الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف شهاب

النساء يشتكين: الرجال ضيوف فى المنزل

تتشابه شكاوى النساء تجاه الرجل فى أوجه كثيرة، بعض النساء يتهمن الرجال باللامبالاة، والبعض يتهمنهم بعدم الغيرة، والبعض الآخر يرددن على مسامع أزواجهن مقولة" "إنت بقيت زى الضيف فى البيت"، أو مقولة: "إنت كأنك عايش فى فندق"، لأنهن يرين أن الرجل يخرج من منزله مبكرا جدا، ويعود إليه فى وقت متأخر، ليأكل ويشرب ويبدل ملابسه فقط لا غير.. فهل هذا الاتهام الأخير صحيح؟ مراسلنا فى القاهرة أشرف شهاب راح يناقش الموضوع وكتب التحقيق التالى:

قد يلتمس البعض منا –وخصوصا الرجال- العذر للرجال لأنهم يعرفون مدى متاعب الحياة ومشقة توفير أسلوب معيشة لائق للأسرة وما يتطلبه ذلك من كد وجهد فى العمل، حتى أن العديد من الرجال يعملون أعمالا إضافية لكسب المزيد من النقود بهدف توفير أسلوب حياة لائق بالأسرة. ولكن النساء لهن رأى آخر..

الزوجات وخصوصا الأمهات يشتكين مر الشكوى من أسلوب حياة الرجل، وانشغاله فى عمله وإلقائه مسئولية رعاية الأسرة وتربية الأبناء على عاتق الأمهات اللواتى يتعبن من القيام بدور الأب والأم فى نفس الوقت. وبالطبع تزداد المعاناة إذا كانت الأم عاملة، ومطلوب منها متابعة عملها، وتربية الأبناء ومتابعة تقدمهم الدراسى، بالإضافة إلى القيام بكافة الأعباء المنزلية من كنس وغسل وطبخ وغيرها من المهام التقليدية.

تشكو (نسرين. ع.) من حجم المسئولية الملقاة على كتفيها بسبب إنشغال زوجها الدائم فى عمله. وتقول: أنا المسئولية عن كل شىء يخص شئون المنزل والأولاد. بداية من إيقاظهم مبكرا وتجهيزهم للذهاب إلى مدارسهم، وبعدها الذهاب إلى عملى، وعند العودة يجب أن أكون فى المنزل قبل وصول الأولاد حتى أكون فى استقبالهم عند عودتهم، وخلال ذلك أكون قد قمت بتحضير وجبة الغداء، وترتيب المنزل، ثم القيام بتنظيف أدوات المطبخ، والمنزل ثم أتابع دروس أولادى وأذاكر لهم ما يصعب عليهم فهمه من دروس حيث أنهما طفلان ما زالا فى بداية التعليم. وبعد ذلك أقوم بأى أعباء أخرى كغسل الملابس أو البحث عن قليل من الراحة والهدوء، وبالطبع لا يحدث ذلك أبدا بسبب مشاجرات الأطفال أو إزعاجهم الدائم لى بطلبات لا تنتهى وأسئلة أعجز فى أوقات كثيرة عن الإجابة عنها. وبعدها يكون زوجى على وشك الحضور للمنزل مرهقا من العمل، فأقوم بتحضير العشاء له، ولا يمكن أن أذهب إلى السرير للنوم إلا بعد أن يكون هو قد استعد للنوم. هذا هو روتين الحياة اليومية الممل. وفى بعض الأحيان تحدث مفاجآت غير سارة بالنسبة لى فعندما يتعب أحد الأطفال أو يصاب ولو بقليل من البرد أكون مضطرة للسهر بجانبه لرعايته حتى أوقات متأخرة من الليل فى الوقت الذى يكون فيه زوجى غارقا فى نومه دون أى إحساس بالمسئولية تجاهى كزوجة أو تجاه منزله كرجل مسئول عن تربية الأطفال.".

وتستغرب نسرين من سؤالى لها عما إذا كانت قد صارحت زوجها بهذا الواقع الذى تعيشه قائلة: "بالطبع قلت له ذلك عدة مرات، وطلبت منه أن يلتفت قليلا إلينا وأن يقوم بدوره كرجل لأن الأولاد يحسبون له ألف حساب فى حين أنهم لا يسمعون كلامى فى أوقات كثيرة، كما أننى أصبحت أشعر أننى مجرد خادمة فى المنزل أقوم برعايته هو والأولاد دون أن يكون من حقى أن أستريح ولو قليلا من عناء تحمل هذه المسئولية الثقيلة. وفى كل مرة أجد منه تهكما على كلامى وأشعر أنه لا يحس بمعاناتى ولا يشعر بثقل هذه المسئولية، بل إنه يزيد من إرهاقى بكسله وعدم قيامه حتى بإحضار كوب الماء لنفسه، فهو يطلبه منى حتى لا يقوم من مكانه. وإذا حدث فى مرة من المرات وعاد إلى البيت مبكرا يجلس أمام شاشة التليفزيون متصلبا ولا يشعر بما حوله حتى يقوم إلى السرير للنوم. وفى بعض الأحيان يتحجج بأنه لا يعمل ليلا ونهارا إلا لأنه يريد أن يوفر لنا أساسيات الحياة. وفى أوقات أخرى يتهرب من مناقشة الموضوع أساسا. وإذا فكر فى يوم من الأيام فى مساعدتى بتحضير الطعام لنفسه مثلا فإنه يقلب المطبخ رأسا على عقب وكأنه يتعمد أن يفعل ذلك حتى لا أطلب منه مساعدتى فى أى شىء. وأصبحت أشعر أنه يتعامل مع البيت كأنه ضيف فيه.. ضيف ليس مسئولا عن شىء ولا يحتاج من البيت إلا الراحة والطعام وغسل وكى الملابس كأنه يقيم فى فندق وليس زوجا مسئولا عن أسرة وأولاد".

وتواصل نسرين شكواها التى تعبر عن معاناة العديد من النساء قائلة: "ولا يكتفى زوجى بكل هذه الأعباء الملقاة على عاتقى بل إنه يثور لأتفه الأسباب فمثلا إذا وجد أننى لم أقم بتجهيز الحمام وتشغيل سخان المياه قبل دخوله، أو وجد مثلا أنه لا توجد صابونه فى الحمام أو أن معجون الحلاقة الخاص به غير موجود فى مكانه.. أو إذا دخل المطبخ ووجد أحد الأكواب غير نظيف.. وما إلى ذلك من أشياء صغيرة.. ويتفوه بألفاظ تجعلنى أدرك تمام الإدراك أنه لا يقدر أى مجهود أقوم به، ولا يشعر بقيمتى فى المنزل."

وتشترك معها تقريبا فى نفس الشكوى نجلاء فريد قائلة: "إنها تجد أن زوجها يتركها تقوم بمفردها بدور الأب والأم فى المنزل، وبالإضافة إلى تحملها للمسئولية فإنها لا يفكر فى مجرد السؤال عن أحوال المنزل فى غيابه، ولا يهتم حتى بمتابعة الأداء الدراسى للأبناء. وفى نفس الوقت يقوم بالتقليل من مجهوداتها ولا يفكر فى توجيه كلمة شكر بسيطة لها حتى يخفف عنها عناء الأعباء التى تتحملها." وتواصل نجلاء الشكوى قائلة: "وإذا أضطر زوجى فى يوم من الأيام للعودة إلى المنزل مبكرا فإنه يقرأ فى الجرائد أو يشاهد التليفزيون أو يتصل بأصدقائه ويخرج من المنزل لمقابلتهم. ولا يعطى لى ولا للأولاد مساحة من وقته ولا اهتمامه. حتى وصل الأمر لدرجة أنه نادرا ما يجتمع مع الأولاد على نفس مائدة الطعام فهو فى أغلب الأوقات يأكل بمفرده عندما يعود إلى المنزل متأخرا بعد نوم الأولاد. ولا يراهم إلا فى الصباح عندما يستيقظ للذهاب إلى عمله ويكونون هم على وشك الخروج من المنزل للذهاب إلى مدارسهم. وحتى إذا احترقت احدى اللمبات الكهربائية فإنه لا يقوم بتغييرها ويترك الأمر لى.. وفى أيام الأجازات يظل نائما حتى وقت متأخر ولا يصحو إلا وقت الغداء ليرتدى بعدها ملابسه للخروج مع أصدقائه أو للذهاب إلى عائلته لزيارتهم ولا يخرج معنا حتى للترفيه عنى وعن الأبناء من عناء أسبوع شاق من العمل المتواصل.

تجربة أخرى ترويها الطالبة نهلة مجدى عن رؤيتها لدور أبيها وأمها فى المنزل قائلة: "أمى هى المسئولة عن كل التفاصيل التى تخصنا أنى وإخوتى. وأبى يعتمد عليها فى كل شئون المنزل. وأمى هى التى تعرف كل شىء عنى وعن صديقاتى وعن دراستى فى حين يكتفى أبى من وقت لآخر بمجرد السؤال عن أحوالى بشكل عام، ولكنه لا يتدخل حتى فى أسلوب اختيارى لملابسى. وفى نفس الوقت أشعر أنه ذو شخصية قوية وكلمته مسموعة ولكن أمى تخفى عنه بعض الأشياء التى يمكن أن تحدث فى المنزل حتى لا يثور فى وجهها، فهى من وجهة نظره دائما مخطئة فى أى قرار تتخذه، ولهذا أشعر أن والدى بعيد عنى وعن إخوتى رغم أننا نفتقد حنانه ونريد أن نشعر بوجوده معنا فى المنزل".

وتقول مها أحمد أنها تزوجت عن حب لزميلها فى العمل ورغم تشابه ظروف عملهما سويا فى نفس المجال إلا أنه كان مضطرا للبحث عن فرصة عمل مسائية لكى يوفر لنا نفقات الحياة. ورغم أننا متزوجون حديثا إلا أننى بدأت أشعر بالممل من قضائى معظم الوقت وحيدة فى المنزل، خصوصا وأننى بعد الزواج أصبحت لا أشعر بالراحة إلا فى منزلى الذى أعتبره مملكتى الخاصة. ولكن عندما تسوء حالتى النفسية أذهب إلى بيت أهلى لقضاء بعض الوقت معهم، وبالطبع. ويوما بعد يوم أصبحت أعود من العمل إلى بيت أهلى وأطلب من زوجى أن يأتى لاصطحابى إلى منزلنا بعد انتهائه من عمله. وفى معظم الأوقات فإنه يعود من العمل فى وقت متأخر ونضطر للمبيت فى بيت أهلى. وتدريجيا أصبحنا نفضل المبيت عندهم بسبب عودته مرهقا من العمل وحاجته للراحة.. حتى أصبحنا نقيم بشكل دائم فى بيت أهلى الذين قاموا نتيجة لذلك بتخصيص غرفة لنا فى الشقة حتى نعيش فيها معهم. والآن أنا لا أذهب إلى شقتى إلا مرة أو مرتين كل شهر."

الرجال بدورهم يحاولون البحث عن مبرر لاتهامات الزوجات لهم بأنهم يتعاملون مع المنزل وكأنه مجرد فندق للمبيت وتناول الطعام أو تبديل الملابس، ويبرر محمد بدراوى ذلك بالظروف القاسية التى يواجهها الرجال فى مصر من حيث تعرضهم لضغوط شديدة من جانب الزوجات لتلبية كافة مطالب الأسرة. ويقول: "لا أستطيع أن أفهم تشابه شكاوى النساء من الأزواج.. فهل ستفرح الزوجة عندما يجلس زوجها بجانبها فى المنزل ولا يذهب إلى عمله؟ وكيف سيلبى متطلبات المنزل إذا كان مرتبه الأساسى لا يكفى للوفاء بمتطلبات المعيشة؟ كما أن الزوجات يتعاملن مع الزوج فى أوقات كثيرة على أنه مجرد ماكينة لصرف النقود غير عابئات بمستوى دخل الزوج.. فيشعر الرجل أنه مطالب بأشياء تفوق قدراته المادية فيضطر للبحث عن عمل إضافى، وهذا ما لا يرضى الزوجات اللواتى يردن من الزوج أن يكون مثاليا فى وقت انتهت فيه المثاليات وأصبحت القيمة الأساسية فيه للمادة.. فالرجل معذور، وهو عندما يعود إلى المنزل بعد عناء يوم طويل من العمل فمن حقه أن يستريح قليلا وأن يتخلص من عبء المسئولية حتى يستطيع النهوض مبكرا لمواصلة عمله." ويواصل بدراوى الحديث بسخونة متهما الزوجات بأنهن لا يدركن كمية الضغوط التى يتعرض لها الرجال فى العمل من أجل توفير حياة كريمة للأسرة فى ظل ظروف اقتصادية صعبة وانتشار البطالة وتدنى المرتبات والأجور. ويقول: "المرأة لا تريد أن تتحمل المسئولية وإنما تريد أن تلقى بكل الأعباء على الزوج حتى لو كانت أنبوبة البوتوجاز فاضية.. أو لا يوجد خبز فى المنزل.. فالمطلوب من الزوج أن يقوم بكافة الأعباء دون أن تتحمل الزوجة حتى هذه الأعباء البسيطة. وأنا أثور جدا فى وجه زوجتى عندما تتصل بى قبل موعد عودتى للعمل لتطلب منى قائمة مشتروات طويلة عريضة لكى أحضرها معى وأنا فى طريقى للمنزل.. وكأن همومى فى العمل ومضايقات رؤسائى ليست كافية، أو كأننى ثور يدور بالساقية ومطلوب منه العمل ليلا ونهارا دون تقدير من جانب الزوجة.. وحتى إذا فكرت فى العودة إلى المنزل مبكرا أجده لا تتحدث معى إلا عن مزيد من الطلبات والاحتياجات، مما يجعلنى أشعر بحالة من التوتر الشديد، ولهذا أشعر أن من الأفضل لى أن أغيب عن المنزل لأطول فترة ممكنة ولا أعود إلى عندما تكون الزوجة والأولاد قد ناموا، فأتخلص بذلك من ضغط نفسى رهيب أتعرض له بشكل شبه يومى".

الأمر محير، ولكل طرف أسبابه ومبرراته، وإذا كنت أتعاطف مع الرجل بصفتى رجلا إلا أننى أشعر أيضا أن الزوجات محقات فى مطالبهن، وبالتالى يبدو أن القضية متشابكة ومعقدة وتحتاج إلى تفاهم ومبادرات من كلا الطرفين.. على الرجل أن يتفهم ظروف زوجته وأن يراعى حاجتها النفسية وحاجة الأسرة للشعور بوجوده فى حياتهم كرجل، وفى نفس الوقت على الزوجات أن يحاولن تفهم ظروف الزوج ومشاكله وعدم إثقال كاهله بمزيد من المسئوليات أو المشاكل التى يمكن أن تحلها الزوجة دون وجود الزوج.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى