الثلاثاء ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم رابح خدوســي

نــوال السعداوي بين الرواية والغواية

قبل البدء: حكايتي مع الكاتبة

عندما أنهيت قراءة رواية "امرأة عند نقطة الصفر"للدكتورة نوال السعداوي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، عادت الذاكرة بي إلى بداية الثمانينات فاستحضرت مشهدا اختزن في صندوق هذه الذاكـرة لــم تستطع السنون بحرّها وقرّها محوه، كنا في ملتقى حول العلامة ابن خلدون بمدينة فرندة 1982 نقيم في حي سكني تتوسطه مساحات شبه خضراء، وطرق منسقة توصل مداخل السكنات، أثارني مشهد شخص في متوسط العمر، يلبس سروالا وقميصا، طويل القامة، شعره الأشعث يغلب عليه البياض، كان يسير في اتجاه مستقيم، مرّة على الطريق المخصص للمشي، وأخــرى على المساحات المخصصة للنبات المنتظر، لأن الحي جديد.

امتلكني إحساس شديد بالشفقة على هذا الإنسان، الذي كنت أراه مشردا تائها، وازدادت شفقتي عندما تبيّن لي أنه أنثى..!

عدت إلى البناية التي منحت لنا للإقامة فيها خلال ملتقى الفكر الخلدوني، الذي كانت يعقده سنويا المركز الوطني للدراسـات الـتـاريـخـية بالـتـنـسـيق مــع ولايـــة تيارت في قلعة بني سلامة، حيث عكف العلامــة ابن خلدون وكتب جزءا من "المقدمة" الشهيرة، وكان يقيم معي في الشقة المؤرخ الشيخ عبد الرحمان الجيلالي، لأننا قدمنا في بعثة من العاصمة عن المركز الوطني للدراسات التاريخية، مع مجموعة من المؤرخين الجزائريين. أمثال: د. ناصر الدين سعيدوني، ود. شنيتي.

كم كانت دهشتي كبيرة في اليوم الموالي عندما رأيت امرأة الأمس تجلس في الصف الأمامي رفقة ثلة من الأساتذة والوزراء، وعرفت بعدئذ أنها الأستاذة نوال السعداوي، مدعوة قادمة من مصر، كما قـدم الدكتور الـــتازي من المغرب والدكتور العُجيلي من سوريا ومن الجزائر حضر الأساتذة الشيبانان عبد الرحمن وسعيد ومولود قاسم نايت بلقاسم والشاعر يوسف سبتي (رحمهما الله) ....وغيرهم.

ثم بدأت أطّّلع على المعالم الفكرية للأستاذة الدكتورة نوال السعداوي المختصة في علم النفس والتي استطاعت توظيفه في جلّ مداخلاتها الشفوية والكتابية.

وقلت ربما الذي شرّدها هو البحث عن الحقيقة، حتى نسيت أنوثتها ومستلزماتها الطبيعية والمكتسبة، غير أن سيرها في غير نظام، وانحرافها عن الطريق المخصص للمشاة، وسط البناءات الجديدة، وسيرها على المساحات الخضراء ،جعلني أستنتج أن المرأة إما تائهة كالأمة العربية جمعاء، أو متمردة على جميع القوانين بما فيها قانون المرور.

وقبل أن أعود إلى الرواية الـمنشورة بالجزائــر سنـة1992 من قبل المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية التي بدأ يمسها الإرهاق المالي شأنها شأن المؤسسة الوطنية للكتاب المفلسة منذ سنوات نظرا لسوء التسيير وتعمّد طبع الرداءة والمجون...!(كتب هذا المقال سنة 1996) أسجل تقديري لهذه المرأة في دفاعها النبيل عن حال المرأة، وأقول لها أن وضع المرأة يحتاج إلى أكثر من ألف امرأة أمثال نوال السعداوي و مائة رجل كقاسم أمين و إلى مليون داعية لفهم الدين الإسلامي على الوجه الصحيح لتحريرها من عقدة النقص التاريخية ولتحرير الرجل من مركب التفوق الأجوف والغرور الأعمى... ولتحريرهما معا من استغلال الحكّام ورجال الأعمال، باسم الدين والأعراف مرة وباسم التطور و الحضارة مرة ثانية، وتحت أسماء أخرى... وكأنها (المرأة)ما خلقت إلاّ للإمتاع والمؤانسة، ولتدفئ الضجيع وترضع الرضيع، كالدجاجة بيضها في الفم ومقامها في الخم ..!

كما أبيّن أنني التقيتها سنة 2002 بفندق الهيلتون بالجزائر وأجريت معها حوارا شاملا حول التربية والتعليم والمرأة في البلدان العربية نشر في العدد 08 من مجلة المعلم سنة2001 التي كانت تصدرها دار الحضارة ، وفي هذا اللقاء استوت صورتها المتكاملة في ذهني.

والدكتورة في روايتها (امرأة عند نقطة الصفر) تدافع عن امرأة واحدة اسمها فردوس وهي بطلة روايتها، وتدفع أكثر من امرأة إلى السير على خطى الضحية فردوس، وبذلك يصبح الضرر أكثر من النفع كحال الخمرة وشاربها، لأن تبرير الخطأ وتبرئة الجاني وتزيين القبيح وإلصاق التهمة على غير الجاني مثل: الأسرة، المجتمع، القدر، إذا كان ذلك مقبولا نفسيا وسيكولوجيا فإنه مرفوض واقعيا، بل هو غطاء وتستر على أفعالنا وتملص من المسؤولية الأخلاقية والقانونية، وبالتالي يكون تشجيعا للظاهرة التي تصبح ككرة الثلج، تكبر كلّما تدحرجت، لكنها سرعان ما تذوب عندما تطلّ عليها شمس الحقيقة من غير زيف أو تبرير، وهذا ما حدث لبطلة رواية الكاتبة نوال السعداوي، ولا يمكن خداع القارئ بتصوير المنهزم بطلا والجاني ضحية .

* ملخــص القصة:

القصة مأساة حقيقية صنعها تخلف الوعي الاجتماعي وساهمت فيها البطلة، تتحدث عن فتاة من الريف المصري تعيش خلف الحياة في أسرة فقيرة وبخيلة، بعد وفاة والديها تنتقل إلى عمّها الأزهري المقيم بالمدينة فتدرس وتحصل على شهادة الثانوية، لها زوجة عم كانت قاسية، لم يهدأ لها بال حتى زوجتها من قريبها رغم كبر سنه، كان نهما وشحيحا وقاسيا عليها مما دفعها إلى الهروب من البيت واللجوء إلى الشارع، وفيه امتهنت الدعارة، ولم يشفع لهــا منصبها الجديد في الشركة، لتعود إلى ممارسة مهنتها المذكورة، بعد إخفاقها في أول تجربة حب لتقتل في الأخير أحد المتعاملين معها والمستغلين لمالها، في موقف محاولة إثبات كل طرف أناه، وتكون نهايتها السجن، حيث التقت بها الكاتبة نوال السعداوي، وبعد تردّد قصّت عليها الحكاية التي سجلتها لنا الكاتبة تحت عنوان "امرأة عند نقطة الصفر"

القصة مؤثرة في أحداثها، جريئة في اعترافاتها، واضحة في مقاصدها، بسيطة في نسيجها اللغوي، فاترة في سردها القصصي، عميقة في تشريحها النفسي، واسعة في استطراداتها، متعددة في إسقاطاتها النقدية، لاذعة في نقدها للواقع الاجتماعي الأسري والديني والسياسوي، باختصار هي أقــــــرب إلى تقريـــــــــر باحثـة نفسانية، أو تحليل

نفسي لحالة نفسية معقّدة منها إلى قصة أدبية بكل مقوماتها وليس إلى رواية كما سجل على غلاف الكتاب، لأن الرواية لها مواصفاتها، مع العلم أن الكتاب يحتوي على قصّتين قد تكون الثانية المعنونة "موت الرجل الوحيد على الأرض" أقرب إلى الرواية.

مهما تكن الدوافع والتبريرات للدفاع عن حقوق المرأة العربية المختزلة في البطلة "فردوس" فإنها لن تسمح بتهديم أركان صرح الأسرة، التي تعتبر مكسبا ثمينا لصالح المرأة.

والشيء المؤسف أن المحامية هنا تشدّ معولا وتهدم به بيت موكلتها بسلبياته وإيجابياته، كمن تُحطم التحف الفنية الجميلة لتتخلص من خيوط العنكبوت، تبدد السكينة والمودة والرحمة عندما تريد محاربة جور الأزواج وقهر المجتمع والعادات البالية. !

"إن أحدا لم ينقذني منهم وأنا زوجة أضرب"، "إن حياة المرأة في جميع الأحوال سيئة، لكن حياة المومس أقل سوءا، وقد أقنعت نفسي بأنني اخترتها و.. وإصــــــــــراري

على أن أكون مومسا يؤكد لي أنا التي اخترت حياتي، وإنني أملك حرية اختيار أقل الأشياء سوءا"ص 82.

لا أتصور أن بطلة القصة الحقيقية تنسج أفكارا بهذا النمط، لأن مستواها التعليمي أي الشهادة الثانوية لا يؤهلها لإدراك هذا البعــد الفلسفـي رغــم تجــربتـــها الفاشلـــة في زواجها السابق، والدكتورة هنا تقارن بين بيت الزوجية لما فيه من خلافات وانسجام وعفة وطهر، وبين الدعارة وحياة المومس والتشرد والرذيلة، وتفضل الدكتورة حياة المومس لأنها أقل سوءا من الحياة الزوجية، وهذه دعوة صريحة إلى الزوجات لاختيار الطريق المفضل عند الدكتورة نوال.

ويزيد حماسها الفياض لطريقتها الانتحارية في الهروب إلى الأمام عوض معالجة المشاكل في حدود الأسرة فتقول: "وأصبحت مومسا ناجحة، أحصل على أعلى ثمن، ويتنافس عليّ أعظم الرجال" ص82.

والغريب أن نوال السعداوي من بداية القصة إلى نهايتها لم تذكر أو تذكّر القارئ بأن بطلة القصة التي صارت "مومسا ناجحة" تفتخر بها الكاتبة هي على ذمة رجل، رغم عيوبه التي لا تحصى فهي غير مطلقة، بل خرجت إلى الشارع دون علم منه بها.

وهكذا تريد الدكتورة أن تقول لكل زوجة: لك أن تخرجي إلى الشارع دون علم من زوجك وأن تصبحي مومسا ناجحة يراودك أعظم الرجال...؟!!

لقد شدّني سؤال فجائي كانت قد طرحته منشطة السهرة المفتوحة بقناةM B C على الدكتورة نوال السعداوي خلال عقد ملتقى حول المرأة بلندن سنة 1996 في خضم الحوار، جاء السؤال في مضمونه:

ــ ألا يعتبر فشلك في زواجك الأول سبب ثورتك على الرجال ؟. وكان السؤال في حقيقته النفسية كما يلي:

ــ "ألا تعانين من عقدة نفسية تجاه كل الرجال أيتـــها الطبيبة في العلوم النفسية..؟! وجاء الجواب ناقصا متلعثما، كأنه يخرج من جوف بركان هامد.

"وأدركت أنني تخلصت من آخر قطرة من القدسية في دمي، وأصبح عقلي واعيا بالحقيقة، حقيقة أنني أفضل أن أكون مومسا عن أن أكون قديسة مخدوعة..." ص 80.

هل تريد الدكتــــورة أن تقول للقارئ أن الوعي بالحقيقة لن يتأتى إلاّ بالتخلي عن الشرف ؟!! أو ماهو القصد من وراء هذه المفاضلة الغريبة ؟!!

لنتابع معا قول الدكتورة في الصفحة ذاتها:

(إلا أن أقل النساء انخداعا هن المومسات، ومن أجل الزواج والحب تنال المرأة عقابا أشد).

هل صار الزواج عند الكاتبة عقوبة؟!! وحتى الحب هذه الشعلة الروحية المقدسة التي تسمو بالكائن إلى أرقى وأنبل الدرجات هو في حقيقته عقاب للمرأة...؟!! أي مجتمع تراه الدكتورة بديلا بعد أن يتمّ تفتيت أهم ركن في المجتمع الحالي؟!، وأعني بذلك الأسرة، وأساسها الزواج الذي تهاجمه الكاتبة بشراسة، وتصف المرأة المتزوجة في مغالاة بالعبدة (والصواب اللغوي هو الأمة)، ثم تصف أجساد المتزوجات بأرخص الأجساد، وتدعوهن في وقاحة إلى الخلاعة والمجون والعهر بأية طريقة.

"وأن أرخص النساء ثمنا هن الزوجات، على جميع النساء أن يكن مومسات بأشكال مختلفة، ولأنني ذكية واعية فقد فضلت أن أكون مومسا حرة على أن أكون مومسا عبدة، وفي كل مرة أعطي جسدي أقبض الثمن غاليا وأستطيع بثروتي أن أستأجر من الخدم ليغسلوا ملابسي وينظفوا أحذيتي، وأستطيع أن أستأجر المحامي للدفاع عن شرفي وأستأجر الطبيب لإجهاضي...الخ" ص84

ما هذا الهراء والاستهزاء بالقيـم الإنســانية الجـمـيلــة يــا دكتورة؟! ألا يوجد العفاف والطهر والفضيلة في قاموسك المعرفي...؟! هل يطربك أن تعم الفاحشة في الذين آمنوا وأن ينتشر الفساد، ويعم الزنا الخلق، تختلط الأنساب ويختلط الحابل بالنابل، فتصبح الأعراض مشاعة والنساء مومسات، والأطفـال لقطاء لا بيت لا أسر لا مودة لا صلة رحم...؟!

ولتدعم البطلة مواقفها السابقة تعلن بعد قتلها لأحد زبائنها... أنها صارت تمشي بخطى واثقة قوية لأنها ليست زوجة بمعنى أن الزوجة تمشي بذلة، مذبذبة الشخصية "لكن خطوتي الواثقة القوية فوق الإسفلت تدل على أنني لست زوجة لأحد"ص89

وهذه دعوة أخرى تريد الدكتورة النفسانية إسكانها في اللاشعور النسائي كي تصير بعد حين سلوكا تتمسكن به في حياتهن المستقبلة، ولا شك أن الكاتبة قد استثمرت اختصاصها في علم النفس في هذا المجال لاستغلال عقول الفتيات والنساء والتغرير بهن في الفوضى داخل مستنقع الرذيلة.. سيّما وأن المرأة العربية تعاني قلة النضج الفكري، ولو بلغت في بعض الأحيان درجات علمية أو سياسية كالدكتورة والوزيرة وإلاّ كيف نعتبر دعوة الدكتورة إلى تغيير وثيقة عقد الزواج الشرعي للمرأة ببطاقة المومس حسب الاستنتاجات السابقة ؟!

قواعد الإملاء في هذه الرواية مضطربة سيّما الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع، وجهلهما كجهل الفـرق بين مرض الانفصام ومرض ازدواج الشخصية.

تعليق بالمناسبة:

كتب علي أن أقضي هذه السنة إجازتي الصيفية على مضض(منذ عشر سنوات) في بلدة جزائرية في مرتبة بلدية ريفية ورغم كرم أهلها وصفاء هوائها وروعة لياليها المقمرة، إلاّ أنها كانت بمثابة مقبرة لا يتحرك على سطحها سوى النمل المذكر... نوافذها موصودة وشوارعها ميتةّ .. الأنثى فيها مُزنزنة .. مدجنة لأنها في المخيال الذكوري عورة... عوراء.

وشملت الاحتقار حتى أنثى الحيوان كالنعجة والدجاجة والفرس والأتان، فهي أقل شأنا من مذكرها في المعاملة وفي البيع وفي اللحوم.

البارحة أقيم عرس في البلدة، تهافت عليه الذكور من مختلف الأعمار لأن "مومسا ناجحة" ـ حسب رأي الدكتورة نوال ـ كانت تغني طوال الليل في هذا الحفل و المال يتساقط أمام قدميها من قبل الكثير من السكان،، سألت نفسي هل من الرجولة أن يبخل الزوج بماله وابتسامته و بفحولته على عياله ويهبها لعاهرة خاطبت فيه الغريزة والرعونة والجاهلية والمكبوت...

و الأدهى والأمر أن صاحب العرس هو إمام الجمعة بالبلدية، مما يعني أن نفاق بعض المتكلمين باسم الدين أشدّ ضررا من أعداء الملة، وقد ترسّخت لدي قناعة أن سبب تأخر الأمة وانحرافها عن النهج القويم إنما يعود إلى ثلاثة منابر أو مؤسسات وهي: الإعلام، المدرسة، المسجد، هذه المؤسسات إذا لــم تبن تهــدم وإذا لم تقدم تؤخر وإذا لم توع تخدّر، والمؤسف أن المؤسسات المذكورة كانت سلبية إلى حد كبير، بل ساهمت في تغييب الوعي الفعال وأنشأت وعيا جماهيريا وهو وعي التخلف، وعي المظاهر الزائفة والكلام الأجوف والعزة بالإثم، وعي القشور وليس وعي البذور.

وهنا أتفق مع السيدة نوال حينما تصف على لسان بطلتها ازدواج الشخصية عند بعض المتدينين ونفاقهم فتذكر في ص 16 أن أباها فلاح فقير، يفلح الأرض ويبيع الجاموسة المسمومة قبل أن تموت ويسرق زراعة جاره قبل أن يسرقه جاره، وينحني على يد العمدة دون أن يقبلها ويضرب زوجته كل ليلة، وصباح كل جمعة يرتدي جلبابا نظيفا ويذهب ليصلي، وبعد الخطبة يتحدث مع أقرانه عن إمام الجمعة بإعجاب فقد ذكر أن السرقة والقتل وسمّ البهائم والضّرب كلهم حرام...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى