الأحد ٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم
الشكوك
جهلاءُ دهري لم يعوا التفسيرا | وتوهّموا في شكّهم تبريرا |
وتجرّعوا سوءَ الشكوك كأنّهم | في رملةٍ يتوجّسون غديرا |
وتمضْمضوا كالظامئين بمرتعٍ | ماءَ المبازل مغسِلاً وعصيرا |
فإذا بهم ساروا لكلّ رذيلةٍ | وتوسّدوا كاليائسين عسيرا |
عجباً لمقتنع بأنّ وجودنا | من صدفةٍ جاءت به تحويرا |
إنْ كان هذا الخلق منبع صدفةٍ | فالعدل أن ندنوا لها تكبيرا |
بل تستحقُ بأنْ نمجّد قدرها | ولها نخرُّ مذلّةً وشكورا |
إنْ كان خلق الكائنات بصدفةٍ | منْ أنشأ الأولى لها تسخيرا |
كم صدفة يحتاجُ خلق خليّة | قد حيّرت في خلقها التفكيرا |
كيف الجمال وسحره قد أينعا | من صدفةٍ لا تملك التقديرا |
ألعقلُ دوماً حين يبحرُ حوله | لم يكتشفْ في الكائنات فطورا |
حاولتُ في نفسي تخيّل خالقي | وحدودَ كونٍ رقعةً وعصورا |
وسألتُ نفسي والوساوس ديدني | من كان من قبل الوجود ظهيرا |
هل جاءَ من عدم فيفنى بعده | أو كان قبلاً أوّلاً وأخيرا |
فإذا بعقلي بل كياني كلّه | كالطالبين من الدجى تنويرا |
وشعرت أنّي لم يعدْ في ذاكري | إلّا شرودا فارغاً وقصورا |
وتصاغرت نفسي كأنّ بروحها | بين الترائب لا تجيد زفيرا |
إنْ متّ يومي والشكوك وساوسي | ماذا أحاورُ منكراً ونكيرا |
لا للشكوك وإنْ يوسوس جاهداً | أبليسُ في قلبي دجى وشرورا |
من عاش أعمى في الحياة ونائماً | يصحو على جرس الممات بصيرا |
لن يلبس الإلحادَ إلّا جاهلاً | قد عاشَ في وهج الدليل ضريرا |
من قال إنّ الخلق فعل طبيعةٍ | تبري العليلَ وتنشئ ألتأثيرا |
أين الطبيعة من صغائر ذرّة | إنْ تنشطرْ تعلُ السماءَ سعيرا |
هل جاء من بيض الدجاجة ثعلبٌ | أو يُعطنا رحم الغزال بعيرا |
هلّا سألت النفسَ كيف توازنت | نسبُ الأناث مع الذكور دهورا |
هذي الطبيعة إنّما قد خُلّقت | فيها الصفات تسايرُ التطويرا |
ألعلمُ يثلجُ في الصدور أدلّةً | تعلو، وتبقى للعليم سفيرا |
ألعلمُ ينبئنا بصدق حقيقةٍ | يحتاجُ خلق الكائنات قديرا |
رغم العلوم فلا تزال سلالة | ترجو بصوت الملحدين زئيرا |
لكنّ صوتهمو نعيقُ بهائم | ويجولُ فوق النائمين شخيرا |
ونظرتُ حولي لم أجدْ في عالمي | إلّا جهولاً يهتدي وفقيرا |
فعرفتُ أنّك للوجود ضرورة | ورأيتُ نورك في الوجود منيرا |
ورأيتُ رحمتك الوجودَ تصوغه | ورأيتُ حلمك في النفوس مُجيرا |
ورأيتك المولى، بخلقك منصف | ورأيتُ سترك للعباد مصيرا |
وقهرتَ دونك بالفناء وأنّهم | منذ الولادة يحفرون قبورا |
ولقد عرفتك عند كلّ خليقةٍ | فبها رأيتك مرشداً وأميرا |
وعرفتُ أنّك للخلائق عروة | فالكلّ يجري مُحكماً وأسيرا |
ورأيت من حولي نعيمك رافداً | للعالمين مودّةً ونشورا |
ورزقت دون مُسائلٍ أو طالبٍ | ونشرت رزقكَ للوجود وفيرا |
وخلقت بالحرفين كلّ خليقةٍ | من قبل أنْ كان الدّخان سديرا |
وغفرت إلّا الشرك لم تغفرْ له | ووصفت نفسك للمسيء غفورا |
ووجدتُ حولي كلّ شيء ناطقاً | قد خاب من عاش الدليل كفورا |
ما كان خلقك للوجود لحاجةٍ | بل كان خلقك منّةً وطهورا |
وإذا رأيت فهل رأيت تفاوتاً | في الكائنات وهل رأيت قصورا |
وإذا عزمت بأن تبرهن ناقصاً | يرتدّ عزمك خاسئاً وحسيرا |
إنْ كنت في شكٍ وقلبك حائر | فاسألْ لمعرفة الجواب خبيرا |
ينبيك أن الخلق قدرة خالق | فاقَ الوجودَ مساحةً وحضورا |
من عاشَ يلحدُ والنعيم يحفّه | نكرَ الجميل وقاحةً وفجورا |
ورحمت خلقك رغم سوء فعالهم | وبعثت فيهم مرشداً وبشيرا |
فإذا همو سيف يجاهر نسله | رسلَ السّماء ومن يقوم نذيرا |
من ذا أكون ومن أكون لأدّعي | أنّ الزراعة لا تريد بذورا |
فلتشهد الأكوان أبقى مسلماً | وموحداً، عرفَ الجليلَ فطورا |
وإذا مَررتُ على المعاصي ساهياً | ستجيرني بمصيبةٍ تذكيرا |
فصبرتُ فيها وأرتجوتك راضياً | فوجدتك الكافي بها ونصيرا |
تبّاً لقلبي إنْ دعوتك موجساً | ألاّ تكون الى الضروع مجيرا |
سلّمتُ أمري للعزيز وإنّني | بالغيب أؤمن واثقاً وقريرا |
أنت البقاء وما سواك بخالدٍ | وعلوت خلقك قاهراً وكبيرا |
لن يستمرّ الكون في ميزانه | إنْ كان يحوي للعزيز نظيرا |
ألنارُ مثوى المشركين ودارهم | فبها أذيقوا خسّة وثبورا |
سبحان من خلقَ الوجودَ وما له | ندّ ينازعه العُلا تدبيرا |
سبحان مَنْ جمُّ العطاء يزيده | جوداً، فيغني عائلاً وفقيرا |
سبحانه عمّا تغلغل في النفو | س من الشكوك تساؤلاً وغرورا |