السبت ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

بعضُ مُعيقات الفعل الإبداعي

عددٌ متزايدٌ من الشباب يتوق إلى التعبير عن مشاعره وأفكاره بطرق تعبير أدبية أو فنّية غير مسبوقة، ولكن المتابعة لأعمال هولاء الشباب المبدعين، تبيّن نوعا من الضعف والتعطيل، فما هو السبب في ذلك؟

ضعف القراءة في المدرسة: تبدأ هذه الإعاقة من المؤسسات التعليمية حيث يتمّ التركيز على الكتب المقرّرة، مع غياب"فعل القراءة الحرّة" وتحبيبِها للطلبة، في إطار أندية مدرسية متحررة من الأحكام القيمية، ومن "إكراهات" التوقيت؛ وكذا غياب مكتبات مدرسية مسايرة للجديد في مجال الإبداع؛ وتغييب المبدعين المحليين من الأنشطة الثقافية التي تقوم بها المؤسسات التعليمية في بعض الأحيان.

إنّ القراءة المكثفة والمتنوعة والمستدامة؛ شرطٌ أساسي من شروط الإبداع. ومن لا يقرأ، لا يمكن له أن يبدع في مجال التأليف على اختلاف أنواعه «مع بعض الاستثناءات النادرة».

الفقر: بسبب الظروف السوسيو-اقتصادية الهشّة التي يتخبّط فيها جُلُّ الشباب العربي؛ وعدم اقتداره على تنويع حياته من خلال القراءة المتعددة والمتنوّعة والمكثفة، والسفر في المكان والزمان؛ فإنّ أعمالهم تتسم - في الغالب- بسمة الافتقار، وذلك على الرغم من توفرهم على إرادة إبداعية حقيقية؛ وإنّما "فاقدُ الشيء، لا يعطيه" كما يقول المثل.

الثقافة المُهَيْمنة: إنّ الثقافة المهيمنة عالميا وجهويا ووطنيا، هي ثقافة "الامتلاك لأسباب الرفاهية والكماليات"، والتي تعتبرها مجتمعات اليوم، من رموز النجاح الاجتماعي والتفوّق في حال توفرها، وإشارة إلى الفشل في الحياة والتخلف، في حال انعدامها. وقد تكون بعض الأسباب الحياتية ضرورية، لكنّها ليست كافية لجعل الشخص مبدعا.

إن خضوع الشباب "لثقافة الامتلاك"، يحرمُه من الكثير من طاقته الإبداعية، ويدفعُه إلى تبذير الكثير من الجهد والوقت والمال، في سبيل الحصول على مظاهر النجاح الاجتماعي، بل يجعله يتوقف عن كل عطاء أدبي أو فنّي بسبب الإحباط الذي قد يصيبه جرّاء عدم تحقق رغباته.

حب الشهرة السريعة: في زمن السرعة والتسرع، لم يسلم الشباب من مرض حبّ الظهور في وسائل الإعلام وفي المنابر الثقافية، اعتباراً منه أنّ "الظهورَ" اعترافٌ من هذه المؤسسات وغيرها بمؤهلاته الأدبية أو الفنية، وعلامة على نجاحه؛ ولهذا نراه يسارعُ إلى إخراج أعماله قبل نضجها التامّ، ويلجأ إلى الاقتراض من البنك لنشرها على نفقته، الأمر الذي قد يحنّطه في أساليب إبداعية ضعيفة إذا ما تحققت له الشهرة المستسرعة.

الرقابة: بسبب مقص الرقيب، يختفي بعض الأدباء الشباب ممن لديهم ما يقولون في الشعر والقصة والرواية والمسرح... في لجّ مثلث بيرمودا، الشهير أيضا باسم «الثالوث المحرم»: السياسة، الدين، والجنس. وهي المجالات التي تهمُّ الشباب أكثر من غيرها، والتي تتمظهر فيها الأعمال الإبداعية بأجمل مظهر إذا ما تمَّ معالجتُها بأسلوب "محترم".

الإدارة: قلتُها ولن أتوقّف عن قولها:"الإدارة عدوّة الإبداع". والإدارةُ لا تعني فقط وزارة الداخلية، أو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو وزارة التربية الوطنية؛ بل هي كذلك؛ الصحافة الحزبية، شركات الراديو والتلفزيون، دور الشباب، واتحادات ورابطات "الأدباء المتحزبين" ...

هذه المؤسسات الدولتية لا تؤمن إلا بالقرارات والمراسيم، والمذكرات إضافة إلى الهواتف الحمراء المتخصصة في القمع والإقصاء. وكأنّ لسان حالها يقول للشباب المبدع:"إذا لم تكن معنا، فأنتَ ضدُّنا". ليجد نفسه بين مطرقة التهميش والتعنيف بمختلف أنواعه، وسندان التخلّي عن أحلامه الثقافية.

"الإدارة" بمعنى "حملة المِقَصّات والهراوات"، كانت ولا زالت "تناضل" ضد إرادة الشباب المبدع وفي اتجاه تدجينه، وحمله على ممارسة ثقافة "الفهم الصحيح للأمور" و"الوصول" و"الامتلاك".

البعض من هولاء الشباب أتاحتْ لهم "الإدارةُ" فرصة الاستوزار، فكانوا كمن حلم بالتحليق عالياً بكرامته وموهبته، فصار يطير قريبا من الحضيض.

العقيدة: ومن المعيقات للفعل الإبداعي في بلداننا -نحن العرب المسلمين- تلك المؤسسة التي نسمّيها "العقيدة" سواءً كانت من الدين أو السياسة أو الفكر.

إنّ المبدع الشاب (وحتى الشيخ) يجد نفسَه محاصراً بما لا يحصى من "الإرشادات والتعليمات والمُهاتفات والتوصيات..." التي لا غرض منها سوى "إعادة تربيته من جديد وإصلاح سلوكه الإبداعي الطافر".

سلطة الشيوخ: الشباب في بداية مشوارهم الإبداعي يقلدون الأسبقين احتراما لهم. وبسبب انخراط معظم شيوخ الأدب والفن في "اللعبة الثقافية"، فإنّ ذلك يشكل خطراً حقيقيا على الشباب المبدع. إذ لا نصيحة لمن لم يُنتصح؛ ولا وصية لمن هو ميِّتٌ وعلى قيد الحياة.

المرض: يمكن للمرض الجسدي أو النفسي أو العقلي أو الاجتماعي أن يكون عائقاً للعملية الإبداعية؛ كما يمكن أن يكون ملهما للإبداع، ولكن الملاحظة بيّنتْ على أنّ تضافر الفقر والمرض، ينتهي بالشاب المبدع إلى إيقاف مسيرته...

دور النشر والتوزيع: من الأمور الغريبة في بلداننا هو أن "دور النشر والتوزيع" تسهم بقدر كبير في تأخير الفعل الإبداعي وذلك من خلال دعمِها وتشجيعها لكتب المقررات الدراسية، وكتب الطبخ، والأبراج، وأهوال القبور، والإعجاز العلمي... وذلك على حساب المؤلفات الإبداعية، مبررة اختيارها بضعف مردود مثل هذه الكتب. ونحن نعلم أن هذه الدُّور لا تفعل شيئاً يذكر لخلق سوق قراءة عامّة توازن بين المطالب القرائية لجميع الشرائح الاجتماعية والمطالب التقدمية لأغلب المبدعين الشباب. فأين نحن من الدول ودور النشر التي تشهر الكتب والمبدعين الجدد، وتخصص لهم صفحات محترمة في جرائدها، وبرامج فعّالة في أجهزتها السمعية البصرية؟

في بعض بلدان العالم العربي بعضٌ من مثل هذه البرامج، ولكنها - هي الأخرى ـ محكومة بثقافة الأديب الحزبي، المسالم، المستسلم، المنبطح، "الصديق"، المستجدي، السخيّ... والأديبة الجميلة، "الكريمة"، المتفرنسة، الزوجة...

غياب التشجيع المادّي: على الدولة «ممثلةً في وزارة الثقافة»أن تساعدَ المبدعين الشباب باقتناء بعض إبداعاتهم «مائة كتاب على الأقل» و تعويضهم ماليا عنها، وبالثمن المقيّد عليها.

المغربُ كان يفعل هذا، ولكن إحدى وزارات الثقافة "اختارت" أن يكون الدعم المالي عبر وساطة دور النشر(؟)... ولا شيء! "الدّور" تنشر للمشاهير و "لأصدقائها" بالثمن التي تحب، والدولة تعطيها نصف الثمن المزعوم، لتخرج تلك "الدّور" بصفر درهم كمصاريف، وليخرج ذلك "الأديب المزعوم" بتعويض مالي "يُحسدُ عليه". أمّا الشباب الفقير المغمور... فلا شيء.

المجاملة: التسامح مع "الأخطاء" الإبداعية التي قد يقع فيها الشباب المبدع أمرٌ واجب، ولكن النقد البنّاء لأعمالهم أكثر وجوباً. وإلاّ تمادواْ في "أخطائهم" وكرّسوها بما يسيءُ إلى مسارهم الإبداعي. والشبابُ بحكم غريزة البحث عن الاستحسان، يحبُّ أن يسمع المديح ولو كان ضدّ مصلحته الأدبية، ويكره أن يسمع النقد الصريح، ولو كان ذلك في صالح مستقبله الإبداعي. لذا نراه يتّخذ أحد القرارين المتطرفين: إمّا أنّه يعاند ويستمر في أخطائه موهما نفسَه أنّه "مبدع" وأنّ ناقدوه "يحسدونه ويغارون منه" أو يتوقّف عن مسيرته بسبب الإحباط. والنصيحة لجانبين؛ فعلى "الناقد" أن يراعي مشاعر الشاب ويعرف كيف يوصل له ملاحظاته وكيف يوجّهه بلباقة إلى الطريقة المثلى لتطويره، وعلى المبدع الشاب أن يتصل بأكبر عدد ممكن من "النقّاد" حتى يتعرّف على قدراته... بل عليه أن يتعرّف على "المجاملة" كيفما كانت وأن يحتاط منها. ولا أحسن من أن يراسل الصحف والمجلات المحترمة «الورقية والرقمية»علماً بأنّ هذه لا تنشر "الضعف" ولا تقصي الأعمال المتوفّرة على القيمة الأدبية والفنية ولو كانت بها بعض "الهفوات".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى