الأربعاء ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

آلاَمٌ مُتقاطِعَة

منذ أن تأكّد لهم أنّه "غير صالح"، حكموا عليه ب"السجن المؤبّد" في زنزانة "عادته المرضية"؛ وأوكلوا لزوجته "مُهمّة" حراسته؛ فكانتْ هي الجلاّد (بالنسبة له) والضحية (بالنسبة لمن يعرفها).

"حياة" امرأة صالحة، بارّة، مهتمّة بشؤون بيتها وبزوجها؛ لكنَّ "عبد الغفور" له رأيٌ آخر فيها.

تتذكّر أوّل يوم تعرّفتْ عليه؛ يوم أدخلوها إلى مكتبه وقالوا:

ـ السيّد "عبد الغفور"... هو رئيس هذا المكتب... السيّد "عبد الغفور" جِدّي للغاية، ولا يتكلّمُ كثيرا.

كان رجلا صالحا.

فأثارتْ انتِباهَها حركةٌ قهرية يقوم بها كلّ دقيقة أو دقيقتين:يشدُّ على أنفِه وكأنّه يتقزّز من رائحة كريهة.

لم يكن وسيماً ولا لطيفا... كان رجلا "عاقلا" أكثر من اللازم...

ومع ذلك حادَثها ذات يوم، فأصبح زوجُها.

كان "عبد الغفور" زوجاً مثاليا؛ إلى أن "تأكّدوا من أنّه لم يَعُدْ رجلا صالحا".

بدأت الشكوك حوله في المكتب عندما رأوه يتقدّم - ويده اليُسرى على أنفه- نحو موظّف حديث التعيين ووسيم، ولكمَه.

وزادتْ يوم أراق فنجان القهوة على العَوْن وصرخ في وجهه:

 كلُّكم يريد تسْميمي... لماذا؟

وردّدها أكثر من مرّة.

وكان قد جاوز الأربعين، وصار يضعُ قناعاً ورقياً على أنْفِه:

ـ كلُّ ما في العالم نتِن!

وزادتْ شُكوكُهم أكثر، يوم دخل على المدير العام وقد صارت "حياة" سكرتيرتَه الخاصة. فانهال عليه بالشتائم والضرب...

فحكموا عليه ب"السجن" المؤبّد تحت "حراسة" زوجتِه.

"عبد الغفور" رجل صالح؟.. "عبد الغفور" رجل طالح؟..."عبد الغفور" يعشق ممارسة "الكلمات المتقاطعة" ويكرهها...

اليوم أحد، والأطفال ذهبوا لزيارة جدّتهم.

فجلسَ في الصالون، وفي يدِه جريدة وقلم، وعيناهُ على الأُحْجـِيات:

 آخر الشعراء...."محمود"...مُتيّمٌ...."عاشقٌ"... ضد الموت (بدون تعريف)... "حياة"...

كان يملأ شبكة الكلمات المتقاطعة و"حياة" زوجتُه في غرفة النوم تعالجُ كدمات الأمس التي على وجهِها:

ـ هل سمِعتِ ما تقوله الشبكة؟... محمود يعشق حياة!

فقامَ إليها...

فكانتْ قوْمتُه تلك، آخر عهده ب"حياة السجن المنزلي" لِيُودِعوهُ "سِجن الكلمات المتقاطعة... المآسي المتقاطعة... الحبوب المُنوِّمة... الحُقن المُدمِّرة... الصدمات الكهربائية اللاّغية لكلّ إنسانية..."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى