الثلاثاء ٦ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

رنة الخلاخيل

استمالها عبدو إلى وكر الليالي الحمراء ودهاليز الظلام وسلاطين الكيف, كانت بعيدة كل البعد عن هذه الأزقة التي سار إليها العديد ممن باعتهم الدنيا في سوق العبيد لشياطين إنسية, جميلة تحمل قواما مرنا بعد أن تعلمت علي أيدي تجار الأجساد كيفية الرقص على جيوب مليئة بأوراق نقدية, عبدو .. هو من يقود زعامة الكيف وتنسيق الجداول الزمنية وموزع البريد, على أفواه لم تعرف سوى التيه أخدودا لأيام معدودة في سباقات مسافات طويلة وزمن الضياع, جعلت منهم أشجارا يغتالها عبدو في حظائر ليلة يختلط فيها من يبيع ومن يشتري ومن يجني كل ذنوب الآخرين أوراق مالية, ليكنزها جمرا في بطون شيطان كبير.

كل ليلة تقوم نغم برقصتها الشهيرة على أنغام حفظتها أصابع الطبالين قبل أنغام الموسيقى, ومغن بلع رحيق قاذورات الآخرين, ليطلقها فنا عربديا اسود ينفث أجواء النفاق والقذف الليلي في مخادع نارية.

تهتز كالسعفة بخصر أختنق من ضيق شد حزام, طفق يهتز بقوة, طالبا الخلاص من قيد ربط به عنوة لا رغبة, وأرجل ماجت برنة خلاخيل كل العبارات, التي تخرج من أفواه سكن الخراب فيها غربانا سوداء, دفعت هي أردافاً ونهوداً إلى عيون فارقت الحياة, نحو موت في أحضان جسد ميت في رغبة محرمة, لم تكترث لهم, فقد مارست خلال تلك السنين المنصرمة أنواع الرغبات الحيوانية, التي فاحت عن أجساد نتنة, لم تعد يوما ما تكسبه فعبدو جعلها الاستثمار الحقيقي بالنسبة له, حتى انه يغتال الحياة نفسها لأجل أن تكون هي بقربه, فالكنز جسدها, لذا وعدها الاهتمام بمن تعيل, بعد أن أخبرتهم أنها تعمل في أحد الدول العربية, كان ما يصل إليهم كفيل أن يجعلهم يتمنون بقائها في العمل, فهم بحاجة إلى كل شيء.

ذات يوم وفي أثناء رقصتها, دخل الى الصالة رجلٌ يحمل قسمات صلبة عبرت عن جسارة, جلس وصديقاه في مقدمة الصالة, وهي تتمايل بأفخاذ لمعت وخارت تعبا, فتصبب العرق شلالا من ردفيها وبطنها مسرعا في نزول, وما أن ألتفتت مترامية إلى منصة الرقص, حتى تطاير العرق إلى وجه صاحب القسمات الصعبة, نظر إليها وعيون تصلبت على فخذين توسدا الأرض, وانفراج سحق كل جسارته وقسوته, أطبق حاجبيه, نظر إلى صديقه أثناء مد يده إلى جيبه, أشار له بلا كبيرة, أرجع يده مسح قطرات العرق التي غفت على صلابة قسمات, قامت هي بهز أكتاف حملت خطايا كل الحاضرين, زندقة في زجاجات وكؤوس, لم يكن مكترثا لأن يراها تبيع جسدا لمن يدفع أكثر, فالكل يريد ان يسوم, ولكن من الذي يستطيع الدفع, كان عبدو يصطاد الفريسة ويحضرها بدعوة التعارف, وما ان تسقط الفريسة الدسمة, حتى يتاجر ويمارس الابتزاز عليها, هكذا هو عبدو صاحب السلطان الكبير الذي أصبح غولا, ولا يمكن لساطور الزمن ان يقطعه بما يحمل من خبث ودهاء, يتلاعب بالآخرين, ولا يترك ثغرة لدخول بعوضة لامتصاص دم من تلك الجيف, التي اقتاتت من المستنقعات البشرية أجود ما لديها, المال هو هذا همه الأول والأخير, لمح عبدو الشاب حين جلس, أشار إلى عامل الصالة أن يرسل له زجاجة من الخمر هدية من المحل, رفض في بداية الأمر, ولكن حال رؤيته لعبدو يبتسم ويحيه بكأسه قَبِلَ بها, مرت دقائق من وصلة الرقص, ظهر عبدو من بين الطاولات أمام ذلك الشاب, مُرحبا به جلس دون دعوة, فقال: أهلا وسهلا بك في ملهى ليالينا الحمراء, أنا عبدو صاحب الملهى وفي خدمة جميع الزبائن أرجو أن تقضي ليلتك كما تحب, طلباتك أوامر, وما أن عقص إصبعيه حتى ظهر قربه عامل الصالة, فقال له عبدو: كل طلباته ومن معه على حساب المحل, ينفذ له كل ما يريد, أشار العامل إيجابا برأسه, فقام بتحيته مبتعدا لم ينبس بكلمة واحدة, لا بترحيب او شكر, بل بقي جامدا صلبا كما هو, الزجاجة ارتمت في بطن تلك الآنية, بعد أن تلحفت قطعة قماش بيضاء, معلنة إنها توسدت الأكفان طلبا لموت شاربها, وبعد أن سرت البرودة في قعرها من مكعبات ثلجية, رمي بها لقضاء على حرارة رغبة في أجواف ساخنة, لم ينتظر طويلا حتى أشار إلى عامل الصالة, ثم همس بأذنه ابتسم وقال: طلباتك أوامر لحظات, وبعد أن أنهت نغم وصلتها, عادت لتجلس إلى طاولته بعد أن تركها صديقاه, شعرت برعشته, رغم عناد عواطفه , تلمست يديه, مالت كل العبارات ترنحا تريد أن تدير جسارته, وهمست له من أنت؟ قال لها: أنسيتِ من أكون؟ أم ان ليالي السود وخمرها قد مسحت ذاكرتك, صمتت أخذت تتفرس بملامح صور ذاكرتها, التي كانت غشاوة الجو والأيام قد أتلفت أحماضها, فبانت شاحبة تشكو من عدم وضوح, سحبت يدها تراجعت, تمسك رأسا تعصره, عل أحماضاً تنساب لتوضح صورته فجأة شهقت!!! وقالت: غير معقول هل تكون أحمد, نهضت دافعة الكرسي إلى الوراء هاربة نحو الداخل, قفز ليمسك بها, ضيق مكان وعضلات حماية جعلت مروره صعبا, هجم عليهم, تدخل أصدقاؤه, دارت معركة غيرت معالم وجوه سكارى وبنات ليل, أخرج أحدهم مسدسه أطلق النار في الهواء, توقفت الحركة إلا من هروب وآهات ألم, كان عبدو قد دخل مكتبه الذي دخلت نغم إليه هاربة, صعق لمنظرها وما أن سمع بما حدث, وصخب العراك حتى أخرج كلاب الحراسة لتنهش أياً كان, قالت له: أنه أبن عمي الذي أخبرتك عنه, لا أدري كيف علم بمكاني!! سيقتلني الآن قال عبدو: لا لن يكون ذلك, أبقي هنا, خرج شاهرا مسدسه إلى الصالة, وما أن رأى أبن عمها حتى انقض عليه, وعاد العراك مرة أخرى, دوى أطلاق النار في كل مكان, ولم ينج أحد من إصابة, أما عبدو فكان بين أيدي أحمد الذي أصيب برصاصة من مسدسه, أطبق يديه على رقبة عبدو مخرجا أنفاسه واحدا تلو الآخر, لم يدن أحدا منهم, فالجميع قد نال كفايته من ضرب أو جروح, خرجت هي فوجدت عبدو قد أوشك على مفارقة الحياة, اقتربت دفعت بنفسها إليهم, نظر احمد صوبها والغضب يخرج لعنات تصيب كل ناموس فيها, إلا أن شياطين جهنم هرعت لنجدتها فأغلقت منافذ الشرف, التقطت المسدس, لوحت به, أطلقت رصاصة أخرى في الهواء صارخة أتركه وإلا نظر متعجبا! يا لك من داعرة, سأنتهي منه وأقضي عليك, أطلقت رصاصة أخرى قريبة منه وقالت: ابتعد أرجوك, لم يكن يكترث لتهديدها, أطلقت الثالثة فأصابت ذراعه, قذفته من فوق عبدو, نهض عبدو بأعجوبة قائلا لها: اقتليه هيا يا نغم, اقتليه لتتخلصي من كابوسه, كانت تشاهد أحمد وهو يمسك بطنه النازفة ويده المصابة قد تراخت بعيدا, لم يقو بعد على الحركة, أقترب عبدو منها فقال لها: أعطني المسدس لأقتل هذا الكلب المسعور, لم تكن بوعيها, فلم تستجب له, قالت: ابتعد أنت الآخر, وجم عبدو, دارت لحظات في داخلها راجعت كل سنين المقت التي جثت على أنفاسها, فأوثقت نبضا في حياة شريفة, دنت من أحمد وقالت: لم أكن أريد ذلك سامحني ووجهت المسدس نحوه, أقترب عبدو منها بعد ان رأى ما تريد ان تفعل, وقال: هيا افعليها واقتلي هذا الكلب الدنيء, لاحت لها صورة عبدو منذ بداية تعرفها عليه وما آلت له, قالت لعبدو: اقترب أقتله أنت بيدك, أبتسم وقال: هاتِ المسدس لا توسخي يديك بدم هذا الحيوان, وما ان أقترب حتى أمسكت بعبدو وحضنته, دوت الرصاصة, كان أحمد قد سقط على الأرض, نادت عليه سامحني يا أحمد وترنحت مع عبدو, لتسقط وإياه جثتان هامدتان برصاصة واحدة, معلنة إنهاء ليال سوداء, في ملهى الليالي الحمراء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى