الخميس ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

ليسوا قدّيسين

 
كأننا في أصقاعنا نسير عكس عقارب الساعة، وكأننا ما زلنا نعيش زمن العصور الوسطي التي ضربت وأنهكت أصقاعاً أخري حين كانت القداسة المبتدَعة زِياً يدنيه الشخص عليه، فيبدو كأنه من غير البشر وأسمي منهم، فلا هو خطّاء ولا يقترف الخطيئة.

في زماننا هذا، تمددت وتجددت «قداسة» شخوص الماضي، فمسّت شخوصاً من هذا الزمن، هم فصّلوها علي مقاساتهم، فاعتنقها ثُلة منا أو قِلة. إنّ الممسوسين بها هم لفيف من الفنانين الذين يعتقدون أن نجوميتهم، حقيقية كانت أم زائفة، تخوّلهم أن يتصرفوا كما لو أنهم ليسوا بشراً من طين ويفوقون رجال الدين، وكما لو أنّ شهرتهم تقتضي تعيين حاجب علي باب كل منهم للتأكد من «طهارة المتبّرِكين».

إن ظاهرة النجومية لم يبزغ نجمها حديثاً، إنما كانت موجودة في القرون الخوالي، لكن بصوَر أخري، فلو كانت الكاميرا مستخدَمة في عصر المماليك، لالتف رهط من معجبي ابن خلدون لالتقاط صور معه، وغصّت أغلفة المجلات، لو كانت تُطْبع، بصوَر شجرة الدر وأخبارها. ولو كان المتنبي يلقي قصائده في القاعات المبهرَجة، لنفدت التذاكر منذ طرحها وتضاعف سعرها مرات. ومع ذلك لم يسمع المرء خلال السّيْر في سِيَر نجوم الماضي أن القداسة غلّفتهم، أو أنّ ثائرة معجبيهم كانت تثور إذا ما وُجِّه انتقاد لأحدهم. علي عكس ما يحدث "لنجوم" الحاضر الذين أشبعنا الإعلام الفني بأخبارهم إلي حد التخمة والبدانة.

إنّ ظاهرة الإعجاب ليس فيها ضَرر ولا ضرار إنْ كانت بالمستوي العقلاني الذي لا يُنسي أن "طوطم" الإعجاب هو في البداية والنهاية من البشر. وأنّ ما يقدمه من فن إلي المفتونين به، لا يربأ به عن احتمال الخطأ، وحتي الجنحة، أو يعلو به فوق الانتقاد، فكان من الأجدر بالمعجبين الفصل بين حالتيْ الشخص الفنية والإنسانية، باعتبار أنّ الإنسان غير منزه عن الخطأ. فالعصمة لا تكون إلا لنبي، وأنه، أي الفنان، كان من الأجنة تساعية الأشْهُر أو سباعيتها في بعض الأحايين.

انطلاقاً من ذلك، يحق لسحابة النقد البناء أنْ تسقط رذاذا منها، بوجه حق، علي أهم فنان خليجي. ولا يحق لمعجبيه منع ذلك وإعلان حالة النفير من منطلق أنه دانة الخليج التي لا تُمَس، تماماً مثلما لا يحق للبناني تجييش الإعلام إذا ما انتُقِد أهم صوت لبناني باعتباره أرْزة من أرْز بلاده، وأنّ اليد التي تمتد إليها تُقْطع، ولا يجوز للمصري إعلان التعبئة العامة إذا انتقد كوكب من فنون مصر كونه لا يقل عن عظمة الأهرامات. ولا للفلسطيني أنْ ينتفض ضد من لا يروق له شعر شاعرهم الأوّل، ولا يجدر بالمغاربي أن يعلن التجنيد حين انتقاد نجمهم لاعب كرة القدم، ولا بالسوري أن يحتج إذا لم يُعْجَب المرء بواحد من أبطال الدراما السورية، ولا بابن الرافدين أنْ يصبح حَجاجاً في وجه من ينتقد صاحب الصوت الشجن.

اليوم لا فنان فوق الانتقاد البنّاء مهما جُنّ المرء به وفُتن، وليتذكر البشر أنه من البشر الذين لا يبلغون سِمة الكمال، فما كان المرء بفنِه مُعِزّا... وقد ولي زمن اللات والعُزّي

 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى