الثلاثاء ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١٠
في الذكرى الرابعة والثلاثين ليوم الأرض الفلسطيني

..قراءة من نوع آخر..!

صلاح عودة الله

شكلت الأرض ولا زالت مركز الصراع ولب قضية وجود شعبنا الفلسطيني ومستقبله، فبقاؤه وتطوره منوط بالحفاظ عليها والتواصل معها.

تشير الأدبيات الصهيونية, وخاصة الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897م إلى أن الأرض الفلسطينية هي الركيزة الأولى لإنجاح المشروع الصهيوني, فمنذ انتصابه على أراضي فلسطين التاريخية, دأب الكيان العنصري الصهيوني على ممارسة سياسة تهويد الأرض العربية واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التي انغرسوا فيها منذ أن وجدت الأرض العربية، وذلك عبر ارتكاب المجازر المروّعة بحق الفلسطينيين، ولم تكتف سلطات الاحتلال الصهيوني بمصادرة أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على مصادرة ما تبقى من الأرض التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم.

«خير ياسين», انه ليس كباقي الأسماء, انه أول شهداء يوم الأرض الفلسطيني, فقبل أكثر من ثلاثة عقود وبالتحديد في الثلاثين من آذار عام 1976 هبت الجماهير العربية الفلسطينية وأعلنتها صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد. وكان يوم الأرض أول مناسبة تصرفت فيها جماهيرنا بشكل جماعي منظم، وهبت منتفضة في وجه هذه السياسات في الجليل والنقب وكافة المناطق وخاصة في منطقة البطوف - مثلث يوم الأرض-. في هذا اليوم والذي يعتبر تحولا هاما في تاريخ الجماهير العربية الفلسطينية على أرضها ووطنها، سقط شهداء الأرض وروت دمائهم الزكية سهول وجبال بلدات فلسطين وهم يشكلون جزءا من ذاكرتنا الجماعية التي لا تموت.

يوم الأرض صار رمزا لرفض كل أساليب تهويد فلسطين والاستيلاء عليها، إنه اليوم الذي يعبر فيه كل عربي وفلسطيني عن التصاقه بهويته وأرضه، وليقول لكل العالم إننا قادمون، رغم كل الإرهاب والتنكيل والحصار العربي المؤسف والمخزي والصهيوني.

واليوم وبعد مرور قرابة الثلاثة عقود ونصف على يوم الأرض الخالد, والتي من خلالها أصبحت هذه المناسبة رمزا نضاليا لكل الشعوب المقهورة في كافة بقاع الأرض, كيف لا وقد كانت رمزا للوحدة الفلسطينية, وثبتت تمسك الفلسطينيين ومن خلفهم من الشعوب العربية والإسلامية بحق عودتهم المقدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني, من حقنا أن نراجع ما حدث خلال هذه الفترة, وما هي الأمور التي تغيرت على الصعيدين الفلسطيني والعربي والاسلامي من جهة, وعلى الصعيد الصهيوني من جهة أخرى..انه أمر في غاية الأهمية لما له من نتائج جعلت من قضيتنا الفلسطينية تعيش تحت وطأة حالة من الانقسام والتشرذم لم نشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني الغاشم منذ أكثر من ستة عقود من الزمن فوق أراضينا التاريخية, تلك الأراضي التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط غربا إلى نهر الأردن شرقا..هذه الأراضي التي من المفروض حسب المفهوم الوطني للوطنيين بأنها أراضي لا يمكن أن تقبل القسمة على اثنين.

على الصعيد الفلسطيني والعربي والاسلامي:تعصف بالقضية الفلسطينية حالة من الانقسام والتمزق يستحيل على اللسان وصفها, بل يخجل القلم الحر من التطرق إليها, فبعد أن كنا نطالب بدولة ضمن حدود بلادنا التاريخية, وصلنا إلى وضع شرعنا فيه لأنفسنا بالاقتتال الداخلي وأصبح فيه الدم الفلسطيني محللا, وبنادق غسان كنفاني فقدت صوابها, فبدلا من مسارها المعهود تم توجيهها إلى صدور الإخوة الأعداء, والنتيجة هي انقسام ما تبقى من الوطن المحتل جغرافيا وسياسيا إلى شطرين, غزة المحاصرة منذ أكثر من ألف يوم, والضفة الغربية المحتلة والتي يصول فيها العدو ويجول كيفما يشاء وحسبما يشاء..إنها سلطة رام الله, بل سلطة أوسلو ودايتون, والأنكى أن هنالك الكثيرون الذين يؤمنون بأن المفاوضات هي الطريق الأمثل لحل الصراع مع العدو, ولكن بعد أن أقروا بأن المفاوضات المباشرة فشلت, أصبحوا يفتشون عن مفاوضات من نوع آخر..المفاوضات غير المباشرة. باختصار شديد, لقد باعوا الأرض والعرض والشرف, وكل ذلك من أجل تحقيق مصالح شخصية أو ربما حزبية فئوية ضيقة, ناسين أو لنقل متناسين أنهم يلعبون مع عدو أقل ما يمكن وصفه بالثعلب الماكر, وعلى ما يبدو فقدوا حتى هذا الإحساس.

الأمة العربية تعيش حالة من الانبطاح, فمنذ توقيع اتفاقية العار في كامب ديفيد بين الكيان الصهيوني ومصر, سقطت مصر في مستنقع الخيانة وتخلت عن دورها الريادي في الحفاظ على الأمن القومي العربي, ومن بعدها توقيع اتفاقية وادي عربة مع الأردن وأوسلو المشئومة مع الفلسطينيين والرابح الوحيد والأوحد من كل هذه الاتفاقيات هو الكيان الصهيوني وليس غيره, وباتت الانقسامات العربية العربية والعربية الإسلامية والإسلامية الإسلامية هي السائدة, وظهرت فلسفة جديدة تبنتها الدول العربية والإسلامية, إنها فلسفة"الريحة ولا العدم" وتفسيرها الوحيد والأوحد هو العيش على حلم الدولة وهو أمر أفضل بالكثير من لا شيء, فربما تتحقق الأحلام.

لقد أصبح هذا الحلم مشرعا للتنازل عن حق عودة اللاجئين, فهو حق يتساقط بالأقدمية بحسب رأي بعض القادة الفلسطينيين والعرب والمسلمين كذلك, وأصبح هذا الحلم منوطا بالتنازل عن حق شبنا في المقاومة, فأصبح الكفاح المسلح والمقاومة إرهابا, والخيانة مجرد وجهة نظر والعملاء نشيطين في منظمات حقوق الإنسان.

باختصار ورغم حذف الكثير من بنود الميثاق الوطني الفلسطيني وتعديل غيرها بما يتلاءم مع متطلبات الكيان الصهيوني وهو في طريقه ليصبح عضوا في جامعة الدول العربية, إلا انه يضرب بعرض الحائط بنا وبالشرائع الدولية, كيف لا, وهو"الابنة اللقيطة المدللة" لأمريكا وحليفاتها, والمخزي أننا لا نزال نهرول وراءه, وتمكن من تحقيق ما يصبو إليه.

وبالرغم عن كل ما أسلفت, إلا أن حلم الدولة لا يزال يسيطر على عقل بعض القادة الفلسطينيين من حركتي فتح وحماس، حتى لم يعد الفصيلان على وعي بأنهم خسروا الأرض والشعب، وإن لا دولة دون أرض وشعب، تماما كما أن لا ديمقراطية بدون استقلال حقيقي ناجز.

بالأمس اختتمت القمة العربية والتي لا أدري أي رقم تحمل أعمالها, فهذا الأمر لم يعد يهمني فكل هذه القمم في"الهوى سوى"..انعقدت في ليبيا, وأطلق عليها زورا وبهتانا"قمة صمود القدس", وتغيب عنها العديد من القادة العرب, وسواء حضروا جميعهم, أو تغيبوا كلهم, فهذا الأمر لن يقدم ولن يؤخر, فالبيان الختامي يوزع وكالعادة على القادة العرب قبل ابتداء القمة, انتهت القمة في ليبيا وكاد أن يغيب عنها مستضيفها وراعيها لقناعته التامة بعدم جدوى الحضور, فقضية فلسطين تم التطرق إليها من باب العطف أو قل العجز, فهؤلاء القادة عاجزين كل العجز عن اتخاذ أي قرار لا يتماشى مع السياسة الأمريكية الصهيونية..القدس تهود والأقصى في خطر, فما فعل هؤلاء القادة؟, لا شيء, ولا أبالغ بقولي إن الشيخ المناضل رائد صلاح وجماعته في الحركة الإسلامية تمكنوا وعلى مدار سنوات من الحفاظ على الأقصى والمقدسات والعمل من أجلها أكثر بكثير مما قامت به رابطة العالم الإسلامي ولجنة القدس برعاية المغرب..وهنا أستذكر قصيدة مظفر النواب الشهيرة"قمم" والتي يصف فيها واقع القمم العربية, وبالإمكان الرجوع إليها, فكل كلمة فيها صادقة وموضوعية وواقعية.

على الصعيد الصهيوني:

في الأول من آذار عام 1976م, أعلن"يسرائيل كيننغ" متصرف اللواء الشمالي في الكيان الصهيوني عن مخططه المشهور والتي عرف فيما بعد ب"وثيقة كيننغ", والذي بات مخططا شاملا لهذا الكيان, ليس بخصوص أراضي الجليل وحسب, وإنما كذلك بالنسبة لأراضي الضفة المحتلة في العام 1967. فقبل ما يزيد عن ثلاثين عاماً، توجهت الإدارة الحكومية العنصرية، إلى مساحات من أراضي قرى سخنين وعرابة ودير حنا، لكي تستهل بها عملية تهويد شمالي البلاد، وتضييق فضاءات الملكية والزراعة والحياة، على الراسخين في وطنهم، وتحويل مناطق سكناهم إلى مهاجع نوم وكوابيس، لكي تصبح طاردة لسكانها, ومن ثم جعلها يهودية خالصة.

وبمقارنة فحوى "وثيقة كيننغ" بما يجري اليوم، تدلنا كل الشواهد، على أن فحوى الوثيقة، بات سياسة إسرائيلية شاملة، حتى في الأراضي المحتلة عام 1967. فمن بنودها، تكثيف الاستيطان, واليوم، يتكاثف هذا الاستيطان، في الضفة والقدس، ويصبح سياسة معلنة, وما نصّت عليه الوثيقة، من التضييق السياسي على العرب الفلسطينيين، استحال تضييقاً على الطرف الفلسطيني "الشريك" في عملية تسوية، يُفترض أنها تلقى رعاية دولية. والإجماع اليهودي "حول العرب" الذي تحدث عنه متصرف لواء الشمال قبل أربعة وثلاثين عاماً، بات يتخذ تعبيراته العنصرية الصريحة، حول "يهودية الدولة" وشروط قبول من يسكن فيها ويحمل جنسيتها بتأييد الإدارة الأمريكية ودعمها العلني والصريح للقيطتها المدللة. وأما التضييق الاقتصادي الذي كان المقصود به في وثيقة آذار 76 الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 فقد أصبح تضييقاً سافراً وفظاً على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67. وكان "كيننغ" قد أشار إلى عملية تسهيل لهجرة الشباب، ومنع عودتهم، وبعدئذ سحب جنسياتهم بذرائع أمنية، وهذا هو بالضبط ما يفعلونه اليوم مع شباب القدس المحتلة، ومع شبابنا المحبط، الذي زادته الأوضاع الداخلية الفلسطينية "الملعوبة" يأساً وخوفا من المستقبل المجهول.

اليوم بإمكاننا القول بأن الكيان الصهيوني أصبح أكثر إصرارا على حقه في كامل التراب الفلسطيني, بل على تحقيق حلمه في توسيع حدود كيانه لتصبح من النيل إلى الفرات، ويستمر هذا الكيان"الثعلبي" بدغدغة مشاعر القادة العرب والفلسطينيين بالسلام وحلم الدولة اللذين من خلالهما استطاع التغلغل في كل زاوية من زوايا الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، وأصبح اللاعب الوحيد الذي يراهن عليه الجميع، وأصبحت وقاحته وإرهابه ومجازره الوحشية والتي يسجلها التاريخ بحروف سوداء تؤلم ضمير العالم وفي كافة بقاعه إلا ضمائر العرب التي كتب لها أن تموت.

اليوم مع حلول الذكرى الرابعة والثلاثين ليوم الأرض لم يتخل الكيان الصهيوني عن اهتمامه، فقدم للعرب والشعب الفلسطيني والإسلامي هديته..انه نتاج مشروع تهويد ما تبقى من مدينة القدس والذي يجري على قدم وساق منذ سنين وسط صمت فلسطيني وعربي وإسلامي رسمي مخزي وغير مبرر..مشروع بناء ألف وستمائة وحدة سكنية لعائلات يهودية على أنقاض أراضي فلسطينية في حي الشيخ جراح الفلسطيني العربي في القدس الشرقية المحتلة, ضاربا بعرض الحائط حتى سخط الإدارة الأمريكية الراعية الأولى والأكبر لهذا الكيان من هذا المشروع. وبإعلان مشروع تهويد ما تبقى من القدس وتكرار "نتنياهو" إعلانه البغيض بأن القدس كانت ولا تزال وستبقى العاصمة الموحدة والأبدية للدولة العبرية في لقائه الأخير مع الرئيس الأميركي أوباما، بهذا الإعلان يتحدى الصهاينة أحلام القادة العرب ويهددهم بأن من يعارض توجيهات الكيان بذاته، إنما يعرض عملية المساومات السياسية للجمود مدة عام, وعلى القادة الفلسطينيين والعرب والمسلمين البحث عن مخرج لاستمرار انهزاما تهم وانتهازيتهم، عفوا حلمهم بدولة فلسطينية مستقلة.

وأختتم قائلا, على فلسطينيي الاحتلال الأول توحيد صفوفهم ليصبحوا صوتا واحدا وبالطريقة التي يروها مناسبة, وعلى الإخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس وقف التفاوض المضيع للوقت, فهم إخوة في الروح والدم والهدف وعدوهم واحد مشترك لا ثاني له..عليهم بالعودة كما كانوا قبل توقيع معاهدة أوسلو سيئة الصيت والسمعة, وهذا المطلب ليس بالمستحيل ولا بالصعب, إذا قاموا بوضع المصالح الوطنية العليا لشعبنا فوق أية مصلحة أخرى, ففلسطين وقضيتها ومن قضوا على درب التحرر والتحرير من الشهداء أغلى وأنفس من كل شيء, فقد ضحوا بحياتهم لنحيا وعلينا تخليد ذكراهم بوحدتنا والعمل على تحقيق أهدافهم التي قضوا من أجلها..وهنا أستذكر يوم أحيا أبناء شعبنا الفلسطيني يوم الأرض في الثلاثين من آذار عام 1976م في لبنان, وكان الانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية على أشده يومها، حيث بدأت بوادر التكيف الرسمي للقيادة المستنفذة في منظمة التحرير واستحقاقات وشروط التسوية الأمريكية، وكان في مواجهة هذه السياسة جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية. وكان لفلسطين كلمتان، الأولى للحكيم جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باسم جبهة الرفض، وكلمة للرئيس ياسر عرفات باسم قيادة المنظمة..وعندما صعد الحكيم للمنبر قال كلمته المأثورة يومها:"في مثل هذا اليوم يجب أن نعمل من أجل أن تكون لفلسطين كلمة واحدة، وأنا أعطيها للأخ ياسر عرفات"..فهل يتعلم القادة الفلسطينيون الأشاوس الدرس من هذه المقولة, بل الحادثة التي يندر أن يجود التاريخ بمثلها؟.

وسنبقى ورغم كل ما أسلفت متفائلين ما بقي الزعتر والزيتون, فلقد كتب الفلسطينيون، في يوم الأرض الأول، حقيقة وحدتهم الأزلية، وبرهنوا على أن كل الحواجز، لن تؤثر في وحدة وجدانهم، وأن رسوخهم في أرضهم، حقيقة أكيدة، مهما تردت الأحوال ومهما عصفت السياسة، بسفينة الحركة الوطنية الفلسطينية.

في الذكرى الرابعة والثلاثين ليوم الأرض, نقول بأننا أيضا لنا حلمنا، حلم حملناه على أكتافنا منذ نكبة شعبنا الكبرى، ومازلنا نغذي هذا الحلم بالدم ليحبل بأبطال يحملون لواء المقاومة والحرية والنصر ويعشقون تراب الوطن..في يوم الأرض الخالد, يوم الأرض الفلسطيني, نقول ونكرر, لن ننثني يا سنوات الجمر, وإننا حتما لمنتصرون وعائدون وباقون.

عاشت الأرض وعاش يومها الخالد..المجد والخلود لشهداء يوم الأرض الخالد, ولكل شهداء ثورتنا الفلسطينية الباسلة..الخزي والعار للأعداء ومن سار في فلكهم من العملاء.

صلاح عودة الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى