الاثنين ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
همسة
بقلم لطفي زغلول

الثقافة والغـزو الثقافي

بداية نود ان نطرح تصورنا لمفهومي الثقافة والغزو الثقافي. فالثقافة بموروثها ومعاصرها وما يمكن ان ينضوي تحت كنفها من ابداعات شتى في كافة المجالات مضافا اليها منظومة التقاليد والعادات والمثل العليا والقيم والنظم الحياتية والقوانين والسلوكات باعتبارها مجتمعة تشكل المكونات الرئيسة لأية ثقافة تمثل جماعة انسانية.

والثقافة لا تقف عند حدود هذا التصور التحليلي لعناصرها، وانما تتعداها الى التفاعلات المستمرة لهذه العناصر، وما يمكن ان تفرزه من قيم خاصة بانتماء الانسان الى جماعته الانسانية، واعتزازه بها كونها تمنحه التميز والتفرد على الخارطة الديموغرافية الانسانية، وتبرز معالم شخصيته العامة، وتجسد هويته الانسانية والسياسية، وتقوم بتفعيل مستمر لعواطفه واحاسيسه في اطار عقلاني يدفع الفرد والجماعة في آن واحد للتضحية كل في سبيل الآخر، والعمل المشترك لمصلحة بعضهما.

ثمة حقائق تخص الثقافات الانسانية منذ بدء تكوينها حتى الآن. وتبرز الحقيقة الاولى في ان انفتاح الثقافات على بعضها هو الاساس، وهو العنصر الذي امدها بقوة الديمومة والاستمرارية والتفاعل والتطوير، في حين ان الانغلاق هو بمثابة التحجر وفقدانها لأهم صفاتها وهي الانسانية، وبالتالي اندثارها.

والحقيقة الثانية ان الجماعات الانسانية على مدى العصور ناضلت من اجل الحفاظ على ثقافاتها المحلية وعدم ذوبانها في ذات الآخر.وهذا لا يعني ان هذه الثقافات لم تأخذ من بعضها، ولكنها بأي حال من الأحوال لا يمكن استبدالها. وثالثة هذه الحقائق ان الحضارة الانسانية بعامة والثقافة بخاصة وهي الجانب غير المادي من الحضارة هما نتاج الانسانية مجتمعة، ولا يجوز ان تنسب الى جماعات انسانية دون اخرى. فكل جماعة انسانية مهما كان حجمها وعطاؤها ساهمت في مجال بقدر ما في هذا الصرح الانساني.

ولا داع هنا الى التفصيل الذي قد يطول ولا يقف عند حد والامثلة على ذلك كثيرة في كتب التاريخ. ورابعة هذه الحقائق وهي الأخيرة هنا يمكن ان نصفها بانها الأخطر في تاريخ الثقافات، ذلك ان ناك صراعا ثقافيا دائما يقف جنبا الى جنب مع الاشكال الاخرى من الصراع بين الشعوب والحضارات في ما بينها.

فالشعوب الاقوى والمنتصرة كانت تسعى على الدوام الى المساس بثقافات الشعوب المهزومة، اضافة الى انها كانت تفرض لغاتها وكثيرا من عاداتها وتقاليدها بقوة السلاح، في الوقت الذي كانت تحارب فيه لغات الشعوب المهزومة وتقاليدها وعاداتها ومعتقداتها الاخرى. وهذا بطبيعة الحال يشكل اساس الغزو الثقافي الذي سنتحدث عنه لاحقا. ونضرب هنا مثالا وليس على سبيل الحصر المغرب العربي ابان فترة الاستعمار الفرنسي.

وفي ما يخص الامة العربية فثمة حقائق ايضا لا تقبل الشك في ان لها ثقافة خاصة مميزة تشكلت عبر التاريخ الطويل لهذه الأمة من عناصر اساسية عقائدية مستمدة من الديانة الاسلامية وعناصر اخرى عربية المنتمى، اضافة الى عناصر مستقاة من ثقافات الشعوب سواء تلك التي فتح المسلمون بلادها ودخلت الاسلام، او تلك التي كانت تجاور الحدود الاسلامية.

وعلى اية حال فقد خرجت للناس ثقافة عربية اسلامية شاملة توازن ما بين الاسس الروحية والمادية منحت اتباعها تميزا وتفردا وشخصية وهوية شاملة. وعلى خلفية الابداعات في شتى المجالات تجسدت صفات ومزايا وخصائص عربية قامت على الاعتداد بالنفس والاعتزاز بالكرامة والحمية واحترام الذات وعشق الحرية، والحرص الشديد على تبؤ ارقى مكانة مرموقة بين الجماعات الانسانية الاخرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى