الاثنين ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩

التيار الممانع ورهان التغيير في البحرين

بقلم: أحمد رضا

كأيّ تطور سياسي جديد في المجتمع البحراني يحتاج ما يسمى بتيار (الوفاء الإسلامي- الممانعة سابقاً) إلى دراسة لدوافعه وأهدافه السياسية خلال تحركه الميداني في الوسط الاجتماعي من أجل تحقيق المطالب الشعبية التي يتبناها علناً، وليس من السليم في إطار النقد الموضوعي أن ننظر إلى ذات الشخص أو انتماءه الحزبي بقدر ما يهمنا أيّ صوت إنساني صادق يستحق الثقة والاحترام نتيجة تبنيّه للمطالب السياسية والحقوقية والمجاهرة بقضايا الأمة العادلة وتحمله للممارسات الأمنية من سجن وتعذيب ومعاناة يومية في سبيل تحقيق الحياة الكريمة للأمة.

ولا يخفي على الجميع أن صعود التيار الممانع بحد ذاته عاملٌ يستفز كيانات دينية تقليدية طالما انطوت على نفسها وحاربت الآخرين ولم تحقق أية نتائج ملموسة طوال تاريخ الحركة الإسلامية في البحرين منذ ثلاثين عاماً ألا في إطار العمل الخيري والاجتماعي. وهي إشكالية تبرز لنا بوضوح أهمية عنصر القيادة لدى المعارضة وضرورة تشكيل الكيان السياسي الوطني الذي يترجم طموح الأمة ويدافع عن قضاياها الإنسانية بصورة عملية ملموسة تتجاوز الفعل الأمني الذي يطغى على إرادة المقاومة والنضال السلمي التي حاربتها السلطة السياسية، الأمر الذي يصنع بلا شك قطاع شعبي له رموز دينية مقيّدة بفعل خطاب المسايرة والخنوع للواقع السلبي.

ولا يهمنا هنا الدفاع عن تلك الجماعة أو الوقوف مع الأخرى، لأن الجميع يتحمل المسئولية، وكلاهما (قوى المسايرة والممانعة) سبب رئيسي في حالة الخلاف والشتات وفشل الخطاب الإسلامي التقليدي في النهوض بمطالب الأمة وتصحيح أوضاعه بناءاً على غياب الحالة التنظيمية الحزبية في ظل قوانين مقيّدة للحريات، وتطلع بعض القيادات الحزبية للمرجعية السياسية دون حصولها على توافق اجتماعي او امتلاكها للكفاءة العلمية والميدانية، هذا إلى جانب غياب لغة الحوار الداخلي والمصالحة المفقودة مع السلطة السياسية الحاكمة. وكل ذلك يؤدي إلى نتيجة مفادها استمرار الكبار في إرتكاب الأخطاء الميدانية واستمرار التنافس الحزبي وانشغال المعارضة بالأجواء المحمومة بمنافسة غير شريفة.

وهذا لا يمنعنا من التأمل الحذر في مسيرة التيار الجديد (الوفاء الإسلامي) والنظر لهويته الجديدة بخارطته الدينية والاجتماعية، لنرى ان زعماءه هم ممن تزعم او شارك في نهضة التسعينات، فعاش ايجابياتها وسلبياتها وتعرف على ثغراتها ونواقصها، فاذا ما عزم على اصلاح ما فسد في تلك المرحلة فبكل تأكيد انه سيصل الى مقاصده ومراميه، وعلى هذه القاعدة يأمل الناس منهم الكثير ويرجون لهم بالتوفيق والصلاح.

وهذا يشي أيضا بقدومنا على مرحلة قد تكون صعبة للغاية علينا الاستعداد لها، فكيف السبيل الى ذلك وماذا في جعبة زعماء الوفاء الإسلامي من عمل سياسي لإدارة المرحلة الحرجة تلك؟ وماذا عندهم من وسائل جديدة على صعيد الزعامة ذاتها ومتطلباتها لا على صعيد وسائل الناس وابتكاراتهم النضالية (هنا أود الاشارة الى ان زعماء الوفاء الإسلامي دائما ما يلقون مسؤولية العمل النضالي على الناس من دون ذكر شيء عن دورهم كزعماء لتيار ناشئ وذلك لمحذورات قانونية ومساءلات قضائية).

والأهم هنا التركيز على الوضع الذاتي لرموز الوفاء الإسلامي ومشروعهم السياسي لا على واجبات الناس ازاء دورهم (ما أعرفه ان زعماء الوفاء الإسلامي يغفلون هذه المسألة ويحيطونها بضبابية أمام الناس مع أنها ركيزة مهمة قبل الانطلاقة الميدانية). والأهم من كل ذلك هو تعميم فكرة ايجابية التعددية حتى على مستوى المرجعية السياسية وايمان الناس بها بلا حساسيات، لأن هذه التعددية هي الخيار العملي الأفضل لأداء دور سياسي يحقق نتائجه المرجوة، فاذا كانت المرجعية الدينية في الحوزات متعددة فهذه تعد قيمة أساسية، فكيف بها في وسط سياسي تحكمه سياسة حكومة لا تؤمن بحق الناس في الحريات العامة.. وهو ما أحسبه نقطة إيجابية تميزه عن بقية التيارات المغايرة له.

وأتساءل... أليس من الافضل لرموز تيار الوفاء الإسلامي ان يبدؤا عملهم السياسي بمشروع لتقييم وتصحيح الأداء لدى الزعامة الدينية في الانتفاضة الماضية وحتى وقائع المشاركة والممانعة، واطلاع الناس على نتائج هذا التقييم حتى تكون الانطلاقة على قاعدة صلبة وثقة تامة من قبل الناس. والمصارحة والمكاشفة هي من شأن الزعماء والقادة أنفسهم ، فهل سيصارحون الناس بكل خطوة يخطونها فضلا عن النتائج التي ستسفر عن تحركهم خصوصاً اذا ما تعلق الأمر بمشروع حوار سياسي مع السلطة أم انهم سيفرضون مرئياتهم وقراراتهم على الناس بحجة التعددية السياسية التي تحكم الواقع الجماهيري؟.

وما هي الأدوار التي يجب ان يؤديها رموز تيار الوفاء الإسلامي لإنماء قاعدة الثقة لدى الناس، ومنهم أطراف تبنوا مشروع الممانعة السياسي بعد الاخفاق في مشروعي المشاركة والمقاطعة الذي تلى حوار التسعينات. وما مدى التنسيق بين الوفاء وبين بقية فصائل العمل السياسي، وهل هو تنسيق سياسي على قاعدة تكامل العمل بأدوار مختلفة أم انه تنسيق لكسب الثقة في البرنامج السياسي. وما هي الأدوار المفترض الاتفاق عليها بين الوفاء الإسلامي وبقية جهات العمل السياسي المعارض؟ وهل يعتبر بيان الانطلاق بمثابة الأهداف السياسية النهائية المعتمدة للتيار الممانع؟ كل هذه الأسئلة المشروعة وغيرها هي محل نظر قد تتضح إجاباتها خلال المرحلة القادمة.

ولعل ما حدث سابقاً من مناوشات الفريقين (الممانعة والمسايرة) بعد رحلات لمدينة قم الإيرانية جعل الأمور تتضح أكثر وتتمايز المواقف والطبائع أمام الناس بين فريقين لكلاهما مرجعيته السياسية والدينية، وهي مكاشفة مهمة جدا مع بداية الانطلاقة الاولى لتيار الوفاء الإسلامي، خصوصاً وان الثقة الجماهيرية ليست مطلقة حتى الآن بسبب التعددية الدينية واحباطات الانتفاضة الماضية وما نتج من تداعيات سلبية لمشروع الميثاق الوطني.

وبرأيي أن أولى ما يتطلبه تيار الوفاء الإسلامي في أوليات التأسيس الميداني لمعارضة واقعية فعالة هو طرح برنامج العمل السياسي الواضح المتكامل (خطاب التأسيس بمثابة مسودة أولية للتيار الجديد)، والعمل على بناء كوادره وتأهيل النخب لأدوار تنظيمية سياسية واجتماعية، عبر آلية عمل منظمة تبدأ بتعيين الأمين العام وتوزيع الأدوار بصورة واضحة مع مراعاة الخصوصية الأمنية وتجنب خيار الصدام الداخلي مع الفرقاء أو المواجهة المباشرة مع الحكومة وترك الخيارات الأخرى مفتوحة للمستقبل القريب.

وكذلك إمكانية الاستفادة من الطاقات العلمية والأكاديمية وبالخصوص الخبرات القانونية التي تساعده على تأسيس انطلاقة سليمة خالية من الأخطاء القانونية مستقبلاً، وأن لا يعول كثيرا على كسب ثقة المخالفين له ومحاولة إرضاءهم مع ضرورة تلافي التنظير الخطابي الذي تميز به الآخرون. ومن الجيد لهذه الانطلاقة ان تستفيد من التجارب التنظيمية للحركات الإسلامية في العالم العربي، وأن تعتمد خطاب مصارحة الأمة والتكفير عن الأخطاء التاريخية لرموز المرحلة السابقة.

بقلم: أحمد رضا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى