السبت ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

ظل طفلة

 
ماذا تمتلكين في هذه الدنيا المجنحة سوى زهرة منعشة تعبق أجواء ذاتك رياحين زهو، وافتخار، ودلال، وتضفي عليك لمسات قرنفلية لزجة من صدقها الشفاف، النابع من أوتار ذلك القلب الثري فيضانا؟ ماذا تمتلكين سوى الطيف الحميم الذي يصول و يجول على سطح أحلامك و خواطرك، ويوغل من غير ارتباك في تلافيف مستقبلك الزئبقي البعيد؟ 
هي الأمل الراقص الذي يشدو عندليبا مصفقا بجناحيه في فيافيك القاحلة فيحييك و يطربك، هي ظلال ابتسامة ترتسم من غير معاناة على شاطئ شفتيك ناسجة بإبداع مثير تناغما موسيقيا يندف مندوف دفء.
هي كل شيء رائع موشى بمواويل الصبا، وتراتيل الصباح. 

هنا، في هذا المكان بالضبط كانت “عبير” تجلس بسنواتها المخضلة بعطر الشفافية، والطهر، تلاعب قطتها المحبوبة “قمر”، تصيح في براءة لؤلؤية لامثيل لها: أمي، أنظري، إنها تتمسح بي، إنها تحبني.
علاقتها بهذا المخلوق الصغير فهي علاقة ودية بحتة، تتسم بالطيبة الزائدة، والصفاء الجارف الذي لاينضب، لاتتصور مطلقا أن يحدث بينهما فراق أليم مباغت، وأن الزمن الجائر يستل من عالمها القزحي تلك القطة الوديعة الروح، الطيبة العشرة، لاتتصور ذلك أبدا. 

حين تضع محفظتها الصغيرة فوق ظهرها، وتأخذ طريقها إلى المدرسة، تسمعين مواء قطتها كأنه الموج الأزرق يتعالى و ينخفض، تنادينها بكل ما تملكين من ذرات الحب رأفة بها: تعالي يا“قمر”، تعالي. 
تحدق فيك تحديقا مدهشا كأنما تسألك بصوت عال يسكن أذنيك كالهدير: أريد حبيبتي“عبير”، أين هي؟ لماذا أهملتني وتركتني وحدي؟ أريد اللحاق بها، أين هي؟

ويكون جوابك حاضرا على الفور: تأكدي بأنك لست وحدك، أنا هنا، أنا معك، هيا امرحي كعادتك.
تخفض رأسها انصياعا لواقعها المعيش ثم تربض بجوار ذلك المكان الذي ألفته منذ مدة غير بعيدة، عجيب أمرها! 
فجأة استحال ذلك الواقع المألوف، البهيج إلى مرارة قاسية لا يستساغ طعمها.

اختفت “عبير” بمعية قطتها ذات مساء حزين مكفهر الأجواء،طال البحث عنهما، ولم تعودا أدراجهما.
استوطن البيت شرود، هم، وقلق. 

بعد شهر من الاختفاء ترامى إلى مسمعيك مواء قطة، مواء “قمر”، عادت بمفردها وقد لف حول عنقها رباط قد ربطت فيه ورقة صغيرة بإحكام، سيطر عليك الوجل، وجحظت عيناك وأنت تستلين تلك الورقة بيد راجفة، وقرأت مايلي بذهول: البنت الصغيرة اختطفناها، سنتصل بكم عما قريب، نريد فدية، وإلا….


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى