الثلاثاء ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

الدِّيكتُقراطيّة

الديمقراطية التي ينشدها كثيرنا العربيّ هي غير الديمقراطية التي انتحلت هذا الاسم مجازاً و تمارسها بعض المجتمعات العربية. لعل الفهم الصحيح والممارسة الصحية لها ما انفكا منعدميْن في أصقاعنا العربية، فنحن مجتمعات جديدة علينا مثل تلك الممارسة، وغير مؤهلة بعد لجعلها سيدة حياتنا، لكنّ عدم التأهيل لا يعني أن نوصد الأبواب في وجهها ولا نسمح لها بالدخول علناً وشرعياً وليس تسللاً.

المقصود هو أن يأخذ التأهيل مسراه حتى تتكون لدى الفرد العربي فكرة صحيحة عن أمشاج الديمقراطية إذا قُيّض لها أن تكون نمط حياة،فلا يُعقل، مثلاً، شراء أفخم واضخم طائرات الركاب وليس هناك مؤهلون لقيادتها. الحاصل لدينا أنّ دولاً عربية سمحت بالأحزاب السياسية، ليس فقط بالأسماء، إنما بالممارسة، لكن ما يلحظه المرء هو أحد أمريْن: إما أحزاب سياسية خاملة ليس منها سوى عقد مؤتمرات صحافية بالمناسبات، ودعوة إلى تظاهرات وقت المجازر والحروب، ناهيكم عن توريث رئاستها وحتى عضويتها للخلف، أو أحزاب سياسية أسرفت في ما ظنته ممارسة ديمقراطية لدرجة عقد المؤتمرات الصحافية حتى على صغائر الامور التي لا تستحق جرة قلم في زاوية صحيفة، و بذخت في ما حسبتْه حرية التعبير، فما كان من تلك الأحزاب سوى التراشق اللفظي إلى حد استخدام مفردات لا تليق أبداً بالممارسة الديمقراطية المرجوّة.

أحزابنا العربية بشكلها العام، مع بعض الاستثناءات، تعمل من أجل مصالحها الفئوية أكثر مما تعمله من أجل الفرد المنتمي وغير المنتمي إليها، وأحياناً لا تعمل البتة من أجله، فصار جُلّ هَمّ الحزب إما وصول رئيسه إلى سدة الرئاسة العليا، أو حصول بعض أعضائه على مناصب وزارية بحجة السعي في مناكب التغيير، وما إنْ يتحقق المراد، فلا تغيير ملموس ولا تجديد مرئي. وإذا ما تحقق الجزء اليسير من التغيير المطلوب، فإنه كما لو كان يسير على ظهر سلحفاة.

ما يجعل الأحزاب عندنا غير متسمة بالديمقراطية ولا بسعيها نحوها، هو احتساب عدد منها على الطوائف والمذاهب، وهذا مُنافٍ لديمقراطية الأحزاب إذْ من المفترض أن يكون الحزب جامعاً لمن اتفقوا على معتقد سياسي اجتماعي فكري و اقتصادي بصرف النظر عن المعتقد الديني أو الانتماء الطائفي، وإلا صار الحزب غير مختلف عن المذهب الديني سوى أنه ضَرَب على جُيوب المذهب بخمور سياسية.

إلمطلوب من الأحزاب أيضاً تنشئة الأفراد،منتمين ومناصرين،على مسألة أن الحزب برئيسه وقادته قابل للنقد، فلا يجوز البتة أنْ يظن الفرد العربي أنّ الحزب من المقدسات ممنوع مسّ رئيسه أو أي من قادته بالنقد أو اللوم، وهذا هو حال كثير من الأفراد العرب الذين يوّد أحدهم لو يشهر سيفه في وجه أي منتقد لقائد حزب ينتمي إليه، حينها يصبح الحزب الوجه الآخر لعملة الديكتاتورية.

ما عندنا هو حالة ترنحت كالثّمل بين الديكتاتورية والديمقراطية فلا كانت هذه أو تلك،فصارت ديكتقراطية، ولا شفاء منها إلا بالديمقراطية الصحيحة والصحية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى