الاثنين ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم مصطفى يعلى

بعض التروي.. رجاء...

بسبب انتشار وسائط الاتصال الجديدة، وفي مقدمتها شبكة الإنترنيت. وبسبب كثرة المواقع الثقافية الإلكترونية؛ أصبح الباب مشرعا أمام الكتاب وخاصة الشباب منهم، لإيصال أفكارهم ومبدعاتهم إلى أكثر الشرائح شساعة من المتلقين، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التواصل الثقافي الإنساني أبدا. إن هذا الواقع المستجد ليعد من الحسنات المضافة لمنجز التكنولوجية المعاصرة. بدليل أنني أستطيع الآن أن أحصل على أعمال بورخيس أو كورتزار أو ماركيز أو يوسا وأمثالهم، وأقرأها في لغتها متى شئت، ليس كذي قبل، حين كان من النادر أن تحصل على نسخة ورقية من أعمال أحدهم. وقس على كتاب أمريكا اللاتينية هؤلاء وغيرهم، كتابا من مختلف الشعوب واللغات في الشرق والغرب.

بيد أننا في العالم العربي، فضلا عن إيجابيات مشابهة لما سبق، أصبحنا نعاني من ظاهرة خطيرة في الكتابة والإبداع. تلك هي الاستهانة بالأداة اللغوية، والاستهانة بالإلمام بمفهوم وتقنيات الكتابة في أي جنس أو نوع من الأجناس والأنواع الإبداعية.
ذلك أن قراءة الكثير مما ينشر في المواقع الإلكترونية الثقافية العربية، يظهر مدى ما بلغه الافتقار إلى التدقيق اللغوي نحوا وإملاء وقاموسا وتركيبا؛ والافتقار إلى التموضع داخل جنس أدبي صريح محدد بميثاق نظرية الأنواع، ومقيد بضوابط جمالية متفق عليها. يحدث هذا خاصة في كتابات ناشئة الأدب. ربما لأنهم يستسهلون الكتابة وكذا النشر المتاح بتلك المواقع، وإن كنا ندري أن بعض المواقع الجادة التي تحترم نفسها وقراءها، كثيرا ما ترد المساهمات الرديئة بكل المقاييس، ولا تنشرها بعد الرجوع إلى هيئتها الاستشارية.

والحال، أنه يمكن الزعم بكون الكتاب والمبدعين هم المحافظون الحقيقيون على اللغة، أكثر من اللغويين والنحويين ومجامع اللغة، لأنهم يكتسبون شرارتها بالسليقة الطبيعية والمكتسبة المتنامية، وبالممارسة اليومية النشيطة، ويتعهدونها بالمراجعات اللغوية والنحوية والتركيبية، وحسن الإنصات إلى روح نبضها. كما أنهم هم الذين يطورون اللغة بالتجريب والتنويع والتوليد والانزياح المدروس وارتياد الآفاق الجديدة، لكن داخل منظومة اللغة ذاتها بضوابطها وأصولها، وليس بالكسل والفوضى والمزاجية، إن لم نقل بالجهل بها أيضا وبأسرارها. وهنا يجدر التذكير بالحقيقة القائلة بكون العوالم التي يشيدها المبدع تخييليا تتمفصل عبر اللغة أساسا، فهل يصح بناء شيء دون ضبط واستيعاب لأدوات بنائه؟ !. لعمري، إن من لا يمتلك خبرة باللغة، ولا يضبط أدواته اللغوية ويتشرب أسرارها وطاقاتها التعبيرية الخلاقة، لا يستطيع أن يوفر المستوى الجمالي للتعبير عن الأفكار والمواقف والإشارات الموحية والاستيهامات الشفافة وما إلى ذلك، مما يرقى إلى مستوى لغوي جمالي أكثر رهافة وشاعرية، وهو ما لا يستطيع بلوغه فاقدو الإدراك لبلاغة اللغة وحيويتها.

ومن حسن الحظ أن هناك نماذج من كتابات الشباب، تشق مسارها الفني بجدية، والتزام باستخدام الوسائل الضرورية للإبداع الأصيل بما فيها فاعلية اللغة على أحسن صورة، وباحتفال بالفهم والوعي النظريين الموفقين للإبداع بأجناسه المختلفة، وتتمتع بكل إشارات التنويه الآنفة، بشكل يثير الإعجاب، ويضاعف الأمل في مستقبل الكتابة العربية.
فرجاء..لابد من التروي قبل النشر، إن على مستوى التدقيق اللغوي الشامل.. وإن على مستوى الوعي النظري الأجناسي..رجاء...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى