السبت ٢٢ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم فلاح جاسم

أنا وعرّار 

كانت حسناء تمتثل لأوامري بحذافيرها، دون تضجر،امتثال المرأة المطيعة لأمر زوجها وأبيها,حتى أنها امتنعت عن عمل وهواية عزيزين على قلبها،ويعتبران جزء من مكونات بيئتها ونشأتها ؛الرقص في الأعراس،بحكم أنها "نورية".

كان تنفيذ ذلك الأمر توقيع وثيقة رسميّة تربط بين قلبينا.

أصبحت أتقبل "النََوَر"وأعتبرهم أناس كما نحن،لهم أحاسيس وعواطف،عكس ما عودنا عليه الأهل، إذ كانوا إذا أرادو تحقير أحد أو الحط من منزلته،يقولون له :يا "نوري" وكان الجميع يسّلم جدلاً بأن ذلك الأمر لا يقبل الجدل.

كنت أظن أني الشخص الوحيد الذي يكنّ "للنَوَر"مشاعر إيجابية،ربما بسبب عشقي لحسناء،لكني وجدت شخصاً آخر سمّه ما شئت، صديقاً،زميلاّ؛ "عرّار" الشاعر الأردني صاحب الشخصية الجدلية، إذ نظم أجمل قصائده في وصف خيامهم،وحبه لهم ومنادمتهم بغير تعالٍ،أو شعور بالغرور،أو الغطرسة،تذكيه "شوفينية" رضعناها من الصغر،وأصبحت تلتصق بنا كجلودنا.

لا أدري ما الذي ذكرني" بعرّار "!!! ربما لأنه يمثل صوت المسحوقين من أي نوع،ورفضه للظلم والتعدي على الحقوق، وبخس الناس أشياءها.

ربما تعلقت به لأننا نتشاطر نفس الهوس والجنون، إذ كنت أُكبر فيه روحه الصافية،حتى أنه أطلق اسم "عشيات وادي اليابس" على ديوانه الشعري، وتغزل وهام بالغجرية التي أهدى لها ديوانه، حيث اسماها "بنت الوادي"،كما كنت أكبر فيه أيضاً بقاء حبل الودّ بينه وبين صديقه ؛ "الهبر" شيخ النور،ربما صغت لك المقدمة آنفة الذكر لأجعلك تتعاطف معي في حبي لحسناء، توقعت المسافة بين بني البشر كالواو بين هنا وهناك.

كنت أقول لحسناء لا تغلقي الهواء بوجهي، دعيني أطاردك في حدائق الدخان المنبعث من خيام الغجر التي تنتشر على الجهة الغربية من الطريق، اتقاء للغبار التي تثيره السيارات أثناء مرورها،حيث ان الريح في وطني تكون غربية.لم أكن أعرف السبب في عشقي لها،بكل هذا القدر من البرق والرعد والمطر،حتى أصبحت ثملاً بصوتها وفاها الذي يشبه زهرة أقحوان،جعل سعرات الحب الحرارية تمطرنا بالقبل بكثافة حتى تتبلل ثيابنا بالمطر،ولا نرفع مظلتنا، مستسلمين لشعور المطر والجمر.

كانت مضطربة أحياناً كزهرة دوار الشمس في الغروب،و يجري النبيذ في عينيها مهرولاً، فأرى أشجار العنب على امتداد بصري.

كنت أقول لها لابد من الالتصاق والذوبان في الجمر حتى لو ثيابك من "تيفال"، فتضحك وتمسك يدي المرتعشة الطائشة بقصد،التي تحاول إبعاد ستائر الأرواح والأجساد،وتمشي الشهوة متبخترة مختالة، بلا صمام أمان، كنت أخشي أن يحترق الفستان من... ويمتد الحريق إلى جميع حقول القرية،لأن البحّة في صوتها موقد نار،حتى أنني كنت أتذكر كلامها عندما أخلو بنفسي وأسرح بقطعان الكلمات،كلما لثمتها من فمها أحس بأني أكسر خابية مليئة بالخمرة المعتقة.

بعد هذا الحب كنت أظن أن موضوع زواجي من حسناء سهل للغاية،لأنني إنسان صاحب قرار،والدنيا تغيرت وعقول الناس تغيرت،لم أكن أعلم بأن في أحيان كثيرة، عندما تصطدم القرارات بالعُرف تكون العقول ك "الجزمة القديمة"، التي ألقيت في مكان مهجور،وألتفّت على بعضها نتيجة تعرضها للمطر والشمس.

إذ هددني أخي الأكبر بالقتل حينما أعلنت إصراري على الزواج من حسناء،حتى لو كلفني الأمر السفر بها إلى دولة أخرى،قال لي :لا يمكن لك ذلك حتى لو سافرت إلى كوكب آخر، ماذا سيقول الناس عنّا،من يرضى أن يزّوج أبناءنا أو بناتنا؟؟
ألا تفهم ؟؟؟

لكن خسارة العلم والشهادات،كلها ذهبت سدى،أكيد إن تلك الملعونة ذات الأسنان الذهبية الصفراء اللامعة،أمها،هي التي عملت لك سحراً،لا تستطيع التخلص منه،طبعاّ بالنسبة لها صفقة رابحة جداّ،حلم و يصبح حقيقة، مملكة بصولجان، لكنها لا تعلم بأن رأسك خاوٍ، لاعقل فيه،كتلك اليقطينة على السطح، وربما هذا هو السبب الذي يزيد من تمسكها بالصفقة، يا أخي بالله عليك تذكر أنت من؟؟؟ وابن من؟؟؟، يا أخي الناس مقامات، وهذه ال"......" ليست من ثوبنا فهمت ؟

عندما جنّ الليل، وأسدل السكون ستائره، إلا بضعة ثقوب، تمثل نباح الكلاب،حزمت حقيبتي الجلدية السوداء،بعد وضع ثيابي بها وقررت السفر،لا أدري إلى أين.... إلى أي بلد لا يتطلب دخوله تأشيرة مسبقة، لأني أريد الابتعاد وعاجلاًَ.

ذهبت متأبطاً حقيبتي التي أثقلت كاحلي، قررت أن أودع حسناء،حثثت السير إلى الخيام،وكعادتي قذفت بحصاةٍ صغيرة , جهة خيمتهم، وبعد برهة لاحت وسط الظلام يتبعها "السلوقي" الذي اعتاد أن يشاطرنا لقاءتنا،وآخذ يتمسح بي،ويضرب بذيله على ساقي، لا أعرف هل هي كناية عن الترحيب أم الوداع..... 

قبضت على يدها بحرارة ورفعتها إلى صدري،وضممت حسناء بقوة وشممتها بعمق،ثم دفعتها برفق عندما أحسست بحرارة دموعها على وجهي، كانت تدرك بإحساس الأنثى أن تلك الليلة الأخيرة، وإننا سنفقد الفردوس، دونما تفاح، وضعت يدها في جيب قميصي وانصرفت، أدركت بأنها وضعت شيئاً، تحسست ذلك الشئ في الظلام، ولم أكن أعلم بأن صورة ستكون دائماً عود ثقاب تحت قش الذكريات.
أُعتقلت وأنا أعبر الحدود، تمّ تفتيشي بشكل دقيق، لكن لم يُعثر على شئ ممنوع بحوزتي، فاستغربوا وأعادوا تفتيشي مرة أخرى،فاستغربت، واستفسرت عن السبب، فقالوا لي :إنك متهم بالضلوع في سرقة غابات الوطن وتهريبها عبر الحدود، مما سبب ثقباً في الأوزون، والإنكار لن ينفعك بشئ.

تفكرت مليئاً ثم فتشت نفسي،وأخيراً عرفت السبب!

وجدت في محفظتي الجلدية صورة وجه حسناء،بشعرها الغجري.

التفّت إلي المذيع الذي يُجري اللقاء معي قائلاً :هل عرفت ياأستاذ، لما قمت بتأسيس جمعية "إنسان بلا حدود" تلك التي جئت لعمل اللقاء معي من أجلها؟؟؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى