الخميس ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم لطفي زغلول

الحرب على الإعلام العربي 

في اليوم الثامن من شهر كانون الأول ديسمبر 2008، أصدر مجلس النواب الأميركي بالإجماع مشروع قرار يدعو إلى فرض عقوبات على مشغلي الأقمار الصناعية العربية وتوعدها إذا ما سمحت لقنوات فضائية عربية معينة بالبث عبر أثير أقمارها، بحجة أن هذه القنوات الفضائية مصنفة أميركيا تروج لأفكار «إرهابية» .

 إن الأمر كما يبدو لا يخص فضائيات عربية بحد ذاتها. إنها رسالة موجهة لكافة أشكال الإعلام العربي الفضائي والأرضي الإلكتروني والمقروء والمسموع والمرئي تتوعده فيها. إن الولايات المتحدة الأميركية عبر مجلس نوابها تريد للإعلام العربي أن يكون مفصلا على مقاساتها وذوقها ووفق رؤاها، خاضعا لمراقبته والتفتيش عليه في كل لحظة.

 إلى هنا ينتهي هذا الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء والفضائيات الأميركية والتي تدور في فلكها. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: أي إعلام له تاريخه الطويل في تجسيد الكراهية والمعاداة، هل هو الإعلام العربي، أم الإعلام الأميركي ؟. والجواب هنا لا يقبل التخمين.

 إنه الإعلام الأميركي الذي لم يزل يخوض حربا لا هوادة فيها ضد العرب والمسلمين. إنه هو الذي ما زال يشوه صورتهم في عيون الآخرين. وهنا نتذكر القس الأميركي بات روبرتسون الذي أساء إلى الإسلام إلى الدرجة التي أنكر فيها وجود ديانة إسلامية، وهو ما زال عبر محطتي إذاعة وتلفزيون تابعتين له يشن حملات شعواء ضد الإسلام والمسلمين.

 إنها السينما الأميركية التي تفننت بإنتاج أفلام ماسة بالعرب والمسلمين والإسلام، وعلى سبيل المثال لا الحصر فلم "أنظمة المواجهة"، وتدور قصته الخيالية حول عملية إنقاذ لمواطنين أميركيين وقعوا رهائن في اليمن، سقط خلالها العشرات من الضحايا.

وقد انتقد كثير من العرب والمسلمين في حينه، والذين أجرت معهم إحدى القنوات الفضائية العربية هذا الفلم كونه يظهر الإسلام "دين عنف" ، ويصور العرب على أنهم "إرهابيون".

إن سجل هوليوود في إخراج أفلام سينمائية ماسة بالعرب والمسلمين طافح بما يدينها ويلقي كثيرا من الأضواء على الجهات والدوافع الكامنة وراء هذه التوجهات العنصرية التي تاتي ضمن مسلسلات التشهير بالعرب والمسلمين التي نحن بصددها في حديثنا هذا، والتي لم تتوقف لحظة واحدة.

 وعلى ما يبدو فان هذه الحملات جزء من حرب مخطط لها على عدة جبهات إعلامية وثقافية وفكرية وتربوية وعقائدية. وهي موجهة في غالبيتها ضد الإنتماءات العقائدية والفكرية والثقافية وكذلك السلوكية.

وتبدو أهم مظاهرها في كيل الصفات اللفظية النابية، أو الكتابات الماسة، أو اللجوء إلى التصوير الفوتوغرافي والرسوم الكاريكاتيرية لإبراز الشخصية العربية والإسلامية بصور غير لائقة ومنافية للحقيقة، أو استخدام أسلوب النقد الهدام من خلال الهمز واللمز والتعليقات التي تشتم منها رائحة استعلاء وفوقية في مقابل "دونية " الإنسان العربي والمسلم.

وإذا كانت هذه حال السينما الأميركية من خلال أفلام هوليوود، وما أكثرها، فالحال ذاتها مع كثير من الصحف والمجلات الأميركية، أو التي تدور في فلكها في استهداف العرب والمسلمين في أقدس مقدساتهم ومعتقداتهم، وهذا الأمر ينطبق على كثير من الفضائيات التي تبث من داخل الولايات المتحدة الأميركية، وليس هناك من رقيب ولا حسيب. لقد أصبح الهجوم على الإسلام ورسوله الكريم تقليدا ومنهجا بحجة الحق في التعبير عن حرية الرأي.

 وعلى ما يبدو فإن مجلس النواب الأميركي والكونجرس يغضان النظر، غير مباليين ولا مكترثين بما يبث في الإعلام الأميركي الفضائي، والأرضي، ولا بتلك الأفلام التي تشوه صورة العرب والإسلام، ولا بما تكتبه كثير من الصحف والمجلات.

إنها سياسة الكيل بمكيالين يمارسها السياسيون الأميركيون ضد العرب والمسلمين، وكأن العالم أصبح محكوما لأهوائهم، وسائرا في أفلاكهم ومداراتهم ويفترض به أن يقدم لهم فروض الطاعة والولاء لهم، وإلا فإنه سوف يحاسب ويعاقب.

والصفة الثانية لذات السياسة التي يمارسها أولئك السياسيون هي التي تطلع على الناس من خلال كافة أشكال الإعلام المقروء والمسموع والمرئي وتتحدث عن مفاهيم مقلوبة. فالإحتلال من منظورها هو تحرير. والقمع العسكري ديموقراطية. والتدخل في شؤون الشعوب وفرض الرأي والرؤيا عليها هو انفتاح وسير في ركاب التحضر والتقدم.

إن العرب والمسلمين لم يعتدوا على الولايات المتحدة الأميركية. إنهم لم يعتدوا على شعبها ولا على معتقداتها ولا مقدساتها ولا على تقاليدها وعاداتها، ولم يوجهوا أي نقد إلى ثقافتها. إن الشعب العربي صديق للشعب الأميركي، وهو في تاريخه لم يعتد على أحد منه، ولا يمكن أن يعتدي. 

كل ما في الأمر أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي اعتدت على العرب والمسلمين من خلال سياساتها التي تمارسها بحقهم. وإذا كان ثمة نقد أو حتى هجوم كلامي، فهو ليس تحريضا، وإنما حق مشروع في مقاومة هذه السياسات العدوانية.

وثمة المزيد من الأسئلة نسوقها في ذات السياق: أليست حرية الرأي والتعبير من مكونات الديموقراطية ومن مركباتها ؟. كيف يمكن أن تكون هناك ديموقراطية دون حرية رأي وتعبير ونقد ؟. أم أن هذه الديموقراطية حل لأناس ومحرمة على آخرين ؟. إنها والله سياسة الكيل بمكيالين بل أكثر.

على الارجح ان الديموقراطية الموعود بها العالم العربي والتي تستثني حرية الرأي والتعبير لها مذاق آخر قائم على نظام حمية صارم يخص منظومة الثوابت الثقافية والاخلاقية والعقائدية العربية. ان هذه الديموقراطية يمكن استقراء كل خطوطها ومرتكزاتها من خلال ما تمارسه الولايات المتحدة على العرب والمسلمين الذين تتهمهم بالارهاب والجريمة والعنف، ولا تعترف لهم بأي حق من حقوقهم.

انها ديموقراطية قلب المفاهيم والخروج من الذات على الذات. وهي ديموقراطية الخضوع والركوع والرجوع الى البيت الابيض في كل صغيرة وكبيرة. انها ديموقراطية استلاب الحق في فلسطين. وهي أخيرا لا آخرا ديموقراطية تجزئة العالم العربي الى طوائف ومذاهب وأقليات وقوميات كما هو الحال في العراق تحت ظلال الاحتلال الاميركي.

لكن الأخطر من ذلك كله – وهنا بيت القصيد – ان هناك شعورا سائدا في العالم العربي ان هذا النمط من الديموقراطية التي تبشره الولايات المتحدة بها موجهة في الدرجة الاولى ضد ثقافته وعقيدته الاسلامية التي تتهمها بالقسوة والعنف والارهاب والكراهية. والحملة على العرب والمسلمين ما زالت في أوجها والذين يقفون وراءها لا يتورعون ان يطالبوا بوقف طباعة القرآن الكريم وعدم توزيعه وحذف آيات معينة منه.

إن الحديث ذو شجون وأشجان في موضوع إخضاع الإعلام العربي للقوانين الأميركية، وتصنيفه وفق مقاسات الرأي والرؤيا الأميركية. لقد أجمع شرفاء هذه الأمة على رفض هذا التوجه الأميركي. وهم مجمعون على مقاومة هذا التدخل السافر في إعلامهم الذي يقارع المعتدين على وجودهم وثقافتهم ومعتقداتهم ومقدساتهم، وهم بذلك لهم الحق الذي كفلته لهم الشرعية الدولية.

كلمة أخيرة. إنه مشروع قانون خاص بمجلس النواب الأميركي. فهل سيكون هناك رد حاسم عربي ؟. إننا نأمل ذلك، وكلنا ثقة أن يكون ردا حاسما ورافضا لهذا التدخل السافر في القضايا العربية، وفي مقدمتها الإعلام العربي بكل أشكاله. مع علمنا الأكيد أن مساحة شاسعة من الإعلام العربي مسيرة من قبل الأنظمة السياسية العربية. وإن غدا لناظره قريب. 
 
 
 
 
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى