السبت ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم نجمة خليل حبيب

حِرْباءْ

بعد أن قرأت قصاصات جدتي في أحلامها، تباطأت خطواتي اللاهثة وراء اليومي من كنس وطبخ ومتطلبات وظيفة. صرت أستفيق كل صباح وعوض أن أفكِّر بالمقالة التي سأكتبها أو بالثرثرة التي سأنقلها او بالعشاء الذي عليّ أن أحضِّره, صرت أعصر فكري لأسترجع ما حلمت به تلك الليلة!!. ولا يهنأ لي بال حتى تقف ذاكرتي عند أحد المنامات وتتكّشف لي صوره. ورأيتني أتذكر الحلم وأعيد تفاصيله في خيالي. ويوما بعد يوم رأيتني مثل جدتي أعيش مناخ الحلم ويتأثر جسدي بتفاصيله.

حلمت ذات ليلة أني حرباء، أقفز فوق العشب الأخضر منه واليابس. كنت أتلون حسب ألوان المكان. أنتقل بين الأخضر والبني والأصفر والرمادي. أحس حرارة الشمس تلذع ظهري وذبابات الحقل تغط فوق ذيلي الذي يروح يطردها بحركات دائرية عصبية قلقة. أحس العطش فأجري أبحث عن بقعة ماء. وإذ يطول بحثي تتيبس حنجرتي وتخفق طالبة النجدة ولو من رطوبة الهواء. وفيما أنا في أزمتي المميتة، يحاصرني صبيان أشقياء يرمونني بالحجارة فأحس وقعها فوق ظهري فأنسى ما بي من عطش، وأهرع إلى جذع شجرة أختبيء بأحد شقوقه وأتخذ لونه حتى ييأس الصغار ويتركونني بحالي. أعود للبحث عن ماء بعد أن ابتعد ضجيج الصغار وهرجهم، فألمح جارحاً من الطيور يترصدني. أكظم خوفي وعطشي وأختبيء في ظل ورقة توت، هذه المرة، وأنقلب إلى الأخضر تماهياّ معها. أحس حنان الورقة يلفني كحنان ذكر محب، فاستسلم لمداعباتها فوق ظهري كما تستسلم الأنثى الشبقة لذكرها أول الربيع.

في الصباح، أعيش الحلم بكل مناخاته. أحس حر الشمس رغم برودة الجو في الخارج، فيفغر رجلي فاه وهو يراني أتخفف من ملابسي بهذه الطريقة الغريبة. على مائدة الافطار أرى في عيون أطفالي المتصايحين شراسة أطفال الحقل الذين رموني بالحجارة، وترتفع يدي دونما إرادة مني لتدرأ الأذى عن رأسي وعينيّ. إنني حرباء!!...حتى خُيِّل إليَّ أنّ أطفالي يتهامسون ويقولون: أنظر وجه أمّنا! إنها تشبه الحرباء. ليت والدي يطلقها ويتزوج امرأة جميلة تبهج صباحاتنا . . في عيني زوجي رأيت عيني الطائر الذي هاجمني في المنام، فهرعت إلى غرفة النوم والتصقت بالفراش حتى خُيِّل إليَّ أنني صرت زرقاء بلون غطائه.

في طقس الصبحية التي أحييها والجارات كل صباح، انتقلت لي أوجاع بهية التي يضربها زوجها كلما يسكر. صار جلدي مليئا بالكدمات الزرقاء كجلدها، وصارت نفسي خانعة كنفسها.

في مكتب الجريدة، رمقني مدير التحرير بنظرة لم استطع تفسير معناها، ولكنني علمت أن مقالتي أدهشته، فقد كتبتها حرباية لها ألف لون ولون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى