السبت ٢٤ تموز (يوليو) ٢٠١٠

أجنحة الحكمة

عمار الجنيدي

عندما تكون إرادة الإنسان أكبر من حجم المواجع المحيطة به واللابسة لبوس الإصرار؛ حينها ينثال البوح والإلهام حتى يصير لمذاق الحرف طعم الإدهاش المطعّم بالإبداع الطالع من ضمير الحكمة، ففي مثل هذه المِحَن يبرز الرجال الحقيقيين ذوي الشهامات الكبرى، تماما، على قدر حجم المصائب الموجعة. 

وتأتي تجربة الأستاذ يسار خصاونه في تجربته الكتابية الموسومة ب "أجنحة الحكمة" بأقوال موجزة ملتزمة بالحكمة ومحمّلة بالرؤى والأفكار لا تعترف أبدا بالبكائيات الساخطة؛ بعد مكابداته مع المحنة التي ضربت كيانه الإنساني بقساوة لا يشبهها إلا امتحان أصحاب العقائد بأبعادها الأخلاقية وبالأخص منها ما يتعلّق بالصبر وقدرات التحمّل المنبجسة من الضمير الأخلاقي، فحاول أن يقنعنا بان الكلمة ما زالت حصننا الأخير الذي نلوذ إليه عندما تمارس الحياة قهرها الوجودي على ضعفنا وإنسانيتنا، مؤكدا أن الكلمة النابضة بالحرية إنما تؤدي واجبها المقدس في البوح وممارسة طقوس الحرية والانعتاق من واقع يطيب له أن يمارس علينا جنونه اليومي، ولأنه شديد الإيمان والتأثر بقضية الإنسان المطحون تحت إلحاح القهر اليومي والمجّاني، فانه الأكثر قدرة على رفع الكلام إلى مستوى المواجهة باقترابه من المشهد الإنساني متجشما عبء وثقل المسؤولية التي تمنحنا إياها الكلمة؛ تراه يحرّضنا على التمعّن بقدرة الموت الذي بإمكانه أن يقهر أكبر وأعظم الآلام؛ داعيا القارئ أن يتفيّأ في ظلال الكلمة التي يختزل الكاتب معاني جُمَلِهِ حتى تلامس رِفعت وسموّ المقام في أدب الملوك، فهو يتحدّث عن الحكمة والمثل مُختزلا آفاق معاناته وتجاربه الإنسانية عن الحياة والموت والحب والصبر والمرأة والرجولة والألم والحرّية والقيم الإنسانية مُخرجا إياها في عمق أدبي ليس فيه هذر أو ابتعاد عن منطق الإبداع الأدبي بفلسفته الرفيعة الهادفة السامية؛ فيؤكد أن الكلمة تُخلَق من روح معناها وأن المعرفة هي التي تحرّر الروح من أغلالها، وأن لا قيمة للعفو إذا عُنّف المسيء بالمسامحة، وأن الروح ترى ما لا يراه الجسد، وفي موجز ساخر وطافح بالدلالات بأن الحَمَلَ فرَّ يوما من سطوة الجزّار فراح يشكو للذئب سوء حاله، وأن النذل ذئب إذا سمّنته أكلك، وأن الكَرَم لا يعني عنده إلا الزهد في الحرام .. 

يسار خصاونه في أقواله الحكيمة: يجدف باتجاه آخر عن صنوف الكتابة التي نعرفها فهو متخصص بكتابة الحكمة برؤى بلاغية تقترب في إيحاءاتها من الشعر، فهي تتخذ من الموضوع الإنساني هاجسا ومنطلقا، ليبثّها لنا بروح فلسفية وأخلاقية؛ فيها مسحة موعظة تسمو بالكلمة إلى مصاف الإبداع الجريء.

عمار الجنيدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى