الخميس ١١ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

شريط الذكريات

اتشح وجه السماء الخجول بلون الرماد، وأنشأ الرذاذ ينتحب بشكل جلي، وبحكمة إلهية مدهشة، قطيرات متناهية في الصغر تنقر بلور الزجاج الأملس بتأن واحتشام، وتطبع لثماتها الرحيمة من غير كسل على أديم الثرى الطيب، الزاكي.

حينها توغلت جهاد في أنفاق الذكرى المعتمة، البالية، تسلقت أصداءها المجوفة، المنقوشة بوعورة الصخب، وتجاعيد النفاق.

أثناء اللقاء كانت ترسم بتألق مثير في الآفاق البهيجة طاووسا مزركشا يتبختر، ووردة ناصعة البياض يتضوع من أعطافها الأريج، وجدول ماء يترقرق محدثا سحر الخرير.
تقبض على نعومة الأحلام المتماوجة بيديها، وتدسها بين صفحات معجم أسرارها خوفا من أن تتبدد، وتندثر معالمها. الدنيا في عينيها الطازجتين أمل مشرق واعد يتحدى في كبرياء نتانة الصمت، وتجاويف التملق.
ـــ أنظري، ستمطر بعد حين.
ـــ هذا الفصل فصل الخير والبركات.
تصدر منه ضحكة ملتبسة، غامضة في غموض الطلاسم، ثم يغسلها بصوته المخلوط بأزيز الغش، وأدران الالتواء: سأشد الرحال إلى باريس عما قريب، وعندما أستقر هناك سأنتظر التحاقك بي.
تهز رأسها علامة الإيجاب، وتعتمل بدواخلها أحاسيس شتى سرعان ما تستشعر بدفئها البنفسجي يدغدغ حناياها.

في المطار ودعته بتلويحة من يدها مشبعة بعطر الشوق، ومضمخة بهمسات الحنين، الطائرة الماردة حلقت بعيدا، شاقة دربها الضبابي الوعر نحو الوجهة الصحيحة.
وهناك غرق في وحل الجمال المزيف، ونسي من يكون.

أمطرته أسئلة حين التحقت به: هل يجدر بنا أن نعيش بين أناس غرباء لا نمت إليهم بصلة؟ هل ننعم بدفء استقرارنا في خضم هذا البلد الأشقر الضال؟ وما المصير الذي نؤول إليه في مغبة هذه الغربة القاتلة؟
أجابها وهو يلعق نشوة الانتصار قطرة قطرة: لا ترهقيني بأسئلتك هذه، وأرجو أن تعودي من حيث أتيت، و.....
وضعت يدها على فمه وجرح قلبها الكسير ينزف من غير انقطاع، نطقت وأحلامها تذوي كالزهور الذابلة: لا تتمم ما تريد قوله، سأعود، انتهى كل شيء بيننا.

كانت تسبح في ذكرياتها المعتمة، البالية، وعادت مجددا إلى واقعها النابض، المعيش، وسرعان ما تحول ذلك الرذاذ الهامس إلى سيول جارفة تغسل الطرقات من الأتربة المترسبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى