الثلاثاء ١٣ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم زرين تاج برهيزكار

حول ليلی ومجنون؛ وفقا لتقارير نظامي الکنجوي

يعتبر الحکيم جمال الدين أبو محمد إلياس بن يوسف بن زکي المؤيد نظامي الکنجوي أحد أبرز الأساتذة الکبار وأعمدة الشعر الفارسي.

ولد نظامي الکنجوي عام 530 ق في مدينة الکنجة في إيران القديمة، تقع حاليا في أذربيجان. [1] أمه كردية. عاش خلال فترة حكم السلاجقة. تزوج نظامي ثلاث مرات وأعقب ولداً واحداً اسمه محمد.يری معظم مورخي الأدب أنه عاش حوالي 84 سنة ووفقا لهذا من المرجح أنه فارق الدنيا عام 614 ق.

أنشد نظامي إلی جانب ديوان من الغزليات والموشحات والقصائد يبلغ العشرين ألف بيت، خمسة منظومات قصصية معروفة سميت بنج غنج تعني «الکنوز الخمسة» واشتهرت بخمسة نظامي:

1- مخزن الأسرار: هي منظومة صوفية تشتمل علي كثير من النكات والحكايات علي أسلوب حديقة الحقيقة التي ألفها سنائي أو علي أسلوب المثنوي المعنوي التي كتبه فيما بعد جلال الدين الرومي وهي تشتمل علي كثير من المقدمات في المناجاة والحمد، يعقبها عشرون مقالة كل واحدة منها تتعلق بموضوع فقهي أو أخلاقي يتناوله الشاعر أولاً من الناحية‌النظرية والمعنوية، ثم يصوره بعد ذلك بحكاية من الحكايات.

2- خسرو وشيرين: في هذه القصة يجري نظامي على نسق الفردوسي من ناحية الموضوع والصياغه. وموضوع قصته يشتمل علي مخاطرات الملك الساساني کسری الثاني وغرامه مع معشوقته الجميلة شيرين، ونهاية‌ منافسه التعيس فرهاد، وقد اعتمد نظامي في هذه القصة على المصادر التي اعتمد عليها الفردوسي من قبل أو علی مصادر أخرى شبيهة بها، ولكنه تناولها بطريقة أخرى، ابتعد فيها عن الدراسة الموضوعية، فاستطاع أن يخرجها قصة غرامية بعكس الفردوسي فإنه أخرجها قصة حماسية. وهذه المنظومة تشتمل على ما يقرب 7000 بيت.

3- ليلى ومجنون: وهذه القصة لا تحدث وقائها في إيران بل تقع حوادثها في بلاد العرب وهي لا تمثل شخصية ملكية، بل تمثل شخصين عاديين من عرب الصحراء إحدهما هو البطل والآخر هو الفتاة المعشوقة. ولكن نظامي استطاع أن يصبغها بالصبغة الفارسية وقد اختار لها وزن الهزج المسدس الأحزب القبوض المحذوف. وتشتمل علي أكثر من 4000 بيت.

4- هفت پيكر (العروش السبعة) :آخر المثنويات التي أنشدها نظامي ويشتمل علي أكثر من 50000 بيت من الشعر. وموضوع هذه المثنوية مشابه لموضوع خسرو وشيرين في كونه متعلقا بقصة خاصة بأحد الملوك الساسانيين وهو بهرام جور.

5- إسكندرنامه (كتاب الإسكندر المقدوني :(هي المثنوية الخامسة من مثنويات نظامي وهي مكتوبة في وزن المتقارب وهو الوزن الذي كتب فيه أكثر الشعر القصصي الفارسي. وهذه المثنوية مقسمة إلي قسمين. الأول منهما يسمي إقبالنامه والثاني يسمي خردنامه. [2]

ليلی ومجنون

کما أسلفنا سابقا تعتبر منظومة "ليلی ومجنون" المنظومة الثالثة ضمن المنظومات الخمسة.تعتبر هذه المنظومة قصة غرامية مؤلمة لمجنون المعروف بقيس بن ملوح بن مزاحم من قبيلة بني عامر وليلی بنت سعد التي عاشت في تلک القبيلة أيضا.وهذه القصة من القصص القديمة في الأدب العربي.يذکر ابن النديم ضمن ذکره عشاقا عاشوا فترتي الجاهلية والإسلام وألفت کتب حولهم، کتابا باسم مجنون وليلی. [3]

ذکر القصة بشکل مفصل کل من ابن قتيبة في الشعر والشعراء [4]، وأبي الفرج الإصفهاني في الأغاني، وابن نباتة في مسرح العيون.

يذکر أن قصة ليلی ومجنون من المضامين الشعبية القديمة التي يمکن مشاهدة جذورها في الآداب البابلية؛ غير أن البابلية لاتختم بشکل مؤلم. [5]

وبالرغم من أن قصة ليلی والمجنون ليست من إبداعات نظامي إلا أن ما رواه نظامي هو قصة مصطبغة بصبغة فارسية لحکاية مفککة ضمنها الشاعر لطائف وطرائف کثيرة.

وبعد رحيل نظامي تم ذکر هذين العاشقين في نتاجات الکتاب والشعراء الإيرانيين کأسوة في عوالم الحب والغرام، ورمز للحب الطاهر، وعدم الفوز بالحبيب، وآلام طريق الحب، وإخلاص العشاق، وأخيرا کتمثيل للحب الحقيقي والإلهي.

ليلی ومجنون وفقا لتقارير نظامي

إن ما حدث في الأراضي العربية هو أن شيخ قبيلة العامريين الذي کان رجلا سخيا وذا فنون رزق بولد سمي بقيس.إن قيسا کان يدرس في إحدی الکتاتيب التي کان يجتمع فيها الفتيان والفتيات معا.

کانت ليلی إحدی زميلات قيس وکانت تتمتع بجمال ساحر.عشق بعضهما البعض في النظرة الأولی ثم استمر غرامهم إلی أن بان سرهما الخفي واتسعت دائرة فضيحة قيس.

وبما أن قيسا بعد غرامه لم يکن يهدأ في مکان سماه الناس بمجنون.

وأخيرا أدی عذل العذال إلی افتراق ليلی عن قيس.وبعد افتراقهما عاشا حياة مليئة بالآلام.کانت الهموم تراود ليلی بعد هذا الفراق کما کان مجنون يتسکع في کل الأنحاء والأطراف.أصاب السهر مجنونا جراء ما کان يلاقيه من الهموم والأحزان وکلما حاول في الوصول إلی الحبيبة کلما ازدادت فضيحته.

وحينئذ لم ير والد مجنون إمامه إلا طريقا واحدا وهو الذهاب إلی عائلة ليلی لخطوبتها إلا أن عائلتها لاتقبل مجنونا کصهر لها.

رجع العامريون قانطين ملولين وحاولوا حث مجنون علی اختيار زوجة أخری.إلا أنه اختار طريق الصحراء وبلغ ذروة الهيام والغرام إلی أن الجميع يبکون لحالاته الغرامية.

يری شيخ العامريين أن ابنه قد يفيق من غرامه هذا بعد زيارة الکعبة، إذ يأخذه معه إلی الحج في موسمه غير أن مجنونا عندما يصل إلی ستار الکعبة يدعو علی نفسه ويکثر من ذکر ليلی والدعاء لها!

وفي هذه الفترة قبلت عائلة ليلی تزويجها بخطيبها ابن سلام من قبيلة بني أسد.ومن ناحية أخری لم يستطع نوفل الشجاع الهزبر أن يفي بوعوده في إيصال ليلی إلی مجنون بالقوة والقهر.

زوجت ليلی من ابن سلام.وهذا الزوج يمتنع عن الجمع بها لأیمان ليلی عنده من ناحية ولحبه الشديد لها من ناحية أخری.

تضاعف حزن مجنون بعد زواج ليلی.أدی نفور مجنون وحظوظه السيئة وجولانه في الجبال والصحاري وشحوب لونه ونحافة جسمه، کل هذا أدی إلی وفاة الوالد.

لم يکن مجنون ذا علم بهذا الخبر وأخيرا وصله نعي أبيه عن طريق صياد.عذله الصياد أنه لم يطلع علی وفاة أبيه.تحرک مجنون نحو مرقد أبيه ويئن حتی الصباح.في هذه الأثناء يفقد مجنون والدتها إذ يرجع حينئذ إلی الوحوش مرة أخری.

ينتهي عدم اکتراث ليلی بابن سلام إلی مرضه ووفاته.وأخيرا تفارق ليلی الدنيا في فراق الحبيب.يزور مجنون قبر ليلی کل يوم وتتجمع الوحوش حول القبر بحيث لايتجرأ أحد الاقتراب من قبرها.

وأخيرا عندما يسأم مجنون من الحياة يطلب من الله أن ينجيه من هذا الهم وتفارق روحه جسده وهو متمسک بتربة ليلی مناديا أيها الحبيب.

المصادر والمراجع

الفهرست، ابن النديم، الترجمة الثانية، رضا تجدد، طهران، 1343ش.

الأغاني، أبوالفرج الاصفهاني، القاهرة، 1322-1323ق.

تاريخ الأدب الإيراني، يان ريبکا، ترجمة عيسی شهابي، طهران، 1358ش.

تاريخ الأدب في إيران، ذبيح الله صفا، ج2، طهران، 1373ش.

حالات عشق مجنون، جلال ستاري، طهران، 1385ش.

الشعر والشعراء، ابن قتيبة، بيروت، 1964م.

سرح العيون، ابن نباتة، مصر، 1957م.

ليلی ومجنون، نظامي الکنجوي، تصحيح وحيد دستجردي، طهران، 1313ش.

ليلی ومجنون، نظامي الکنجوي، تصحيح حسين بزمان بختياري، طهران، 1347ش.

ليلی ومجنون، نظامي الکنجوي، تصحيح بهروز ثروتيان، طهران، 1365ش.


[1کانت هذه المدينة في الأراضي الإيرانية حتی العهد القاجاري، أي قبل العهد البهلوي الذي يعتبر آخر العهود الملکية في إيران والذي يقع قبل الثورة الإسلامية.

[2ويکيبيديا، الموسوعة الحرة

[3ابن النديم، الفهرست، طبعة مصر، 425.

[4طبعة ليدن، 335- 362، نقلا عن تاريخ الأدب في إيران للدکتور ذبيح الله صفا.

[5يان ريبکا، تاريخ الأدب الإيراني، 333


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى