الثلاثاء ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم سامر مسعود

أخي العزيز

بينما كنت أتفحص بريدي الإلكتروني، وجدت صورا بعثها أخي تحكي بعضا من ملامح قريتي البعيدة، فشرعت أكتب له هذه الرسالة...

أخي العزيز،

أخاطبك، وكلي شوق لاستعادة ذكريات عشتها بينكم بحلوها ومرها، بتحدياتها ومكابداتها، بأحلامها وآمالها العريضة، أخاطب من خلالك الأسرة الملائكية التي تعانق أهداب السماء بشاعريتها ومثلها...

قد تفكر لوهلة بأنني أبالغ، ولكنني بعد سنوات الغربة القاسية، وتقلبي بين أصقاع لم يدر بخلدي أنني ذات يوم سأصلها، أكتشف في كل لحظة، كم نحن محظوظون بأب عبقري، استطاع بهمته وحسن تدبيره أن يوصل أفراد هذه الأسرة إلى قمم النجاح والتميز في ظروف أقسى من حلكة الليل البهيم، فشكرا لك والدي العزيز بأن أهديتنا أبوتك لنفاخر بها أبناء شعوب الأرض قاطبة، هدية السماء الغالية...

أما أمي، فكلماتي لا تقوى على حمل معاني التضحية والمثابرة والصبر والحنان التي أرضعتنا إياها على مدار السنين، فشكرا لك يا أمي لتفضلك علينا بكونك لنا أما تتعلم الأمهات من تراب كعبك قداسة الأمومة، وشرف المهمة، وحسن التدبير.

أما عمتي الحبيبة والغالية والملك الذي يمشي على أرض طاهرة، فإنني مدين لك بأشياء وأشياء سترافقني ما حييت؛ أقولها ولحظات التذكر تسّاقط على ذاكرتي، أنك كنت القاصة الأولى التي علمتني فن الحكي والقص، غرست فيّ هذه الغرسة التي نمت وكبرت معي حتى أورقت بعضا من ثمارها، لن أنسى قصصك الجميلة حول أولياء الله الصالحين، وقصص البطولة والشجاعة ، قصص عنترة والزير سالم وغيرها الكثير. لن أنسى عندما كنت توقظيني مع أخي العزيز سامح في برد الشتاء ومطره الهاطل وعتمة الفجر الحالك، تحملين معك " قنديل الكاز" بيمينك، وتحملين عصا بيسراك، و " تقلطينا" إلى أعتاب المسجد حيث غرست في قلوبنا منذ تلك اللحظات بذرة الصلاح والتقوى... ميراث توصلينه " لأحفادك "، كما فعل من قبل، جدنا طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته... فشكرا لك عرفانا لك بكل ما قدمتيه لنا من خير غامر.

كلماتك، أخي العزيز، عن مشهد القرية حرّك فيّ هذه الشجون، ولكن أسائلك: لماذا تنكأ جرح غربتي بلحظة حضور الغياب، أم غياب الحضور؟!! هل غمرتك اللحظة فاسترسلت في وصف مشهدك، وتناسيتني عليلا في غربة التذكر؟! قد يكون جلوسك في حضن القرية طاغيا فحملك على هذا الوصف، ولكنني ملتاع لترشف لحظات الغروب قهوة مسائية على أنغام اهتزاز زيتون " العروق" أو على مشهد السكون الذي يلف " الحارة الغربية" في لحظة وداع شمس ذاك المساء.

أقولها بحزن لذيذ... قد نجحت يا أخي، في تفوير أشجاني، وفي تنوير أقماري... في تخليط أوارقي وأحزاني... فشكرا لك على هذه " الصفعة " اللذيذة التي أحتاجها بين الفينة والفينة لتشعيل ذاكرتي المهددة بخرف الاغتراب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى