الأربعاء ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم عماد الجندي

فراق أول

أذكر أنني كنت اقنعك بمقدرتي على الصمت التام، حتى أنني قد لا أتنفس مطلقا داخل حقيبتك، أما عن ظلمتها بعد أن تغلق علي، فلن تكون أشد ظلمة من غرفة نومنا ليلا، كما أن بطنك الصغير هذا، قد استوعبني تسعة أشهر في ظلمة صوت وضوء... لا أعلم متى أو كيف سكنته
،لكنك تخبريني بذلك عند كل استحمام أستحيي فيه منك،تتعجبين من طفل يستحيي من والدته وهو كان ساكنها، فتشيرين بكلتا يديك إلى بطنك حيث يفترض أنني كنت، فأظل مشدوها ناظرا إليك في تعجب تام، أذكر أنه كلما اقترب سفرك ازداد إلحاحي بأن تضعيني في حقيبتك في صمت وظلمة تامة، دون تنفس أو بكاء مني، ملتفا حول ذاتي في أصغر مساحة ممكنة من حقيبتك الضخمة، لكنك أبدا لم توافقي ولم تقتنعي........

كان كل رجاؤك أن أدعو لك ،فالأطفال أحباب الله كما كنت تقولين ،ربما لما فيهم من براءة وسذاجة ،فأنا كنت أردد ما حفظتني إياه، غير واع بأنني إنما أدعو على نفسي بسفرك.....

سافرتي وأخذني والدي إلى جدتي، لم أفهم حينها لماذا أفارقك ثم أفارق إخوتي ووالدي ؟أخبرني والدي أنني عند جدتي سيكون بإمكاني اللعب أكثر مع أبناء خالاتي، لكنني لا أذكر أنني طلبت منه أن ألعب مع أحد مطلقا، مازلت أذكر وقفتي أمام بقالة الأمراء، أذكر تناولي وجبة الغداء مع خالي وجدتي فقط بعد ان يرحل أبناء خالاتي جميعا لأسرهم، أذكر إصرار زوج خالتي على اعطائي المصروف، تماما كما يفعل مع أبنائه، طال لعبي معهم لأشهر لم أرى فيها طيفك مطلقا أو حتى حادثت إخوتي ووالدي....

ربما أصبحت من حينها أوقن بالفراق ، يا أمي قد علمتني أن الحياة لا تتوقف على أحد، وأن الأيام تدور علينا جميعا، حتى أن حقائبنا لاتتسع أبدا لكل أحبابنا، أجد أنني من حينها لا أسكن لأحد أبدا، أأنس بهم جميعا لكنني لا أسكن أبدا، لا أكترث لأي صداقة أو مودة ،لا أحتفظ بأية ذكريات ،أنا فقط أعيش لحظتي بتواصل مع" اشيائي" وذلك يسعدني كثيرا، الذكريات تكبلني بما فيها من مشاعر وعواطف، أرتبط أكثر بالأشياء فكل الأشياء لا تمتلك حقائب، فلعبتي المفضلة مازالت معي, ومدرستي كما هي بفصولها وساحتها وملاعبها ،غادرناها جميعا مدرسين وطلبة وظلت هي, حتى إن خزانة ملابسك امي ،حيث كنت تضعين منها في حقيبتك.

ما زالت كما هي.... فالأشياء كل الأشياء لا ترحل...أما نحن، فجميعنا نمتلك حقائب.....

غير أنك حقيبتي يا أمي....حتى وإن لفظتني حقيبتك يوما فأنت همي وغربتي،لكنني أخشى أن لاتكوني سكني،فأنا أبدا لم أخبرك ما يحزنني، كما أنني لم أشاركك يوما انكساري و فشلي، لا أذكر أنني ارتميت في حضنك باكيا أو شاكيا ، ربما مازلت أخشى ضيق حقيبتك، فأنا أخبرك فقط ما يسعدك عني،وأسمع كل ما يحزنك منهم أو عنهم، أشاطرك همومك وأهتم بأبسط تفاصيلك أمي، لكني لا أسمح لنفسي ولا لك أبدا أن تعامليني بالمثل، فأنا أأنس بكم جميعا لكن لا أسكن لأحد أبدا...


قد كان الفراق الأول وحتما الأخير......


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى