السبت ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم سحر حسن أبو ليل

برتقالُ الماضي وهويةٌ مستقبليةٌ ضائعة!

ربما تحتاج يوماً أو يومين لتستوعب ما رأيته بعيني قلبك وربما ستثور بعد نزول الستار مباشرة وتود لاارادياً ان تكسر كل ما ستصادفه من حولك بعد متابعة هذا الفيلم الذي يصب مباشرة في بحر واقعنا نحن عرب 48 – العرب الفلسطينيين القابضين على هويتنا الفلسطينية كالقابض على جمرةٍ في الفؤاد خوفاً عليها من الضياع , واقع عروبتنا المقتولة في الصميم والمعلقة فوق عتبة دولةٍ نسكنها نتحدث بلغتها العبرية الى جانب العربية كي نواصل العيش فنحمل هويتها الملونة بالازرق ونطل بفيلم يحمل عنوان " عجمي" الذي سيمثل اسرائيل في الاوسكار لا دور دولة فلسطينية لم تقم بعد , كونه نال جائزة "أوفير" الاسرائيلية والجائزة التكريمية في مهرجان كان السينمائي والجائزة الاولى في مهرجان القدس السينمائي.

فيلم «عجمي» هو فيلم مفخخٌ بالآلام المنسية والذكريات المؤلمة عابقٌ بجروح لن يداويها أي زمن قادم , فهو يسرد حكاية "عجمي " وهو من آخر الاحياء العربية في مدينة يافا التي هودت تماماً وقد يخيب ظن آلاف المشاهدين لهذا الفيلم الذي يصف احد اكبر المدن الثقافية والتي طُبعت في اذهان آلاف الآلاف من الفلسطينيين وظلت في ذاكرتهم تلك المدينة الجميلة المليئة ببيارات البرتقال ,بيدَ ان الفيلم جاء ليصف وضعها بعد النكبة بستين عاماً حيث تحولت الى احياء فقيرة يطوف بها عزرائيل متمختراً بعد كل جريمةٍ تحدث!!

يكتسب الفيلم مميزات خاصة جداً فممثلي الفيلم هم سكان الحي نفسه ولم يسبق لأحد منهم التمثيل من قبل ويعتبر اسكندر قبطي مخرج الفيلم قد نجح بإيصال صورة الحي على حقيقتها «دون أي رتوش» خاصةً انه من سكان الحي نفسه ايضاً ويعيش آلام وآمال شبابه الذين باتوا شباباً بلا احلام او طموحات، يعيشون تحت عباءة الجريمة والبطالة رغماً عنهم.

ينقسم الفيلم إلى خمسة فصول او قصص صغيرة مركبة داخل حكاية واحدة تطرح عدة احداث وتعالج من خلالها قضايا الفقر- البطالة- الجريمة-الوشاية – الطائفية والهوية الضائعة وقد نستطيع تقسيم الفيلم الى قسمين ايضاً جزء يعالج الجانب الفلسطيني وجزء آخر يعالج الجانب الاسرائيلي.

يعيش عمر حالة خوف وهلع شديد بعد ان اقدم عمه على قتل احد الاشخاص من احدى العائلات الكبيرة التي تأثر وتنتقم من العم ولا يشفي غليلها انهم اصابوه وأضحى مقعداً بسببهم لا بل تلاحق شباب عائلة عمر كلها وعلى عمر ان يدفع مبلغاً كبيراً من المال للمصالحة مع العائلة وتتداخل الاحداث مع بعضها البعض وتظهر شخصيات اخرى تمثل دور الوشاية و اخرى تطرح قضية الطائفية بين الاسلام والمسيحية وليس هذا فحسب بل وتدخل الشرطة الإسرائيلية الصورة بملاحقتها لأحد الشباب المتاجرين بالمخدرات والذي ساعده سكان العجمي بالهرب وتظل نهاية الفيلم مفاجأة كبيرة للجميع!!

من يشاهد الفيلم يلاحظ بعض الإشارات والاسئلة التي تشكل علامات استفهام كبيرة لدينا ,فلماذا يتوصل الضابط الإسرائيلي الى الاستنتاج بأن عرب 48 يكرهونهم ولماذا يظلون بحيرةٍ دائمة بين وطنيتهم وانتمائهم الفلسطيني وعدم احساسهم بالانتماء لمؤسسات الدولة الاسرائيلية؟ وهل يا ترى يصف الفيلم تمزق شباب "العجمي" نفسياً فقط؟ ام هو تمزق يعيشه معظم عرب48 ؟ وهل يوصلهم الحال للوشاية ببعضهم وهم اخوةٌ في العروبة من فراغ ؟ ام نتيجة ضغط حياتي كبير لتحصيل لقمة العيش؟ وهل نتوصل الى نتيجة واحدة بأن مشكلة عرب48 وخصوصاً يافا هي مشاكل اجتماعية وحسب؟ ام انهم يعيشون حرباً نفسية سياسية ايدلوجية دائمة حتى بأتفه تفاصيل حياتهم؟

هي اسئلة كثيرة تتفرع الى عشرات الاسئلة الاخرى والتي لا امتلك اجابات قطعية عليها كما شعوري المشوش تماما بعد مشاهدة الفيلم , ولكن وبلا شك يظل فيلم عجمي فيلماً رائعاً يستحق مخرجه وممثليه كل الشكر والتقدير , ويبقى هذا الفيلم مميزاً لا لأنه يمثل اسرائيل في الأوسكار وانما لأنه يلقي بضوء كبير على زمرة كبيرة من واقع حياة اقليتنا العربية داخل الدولة العبرية والتي قد تكون مجهولة لدى اشقائنا العرب في الاقطار العربية المختلفة , وفتح اعيننا على هذا الحي الوحيد الممزق في يافا المنسية ,ولأنه فيلم ناجح سينمائياً رغم شح الميزانيات التي تدعم صناعتنا المحلية, فإلى الامام اسكندر قبطي نعتز بكم .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى