الجمعة ٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٠

الانزواء للخلف

رضا الحربي

عاد أبو نعيم إلى البيت بعد أن أنجز عمله، نزل السلم ذي الدرجات العالية، كم شكا منها لوكيل لصاحب الملك الذي وعده خيرا؟‼ وبقيت على حالها منذ ثلاث سنوات والتي ما أن يتسلقها حتى يتمنى أن لا ينزل منها ثانية، وكم امتعض من تصرفات ابن الوكيل هذا على هذه البناية المتهرئة في منطقه (سلطان علي) والايله إلى السقوط حيث افترش مقدمة السلم بأنواع القرطاسية والتي تعيق زبائن الدكاكين العلوية ومحل أبو نعيم أحداها،كان يسترح ربع ساعة ليزاول عمله، بقي لوحده دون أن يعينه احد من ولده الذين انشغلوا في لعب (الاتاري) فقد عينوا لهم محامياً

أمهم التي لا يقوى على إزعاجها أو زعلها، الساعة اقتربت من الثالثة صباحاً، غلق الباب الخارجي للسلم، وسار إلى السوق القريب،كان الرذاذ يتساقط على الأرض والتي تبدو شوارعها شبه مبتلة فيما كانت جدران شارع الرشيد ذو الأعمدة الرخامية قد ابتلت هي الأخرى بالمطر المتساقطة، الدكاكين مقفلة ما خلا ثلاثة أو أربعه منها باقية لهذا الوقت، اشترى ما راق له وانصرف،انحدر عبر محلات بيع الدهون التي لوثت الأرصفة وجعلتها سوداء بل كانت الجدران سوداء هي الأخرى وقد لطخت بأشكال عشوائية لها شكل ورائحة وليس بذات طعم،حرص أن لا يتسخ حذاءه،سار بتمهل ولم ينجو المسكين من التلوث بها،اطل على شارع الجمهورية بعد أن تنفس الصعداء ركن أكياسه إلى مرتفع وشرع بتنظيف حذاءه الأحمر بمنديل ورقي كان يمسح به الرشح الذي أصابه مذ يومين، اقترب من ساحة التحرير السيارات كانت شبه فارغة وبعض سائقيها يبدو النعاس في أعينهم، من خلال تثاؤبهم المستمر أو من فرك العيون باستمرار،صعد في المقعد الأمامي لإحداها فقد ألف مكان تواجدها، وضع حاجياته معه بانتظار قدوم راكب جديد،بل هناك تشكلت مجموعات منهن ما هو ذاهباً صوب مراب العلاوي الكبير وأخر متجهات صوب مراب النهضة، فيما صعد هو صوب الزعفرانية عبر معسكر الرشيد، كان سائق الناص يتصيد الركاب وكأنه نصب سنارته في نهر دجله ولم يفلح في أي شي سوى أن صوته غدى أجش من الصياح لفترات متقطعة،ويرجع إلى مقعده حيث باعه الشاي الذين وضعوا صفائح الدهن الكبيرة أو الخشب البالي التي ما أن يجلس عليها الزبون حتى يحتسي شايه وينصرف على عجل بعد اضطرابه،وكأنه في مهد طفل رضيع،كان الجو قد خف من المطر وفيه لسعه من برد قادم من ناحية الشمال تهب مع حركه الهواء الذي يفلح الوجوه الندية، فيما كان المارة يتجهون إلى ساحة الباب الشرقي لتفتح أبواب محلاتهم المتنوعة أو للذهاب للعمل في فنادق الدرجة الخامسة القريبة،بعض السكارى عائدون من ليله حمراء في إحدى خمارات البتاوين وهم يتمايلون قرب القمامة اخذوا يتبولون وهم يغنون بأعلى أصواتهم أغنيه لكوكب الشرق (هل رأى الحب سكارى مثلنا).

كانت الكلاب السائبه تبحث في القمامة عن لقمه عيش في الفضلات التي تركها أصحاب المطاعم فيما بدأت القطط تزاحمها،احدهم ركل كلبا وهو يسبه (يا ابن الكلب) والأخير عوى وتنحى جانباً ليعاود النبش من جديد في القاذورات،فيما احدهم اقعى على الأرض من الضحك، العمال يتوافدون لأكل فطورهم فهذا يدخل المطعم لأكل الكبة التي حشيت بأشياء عجيبة وغريبة تدعو إلى القرف،فيما آخرون يدخلون مطعم الفلافل لرخص أسعارها، وهنا أبو مهدي الذي انفرد في عمل الهريسة التي يوضع عليها السكر والسمن ومسحوق الدارسين، وقد تجمهر حوله عدد من عمال البناء وهم يرتدون الطاقيات والربطات كي تقيهم من البرد ومن جص أو رمل البناء الذي غدت وجوههم وأيديهم كالحة منه، وهنا مذياعه الذي عشق إذاعة سوا التي تذيع الإخبار المقتضبة والمغرضة،كانت الأمور على وشك الانهيار وكل شي ينذر بالخطر ربما كان الهدوء الذي يسبق العاصفة،دس يده في جيبه واخرج نقوده اخذ في عدها،اخرج أجرة السيارة فيما ارجع الباقي لجيب مقصلته الزرقاء، كان يعلم أن إفراد عائلته جائعين ولكنه سيوقظهم من نومهم ويسد جوع البطون الخاوية زوجته تعاني من فقر الدم المزمن والذي دعاه إلى الضجر ليس منها بل من سوء حظه لأنها تعاني من آلام حادة،مرة في الرأس وأخرى في المعدة، وأحيانا تشكو من الم الساقين مر بها على أحسن وامهر الأطباء في السعدون وقد أعيته الحيلة فلجا إلى التكايا والدراويش عند سيدنا الشيخ لعله يجد شفاء لعلتها فلم يفلح.

كانت السيارة مسرعة والأضواء تتكسر منزوية إلى الخلف قال للسائق نازل لو سمحت نضغط على الكابح فتوقفت،كان يعرف المسافة التي تدعوه للنزول وبتأني انزل حاجياته، وانتظر لعل احدهم يأتي وياخذة إلى منطقته التي تبعد ثلاثة كيلو مترات، حيث لم يمر احد وزاد تذمره مما حدا به إلى السير دندن مع نفسه أغنيه قديمه لاح ضياء الفجر في الأفق حيث لون الغروب والعصافير بدأت تتململ وهي تستعد للتجمع أفواج كي تعلن سقسقه الصباح، وإذا بكلبه بيضاء تخرج من بين الأشجار القريبة،أخذت تنبح باتجاهه،كانت عصبية نوعا ما اندفعت أليه في محاوله لشد انتباهه سار غير مكترث لها، ما كان يخطر في باله إنها تدعو الكلاب الأخرى من خلال نباحها الدائم والغير منقطع، نظر من حيث السدة الترابية رأى ثلاثة منها تغذ السير بسرعة جنونية صوبه واثنان آخران قادمان من بعيد وثبن من خلال البيوت الطيينيه بدا يهوم عليها بأكياس النايلون المحملة، واستطاعت أن تفرض عليه طوقاً ظن معه انه غير ناج منها عندها تذكر ابن جيرانه الذي عضته هذه الكلاب وهو يشكو من الم العضة وبعد يومين اخذ يتطبع بطباعها بل اخذ ينبح على الذين يعودونه، ووجدوا الكلب ميتاً خلف السدة الترابية عندها فارق الحياة حسرة وكمد،إنها شرسة كادت أن تنال منه بل هي الأقرب إليه في كل مرة،سارت من قربه سيارة البيكمب فتجاوزه وما أن صعد السدة الترابية البعيدة حتى رق قلب صاحبها وعاد مسرعاً إليه،الكلاب استدارت ناحية الأضواء وأخذت تنبح بقوة، صعد البيكمب من الخلف ولا يستطيع الكلام لإبداء كلمه شكر للسائق الذي انقذة أنها أتعبته وكانت أنفاسه متقطعة،وصل للبيت فاطرق للسائق ونزل،في اليوم التالي ذهب إلى عمله فوجد ألكلبه البيضاء في الطريق،قذفها بحصى نالت منها، وولت هاربة*

رضا الحربي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى