الجمعة ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم محمد ربيع

دخلت الحجرة....

على اليمين حائط يحوي باب الحجرة. على يساري الحائط ذي النافذة المطلة على الشارع، تبدو أنوار المدينة من خلف الستارة، زرقاء وحمراء، لا أثر للضوء الأصفر في الظلمة. تحت الشباك طاولة منخفضة، أجد عليها نموذجاً صغيراً للكرة الأرضية. متصلٌ بشكلٍ ما بمصدر طاقةٍ ومحركٍ، الكرة تستدير. لكنها تدور في عكس اتجاه دوران الأرض. يتدلى من السقف مصباح أصفر، معلقٌ بسلكٍ كهربائيٍ طويلٍ. يستقر المصباح على بعد سنتيمترات من نموذج الكرة، يضيء جزءاً من الكرة فقط، بينما الجزء الأكبر مظلم، كل شيء في مكانه. على الطاولة المنخفضة بجانب الكرة طبق معدني، به ُكلية حمراء ضخمة، كأنها كلية ثور. هناك ست زجاجات من البيرة تستقر خلف الطبق، الزجاجات "مشبرة" تلك الطبقة الخفيفة من بخار الماء المتكاثف على الزجاج البني البارد. أعلى النافذة هناك جهاز تكييف يبدو معطلاً، لم يعمل منذ زمن. ترابٌ متراكمٌ على وجه التكييف، أنظر إلى إطار النافذة فأجده نظيفاً لامعاً وكأنه ُنظف للتو. أمامي مكتبة تلفزيون ضخمة. الحائط خلفها خال من الأبواب والنوافذ، فقط مكتبة ضخمة تستقر أمامه. أمام المكتبة تستقر زجاجة بلاستيكية من سائل مطهر، "ديتول"، الأحرف تظهر واضحة على الزجاجة. لأول مرة ألاحظ رائحة الفل تفوح في الحجرة. أنظر باحثاً عن الزهرات البيضاء. الرائحة ندية توحي بالطزاجة. وكأن الزهرات لم يقطفن بعد. لكني لا أجد إصيصاً في الحجرة. هناك في طرف المكتبة آنية فخارية للزينة. مكتوب عليها كلام. أحاول القراءة. لكن الكتابة غير واضحة بالمرة. ربما هي آيات قرآنية أو حكم ما. في مواجهتي تماماً وداخل المكتبة أجد صورة لهندي يطعن خديه بسيخ صغير، يدخل السيخ في خده الأيمن الدامي ليخرج من الآخر ماراً بتجويف فمه. على الرف الأعلى أجد بكرات خيوط كثيرة، رزم منها، رزم ملونة. وإلى جانبها رزم لأوراق مقواة، تبدو تعريجات خفيفة على سطحها. استنتجت أن هذه إبر للخياطة، لكني لست متأكداً، سأتأكد حينما أقترب من المكتبة الضخمة. أسفل ذلك هناك مجموعة ضخمة من المجلدات. تبدو الأغلفة من بعيد قماشية خشنة. أرى خيوط القماش بارزة مرتفعة، ذات لون فاتح، على أرضية غامقة. احاول تمييز اللون، لكني لا أنجح. هناك على اليسار صورة لخمس دوائر ملونة. تكونها دوائر أصغر ملونة. ألوان كثيرة حتى أني تهت. في دائرتين أميز حرف R ورقم 2 باللاتينية. كتاب تشريح الجسم البشري هناك في الزاوية. أميز كلمة "أناتومي" بأحرف لاتينية كبيرة.

على الحائط المقابل للنافذة أجد رأساً بشريةً صغيرةً ذات شعر. عيناها مطموستان، أنفها مطموس ولا أميز منه إلا فتحتين. كأنه رأس دمية قبيح للغاية. على الأرض زجاجة شامبو ضخمة، تلك التي تشاهدها عند الحلاقين. ألاحظ السجادة عشوائية الألوان. تتوسط الحجرة وتبدو أطرافها مهترئة مقطعة.

دخلت الحجرة....

حائط باب الحجرة هو حائط البطولات، صورٌ كثيرةٌ جداً. زجاجات روم وبراندي معلقة على الحائط مباشرة، ربما هي ملتصقة به بطريقة ما. زجاجة تيكيلا ذات تشكيلات وبروز. تبدو وكأنها زجاجة معتقة من الأربعينات. أرت ديكو!. على الأرض أسفل الحائط كأس مليئة بالديدان. ديدان بيضاء لا تتحرك لكني أميزها. تفوح منها رائحة الكحول، الديدان سكرانة!. يهب نسيم بارد من النافذة، يحرك الستائر بخفة، أجزم أنها ستائر حريرية. بجانب الشباك حذاء قديم معلق، تآكلت اطراف الحذاء، تآكل نعله. على الجلد أرى طبقات من الوحل والأوساخ والأتربة. ألمس الوحل المتجمد. أحاول تقشيره عن الحذاء فيتفتت بين إصبعيّ ويتساقط على الأرض. رنينٌ ما ينبهني، ببطء أهز الحذاء مرة أخرى فأسمع الرنين بوضوح هذه المرة، أقلب الحذاء لتسقط منه جنيهات ذهبية. أرتبك، فأنا غيرت في نظام الحجرة وقد مُنعتُ من فعل ذلك. أجمع الجنيهات وأضعها مرة أخرى في الحذاء. المصباح بالقرب من الكرة يهتز، يتذبذب ضوؤه. الثريا في سقف الحجرة يضعف ضوؤها. أسمع خطوات قادمة من خارج الحجرة. حالما تقترب أتجمد منتظراً ما سيحدث، أميز صوتاً حاداً، كأنه طرق مطرقة، كعبٌ عالٍ. هناك امرأةٌ قادمةٌ، تلبس حذاءً مفتوح المقدمة. جاكيت بكمين طويلين وقميص تحته، وتنورةً قصيرةً ضيقةً ُتبرز نحافتها. شعرها مفرود على كتفيها. وتمسك بعصا قصيرة، مغلفة بشريط من الجلد الأسود يلتف حولها. وقطعة جلد سميكة في نهايتها على شكل مثلث. أستعد لاستقبالها. أفكر بسرعة في ردود للأسئلة التي ستطرحها علىّ. سأسألها أنا أولاً. بذلك سأتفوق عليها. الخطوات تقترب وتعلو. فجأه تتوقف الخطوات ولا شيء غير الصمت، أنتظر أن تدخل المرأة الحجرة، أن تظهر من خلال إطار الباب. لكني أجد مقبض الباب مغرياً، أمسك المقبض بكامل كفي. ُأدير الباب حول محوره، أغلقت الباب تماماً، أدرت المفتاح. الآن أنا في الحجرة ومؤمن بالكامل. مازلت مواجهاً للباب، لكن خلفي تخفت أضواء الشارع تدريجياً. تخفت أضواء الحجرة تدريجياً. أنا على وشك الغرق في الظلمة. تنطفيء الثريا تماماً. ينطفيء نور الشارع تماماً. لكني ما زلت أرى معالم الحجرة واضحة. هناك وبين الأشياء، نقاط فسفورية تشع نوراً. تضيء الأشياء وتضئ الحجرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى