الثلاثاء ٦ تموز (يوليو) ٢٠١٠

العراق أنا

الطبيب نوري الوائلي
اللفظُ كالشمس تنويرٌ وإحراقُ
والحبرُ كالغصن أشواكٌ وأوراقُ
والعقلُ في الحق كالأمعاء لافظةً
سوءاً وتبقى إلى الأجساد أعلاقُ (1)
إنّا من العقل أنّا من منابعه
والعقلُ فينا موازينٌ وأذواقُ
إنّا ملكنا عقولا لم تظلّلها
إمارةُ السوء للظلما وأمحاقُ (2)
نحنُ المعارف والآدابُ جوهرنا
والدهرُ حبرٌ لنا والأفقُ أوراقُ
منذ الصبا صُبغتْ بالحبر منضدتي
وزان دربي مع الآداب أخلاقُ
واكتظّ ثغري فبات اللفظ قافية
والنطقُ منه على الأوزان سوّاقُ
العلمُ يطلبني والنور يُرشدني
والحرفُ يُلبسني لوناً ويشتاقُ
مثل العجينة صار الحرف نمضغه
حتى كأنّ بيان اللفظ ورّاقُ
ما كان شعري على الأفواه منقبضاً
بل إنّ شعري إلى الأفواه أشداقُ
ما طالت الريحُ يوماً من معارفنا
أو طاولتنا لنيل المجد أعناقُ
تروي لأروقة الأفلاك مسمعةً
إنّ الزمان لما تحويه منساقُ
فابحثْ عن النور حين الليل منبسطٌ
يخبرك أنّا إلى الأنوار إشراقُ
ما قلت انّا هباءً أو مبالغة
بل قال أنتم , شموخُ الدهر , عملاقُ
قد طاف منّي إلى الظلماء واهجة
فالليل ظهرٌ بها والغرب مشراقُ
لم تهفُ فينا الى التسليم نائبة ٌ
وما ثنانا عن الإنفاق إملاقُ
لم يدن منّا لفيض الشعر قائله
ولا علا دوننا الآفاقَ حذّاقُ
نحنُ الحروف وخيط العلم نغزله
نحنُ اللسان وفي الآداب مسلاقُ (3)
ما كان شعري كشعرٍ هام سامعه
بل إنّ شعري له الأبرار عُشّاقُ
إنّي من الأرض تربانٌ ومعدنه
وكم من الأرض يزهو بالعلا ساقُ
إن متّ يوماً فذكري حين تطلبه
تخبرك عنه من الأوراق أعماقُ
ما كان قبري تراب الأرض إذ حكمت
بل إنّ قبري ببطن العلم مصلاقُ (4)
من العراق أنا , يا سائلي , وأنا
فمُ الزمان له الأسماع أحداقُ
من العراق وليد والعلا سُنني
مُنذ الطفولة للعلياء سبّاقُ
من العراق فتاه والهدى قيمي
والعلمَ أشدو وللآداب ذوّاقُ
أنا العراقُ وشعري طاف محتضناً
كلّ الضمائر من بغداد برّاقُ
أنا العراقُ ونهري في مناسبه
ملء القصائد للشبعان أطباقُ
أنا العراقُ وعلمي لا يطاوله
في الشرق غيثٌ ولا في الغرب إشراقُ
أنا ابن دجلة لحمي من غذوبتها
فالماءُ دجلةُ والمنسوبُ ترياقُ (5)
أنا ابن دجلة ما جفّت مناسبها
وما علاها بقطع النخْل مرّاقُ
أنا الفراتُ ومائي طال آخره
جوفَ الجبال, به الرّمضاءُ إغراقُ
أنا الفرات وسيلي لا يسابقه
مدّ السحاب ولا ينقصه منفاقُ
أنا الفراتُ ونخلي في مرابعه
كالواحة البكر يغفو فوقها غاقُ (6)
هذا العراقُ به الهامات مقمرة
فجرُ الحضارات للتاريخ إشراقُ
أنت الكتابة والأمجاد تحفرها
أنت القوانين والألواح ميثاقُ
فيك المضايف لم تُطفأ مشاعلها
والسقي للضيف رغم العوز أفواقُ (7)
منْ عدّ خيرك لم تسعفه حاسبةٌ
فالتّمرُ منك الى القطبين أرزاقُ
ما هزّ نخلك والأقدار مفزعة
عصفٌ وجمرٌ وبارودٌ وإطلاقُ
ما باتت الخيلُ إلا فوقها شيم
ولا تناءى عن الصولات غيداقُ (8)
لم ترضع الأمّ من نهريك مبتذلاً
أو ذاق عشبك طول الدهر مزلاقُ (9)
لم تعلُ مثلك في الأيام فاجعة
أو طال مثلك في التاريخ سرّاقُ
هي المصائبُ للأبرار حاضرة
والفاجعاتُ لأهل الحق أفراقُ (10)
لم تعلُ فيك عراق الفجر ضائقة
ولا علاك لطول الكرب إرهاقُ
أنت الصمود عراق الفخر ممتحناً
والصبرُ صبرك من أيّوب دفّاقُ
الصابرون غدت أحلامهم أملاً
والطائراتُ مع الغارات أطباقُ
يعلو العراقُ شموخاً والشموخ به
يعلو وتغدو له في الكون أعماقُ
يبقى العراق تقيّاً واحداً علماً
زهو المشارق بالأمجاد خفّاق ُ
يبقى العراق عزيزاً والعِدى شطط
والعزمُ فيه برغم الجور خلاّقُ
حين استجارك منكوب لحاجته
لم تغلق البابَ أو يُفقرك إنفاقُ
كوني العراق فلم تفتحْ مداخلهم
حين استجرت ولم تنجدنِ أطواقُ
إلا القليل وكان الشر يتبعني
حتى حسبتُ بأنّ الأفق خنّاقُ
لم تبق أرضٌ ولا بحرٌ ولا بلدٌ
إلا وفيها لأرض العز أعراقُ
ما كنت تاركها والله من بطر
لكنّ فيها غراب البين صفاقُ
لم يُبق منا سليلا أو ذوي رحم
حتى تعالت بكل النخل أعناقُ
يا صانع الصبر أنواطاً يعلقها
صبرُ الشعوب إذا يغتالها عاقُ
حبّي اليك من التلقيح مرتسم
حتى كأنك في الأدمان ترياقُ (11)
دمعي عليك فشوقي كاد يقتلني
فالبعد عنك الى الأرواح إزهاقُ
ماذا يقول إلى بغداد مغترب
قد ساد فيه لطول البعد إحراقُ
فكم لبغداد روحي ذاقها ألم
وكم لأسمك بات النبض يشتاقُ
ماذا أقول إلى بغداد حاضرتي
فيها الولادة فيها الحلمُ أرزاقُ
قلبي يتوق إلى أربيل معترجاً
نجفَ العراق , اليه الناس تواقُ
في الناصريّة للأنبار يجمعنا
نهرُ الفرات إلى الأهوار إلحاقُ
أرض العراق فمن بغداد مربطها
والرافدان لأرض الطف إيراقُ
في الأعظميّة يزهو الجسرُ مرتبطا
بالكاظميّة , يحمي الجسرَ عتّاقُ
للفاو طوقٌ إلى زاخو يعانقه
والموصلُ الغرّ للفيحاء توّاقُ
الخالصُ الحرُّ يحوي عِطرَ ساقيتي
أرضي هناك وفيها الزرع أسواقُ
يا بصرة الشعر يا مكنونة ملكت
حبَّ العراق مع النهرين ينساقُ
أنت التآخي أيا كركوك محتضنا
كلَّ القلوب وفيك الودّ ميثاقُ
بغداد أنشد حين البعد يثقلني
فالشوق بغداد في الأرواح آفاقُ
أنا العراقُ وجرحي لن يضمّده
طولُ السنين وما تُرضيه أشناقُ (12)
أنا العراقُ ومثلي لن يسابقه
للغاليات جموحُ الخيل أو ناقُ
فينا العوالي وقد بانت مكارمنا
وما نبالي إذا تلتفُّ أطراقُ (13)
لم نغمض العين إن مُسّت مرابعنا
ولا طوانا بيوم الريع إطراقُ (14)
فينا العراق فلم تضعف عزائمنا
للشامخات وفينا القلب مشناقُ (15)
ما نام منّا سقيمٌ عند واجعة
والأرض والدار يعلو زهوها غاقُ (16)
أرض التقاة فهل طاوعت مظلمة
وانتاب شعبك عند الضيق إشفاقُ (17)
أرض الرسالات والإسلام مذهبها
والشعب فيها لدين الله سبّاقُ
كم سال فيك عراق الصّابرين دمٌ
حتى كأنّ خضاب الأرض سمّاقُ (18)
فيك المشانق للأحرار توئمة
والقاعدون لعزف الذّل أبواقُ
فاكتظّت الأرض بالأشلاء ناطقة ً
إنّ الشهيد بأرض العزّ مصداقُ
أخي الشهيد وأرض الرافدين به
كالخصب فيها إلى العلياء سُوّاقُ
أخي الشهيد ويحيا في العراق فما
يعلو المسامع أنّ الفجر رقراقُ (19)
أخي الشهيد وأرض العزّ مكمنه
أرضَ العراق نناجي حين نشتاقُ
جرح الشهيد نديٌّ حين نلمسه
يروي العراق كأنّ النحرَ غيداقُ ( 20)
عذرا بلادي فلم أ ُسعف بقافيتي
حتى يجود بكل الروح معلاقُ (21)

1-أعلاق = الشئ النفيس

2- امحاق = النقصان

3- مسلاق = الخطيب البليغ

4- مصلاق = شديد الصوت وبليغ

5- افواق= الحليب

6- ترياق = دواء للسموم

7- غاق = طير الماء

8- غيداق = الكريم

9- مزلاق = الفرس كثير السقوط

10- افراق = جماعات

11- ترياق = الخمر (كما استحوذ الخمر على المرضى المدمنين والعياذ بالله من أدمان الخمر فأن حبك أستحوذ علي يا عراق)

12- اشناق = الدية كاملة وزيادة

13- أطراق= طوارق الليل والنهار

14- إطراق = استرخاء

15- مشناق = الطامح لكل شئ

16-غاق = غراب

17- إشفاق = خوف

18- سماق = نبات شديد الإحمرار

19- اخي الشهيد نجاح الوائلي اللذي غيب في الثمانينات ولم ير العشرين عاما ولم نعرف له قبرا فهذا العراق له مقاما

20- غيداق = غزير الماء

21- معلاق = اللسان البليغ

الطبيب نوري الوائلي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى