الأحد ١١ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
(قرأت لكم)
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

الزوجيــــة

«وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»
الذاريات49
يقول أبو الأعلى المودودي في تفسير هذه الآية: (.. إن فيها تبياناً لما وراء قانون ضبط العلائق بين الرجل والمرأة في الاجتماع من حقائق «الفطرة» وأصول «الحكمة» .. فالآية تشير إلى عموم القانون الزوجي وشموله، ويعلن صانع هذا الكون فيها عن سر صناعته، فيقول إنه خلق هذا المعمل الكوني على قاعدة الزوجية، أي إن جميع آلاته وماكناته قد خلقت أزواجاً، وكل ما يرى من بدائع الصنع في هذه الخليقة هو راجع إلى تلك المزاوجة بين الأشياء...

فلنتدبر إذن ما هي هذه الزوجية: إن الزوجية في الحقيقة عبارة عن أن يكون شيء منصفاً بالفعل وآخر متصفاً بالقبول والإنفعال، ويكون في أحدهما التأثير وفي الآخر التأثر، وفي هذا العقد وفي ذلك الانعقاد، وهذا الفعل والانفعال، والتأثير والتأثر، والعقد والانعقاد بين شيئين هو علاقة الزوجية بينهما، وهذه العلاقة هي أساس تركيب الأشياء في هذا العالم! وعلى هذا التركيب يجري نظام هذا الكون، فكل شيء في هذا الكون قد خلق زوجين من الأزواج يرتبطان –من حيث المبدأ والأصل – بهذه العلاقة الزوجية التي يكون أحدهما فاعلاً والآخر قابلاً ومنفعلاً، ولا ريب أن تختلف كيفية هذه العلاقة باختلاف طبقات المخلوقات، فمن أنواع المزاوجة ما يوجد بين العناصر والجواهر، ومنها ما يكون بين المركبات غير النامية، وآخر تراه بين الأجسام النامية، ونوع تعهده في أنواع الحيوان، وكل هذه الأنواع من المزاوجة تختلف في نوعيتها وكيفيتها ومقاصدها الفطرية، ولكنها تتفق في أصل الزوجية وجوهرها، ولتحقيق مقصود الفطرة الرئيسي –وهو حصول التركيب وحدوث الهيئة المركبة – في كل نوع من أنواع هذا الوجود، مهما كانت طبقته، لا بد أن يكون أحد زوجيه متصفاً بقوة الفعل والآخر بقوة الانفعال...

وإذا تقرر هذا المفهوم للآية المذكورة أعلاه، فسيستنبط الباحث (المتأمل) ثلاثة مباديء أولية للقانون الزوجي:-

أولها: إن الدستور الذي قد خلق الله عليه الكون والطريق الذي جعله سبباً لسير نظامه هذا، لا يمكن أن يكون نجساً مكروهاً، بل هو –من حيث أصله وجوهره – نظيف محترم، وهكذا ينبغي أن يكون، وقد يخالفه أعداء هذا النظام ويجتنبونه زاعمين إياه شيئاً بشعاً ممقوتاً، ولكن باريء هذا النظام ومالكه لم يكن ليريد أن يقف دولاب عمله وتتعطل حركته، وإنما مشيئته أن يبقى معمله هذا جارياً في عمله وتبقى آلاته كلها تأتي بوظائفها0

والثاني: إن صفتي الفعل والانفعال كليهما لازم لتسيير هذا النظام، ولوجود الفاعل والمنفعل أهمية سواء في هذا الكون، ولا فضيلة للفاعل من حيث هو فاعل، ولا نقيصة للمنفعل في انفعاله، وكمال الفاعل أن تكون فيه قوة الفعل و(الصفات) الفاعلية على أتمها حتى يستطيع القيام بواجب الخدمة الفعلية من الزوجية، وكمال المنفعل أن تكون فيه قوة الانفعال وكيفيته على أكملها لكي يحسن القيام بالواجب القبولي والانفعالي للزوجية، وكما إنك إن أزلت جزءاً من أجزاء ماكنة صغيرة عن موضعه، وأردت أن تستخدمه لأمر آخر لم يصنع له، ما كنت في رأي الناس إلا سفيهاً أخرق، وكنت حرياً –أولاً – بأن لا تنجح في محاولتك هذه، وإن أبيت وجهدت في الأمر جهدك ما زدت على أن تكسر الماكنة كسراً، كذلك حال ماكنة هذا الوجود الضخمة، فإن أهل السفاهة والخرق قد تحدثهم أنفسهم بأن يضعوا الجزء الفاعل منها مكان الجزء المنفعل، أو يضعوا الجزء المنفعل مكان الفاعل، ثم قد يمعنون في حماقتهم إلى أن يقوموا يسعون لتحقيق ذلك ويأملوا النجاح في سعيهم هذا، ولكن صانع هذه الماكنة ما كان ليفعل مثل فعلهم، وإنما شأنه أن يضع الجزء الفاعل موضع الفعل أبداً ويربيه حسب ذلك، ويضع الجزء المنفعل موضع الانفعال أبداً ويربي فيه ملكة الانفعالية ليس غير...

والثالث: إنه مما لا شك فيه أن الفعل نوعاً من الفضيلة على القبول والانفعال، ولكن ليس من معاني هذه الفضيلة أن يكون مع الفعل العز، ومع الانفعال الذل، وإنما هذه الفضيلة من حيث القوة والغلبة والتأثير، فأيما شيء يفعل فعلاً في شيء آخر، فإنما يفعله لكونه غالباً عليه وأقوى منه، ولأن له قوة على التأثير فيه، والشيء الذي يقبل فعله وينفعل به فما علة قبوله وانفعاله إلا كونه مغلوباً وضعيفاً ومستعداً للتأثر به، وكما أن حصول الفعل يستلزم وجود الفاعل والمنفعل على السواء بالمغلوبية والقابلية للتأثر، ذلك أنه إن كان كلاهما يساوي الآخر قوة ولم تكن لأحدهما على الآخر غلبة، لم يتأثر أحدهما بالآخر وانتفى حصول الفعل، فالثوب إن كان فيه من الصلابة والقوة ما في الإبرة لم يكن فعل الخياطة، والأرض إن لم يكن فيها من اللين والدماثة ما تقبل به فعل الرفش والمحراث فيها، لم تمكن الزراعة والبناء..

ومحصل القول إن كل ما يقع في هذه الدنيا من الأفعال، لا يمكن أن يتم أحد منها لو لم يكن إزاء كل فاعل منفعل، ولو لم تكن في المنفعل قابلية للتأثر بفعل الفاعل، لذلك من مقتضى الطبيعة في الزوج الفاعل –من الزوجين – أن تكون فيه الغلبة والشدة والتحكم، مما يعبر عنه بـ (الذكورة ) والرجولية، لأنه لا بد منه لأجل القيام بوظيفته من حيث هو أداة فاعلة، وعلى العكس من ذلك، من مقتضى الطبع الانفعالي في الزوج المنفعل أن يكون فيه اللين والرقة والنعومة والتأثر، مما يقال له (الأنوثة ) والطبع النسوي، وذلك لأن هذه الصفات هي التي تمكنه من النجاح في الجانب الانفعالي من الزوجية...

فالذين لا يعرفون هذا السر فريقان اثنان، فريق يحسب فضيلة الفاعل الذاتية بمثابة العز والكرامة، فيعد المنفعل في ذاته ذليلاً ممتهناً، وآخر ينكر بالمرة تلك الفضيلة المخصوصة بالفاعل، فيريد أن يحدث في المنفعل أيضاً تلك الصفات التي يجب أن تكون في الفاعل، ولكن الصانع الحكيم الذي قد صنع الجزأين ينصبهما في ماكنته على نحو يضمن لها المساواة في الكرامة والعزة، وفي العناية والتربية، ويضمن لها مع ذلك أن تنشأ فيها صفتا الغالبية والمغلوبية اللتان يقتضيهما الطبع الفاعل والمنفعل في الزوجين، لتحقيق غاية المزاوجة بينهما لا أن يكونا كحجرين متساويين في الشدة والصلابة، قد يحتك أحدهما بالآخر، ولكن لا يمكن أن يحصل بينهما امتزاج، ويحدث بامتزاجهما تركيب...

قيل أن أول من أثار ضجة المجتمع الانقلابي الجديد –أي الطبقة المنتمية إلى المذهب الرومنتيكي – كانت هي جورج صاند زعيمة هذه الطبقة في مطلع القرن التاسع عشر، فبدأت بنفسها بالخروج على جميع المباديء الخلقية التي ما زال عليها مدار الكرامة الإنسانية، وعفاف المرأة على الأخص، منذ الأزل، إذ اتخذت الأخدان على كونها متزوجة من رجل!!!!!

****

وإني لأتساءل الآن: إلى أي المدارات يا ترى وصل بنا الحال اليوم؟!!

الجواب: لا تملكه هذه المرأة، إنما يملكه هذا الرجل، وله أقول: أفق أيها الرجل وانظر إلى ذلك الأفق اليماني، واسترجع الآيات!! فجذور المشكلة تكمن فيك أنت!!!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى