الاثنين ٨ شباط (فبراير) ٢٠١٠
لوحات واشية قصص قصيرة لـ خالد ساحلي
بقلم السعيد موفقي

الغائب والمحتمل

مجموعة قصصية ترتكز على الحدود الذاتية والتصنيف الايبستيمي، تعتمد النقد الفلسفي في أبعاده المجازية والتوظيف الواقعي للأشياء، القاص يرتب عتبات مجموعته تحت عتبة كبرى «العنوان الرئيس» مستلهما من الواقع المعيش مختلف الصور التي اصطنعتها قيم مزيفة تدعي الحياد والموضوعية، مسالمة في ظاهرها مخادعة في باطنها، وهوالموقف الذي رسمه القاص منذ البدء ليستفز به مختلف العوالق والعوائق التي رسخت في مجموع سلوكات الأفراد «لوحات واشية» العتبة الحقيقية التي تحيل إلى التلوين الشفاف واستفحال الزيف الذي بات ممارسة استنادية في تغيير معطيات الطبيعة واستبدالها بقيم ارتبطت بمحيط مستلب اجتماعيا وثقافيا،

مشروع القاص يبحث عن الحقيقة المفقودة في عالم لا تجمع عناصره إلا أدوات الصدمة والافتكاك والاختلاف والسخرية والضجر والحزن، ومشاهد إنسانية عقيمة تحمل «وظيفة مرجعية للصور المشار إليها...ترمي إلى تمثيل العالم» [1]، في شكل صور سردية «أكثر تجريدا بالنظر إلى المستوى الخطابي فهو يسعى إلى إعطاء شكل لانتشار الوضعيات والأحداث والحالات والتحويلات في الخطاب» [2]

العتبة الأولى «لوحات واشية» قصة قصيرة جدا، ترتيبها السابعة والخمسين من بين سبع وسبعين قصة قصيرة، القراءة الأولى لهذا الإسقاط تحيل إلى الاختيار النموذجي لتداخل الأشياء وترابط المعطيات داخل حيزين زمنيين، فيزيائي وهومشهد الشخصية الأولى «جلس في المقهى، يشاهد الرجل يقود ولده ماسكا يده» [3]، وزمن نفسي، بداية الاضطراب والقلق وتوقع المفاجأة، باعتبار خصوصية المكان وتكاثف المثيرات أحدثت متغيّرا مختلفا ملفتا «تملّص الطفل من يد والده، اختفى بين السيقان الطويلة للزبائن» [4]، تكرّر مشهد الطفل ثمان مرات، بداية ونهاية في مقابل ورود اسم الوالد والرجل سبع مرات في مواضع مختلفة ووظائف نفسية متطورة من حيث قوة الموقف وحدّة الشعور «الوالد غاب عن نظر الولد بين الأجساد الكثيرة، الطفل نظر في كل مكان ثم شهق» [5]،

هذا التوازي في توزيع المعاني يحمل أكثر من دلالة، إذ يعمق في مقدمتها مدلول الزمن والقلق والتفكير «راح يفكر في اختلاف الزمان في لحظة واحدة قد يشاهد وجهيها ويجمع المترادف منها...» [6]، فأطوار الزمن تنتظم والحركة السردية وفق وتيرة معتدلة في طرح تصور مبهم، تركه الكاتب لنهاية النّص لاجتلاب مقومات الأشياء التي غابت منذ البداية، محدثا بذلك ما يسمى بالصراع والصدام، وهذا الذي جعل الكاتب يعتمد التوصيف وتقريب مختلف زوايا الأشياء وعناصر المحيط لتمكن المتلقي من إدراك الحقيقة وبالتالي إشراكه في العملية الاستنتاجية المنطقية وربما يتوصل بذلك إلى الغاية دون الاستعانة بتوقعات الكاتب نفسه والمعادلة التالية توضح المخطط الذي رسمه الكاتب:

جلس، شاهد، يقود، تملص، اختفى، غاب، نظر، شهق، أحس، نسى، سمع، تفصلهما، فتح، وقف تناول، راح، يفكر، يشاهد، يجمع، تختلق، التقطها، قُتل، دفن، جمع، وضعهما، طأطأ، أخفى، بحث، ينعدم، يحمل، تكثر، يجد، يعلّق،

صورة النّص كلها متحركة تحيل إلى وجود تناثر وتنافر في تلاقي أجزاء الأشياء وتباعدها بالرغم من الطبيعة التي تجمعها، ولكنها على نسق مقصود لذاته، وكثرة الأفعال مع قلة الأسماء دلالة على حيوية عناصر الموضوع واعتماد وظيفة الاستنطاق ليتحقق ما يسمى بالمستوى الفاعل في تقارب مرتكزات الصورة المنتجة المعتمدة على النظرة الشمولية، (فالتلفظ في أغلب الأحيان كنشاط لفاعل يتكلم، يكتب، يلفظ خطابا...تتحول إلى«تحقيقات» في الفاعل: من المتكلم؟ من أين يصدر الكلام؟ ما هي الملابسات وظروف الخطاب وتبليغه؟ ما هوقصد المتلفظ ؟ ) [7].

الفاعل الحدث ردّ فعل
الشخصية النشاط الذهني والسلوكي التحول الشعوري
الولد، الوالد فاعلية أولى ( التفكير) فاعلية ثانية (الاضطراب)

ثنائيات متقاربة ومتناقضة


[1السيميائية أصولها وقواعدها، ت: د. رشيد بن مالك، م وتق: عزالدين مناصرة، منشورات الاختلاف، ط 2002، ص 112

[2المرجع نفسه ص 113

[3لوحات واشية، ص 92

[4المصدر نفسه، ص 92

[5المصدر نفسه، ص 92

[6المصدر نفسه، ص 92، 93

[7المصدر نفسه، ص 124


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى