون إعادة الملك لهم سواءً كانوا مجوساً أو هنوداً أو اي ملة او نحلة.

استمرّ أبو سعد الجنابي في دعوته حتى قتله احد غلمانه حين دخل الحمام، ثمّ دعى الغلام أحد قوّاد القرمطي قائلا له ان أبا سعيد يطلبه في الحمّام، فلمّا دخل القائد الحمّام قتله أيضاً، وفعل ذلك بخمسة منهم أيضاً، ولمّا اكتشفوا أمره قبضوا عليه وقَرّضوا لحمه بالمقاريض فمات ثم جاء بعده ولده سعيد ثمّ سليمان الذي خرج على أخيه. وأمر بمعاقبة كلّ من أطفأ ناراً، فإنّ أطفأها بيده قطعت يده، وإن أطفأها بالنفخ قطعوا لسانه، ويعني هذا أنهم من المجوس.

أما قرامطة بلاد الشام فكان رئيسهم (زكرويه بن مهرويه)، وهو الذي تمرد على حمدان وعبدان مؤسّس مذهبهم الإسماعيلي حيث أسّس حمدان بن قرمط مذهبه الخاص، بقي زكرويه يضمر العداء لحمدان وعبدان، ونجح في قتل عبدان إلاّ أنّ فعلته هذه جعلته يختبئ في جنوب العراق وبعدئذ يمم أبناء ميمون القداح إلى المغرب، فأسّسوا دولة العبيديين (الفاطميين) الذين لصقوا أنفسهم بهتانا بأهل البيت. زكرويه من مخبئه في العراق أرسل ابنه يحيى إلى بلاد الشام عام 289هـ، فاستولوا على الرقة وساروا إلى دمشق وحاصروها، إلاّ ان المدافعين استطاعوا الصمود بمساعدة من مصر ومن الموصل في معارك طاحنة وبعد أن آلت إمارة الجيوش إلى بدر الحمامي صاحب ابن طولون، اندحر القرامطة. وذكر بأن ابن يحيى، حسين ابن زكرويه أسر مع بعض مريديه فأُرسِلوهم إلى الخليفة ببغداد، فعذّبهم وقطّع أيديهم ثمّ أحرقهم. فلمّا رأى زكرويه أنه أصابه هذا الاندحار العظيم جمع جموعه واتّجه بهم إلى الكوفة وقاتل أهلها في عام 293هـ قتالاً ثبتوا فيه فاندحروا راجعين إلى القادسيّة، الا أن الخليفة ارسل لهم جيشا لقمعهم ولكن جيش الخليفة هُزّم شرّ هزيمة، مما رفع معنويات زكرويه القرمطيّ، وبدأ في قطع الطريق على الحجّاج كصاحبه القرمطيّ السابق، وكان إذا اعترض قافلة للحجّاج لا يترك أحداً من رجالها إلاّ وقتله وأخذ أمواله.

في عام 294هـ اعترض قافلة فيها نساء وخواصّاً للخليفة وأموالاً وخزائن له، فقتل الرجال وسبوا النساء وأخذوا الأموال، فلمّا علم الخليفة المكتفي بذلك أرسل جيشاً على رأسه وصيف بن صوارتكين، والتقى جيش الخليفة بجيش القرمطي، وبعد معركة طاحنة نجح فيها جيش الخليفة وأعملوا بجيش القرمطي السيف، ومع حلول الظهيرة جرح زكرويه وقتل أغلب جيشه وفرّ من بقي منهم فماتوا عطشاً في البادية، وحُمِل زكرويه إلى الخليفة إلاّ أنّه هلك في الطريق بعد خمسة أيّام، فشقّوا بطنه وحملوه إلى بغداد ليجعلوه عبرةً لمن يعتبر، ومع مقتله انتهت سطوة القرامطة في العراق والشام، وبقيت فلول لهم غير ذات أثر هناك.

يبدو ان القرامطة اتخذوا الاشتراكية، إذ كانوا يمنعون تهريب الذهب خارج حدود الدولة فقاموا بصك نقود من الرصاص، ذكر الباحث محمد أمين جوهر أن الدولة القرمطية قامت بشق الأقنية وزرع النخيل، و كان يمنع ذبح الحيوانات بين الناس بل كانت الدولة تقوم بذبح الأغنام و الحيوانات و توزع اللحم على الناس، قامت الدولة القرمطية ببناء مطاحن الحبوب لتخفف عبء العمل عن المرأة التي كانت بدورها تشارك بالعمل، حيث تعد حقوق المرأة عند القرامطة متطورة جدا عما كانت عليه في أمكنة أخرى في ذاك الزمان. ذكر ءن القرامطة أسسوا لهم دولة في اليمن على يد علي بن الفضل وكان شاعرا له قصيدة مطلعها (خذي الدف يا هذه واضربي - وغني هزازيك ثم اطربي).

الكثير من قبائل الجزيرة العربية انتمت لدعوة القرامطة وهي مهنة وانتمائية إلى القتال لانها المهنة الوحيدة المربحة لهم، فبعضهم قتل وآخرون اصبحوا من الأغنياء، من القبائل التي انتمت لدعوة القرامطة (بنو هلال)، و(بنو سليم)، و(بنو معقل)، و(بنو كلب )، و(فزارة) ،و(أشجع( وغيرهم، وشكلوا عماد جيش القرامطة الذي غزوا به أنحاء الجزيرة العربية والعراق والشام، و مصر، إلى أن بدأ الفاطميون في استقدام (بني هلال و سليم و فزارة وأشجع و بنو معقل) للاستقرار بمصر، فنزلت تلك القبائل في بحري وقبلي مصر واستقرت بصعيد مصر خصوصا لمدة تربو على القرن، ثم جندها الخليفة الفاطمي المستنصر بمشورة وزيره اليازوري للاستقرار بشمال أفريقيا للقضاء على الحركة الاستقلالية التي قادها عامل الفاطميين في أفريقية ( تونس اليوم)، فنزحوا من صعيد مصر إلى شمال أفريقيا فيما عرفوا بتغريبة بني هلال، على أنها أكبر قبائل التغريبة، وبقي بعضهم في مصر فتمصروا. كلمة قرمطي عند الموحدين المشهورين الدروز الرجل الصالح الزاهد العاكف، كما ذكر محمد كامل حسين في كتابة طائفة الدروز.

الواقع أن التاريخ الذي نقرأه، تاريخ مصاب بالصدأ نتيجة الفبركات التي حلت به، فعندما تسقط الثورات تبدأ سكاكين المؤرخين والناقلين والرواة بتقطيع اللحوم وهذا الذي حدث عندما فشلت ثورة الزنج التي كانت اول ثورة أفرزها ذاك المجتمع التمييزي الذي ظهر اثر البذخ الذي رأته الدولة العباسية، فكل من يثور يعتبرونه آنذاك مرتدا أفاقا أفاكا يحلل زواج الأخوات ويسبي النساء المسلمات المحصنات وهذه الوصفات ألصقت بالخوارج في وقت يرى الكثير أنها كانت دعوة تهدف بمضمونها إلى تطبيق مبدأ العدالة في الإسلام (كالدكتور محمود إسماعيل صاحب كتاب الحركات السرية في الإسلام وبعض مؤيديه). أما ثورة الزنج فلم تعط حقها كثورة تدعو إلى تحرير العبيد من المظالم والعيش الأسود الذي كانوا يعيشونه وكانوا يعاملون كالكلاب. وأول من اعطاهم حقهم الدكتور فيصل السامر في كتابه (ثورة الزنج).

ولا ننسى التاريخ الحقيقي الذي حصل إثر كل الهجمات التي قام بها الفرسان أصحاب السيوف اليمانية البتارة على الشعوب فكانوا يفرضون الكلمة التي يريدونها ومن لم يستجب قطعت رؤوسهم وسبيت نسائهم، وبعد ذلك بسنين، فإن ثار من يثور على الظلم عدوه مارقا وقطعوا رأسه. ولا ننسى أنه كان في حلقات الخلفاء أنواع من الوزراء والقادة الخصيان والحريم وغيرهم ممن يسممون السلطان بالافكار وهو نائم بين الراح والنحور المسبية، فيهبّ إلى الحرب يقتل ويسبي فان نجح مرة ولكنه يقتل في مرة اخرى ويباد أنصاره، ثم تسبى نسائهم فيأتي سلطان آخر ليعيد ما حدث وهذا هو التاريخ شئنا أم أبينا.

المؤرخ توما شماني

مشاركة منتدى

  • بالمغرب توجد فرقة من قبائل مزاب بالشاوية يقال لهم الكراطمة بالكاف المجلجلة فهل يا ترى هم من بقايا القرامطة مع العلم ان هذه القبيلة يدعون نسبهم الى البيت النبوي الشريف عن طريق ادريس الثاني باني مدينة فاس المغربية ارجوا من الاخوة اللذين لهم المام بالموضوع تنويري وشكرا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى