الثلاثاء ٣ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم أوس داوود يعقوب

العنف والإرهاب الصهيوني..أساليب وأشكال متعددة

«إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف» 
 مناحم بيجين

يعد البحاثة الموسوعي، المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري من أبرز الباحثين و المفكرين العرب، لا بل وفي العالم، الذي أستطاع أن يقدم دراسات و رؤىً، علمية وموضوعية، من خلال موسوعته الرائدة، عن تاريخ العبرانيين في العالم القديم، وتواريخ الجماعات اليهودية بامتداد بلدان العالم، وتعدادتها وتوزيعاتها، وسماتها الأساسية، وهياكلها التنظيمية، وعلاقات أفراد الجماعات اليهودية بالمجتمعات التي يوجدون فيها وبالدولة الصهيونية. وقد غطت الموسوعة كذلك أشهر الأعلام من اليهود، وغير اليهود ممن ارتبطت أسماؤهم بتواريخ الجماعات اليهودية (مثل نابليون وهتلر). كما تناولت هذه الموسوعة كل الجوانب المتعلقة بتاريخ اليهودية، وفرقها وكتبها الدينية، وطقوسها وشعائرها، وأزمتها في العصر الحديث، وعلاقتها بالصهيونية وبمعاداة السامية (معاداة اليهود). وقد غطت الموسوعة كذلك كل ما يتعلق بالحركة الصهيونية ونشاطاتها ومدارسها وأعلامها، وبعض الجوانب الأساسية للدولة العنصرية الصهيونية.

ويمكن تلخيص هدف الموسوعة، التي صدرت في ثمانية مجلدات، متوسط عدد صفحات كل منها 450 صفحة، ويتناول كل مجلد واحد منها موضوعاً محدداً. فالمجلد الأول يتناول الإطار النظري للموسوعة وقضايا المنهج. أما المجلدات التالية (الثاني والثالث والرابع) فتتناول موضوع الجماعات اليهودية. ويتناول المجلد الخامس اليهودية، والمجلد السادس الصهيونية، والمجلد السابع (إسرائيل). 

والموسوعة محاولة لتطويرٌ الخطاب التحليلي (مصطلحات ومفاهيم)، القصد منها وصف الظاهرة اليهودية والصهيونية، وهو خطاب يسترجع البعد التاريخي لهذه الظاهرة، من حيث كونها ظاهرة تاريخية اجتماعية يمكن فهمها والتعامل معها.

استغرق إعداد الموسوعة ما يزيد عن ربع قرن. واشترك في هذه العملية عشرات الأفراد (مؤلفون - مساعدي باحث - مكتب للترجمة العبرية – وغيرهم الكثير). وقد قام الدكتور المسيري بجهوده الذاتية بإعداد هذه الموسوعة والإنفاق عليها طيلة هذهالفترة. 

وحينما عرف بأمر الموسوعة، قام الارهابي الصهيوني "مائير كاهانا" (عضو الكنيست السابق ورئيس جماعة كاخ الصهيونية الإرهابية) بإرسال خطابات تهديد بالقتل لمؤلفها والمشرف عليها في يناير عام 1984، واعترف بإرسال الخطابات، في حديث مع جريدة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في عددها الصادر في 21 فبراير 1984. وبلغ عدد هذه الخطابات ثلاثة عشر خطاباً، أرسل ستة منها على عنوان الدكتور المسيري بالرياض (المملكة العربية السعودية) وأرسلت الستة الأخرى على عنوانه بالقاهرة، أما الخطاب الثالث عشر فقد أرسل له في القاهرة فور عودته من الرياض، جاء فيه أن مرسلي الخطاب يعلمون بأمر عودته، وأنهم "يعدون قبراً له". كما جاء في هذه الرسائل أنه إن لم يتوقف الدكتور المسيري عن نشاطاته المعادية للصهيونية (وأهم هذه النشاطات - بطبيعة الحال - هو تأليف الموسوعة) فستصل إليه الأيدي الصهيونية، وستقوم بتصفيته. وقد وضع الدكتور المسيري تحت حراسة سلطات الأمن المصرية، حمايةً له. 
رحم الله الدكتور عبد الوهاب المسيري، الذي ترك لنا هذا الاثر العلمي الهام ليكون مرجعاً لكل باحث أخذ على عاتقه التصدي للظواهر اليهودية والصهيونية بالدراسة، كل في حقل تخصصه.

وقد وجدت في من فصول هذه الموسوعة، ضالتي، وأنا أبحث عن جذور العنف والإرهاب الصهيوني، وقد رأيت أنه من المفيد بداية تقديم تعريف للصهيونية، قبل الخوض في غمار الحديث عن جذور العنف والإرهاب الصهيوني ودوافعه وأسبابه وأشكاله المتعددة.

إشـكالية تعريـف الصهـيونيـة: 

يرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن كلمة «صهيونية» يصـعب تعريفها بشـكل مبـاشر لعدة أسباب منها أن التعريفات الشائعة في المعاجم الغربية تشير إلى "الأمل الصهيوني" وليس إلى الظاهرة الصهيونية، فتُعرَّف الصهيونية، على سبيل المثال بأنها "الحركة الرامية إلى عودة اليهود إلى وطن أجدادهم إرتس يسرائيل حسبما جاء في الوعد الإلهي والآمال "المشيحانية لليهود"! وغني عن القول أن الأمل الصهيوني أو المتتالية المفترضة أو المتوقعة تختلف كثيراً عن الواقع الصهيوني أو المتتالية المتحققة. 

كما أن هذه التعريفات تختلط بالإعتذاريات والمنظورات المختلفة بحيث لا تمكن التفرقة بين الواحد والآخر، فالصهيونية قد تكون من منظور البعض هي تحقيق الآمال المشيحانية، ولكنها من منظور البعض الآخر مخطط استعماري استيطاني. 

اضافة الى أن مصطلح الصهيونية يشير إلى نزعات وحركات ومنظمات سياسية غير متجانسـة، بل متناقضة أحياناً، في أهدافهـا ومصالحهـا ورؤيتها للتاريخ، أو في أصولها الإثنية أو الدينية أو الطبقية. فضلاً على أن هذا المصطلح قد يُستخدَم مع صفة تحدُّ من حقله الدلالي أو تُوسِّعه كأن نقول «الصهيونية العمالية» و«الصهيونية المسيحية». بل هناك أيضاً« صهاينة صهيون» وهم معارضو مشروع شرق أفريقيا باعتبار أن دعاة هذا المشروع هم صهاينة بدون صهيون (كما أشار بعض دعاة الصهيونية الإثنية العلمانية إلى صهيونية هرتزل بإعتبارها «صهيون بلا صهيونية«). 

وإذا كانت الصهيونية تعني "تهجير بعض أعضاء الجماعات اليهودية إلى فلسطين وتوطينهم فيها"، فبأي معنى إذن يمكننا الحديث عن «صهيونية الدياسبورا» أو «الشتات» (الجماعات اليهودية في العالم)،أي صهيونية اليهودي الذي يرفض أن يشترك في عملية الاستيطان الصهيوني وإن كان في الوقت نفسه يرى أن هذا الاستيطان هو الحل الوحيد لمشاكل اليهود؟ ولعل هذا هو الذي حدابالمفكر الصهيوني العمالي بوروخوف إلى أن ينحت مصطلحاً في غاية الأهمية اختفى من الأدبيات والتواريخ الصهيونية وهو «صهيونية الصالونات»، ويعني صهيونية الطبقة الوسطى التي تهتم بالجوانب الحضارية والثقافية والإثنية (أي ما يُسمَّى «الوعياليهودي») ولا تهتم كثيراً بالاستيطان. كما نحت آخر (بعد تأسيس الدولة الصهيونية) مصطلح «صهيونية دفتر الشيكات» وهي صهيونية اليهودي الذي يُحدث أصواتاً صهيونية عالية ولكنه يكتفي بدفع مبلغ من المال للمنظمة الصهيونية. ولذا، فإن الصفة هنا في الواقع لا تُعدِّل دلالة المصطلح وحسب، وإنما تغير معناه تغييراً جوهرياً. 

وهنا يجب أن نثير قضية تتصل بالمجال الدلالي. فإن قَبلنا بأن الصهيوني "هـو من يدعـو إلى تهجير اليهود إلى فلسـطين وتوطينهم فيها "، فهل يمكن أن نُطلق المصطلح على دعوة المعادين لليهود بطرد اليهود من أوطانهم وتوطينهم في فلسطين؟ بلهل يمكن أن نُطلق المصطلح على المشاريع النازية المختلفة للتخلص من اليهود؟ وهل يمكن الحديث عن النازيين كصهاينة؟ وعلى كل حال، فإن هذا ما فعله أدولف أيخمان أثناء محاكمته. فقد أشار إلى نفسه باعتباره صهيونياً يحاول أن يضع شيئاً من الأرض الراسخة تحت أقدام اليهود (باعتبار أن اليهود شعبٌ بلا أرض، أما الأرض الراسخة فهي فلسطين، أرض بلا شعب). 

الصهـيونيـة.. تاريـخ المفهـوم والمصطلح : 

يؤكد الدكتور المسيري أن مصطلح «الصهيونية» لم يُسك إلا في القرن التاسع عشر، ولكنه مع هذا يُستخدَم للإشارة إلى بعض النزعات في التاريخ الغربي، بل داخل النسق الديني اليهودي قبل هذا التاريخ. وانطلاقاً من هذه الرؤية، عمل المسيري على رصد بعض استخدامات المصطلح وأوردها في تسلسلها التاريخي، مع إشارته إلى أن كل دلالة جديدة لا تنسخ بالضرورة ماسبقها، وإنما تُضاف إليها فتزيد المجال الدلالي اتساعاً وتناقضاً وتجعل المصطلح تركيباً جيولوجياً تراكمياً: 

أولاً: الصهيونية بالمعنى الديني: تشير كلمة « صهيون» في التراث الديني اليهودي إلى جبل صهيون والقدس، بل إلى الأرض المقدَّسة ككل، ويُشير اليهود إلى أنفسهم باعتبارهم « بنت صهيون». كما تُستخدَم الكلمة للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والواقع أن العودة إلى صهيون فكرة محورية في النسق الديني اليهودي، إذ أن أتباع هذه العقيدة يؤمنون بأن الماشيح المخلِّص سيأتي في آخر الأيام ليقود شعبه إلى صهيون (الأرض ـ العاصمة) ويحكم العالم فيسود العدل والرخاء. ولكلمة « صهيون» إيحاءات شعرية دينية في الوجدان الديني اليهودي، فقد جاء في المزمور رقم 137/1 على لسان جماعة يسرائيل بعد تهجيرهم إلى بابل: "جلسنا على ضفاف أنهار بابل وذرفنا الدمع حينما تذكرنا صهيون". وقد وردت إشارات شتى في الكتاب المقدَّس إلى هذا الارتباط بصهيون الذي يُطلَق عليه عادةً «حب صهيون»، وهو حب يعبِّر عن نفسه من خلال الصلاة والتجارب والطقوس الدينية المختلفة، وفي أحيـان نادرة على شكل الذهاب إلى فلسطين للعيش فيها بغرض التعبد. ولذا، كان المهاجرون اليهود الذين يستقرون هناك لايعملون ويعيشون على الصدقات التي يرسلها أعضاء الجماعات اليهودية في العالم. وقد كان العيـش في فلسـطين يُعَد عملاً من أعمال التقوى لا عمـلاً من أعمال الدنيا، وجزاؤه يكون في الآخرة أو في آخر الأيام، ولذا فإنه لا تربطه رابطة كبيرةبالاستيطان الصهيوني، وخصوصاً أن اليهودية الحاخامية (الأرثوذكسية) تُحرِّم محاولة العودة الجماعية الفعلية إلى فلسطين وتعتبرها تجديفاً وهرطقة ومن قبيل «دحيكات هاكتس» أي «التعجيل بالنهاية».
فاليهودية تؤمن بأن العودة إلى أرض الميعاد ستتم في الوقت الذي يحدده الرب وبطريقته، وأنها ليست فعلاً بشرياً يتم على يد البشر. وهذه النزعة الصهيونية الدينية (التي تؤكد عنصر تجاوز المادة) لا علاقة لها بالاستيطان الصهيوني الفعلي والمادي في فلسطين ولا حتى بما يُسمَّى «الصهيونية الدينية» فيالوقت الحالي. 
ثانياً: يُطلَق اصطلاح «الصهيونية» أيضاً على نظرة محددة لليهود ظهرت في أوربا (وخصوصاً في الأوساط البروتستانتية في إنجلترا ابتداءً من أواخر القرن السادس عشر) وترى أن اليهود ليسوا جزءاً عضوياً من التشكيل الحضاري الغربي، لهم ما لبقية المواطنين وعليهم ما عليهم، وإنما تنظر إليهم باعتبارهم شعباً عضوياً مختاراً وطنه المقدَّس في فلسطين ولذا يجب أن يُهجَّر إليه. وقد استمر هذا التيار المنادي بتوطين اليهود في فلسطين حتى بعد أن خمد الحماس الديني الذي صاحب حركة الإصلاح الديني. ويُطلَق على هذه النزعة اسم «الصهيونية المسيحية»، وهي تمارس في الولايات المتحدة الآن بعثاً جديداً وخصوصاً في بعض الأوساط البروتستانتية( الأصولية) المتطرفة. 

ثالثاً: مع تَزايُد معدلات العلمنة في المجتمعات الغربية، ظهرت نزعات ومفاهيم صهيونية في أوساط الفلاسفة (ولا سيما الرومانسيين) والمفكرين السياسيين والأدباء، تنادي بإعادة توطين اليهود في فلسطين باعتبار أنهم شعب عضوي منبوذ تربطه علاقة عضوية بها استناداً لأسباب تاريخية وسياسية بل"علمية". ويُطلَق على هذا الضرب من الصهيونية «صهيونية غير اليهود» أو «صهيونية الأغيار». 

رابعاً: يُلاحَظ حتى الآن أن مصطلح «صهيونية» نفسه لم يكن قد تم سكه بعد، ومع هذا كان مفهوم الصهيونية مفهوماً مُتداوَلاً على نطاق واسع بين الفلاسفة والمفكرين والشعراء والمهووسين الدينيين. ولكن مع تبلور الهجمة الإمبريالية الغربية على الشرق، وبخاصة الشرق الإسلامي، ومع تبلور الفكر المعادي لليهود في الغرب (بسبب ظهور الدولة العلمانية المركزية التي همَّشت اليهود كجماعة وظيفية)، ومع تصاعد معدلات العلمنة بدأ مفهوم الصهيونية نفسه في التبلور والتخلص من كثير من أبعاده الغيبية الدينية أو الرومانسية وانتقل إلى عالم السياسة والمنفعة المادية ومصالح الدول. 

خامساً: ليس من الغريب إذن أن نجد أن نابليون بونابرت أول غاز غربي للشرق الإسلامي في العصر الحديث وواحد من أهم المعادين لليهود في العالم الغربي (كما يدل على ذلك سجله في فرنسا) وواحد من أهم دعاة العلمانية الشاملة هو أيضاً صاحب أول مشروع صهيوني حقيقي، إذ دعا الصهاينة إلى الاستيطان في "بلاد أجدادهم"! 

سادساً: أصبح مفهوم الصهيونية مفهوماً أساسياً في الخطاب السياسي الغربي عام 1841 مع نجاح أوربا في بلورة مشروعها الاستعماري ضد العالم العربي والإسلامي الذي حقق أول نجاح حقيقي له في القضاء على مشروع محمد علي في تحديث مصر والدولة العثمانية، ومع تفاقم المسألة اليهودية التقت المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية وساد التصوُّر القائل بإمكان حل المسألتين من خلال دمجهما. 

سابعاً: تمت بلورة المفاهيم الصهيونية وملامح المشروع الصهيوني بشكل كامل في الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر وعام 1880 على يد المفكـرين الصهاينة غــير اليهـود لورد شافتـسبري ولورانـس أوليفانت. وقد لخص شافتسبري التعريف الغربي لمفهوم الصهيونية في عبارة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض (في كلمات تقترب كثيراً من الشعار الصهيوني). وقد حاول أوليفانت أن يضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. 
ثامناً: يُلاحَظ أننا نضع تاريخ تطوُّر مفهوم الصهيونية في سياق التاريخ الفكري والسياسي والعسكري الغربي، ولا نعود إلى العهد القديم أو ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» (إلا في محاولة دراسة الديباجات). فحتى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر لم يكن يربط اليهود أو اليهودية علاقة كبيرة بالصهيونية كفكرة أو مفهوم أو مشروع سياسي واقتصادي عسكري. وقد كان هذا هو الرأي السائد في الأوساط الصهيونية حتى عهد قريب. فأول تاريخ رسمي للصهيونية، كُتب بتكليف من المنظمة الصهيونية وكتبه ناحوم سوكولوف (الذي تولى رئاسة المنظمة الصهيونية بعض الوقت) مكوَّن من جزأين كرِّس معظمها لتاريخ الصهيونية بين غير اليهود. 
تاسعاً: بدأت النزعات الصهيونية تظهر بين اليهود أنفسهم في أواخر القرن التاسع عشر مع تفاقم المسألة اليهودية، وعبَّرت عن نفسها في بادئ الأمر عن طريق المساعدات التي كان أثرياء اليهود في الغرب يدفعونها للجمعيات التوطينية المختلفة التي كانت تهدف إلى توطين يهود شرق أوربا في أي بلد (ويشمل ذلك فلسطين) حتى لا يهاجروا إلى غربها فيعرِّضوا مكانتهم الاجتماعية وأوضاعهم الطبقية للخطر.
 
وقد عبَّرت النزعة الصهيونية في شرق أوربا عن نفسها من خلال جماعات أحباء صهيون التي حاولت التسـلل إلى فلسـطين للاسـتيطان فيها. وتُوصَف هذه النزعات أيضاً بأنها «صهيونية» رغم اختلاف الدوافع بين الفريقين الأول والثاني. 
عاشراً: نحت المصطلح نفسه المفكر اليهودي النمساوي نيثان بيرنباوم في أبريل 1890 في مجلة الانعتاق الذاتي وشرح معناه في خطاب بتاريخ 6 نوفمبر 1891 قال فيه إن الصهيونية هي إقامة منظمة تضم الحزب القومي السياسي بالإضافة إلى الحزب ذي التوجه العملي (أحباء صهيون) الموجود حالياً. وفي مجال آخر في المؤتمر الصهيوني الأول 1897 صرَّح بيرنباوم بأنالصهيونية ترى أن القومية والعرْق والشعب شيء واحد، وهكذا أعاد بيرنباوم تعريف دلالة مصطلح «الشعب اليهودي» الذي كان يشير فيما مضى إلى جماعة دينية إثنية، فأصبح يشير إلى جماعة عرْقية (بالمعنى السائد في ذلك الوقت)، وتم استبعاد الجانب الديني منه تماماً. وأصبحت الصهيونية الدعوة القومية اليهودية التي جعلت السمات العرْقية اليهودية (ثم السمات الإثنية في مرحلة لاحقة) قيمة نهائية مطلقة بدلاً من الدين اليهودي، وخلَّصت اليهودية من المعتقدات المشيحانية والعناصر العجائبية الأخروية، وهي الحركة التي تحاول أن تصل إلى أهدافها من خلال العمل السياسي المنظم لا من خلال الصدقات. ورغم أن بيرنباوم كان يهدف إلى الدعوة إلى ضرب جديد من التنظيم السياسي مقابل جهود أحباء صهيون التسللية، فإن المصطلح استُخدم للإشارة إلى الفريقينمعاً. 

وبعد المؤتمر الصهيوني الأول 1897 في بازل، تحدَّد المصطلح وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية وإلى الجهود التي تبذلها، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج بازل (في مقابل المرحلة السابقة على ذلك، أي مرحلة أحباء صهيون بجهودها التسللية المتفرقة). 

بعد ذلك، بدأت دلالات الكلمة تتفرع وتتشعب، فهناك «صهيونية سياسية» (يُشار إليها أحياناً بعبارة «الصهيونية الدبلوماسية»)، وأخرى «عملية»، وتبعتها «الصهيونية التوفيقية». وكل صهيونية لها توجُّهها وأسلوبها الخاص وإن كانت جميعاً لا تختلف في الهدف النهائي. وتذهب الصهيونية التوفيقية إلى أن كل الاتجاهات الصهيونية غير متناقضة بل يكمل الواحد منها الآخر، ومن ثم يَسهُل التوفيق بينها. 

ويشير الدكتور المسيري أن المفهوم الغربي للصهيونية تَبلور تماماً في وعد بلفور الذي مُنح "للشعب اليهودي" (أُسقطت عبارة "العرْق اليهودي") والذي أشار للعرب باعتبارهم الجماعات غير اليهودية، أي أن اليهود أصبحوا شعباً بلا أرض، وفلسطين أصبحت أرضاً بلا شعب. 

ثم بعد ذلك ظهرت « الصهيونية الثقافية» و«الدينية» التي أضافت إلى الصهيونية البعد الإثني (الديني والعلماني). ومن ثم ظهرت «الصهيونية الديموقراطية» و«الصهيونية العمالية» و«الصهيونية التصحيحية» و«الصهيونية الراديكالية. « وبعد عام 1948،ظهرت «صهيونية الدياسبورا.

ويذهب الدكتور المسيري في طرحه إلى أنه يوجد في الواقع صهيونيتان لا صهيونية واحدة (صهيونية توطينية وصهيونية استيطانية). ومع هذا، فإنهما يُشار إليهما بدالٍّ واحد: «صهيونية». وذلك برغم أنهما ظاهرتان مختلفتان تماماً، لهما جذور مختلفة وقيادات وجماهير وأهداف مختلفة.

الصهيونية التوطينية: ظهرت في بداية الأمر بين الصهاينة غير اليهود (من المسيحيين والعلمانيين) وبين يهود الغرب المندمجين، وعلى وجه الخصوص أثرياؤهم. ثم عبَّرت الصهيونية التوطينية عن نفسها في الصهيونية الدبلوماسية وصهيونية الدياسبورا. وجمهور هذه الصهيونية هم مؤيدو المشروع الصهيوني في العالم الغربي ويهود الغرب الذين يؤيدون المشروع الصهيوني ولكنهم لا ينوون الهجرة، وهم يشكلون غالبية يهود وصهاينة العالم، وكذلك كل يهود غرب أوربا والولايات المتحدة تقريباً. 

الصهيونية الاستيطانية: ظهرت في بداية الأمر على هيئة صهيونية تسللية ثم تحوَّلت إلى صهيونية استيطانية بعد مرحلة هرتزل وبلفور. وأهم التيارات الاستيطانية التيار العمالي، ويأتي معظم الصهاينة الاستيطانيين من يهود شرق أوربا. 

وتقسيم «توطيني/استيطاني» ينصرف إلى المجال الذي يختاره كل صهيوني ليمارس نشاطه. ولنا أن نلاحظ وجود انقسامات فرعية داخل كل تيار بشأن التوجه السياسي (اشتراكي/رأسمالي) والموقف من التراث والهوية (ديني/علماني). ويجب ألا نتصور أن هناك فصلاً قاطعاً بين الفريقين، فثمة تشابك وتداخُل بين الصهيونيتين (التوطينية والاستيطانية) قد يتبدَّى في الشخص الواحد نفسه، كما هو الحال مع وايزمان الذي قضى معظم حياته يقوم بنشاط في الخارج نيابة عن الداخل، ولكنه عاد بعد إعلان الدولة ليترأسها ويصبح من المستوطنين (وإن كان قد عاش في عزلة نظراً لأن زعيم الصهاينة الاستيطانيين ـ بن جوريون ـ لم يكن يرغب في أن يشاركه وايزمان السلطة) . ويظهر هذا التداخل في شخصية آحاد هعام، فيلسوف الصهيونية الإثنية العلمانية، الذيقام بجهود دبلوماسية ثم استوطن فلسطين نهائياً، ولكنه مع هذا ظل يشعر بالغربة فيها وبالحنين إلى المنفى والشتات!
 
ويُشبِّه يوري أفنيري الصهيونية بالبيوريتانية بالإنجليزية: بيوريتانيزم Puritanism) ) في أمريكا، فهي أيديولوجيا الأصول التي أدَّت إلى ظهور المجتمع الأمريكي، ولكنها ماتت ولم تَعُد لها فعالية في هذا المجتمع. ويرى الكاتب الإسرائيلي بوعز إفرون أن على الإسرائيلي في علاقته بالصهيونية أن يكون مثل الأمريكي في علاقته بالبيوريتانية. وبذا، تصبح الدوافع الأيديولوجية أو الاقتصادية التي دفعت الرواد الأوائل (الصهاينة أو البيوريتان) إلى الاستيطان (في فلسطين أو الولايات المتحدة) موضوعاً ذا أهمية تاريخية أو أكاديمية محضة، وليس موضوعاً أساسياً. 

ويتحدث الكاتب الإسرائيلي أبراهام يهوشاوا عن الصهيونية بوصفها حركة إنقاذ عملية ظهرت حلاًّ للمأزق اليهودي منذ قرن (أي المسألة اليهودية في شرق أوربا)، وهو يعتقد أن العملية قد وصلت إلى نهايتها، أي أن الصهيونية كانت ولم تَعُد. 

ويضيف الدكتور المسيري إلى أنه هناك أيضاً مصطلح «الصهيونية الجغرافية» الذي ورد في رسالة بعث بها يوسف ضياء الدين الخالدي رئيس بلدية القدس إلى حاخام فرنسا الأكبر صادوق كاهن (الصديق المقرب لكلٍّ من هرتزل ونوردو) يُذكِّره بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية ويسكنها غير اليهود، ويتنبأ بقيام حركة شعبية ضد الصهيونية فيما لو استمرت الحال على ما هي عليه، ولذا فقد نصح الصهاينة بالتخلي عن «الصهيونية الجغرافية»، أي الربط بين صهيون وفلسطين وبضرورة البحث عن أرض أو بلاد أخرى. ولعل هذا المصطلح هو المحاولة العربية الوحيدة لسك مصطلح مسـتقل لوصف الظاهرة. وهو مصـطلح دقـيق إلى حدًّ كبير، فهو يفصل بين الصهيونية وبين أية ديباجات دينية أو علمانية، ويبين أن المستهدف هو الأرض الفلسطينية. كما أن التركيز على عنصر الجغرافيا يبين أن عنصر التاريخ الحي قد استُبعد، ولذا فقد أشار الخالدي في خطابه إلى أن فلسطين هي بلاد اليهود "تاريخياً"، بمعنى أن جزءاً من تاريخهم مرتبط بها، ولكنه تاريخ متحفي بائد، إذ أن فلسطين أصبحت الآن جزءاً من التاريخ العربي الإسلامي. والواقع أن كلمة «جغرافية» تبين شراهة المشروع الصهيوني واستعماريته وإنكاره تاريخ المنطقة ووجود أهلها. 
وفي الوقت الحاضر، فإن كلمة« صهيونية» تعني في العالم العربي "الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في فلسطين الذي تَرسَّخ بدعم من الغرب". وتحمل الكلمة إيحاءات دينية لدى كثير من العرب المسلمين أو المسيحيين الذين يرون أن الصراع العربي/الإسرائيلي صراع ديني. ولا تحمل الكلمة أي معنى ديني في بلاد العالم الثالث، ولا تشارك شعوب العالم الثالث في الديباجات الصهيونية المختلفة عن "حق" اليهود بسبب اضطهادهم في أوربا أو عن الرابطة الأزلية بأرض الميعاد. وتحمل الكلمة تقريباً الدلالات نفسها التي تحملها في العالم العربي. 

وحتى نُبيِّن مدى خلل المجال الدلالي، يمكن أن نشير إلى أن الصهيونية حركة عنصرية حسب أحد قرارات هيئة الأمم وأنها ليست كذلك حسب قرارات أخرى. 
و يُلاحَظ الدكتور المسيري أن أزمة الصهيونية عبَّرت عن نفسها من خلال عدد لا ينتهي من المصطلحات،التي تناولها في باب منفرد بعنوان «أزمة الصهيونية . « 
وقد حاول المسيري فيعمله الموسوعي تحدِّيد معنى لفظ «صهيونية» ومجاله الدلالي من خلال ما سماه «الصيغة الصهيونية الأساسية» التي تحوَّلت إلى «الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة» والتي تم تهويدها وأصبحت «الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة اليهودية» أو «المُهوَّدة». ويمكن اشتقاق فعل من كلمة «صهيونية» فنقول «صَهْيَنَ» بالإنجليزية: زايونايز(zionize) .

ويُستخدَم المصدر من هذا الفعل عادةً بشكل شبه مجازي فيُقال «صهينة يهود العالم» بمعنى أن تسيطر العقيدة الصهيونية على بعض جوانب وجودهم لا كلها، ويُقال «صهينة اليهودية» بمعنى أن الرؤية الصهيونية للكون تصبح هي القيمة الحاكمة داخل النسق الديني اليهودي. وصهينة اليهود واليهودية هي الشكل الخاص الذي تتخذه عملية علمنتها. 

أخيراً يرى الدكتور المسيري أن تعريفات الصهيونية الشائعة في المعاجم الغربية تتسم بضعف مقدرتها التفسيرية. معللاً ذلك بأنه إذا كانت الصهيونية، هي حركة القومية اليهودية وعودة اليهود لأرض الأجداد (كما تقول بعض المعاجم)، فكيف نُفسِّر أن أغلبية هذا الشعب اليهودي الساحقة لا تزال تعيش في «المنفى» متمسكة به، تدافع عن حقوقها فيه؟ وكيف نُفسِّر امتلاء مخيمات اللاجئين بملايين الفلسطينيين؟ كيف نُفسِّر ما يقومون به من مقاومة؟ ولذا لابد من طرح تعريفات جديدة أكثر تركيبية وشمولاً وتفسيريةتتجاوز كل الاعتذاريات والديباجات (الصهيونية والعربية) لنصل إلى بعض الثوابت الكامنة. ويذهب الدكتور عبد الوهاب المسيريإلى أن ثمة صيغة صهيونية أساسية شاملة تُشكل التعريف الحقيقي للصهيونية، وثمة عقد صامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية، كامن في هذه الصيغة، وثمة مادة بشرية مُستهدَفة (أعضـاء الجماعات اليهـودية خارج فلسطـين والعـرب الذين يعيشـون فيها). 
بعد هذا التعريف الشامل والواضح للصهيونية، سنحاول في هذا المقال تناول جذور العنف والإرهاب الصهيوني، وتعريفه ومعرفة دوافعه وأسبابه وأشكاله، كما بينها الدكتور عبد الوهاب المسيري.

 عنف الصهاينة ورؤيتهم للواقع والتاريخ:

»العنف« هو «الشدة والقسوة» وهو ضد الرفق واللين، وهي من «عَنَّف» بمعنى «عامله بشدة وقسا عليه». وأحد الأشكال الأساسية « للعنف الصهيوني » هو رفض الصهاينة قبول الواقع والتاريخ العربي في فلسطين باعتبار أن الذات الصهيونيةواليهودية هي مركز هذا الواقع ومرجعيته الوحيدة. ولذا يستبعد الصهاينة العناصر الأساسية (غير اليهودية) المكونة لواقع فلسطين وتاريخها من وجدانهم ورؤيتهم وخريطتهم الإدراكية. والإرهاب الصهيوني إن هو إلا محاولة تستهدف فرض الرؤية الصهيونيةالاختزالية على الواقع المركب، ولذا يمكن القول بأن الإرهاب هو العنف المسلح (مقابل العنف الإدراكي. 

والعنف النظري والإدراكي سمة عامة في الفكر العلماني الشامل الإمبريالي. والصهيونية لا تمثل أي استثناء من القاعدة، فقد نشأت في تربة أوربا الإمبريالية التي سادت فيها الفلسفات النيتشوية والداروينية والرؤية المعرفية الإمبريالية التي تتخطى الخير والشر والتي تحوسل العالم والناس بحيث يصبح الآخر مجرد أداة أو شيئاً يُستخدَم. ومع هذا يظل العنف الصهيوني ذا جذور خاصة تمنحه بعض السمات المميزة: 

أهمها أن الصهيونية لم تكن حركة استعمارية وحسب وإنما هي حركة استيطانية إحلالية (أرض بلا شعب) وهو ما يعني ضرورة أن تُخلي الأرض التي سيُنفَّذ فيها المشروع الصهيوني من السكان الأصليين، ولا يمكن أن يتم هذا إلا من خلال أقصى درجات العنف النظري والإرهاب الفعلي. ومن السمات الأساسية للأيديولوجيات العلمانية الحلولية العضوية أنها تحوي مركزها أو مرجعيتها (أو مطلقها) داخلها، ومن ثم فهي تشكل نسقاً مغلقاً ملتفاً حول نفسه يخلع القداسة على الذات ويجعلها موضع الحلولوالكمون ويحجبها عن الآخرين (الذين يقعون خارج دائرة القداسة) فيهدر حقوقهم ويبيدهم، فهم ليسوا موضع الحلول. 

والصهيونية وريثة الطبقة الحلولية اليهودية (داخل التركيب الجيولوجي اليهودي) هي عقيدة علمانية حلولية تجعل اليهود شعباً عضوياً ذا علاقة عضوية خاصة بالأرض (إرتس يسرائيل) أي فلسطين، وهي علاقة تمنحهم حقوقاً مطلقة فيها، الأمر الذي يعني طَرْد السكان الأصـليين الذين لا تربطهم بأرضـهم رابطة عضـوية حلولية مماثلة. 

وقد حوَّلت الصهيونية العهد القديم إلى فلكلور للشعب اليهودي، وهو كتاب تفيض صفحاته بوصف حروب كثيرة خاضتها جماعة يسرائيل أو العبرانيون مع الكنعانيين وغيرهم من الشعوب، فقاموا بطرد بعضهم وإبادة البعض الآخر. وجماعة يسرائيل يحل فيها الإله الذي يوحي لها بما تريد أن تفعل، ويبارك يدها التي تقوم بالقتل والنهب، فكل أفعال الشعب مباركة مقدَّسة لأن الإله يحل فيه.
 
ويضيف الدكتور المسيري أن الصهيونية ورثت ميراث الجماعة الوظيفية اليهودية بفصلها الحاد بين الشعب المقدَّس والأغيار وبما يتسم به ذلك من ازدواجية في المعايير تجعل الآخر مباحاً تماماً وتجعل استخدام العنف تجاهه أمراً مقبولاً.
 
لكل هذا، أصبح العنف إحدى المقولات الأساسية للإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ. وقد أعاد الصهاينة كتابة ما يسمونه «التاريخ اليهودي» فبعثوا العناصر الحلولية الوثنية مؤكدين جوانب العنف فيه. فصوروا الأمة اليهودية في نشأتها جماعةً محاربة من الرعاة الوثنيين الغزاة. فبيردشفسكي، على سبيل المثال، ينظر إلى الوراء إلى الأيام التي كانت فيهـا "رايات اليهـود مرتفعـة"، وينظر إلى الأبطال المحاربين "اليهود الأوائل". كما أنه يكتشف أن ثمة تياراً عسكرياً في التراث اليهودي، فالحاخام إليعازر قد بيَّن أنالسيف والقوس هما زينة الإنسان، ومن المسموح به أن يظهر اليهودي بهما يوم السبت.
هذه الرؤية للتاريخ تتضح في دعوة جابوتنسكي لليهودي أن يتعلم الذبح من الأغيار. وفي خطاب له إلى بعض الطلاب اليهود في فيينا، أوصاهم بالاحتفاظ بالسيف لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً، بل إنه ملك "لأجدادنا الأوائل... إن التوراة والسيفأنزلا علينا من السماء"، أي أن السيف يكاد يكون المطلق، أصل الكون وكل الظواهر. ولهذا لا يتردد جابوتنسكي في رفض التاريخ اليهودي الذي يسيطر عليه الحاخامات والمفكرون اليهود.
 
ويبدو أن هذا السيف المقدَّس ( رمز الذكورة والقوة والعنف) كان محط إعجاب كل الصهاينة الذين كثيراً ما عبَّروا عن إعجابهم وانبهارهم بالعسكرية البروسية الرائعة (هذا بالطبع قبل أن يهوى هذا السيف البروسي على الرقاب اليهودية في أوشفتس). وتمتلئ كتابات هرتزل بعبارات الإعجاب بهذا السيف، إذ كتب في مذكراته يشيد ببسمارك الذي أجبر الألمان على شن عدة حروب، الواحدة تلو الأخرى، وبذلك فرض عليهم الوحدة وبدأ تاريخهم الحديث كدولة موحدة. فالعنف العسكري هو وحده محرك التاريخ الحقيقي، "إن شعباً كان نائماً زمن السلم، رحب بالوحدة في ابتهاج في زمن الحرب". وبينما كان هرتزل ينظر من نافذة أحد المسئولين الألمان شاهد مجموعات من الضباط الألمان يسيرون بخطى عسكرية، فعبَّر عن انبهاره بهم في يومياته وذهب إلى أنهؤلاء هم صناع تاريخ ألمانيا: "ضباط المستقبل لألمانيا التي لا تُقهَر". بل إنهم قد يكونون أيضاً صناع التاريخ الصهيوني نفسه، إذ يشير هرتزل إلى تلك "الدولة التي تريد وضعنا تحت حمايتها". 

وتَغنَّى ناحوم جولدمان أيضاً بهذه الروح العسكرية البروسية في شبابه: "ألمانيا تجسد مبدأ التقدم ونجدها واثقة من النصر. ألمانياستنتصر وستحكم الروح العسكرية العالم. ومن يريد أن يندم على هذه الحقيقة ويعبِّر عن حزنه فله أن يفعل، ولكن محاولة إعاقة هذه الحقيقة هي شيء من قبيل العناد وجريمة ضد عبقرية التاريخ الذي تحركه السيوف وقعقة السلاح". 

وقد تبع مناحم بيجين أسـتاذه جابوتنسـكي، وكل الصهاينة من قبله، في تأكيد أهمية السيف باعتباره محركاً للتاريخ إذ يقول: "إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف". 

وغني عن القول أن العنف الصهيوني الإدراكي يصل إلى ذروته في إدراك العرب والتاريخ العربي، إذ يحاول الصهاينة، بسبب مشروعهم الإبادي الإحلالي، أن يلتزموا الصمت تماماً تجاهه، فلا يذكرونه من قريب أو بعيد. أو أن يغمغموا بأصوات ليبراليةتخبئ الحد الأقصى من العنف. فحينما اكتشف أحد الزعماء الصهاينة في المؤتمر الصهيوني الأول (1897) أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب كما كان الادعاء، جرى إلى هرتزل وأخبره باكتشافه، فهدَّأ الأخير من روعه وقال له إن الأمر ستتم تسويته فيما بعد. وكان هرتزل يعرف تماماً كيف كانت تتم تسوية مثل هذه الأمور على الطريقة الإمبريالية، ونحن نعرف كيف تمت تسويتها في فلسطين. وعلى كل فإن الحديث الصهيوني المستمر عن السيف كمحرك للتاريخ ليس تعبيراً عن رغبة الصهاينة في ممارسة رياضة محببة لبعض النفوس وإنما هو تعبير عن برنامج محدد لتغيير الواقع. 
ويُعَد هذا العنف الإدراكي لبنة أساسية في التصور الصهيوني للذات والواقع والتاريخ والآخر، وهو قد يعبِّر عن نفسه بطريقة مباشرة، كما بيَّنا في الاقتباسات السابقة، ولكنه قد يعبِّر عن نفسه بطريقة غير مباشرة عن طريق عشرات القوانين والمؤسسات. وما قانون "العودة الإسرائيلي" إلا ترجمة لهذا العنف حين يُعطي أيُّ يهودي في العالم حق "العودة" إلى(إسرائيل) في أي وقت شاء ويُنكر هذا الحق على ملايين الفلسطينيين الذين طُردوا من فلسطين على دفعات منذ عام 1948، رغم أن يهود العالم لا يودون الهجرة إلى إسرائيل بينما يقرع الفلسطينيون أبوابها. ولكنها الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية التي تحوسل كل البشر (العرب واليهود) والزمان (تواريخ الجماعات اليهودية وتاريخ فلسطين) والمكان (فلسطين). وما الإرهاب الصهيوني الذي لم يهـدأ إلا تعبيراً عن رؤية الصهاينة التي تحاول أن تصل إلى نهاية التاريخ: نهاية تاريخ الجماعات اليهودية في العالم، ونهاية التاريخ العربي في فلسطين. 

العنف الصهيوني وتحديث الشخصية اليهودية:

 ثمة عنف أساسي في الإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ. ولم يكن هناك مفر من أن يُترجم هذا الإدراك نفسه لإجراءات وعنف مسلح لتغيير الواقع ولرفض الرؤية اليهودية الحاخامية . ولتحقيق هذا الهدف، يبين الدكتور المسيري، أنه كان حتمياً أن تُنتَج المادة البشرية القتالية القادرة على تحريك التاريخ لا من خلال التوراة وإنما من خلال السيف، وهذا ما سماه الصهاينة «تحديثالشخصية اليهودية»، أي علمنتها وجعلها قادرة على تغيير قيمها حسبما تقتضيه الظروف والملابسات، وتبنِّي قيم نيتشوية وداروينية لا علاقة لها بمكارم الأخلاق أو بالمطلقات الإنسانية والأخلاقية والدينية. 
وقد بيَّن الصهاينة أن اليهودية الحاخامية طلبت من اليهود الانتظار في صبر وأناة لعودة الماشيَّح، وألا يتدخلوا في مشيئة الإله، لأن في هذا كفراً وتجديفاً. ولكن الصهاينة، الرافضين للعقيدة اليهودية، تمردوا على هذا الموقف أو وصفوه بالسلبية ونادوا بأن يتمرد اليهودي على وضعه وألا ينتظر وصول الماشيَّح، إذ ينبغي أن يعمل اليهودي بكل ما لديه من وسائل على العودة إلى أرض الميعاد. فالمنفى بالنسبة إلى بن جوريون يعني الاتكال، الاتكال السياسي والمادي والروحي والثقافي والفكري، "وذلك لأننا غرباء وأقلية محرومة من الوطن ومُقتلَعة ومشرَّدة عن الأرض، وعن العمل وعن الصناعة الأساسية. واجبنا هو أن ننفصل كلياً عن هذا الاتكال، وأن نصبح أسياد قدرنا".
ويلخص بن جوريون برنامجه "الثوري" في أنه لا يرفض الاستسلام للمنفى فحسب، بل يحاول أيضاً إنهاءه في التو، وهو يعتقد أن هذا هو حجر الزاوية:"القضية الحقيقية الآن، كما كانت في الماضي، تتركز فيما لو كان علينا أن نعتمد على قوة الآخرين أم على قوتنا. على اليهودي من الآن فصاعداً ألا ينتظر التدخل الإلهي لتحديد مصيره، بل إن عليه أن يلجأ إلى الوسائل الطبيعية العادية" (مثل الفانتوم والنابالم مثلا). وهذا ما يُسمَّى أيضاً في الأدبيات الصهيونية « إشكالية العجز وعدم المشاركة في السلطة». 
لكل هذا تنطلق الصهيونية من نقد نيتشوي للشخصية اليهودية في المنفى فيقول ماكس نوردو إن اليهودي، خلال ثمانية عشر قرناً من النفي، أصبح مترهل العضلات (وهذه هي إحدى الأوصاف السائدة لليهـود بين أعداء اليهـود). ولذلك "أقترح أن يُقلع اليهـودي عن قهر جسده، وأن يعمل على تنمية قواه الجسدية وعضلاته، أسوة بذلك البطل بركوخبا، آخر تجسيد لتلك اليهودية في صلابة عودها المقاتل وحبها لقعقعة السلاح". والفكرة نفسها تَرد في كتابات جابوتنسكي الذي رفض أخلاقيات العبيد ونادى بتفضيل العقل على الفكر وأخلاق السادة على أخلاق العبيد والسيف على الكتاب حتى يظهر اليهودي الجديد المتحرر من أغلال الدين والقيم. 

إن العنف هنا يصبح الأداة التي يتوسل بها الصهاينة لإعادة صياغة الشخصية اليهودية. فاليهودي، في هذا التصور، يحتاج إلىممارسة العنف لتحرير نفسه من نفسه ومن ذاته الطفيلية الهامشية. وكان الكاتب الصهيوني بن هكت يشعر بسعادة في قرارة نفسه في كل مرة يقتل فيها جندياً بريطانياً لأنه، على حد قوله، كان يتحرر من مخاوفه ويُولَد من جديد، تماماً مثل شارلوت كورداي في قصيدة لجابوتنسكي بعنوان "شارلوت المسكينة". فشارلوت تتخلص من رتابة حياتها وسخافتها وتروي تَعطُّشها للعمل البطولي بأن تقوم بتسديد الضربة إلى جان مارا فترديه قتيلاً في الحمام. العنف هنا يصبح مثل الطقوس الدينية التي تستخدمها بعض القبائل البدائية حينما يصل أحد أفرادها إلى سن الرجولة. فاليهودي حينما يقوم بهذا الفعل الذي كان يخاف منه أجداده (ذبح أحد الأغيار) يتخلص من مخاوفه، ويصبح جديراً بحمل رمز الذكورة. وهذا الجانب من الفكر الصهيوني يتضح بجلاء في كتاب (الثورة) الذيألفه مناحم بيجين، والذي يقلب فيه عبارة ديكارت المعروفة "أنا أفكر، إذن أنا موجود" لتصبح "أنا أحارب، إذن أنا موجود". ثم يضيف: "من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نموذج غير معـروف البتـة للعالم في الألف وثماني السنين الماضية: اليهودي المحـارب". 

والعنف عند بن جوريون يقوم بالوظيفة نفسها في إعادة صياغة الشخصية اليهودية، إذ يصف الرواد الصهاينة بأنهم لم يكن لهم حديث إلا الأسلحة "وعندما جاءتنا الأسلحة لم تسعنا الدنيا لفرط فرحتنا، كنا نلعب بالأسلحة كالأطفال ولم نعد نتركها أبداً. كنا نقرأ ونتكلم والبنادق في أيدينا أو على أكتافنا". إن موقف بن جوريون مبني على تصـوُّر جديد للشـخصية اليهودية باعتبارها شـخصية محـاربة منـذ الأزل "إن موسى، أعظم أنبيائنا، هو أول قائد عسكري في تاريخ أمتنا". ومن هنا يكون الربط بين موسى النبي وموشى ديان مسألة منطقية بل حتمية، كما لا يكون من الهرطقة الدينية في شيء أن يؤكد بن جوريون أن خير مفسر للتوراة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الاستيطان على ضفاف نهر الأردن، فيفسر بذلك كلمات أنبياء العهد ويحققها.
وعليه يدعونا الدكتور المسيري لملاحظة أن النمط الحلولي الكموني الذي يبدأ بوضع السيف في خدمة التوراة، ومن ثم يصبحالسيف موازياً لها، ثم تصبح هي تابعة له، فالسيف هو الذي يفسر التوراة ويفرض عليها المعنى. 

تعــريف الإرهـاب الصهــيوني: 

«الإرهاب» بالمعنى الضيق للكلمة هو القيام بأعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب لتحقيق غرض ما مثل بث الرعب في قلب سكان منطقة ما ليرحلوا عنها أو لتتم الهيمنة عليهم وتوظيفهم وإجبارهم على قبول وضع قائم مبني على الظلم (من منظور الضحية). ويمكن أن يتسع مفهوم الإرهاب ليشمل مختلف الممارسات الاقتصادية السياسية والعسكرية، المادية والمعنوية. وفي حالة الإرهاب الصهيوني فإن هذا يتضمن سرقة الأراضي بالاحتيال والتزوير والقانون إلى طَرْد أصحابها بقوة السلاح، ومن فرض أنظمة تعليمية تُشوه الوعي الفلسطيني إلى تحقيق شروط اقتصادية غير مواتية لنمو المنتجين العرب. وإذا كان الإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) هو عنف إدراكي، فإن الإرهاب الصهيوني هو الممارسات التي تُحوِّل النظرية والإدراك إلى واقع قائم "وتخلق حقائق جديدة" على حد قول موشيه ديان. 

والإرهاب الصهيوني، كما يرى الدكتور المسيري، ليس حدثاً عابراً عرضياً وإنما هو أمر كامن في المشروع الصهيونيالاستيطاني الإحلالي وفي الصيغة الصهيونية الأساسـية الشـاملة. كما أن حـلقات وآليات هذا الإرهاب مترابطة متلاحقة، فالهجمات الإرهابية التي شُنَّت ضد بعـض القرى العربية أدَّت إلى اسـتسلام بقية سكان الأراضي المحتلة، أي أن المذابح والاعتقالات والإبعادات إن هي إلا آلية من آليات الاستيطان الصهيوني الإحلالي، ولا يمكن تَخيُّل إمكانية تَحقُّق المشـروع الصهيـوني بدونها. 

والإرهاب الصهيوني هو الآلية التي تم بها تفريغ جزء من فلسطين من سكانها وفرض المستوطنين الصهاينة ودولتهم الصهيونيةعلى شعب فلسطين وأرضها. وقد تم هذا من خلال الإرهاب المباشر، غير المنظم وغير المؤسسي، الذي تقوم به المنظمات الإرهابية غير الرسمية (المذابح ـ ميليشيات المستوطنين ـ التخريب ـ التمييز العنصري) والإرهاب المباشر، المنظم والمؤسسي، الذي تقوم به الدولة الصهيونية (التهجير ـ الهيكل القانوني للدولة الصهيونية ـ التفرقة العنصرية من خـلال القانون ـ الجـيش الإسـرائيلي ـ الشرطة الإسرائيلية ـ هدم القرى). 
ورغم أننا نفرِّق بين الإرهاب المؤسسي وغير المؤسسي إلا أنهما مرتبطان تمام الارتباط ويتم التنسيق بينهما ويجمع بينهما الهدف النهائي، وهو إفراغ فلسطين من سكانها أو إخضاعهم وحصارهم. ولعل واقعة دير ياسين (قبل عام 1948) وفرق الموت المعروفة باسم «المستعرفيم» هي أمثلة أخرى واضحة على هذا التعاون والتنسيق. 
والإرهاب الصهيوني مرتبط تمام الارتباط بالدعم الإمبريالي الغربي حين قامت حكومة الانتداب بحماية المستوطنين وتأمين موطئ قدم لهم وسمحت بتأسيس البنية التحتية العسكرية المكونة من المستوطنات التعاونية (وبخاصة الكيبوتس) فيما نسميه «الزراعة المسلحة»،كما ساعدت المنظمات الصهيونية المسلحة المختلفة ودعمتها، فكانت بمنزلة قوة مسلحة كامنة قامت بالانقضاض على أرض فلسطين وأهلها عام 1948. وبعد إنشاء الدولة، استمرت الدول الغربية "الديموقراطية" في دَعْم الكيان الاستيطاني الإحلاليالصهيوني، رغم ممارساته الإرهابية التي تتسم بكل الجدة والاستمرار، ورغم الحروب العديدة التي شنها على العرب ورغم توسعيته التي لا تعرف أية حدود. 

ويحاول الصهاينة قدر استطاعتهم أن يصنفوا المقاومة الفلسطينية المشروعة (من منظور القانون الدولي والأعراف الإنسانية) على أنها شكل من أشكال «الإرهاب»، ومن هنا الإشارة للفدائيين الفلسطينيين بأنهم «إرهابيين»، والإشارة للعمليات الاستشهادية بأنها»عمليات انتحارية إرهابية. 

تاريخ الإرهاب الصهيوني حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية:

يبدأ تاريخ الإرهاب الصهيوني مع الاستعداد للهجرة الاستيطانية، فموجات الهجرة الأولى جاءت بنموذج اليهودي الذي رفض ما يسميه الصهاينة «السلبية اليهودية الحاخامية» والذي كان يرى أن عليه أن يصوغ مستقبله بنفسه عن طريق اغتصاب أرض فلسطين وطرد أصحابها ليخلق لنفسه مجالاً حيوياً يمارس فيها سيادته القومية. وكان تنظيم «الهاشومير» من طلائع التنظيمات في هذه الفترة وهي المنظمة التي تُعَد «الهاجاناه» امتداداً لها. وكانت الاشتباكات آنذاك تقتصر على استخدام السكاكين والعصي. 

ومع قرب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت بشائر المرحلة الثانية حيث أخذ الصهاينة يجمعون السلاح لتبدأ بعد ذلك مرحلةقتالية جديدة وطور جديد من أطوار ممارسة الإرهاب المسلح وإن لم يصل إلى حد المواجهة المباشرة بل اكتفى بأسلوب الكر والفر. وبعد الحرب العالمية الأولى، وبعد وضع فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني، يبدأ التاريخ الحقيقي للإرهاب الصهيوني. 

فمنذ بدء الانتداب البريطاني على فلسطين أخذ البناء التنظيمي للإرهاب الصهيوني في النمو والرسوخ في فلسطين مستفيداً من دعم الاستعمار البريطاني للحركة الصهيونية وتأمينه هجرة آلاف الصهاينة من الشباب الذين سرعان ما انخرطوا في تنظيمات الإرهاب. وقد استقر البناء التنظيمي للإرهاب الصهيوني منذ مطلع عشرينيات القرن العشرين حين تأسَّست «الهاجاناه» ممثلة الذراع العسكري والباطش للوكالة اليهودية عام 1920، والتي نظمت داخل تنظيمها فرقاً خُصِّصت للهجمات الإرهابية ومنها «كتائب بوش» التي تقرَّر تشكيلها عام 1937 وكذا فرق «البالماخ». وفي السنة التالية أيضاً لاندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 انشق أنصار الصهيونية التصحيحية عن «الهاجاناه» وكوَّنوا تنظيماً اتخذ لنفسه مظهراً أشد تطرفاً ودموية هو عصابة الأرجون تسفاي ليومي «الإتسل». وفيما بعد انشق عن «إتسل» جماعة أبراهام شتيرن وكوَّنت عام 1940 جماعة «ليحي». وتُعَد هذه المنظمات الثلاث «الهاجاناه ـ إتسل ـ ليحي» العمود الفقري للإرهاب الصهيوني حتى عام 1948، حتى أنه يندر أن نجد عملاً إرهابياً وقع في فلسطين منسوباً إلى جماعة غيرها، فضلاً عن أن بعض الحلقات الإرهابية الصهيونية كانت خاضعةلإشرافها. 

وهكذا كما ترسخت بنية الإرهاب الصهيوني في العشرينيات والثلاثينيات، شهد النصف الثاني من الثلاثينيات قفزة واضحة بالنسبة لحجم النشاط الإرهابي الصهيوني في فلسطين. وهي القفزة التي تجدر مناقشتها على ضوء المد العالمي للفاشية، وتدفُّق جيل من الشباب الصهاينة الذين تمرسوا على العمل السري والإرهابي في بلدان أوربا الشرقية خاصة. وتشير مذكرة رسمية بريطانية صادرة عن وزارة الدولة للمستعمرات إلى أن الإرهابيين الصهاينة يأتون من روسيا وبولندا والبلقان ولا يعرفون التسامح ولا يعترفون بحقوق الآخرين وتقرِّر أنهم نتاج أنظمة تعليمية تغذي التعصب والشوفينية. كما ترتبط القفزة الواضحة في حجم النشاط الإرهابي الصهيوني آنذاك بتصاعُد الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني الذي كان قد حقَّق تراكماً كافياً في أدواته وإمكاناته تؤهله للصدام مع الفلسطينيين والشروع في التحرك على عجل لتحقـيق غايته وتأسـيس الدولـة الصهيونية. 

ومن بين السجل الحافل للنشاط الصهيوني في فلسطين خلال المرحلة الثانية (حتى الحرب العالمية الثانية) يمكن الإشارة لبعض العمليات المهمة من بينها قيام إرهابيي«الهاجاناه» بقتل مواطنين فلسطينيين بجوار مستعمرة بتاح تكفا رمياً بالرصاص حيث كان كوخهما، وذلك في 16 أبريل عام 1936. وهو نفس العام الذي أصدرت فيه «الهاجاناه» سبعة قرارات بإطلاق النار على الفلسطينيين أينما كانوا. كما شهد عام 1937 سلسلة من عمليات إلقاء القنابل اليدوية على تجمعات المواطنين الفلسطينيين العزل في المقاهي ووسائل النقل والأسواق، وكان من أشهرها إلقاء «إتسل» قنبلة على سوق الخضار المجاور لبوابة نابلس في القدس فسقط عشرات من الفلسطينيين بين قتيل وجريح. كما أطلق أعضاء نفس المنظمة النار على قافلة فلسطينية فقتلوا ثلاثة ركاب بينهم امرأتان في 14 نوفمبر 1937 ، وهو اليوم الذي أُطلق عليه لقب «الأحد الأسود» في القدس، حين نفَّذ الإرهابيون الصهاينة أكثر من عملية في المدينة كمظهر لاستعراض القوة. 

وفي 6 مارس عام 1937 لقي 18 فلسطينياً مصرعهم وأصيب 38 آخرون من جراء إلقاء قنبلة يدوية في سوق حيفا. كما تعرض نفس السوق في شهر يوليو من العام نفسه إلى تفجير سيارة ملغومة أودت بحياة 350 فلسطينياً وجرحت 70 آخرين، بينما يفتخر المؤرخون الصهاينة بأن عدد الضحايا كان أكثر بكثير مما أعلنت عنه سلطات الانتداب. وفي اليوم التالي سقط 27 فلسطينياً وأصيب 46 آخرون بجراح من جراء قنبلة يدوية ألقتها العصابات الصهيونية على السوق المزدحم. كما تعرَّض سوق القدس في 26 أغسطس عام 1938 إلى انفجار سيارة ملغومة أسفر عن مقتل 34 فلسطينياً وجرح 35 آخرين وفق أقل التقديرات. وفجَّرت «إتسل» قنبلة يدوية أمام أحد المساجد في مدينة القدس في 15 يوليـو 1938 أثنـاء خروج المصـلين فقتلت عشـرة أشخاص وأصابت ثلاثين. وعن أحداث العام نفسه يفتخر الصهاينة بهجوم الإرهابي شلومو بن يوسف واثنان من رفاقه من جماعة «إتسل» على سيارات فلسطينية يستقلها مواطنون عُزَّل. وقد نفَّذت السلطات البريطانية حكم الإعدام في شولمو فحوَّله المستوطنون الصهاينة إلى بطل قومي مثالي ويحمل طابع بريد إسرائيلي صورته، واختارت إحدى منظمات الإرهاب الصهيوني السرية في الثمانينات اسمه لتطلقه على عملية مماثلة جرت في الضفة الغربية. 

ومن بين العمليات الإرهابية الصهيونية خلال عام 1939 شهد يوم 27 فبراير وحده سقوط 27 شهيداً فلسطينياً وجرح 39 آخرين في حيفا إثر تفجير منظمة «إتسل» قنبلتين. كما سقط ثلاثة من الفلسطينيين وجُرح رابع في تل أبيب. بينما قُتل ثلاثة آخرون وجُرح ستة في القدس. إلا أن من أبرز العمليات الإرهابية التي شهدها العام الهجوم الذي دبرته منظمة «إتسل» على سينما ركس في القدس حيث جرى تخطيط متعدد المراحل لتحقيق أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية بواسطة المتفجرات التي تم تسريبها إلى المبنى إضافة إلى إلقاء القنابل داخله ثم فتح نيران الرشاشات على رواد السينما الذين خرجوا في حالة من الذعر والهلع، وقد تم تنفيذ هذه العملية الإرهابية في 29 مايو 1939. 

ولم تكن «الهاجاناه» بعيدة عن التنافس مع «إتسل»، فقد هاجمت عناصرها قرية بلدة الشيخ بجوار حيفا في 12 يوليو 1939واختطفت خمسة من سكانها ثم قتلتهم. كما جرى في 29 يوليو الهجوم على ست سيارات فلسطينية في تل أبيب ورحبوت وبتاح تكفا كانت حصيلتها قتل 11 فلسطينياً. وأسفر إلقاء القنابل في مدينة يافا في 26 أغسطس عن مصرع 24 فلسطينياً وجرح 35 آخرين. 

وقد وجدت المنظمات الصهيونية سنوات الحرب العالمية فرصة لتطوير نفوذها وتقوية هياكلها وتسليحها تمهيداً للانطلاق عند انتهاء الحرب. فزادت عدداً وعدة وأضفت على وجودها قدراً من الشرعية بالتعاون مع بريطانيا والحلفاء. وهكذا أعدت المنظمات نفسها للانطلاق لاحقاً نحو هدفين: الأول إجبار الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين على مغادرة أراضيهم بما فيها تلك التي يشكلون فيها أغلبية ساحقة وهي الأرض التي خصهم بها مشروع التقسيم لاحقاً. والثاني الضغط على البريطانيين لإلغاء القيود المفروضة وبخاصة على الهجرة والعمل من أجل إقامة دولة صهيونية بأسرع الوسائل.
الإرهاب الصهيوني منذ عام 1945 وحتى إعلان الدولة الصهيونية:

تكتسب طبيعة العلاقة بين المنظمات الإرهابية الثلاث الأساسية «الهاجاناه ـ إتسل ـ ليحي»، قبل أن يتقرر حلها ودمجها في ما سميَّ (جيش الدفاع الإسرائيلي) مع قيام الدولة، أهمية خاصة. فرغم أن المنظمات الثلاث احتفظت باستقلالها التنظيمي فقد تبلور التعاون فيما بينها خلال هذه الفترة واتخذ شكلاً مؤسسياً حين وقَّع قادتها، مع نهاية الحرب العالمية وباشتراك الوكالة اليهودية، اتفاقاً ثلاثياً تضمنت بنوده: 

1 ـ تدخـل منظمة «الهاجاناه» المعـركة العسـكرية ضـد السلطات البريطانية. وهكذا قامت حركة العصيان العبري. 

2 ـ يجب على منظمتي «ليحي وإتسل» عدم تنفيذ خططها القتالية إلا بموافقة قيادة حركة العصيان. 

3 ـ تنفذ منظمتي «ليحي وإتسل» الخطط القتالية التي تكلفان بها من قبَل قيادة الحركة. 

4 ـ يجب ألا يكون النقاش حول العمليات المقترحة شكلياً فيجتمع مندوبو المنظمات الثلاث في جلسات ثابتة أو حسب الحاجة، على أن يتم خلال هذه الجلسات مناقشة الخطط من الناحيتين السياسية والعملية.
 
5 ـ بعد أخذ الموافقة المبدئية على العمليات المقترحة يناقش خبراء المنظمات الثلاث تفاصيل تنفيذ هذه العمليات.
 
6 ـ ضرورة الحصول على موافقة قيادة حركة العصيان لتنطبق على العمليات التي يجري تنفيذها ضد الممتلكات مثل الاستيلاء على الأسلحة من أيدي البريطانيين أو الحصول على الأموال. 

7 ـ الاتفاق بين المنظمات الثلاث يرتكز على "أمر افعل". 

8 ـ إذا أمرت منظمة «الهاجاناه» في يوم من الأيام بالتخلي عن الحرب ضد البريطانيين تواصل المنظمات «إتسل وليحي» حربهما. 

وهكذا تشكَّل ما سُمِّي "حركة العصيان العبري" وتمثلها قيادة حركة المقاومة المتحدة للإشراف على الأمور التنفيذية. وضمت هذه القيادة ممثلين عن «الهاجاناه» مثل إسرائيل جاليلي وموشي سنيه ومن «إتسل» مناحم بيجين ومن ليحي أبراهام شيترن وياليني مور. وتوضح نصوص الاتفاقية المسئولية المشتركة للمنظمات الإرهابية الصهيونية وهو الأمر الذي سعت«الهاجاناه» إلى التنصل منه تاريخياً.
 
ويشير الدكتور المسيري أن باكورة أعمال حركة العصيان كانت نسف محطة سكك حديد رام الله في أول نوفمبر عام 1945. إلا أن العلاقة بين المنظمات الثلاث لم تكن بسيطة بأي حال. فقد عادت العلاقة بين أطراف حركة العصيان للتوتر وبخاصة بين إتسل و«الهاجاناه» ، وعادةً ما كان الخلاف بينهما يتخذ طابع المنافسة على السيطرة على المُستوطَن الصهيوني. ولم يكن اللجوء إلى العنف بعيداً عن خلافات العصابات الصهيونية نفسها إلى الحد الذي أثار مخاوف الصهاينة من نشوب حرب أهلية بين منظمات الإرهاب. ولأكثر من مرة تبادلت «إتسل والهاجاناه» أعمال خطف لعناصرهما. كما كوَّنا فرقاً للاعتداء والضرب لتأديب بعضهماالبعض شمل ضررها عائلات يهودية بكاملها. ووصلت موجة الاختطاف إلى ألمانيا حين تولت عناصر «الهاجاناه» أمر أربعة من أعضاء «إتسل» ولقي أحدهم مصرعه تحت التعذيب. وحتى عقب التوصل إلى اتفاق جديد بين «إتسل والهاجاناه» في 7 مارس 1948 تعرَّض الاتفاق وفي وقت حرج إلى اختبار صعب حين جرت معركة مسلحة بين«إتسل» ورجال «البالماخ» كادت تعرِّض وحدة جيش الدولة المنتظرة للخطر بسبب النزاع على شحنة سلاح كانت قادمة على ظهر السفينة) التالينا). وكادت الاشتباكات أن تودي بحياة مناحم بيجين زعيم «إتسل»، كما سقط عدد من الجرحى والقتلى من الجانبين قبل احتواء الموقف. وبصفة عامة تبادل زعماء هذه المنظمات اتهامات الخيانة والتعاون مع البريطانيين واغتصاب أموال بعضهم البعض. 

وعلى أية حال فإن العنف المتبادل بين المنظمات الإرهابية الصهيونية قد تجاوز مراراً حدود التراشق بالاتهامات مثل اتهام«الهاجاناه» لمنظمتي «إتسل وليحي» "بالفاشية اليهودية" أو إطلاق هاتين المنظمتين صفة "قتلة الأطفال" على «الهاجاناه» التي قامت بعملية قتلت خلالها أمًّا فلسطينية وستة من أطفالها، أو التهديدات المتبادلة. 
وإذا كان التنافس على النفوذ والسيطرة على قيادة الحركة الصهيونية فضلاً عن الاختلاف حول السياسة التي يتعين إتباعها إزاء بريطانيا قد يكونان عاملين أساسيين في تصعيد الخلافات بين منظمات الإرهاب الصهيونية، فقد كان الاتفاق على الغاياتالصهيونية وتنفيذ المخطط الاستيطاني على حساب الفلسطينيين هو عامل الوحدة والتعاون الحاسم فيما بينها. 

وقد حرصت الكتابات التاريخية الصهيونية على تصوير الإرهاب الصهيوني في هذه المرحلة باعتبارها نضالاً يهودياً للتحرر القومي في مواجهة الاستعمار البريطاني لجأ خلاله الصهاينة إلى السلاح. وهو الأمر الذي يخالف حقيقة الحركة الصهيونية فضلاً عن مجافاته لوقائع التاريخ التي تؤكد أن الفلسطينيين ظلوا دائماً هم الهدف الأول للإرهاب الصهيوني. 

فقد نال الفلسطينيون الحظ الأوفر من العمليات الإرهابية الصهيونية وبخاصة خلال عامي 1947 و1948 الحاسمين، حيث كثَّفالإرهابيون الصهاينة جهودهم لاقتلاع الفلسطينيين، الأمر الذي أدَّى إلى تشريد حوالي 900 ألف فلسطيني إلى خارج أراضيهم ووطنهم. ففي هذه السنوات غلب أسلوب مهاجمة القرى والمدن العربية وارتكاب المذابح الجماعية دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل وكهل، أو بين أولئك العُزل وبين من يحملون السلاح دفاعاً عن حقوقهم. 

وإذا كانت دير ياسين أشهر المذابح التي خلَّفها تاريخ تلك المرحلة، فإن مذابح لا تقل أهمية عنها لا يمكن حصرها قد وقعت خلال العامين 1947 و1948 خاصة. وبينها على سبيل المثال مذابح قرى حساس ويازور وسعسع والدوايمة والرملة وبلدة الشيخ. وهي مذابح راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني. وتذهب بعض التقديرات إلى أن تلك المذابح قد تسببت في هجرالسكان الفلسطينيين خلال حرب 1948 لحوالي 350 قرية ومدينة بشكل كلي أو جزئي من بين 450 سيطرت عليها العصاباتالصهيونية. وإلى جانب الإبادة كان المقصود هو ارتكاب أبشع أنواع الفظاعات ونشر أنبائها لخلق حالة من الذعر بين المواطنين الفلسطينيين تدفعهم إلى الرحيل. 
إلا أن الأمر الأكثر حاجة إلى إعادة التأكيد أن التنظيمات العسكرية الصهيونية (وضمن ذلك الهاجاناه) قد اشتركت دون استثناء في تخطيط وتدبير وتنفيذ هذه المجازر التي جرى معظمها في إطار خطط عسكرية سياسية عامة وصفتها القيادة الصهيونية، وكان أشهرها الخطة (د) التي ارتُكبت في إطارها مأساة دير ياسين.

الإرهاب الصهيوني ضد حكومة الانتداب البريطاني وأعضاء الجماعات اليهودية :

يؤكد الدكتور المسيري أن الفلسطينيون كانوا الهدف الأساسي للنشاط الإرهابي الصهيوني، ومع هذا وجدت بعض الاستثناءات .فمصالح الدولة الاستعمارية الراعية لا تتفق تمام الاتفاق مع مصالح الجيب الاستيطاني، فمصالح الأولى عالمية، أما الثانية فمصالحها محلية. ومن هنا الصراع الذي نشب بين المستوطنين والدولة الاستعمارية، التي رعتهم في بادئ الأمر. فعلى سبيلالمثال أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض في مايو عام 1939 (الذي صدر لتهدئة العرب وللظهور بمظهر من يتصف بالعدالة والإنصاف) فشرعت الحركة الصهيونية في الضغط على سلطات الانتداب البريطاني للتراجع عما جاء بالكتاب، ومن ثم بدأت في تنفيذ عمليات ضد أهداف بريطانية. ففي 21 أغسطس 1939 قتلت «إتسل» ضابطين بريطانيين بلغم استهدف الضابط المسؤول عن الدائرة اليهودية في أجهزة الأمن التابعة لسلطة الانتداب. 
إلا أن طبيعة النشاط الإرهابي المحدود الذي وجهته المنظمات الصهيونية ضد البريطانيين كان مختلفاً تماماً عن الاعتداءات التي استهدفت الفلسطينيين لكونهم مجرد فلسطينيين. فقد جرى انتقاء الضحايا البريطانيين في البداية بصورة محددة (شخص محدد وراءه مبررات محددة واضحة). أما الأهداف الفلسطينية فقد تم انتقاؤها وتنفيذ عملياتها بشكل يهدف إلى قتل وإصابة أكبر عدد ممكن من الضحايا الذين لا يعلم عنهم الإرهابي الصهيوني المنفِّذ والمخطِّط شيئاً محدداً سوى أنهم فقط من الفلسطينيين. ويتضح ذلك في اختيار الأماكن المزدحمة بروادها الفلسطينيين (مقاهي - أسواق - قافلات). كما افتخر منفِّذو هذه الجرائم بإتباع أكثر الأساليب ضماناً لسقوط عدد أكبر من الضحايا ومن بينها استخدام غاز البروم مع المتفجرات. 
ويلفت النظر أيضاً أن الإرهاب الصهيوني خلال الفترة بين إعلان الانتداب ومطلع الحرب العالمية يدخل في إطار ما يُسمَّى أسلوب "أُضرب وأُهرب" إذ تحاشى الإرهابيون الصهاينة في الأغلب الأعم الدخول في مواجهات مسلحة(كأن يقوموا بحصار قرية مثلاً). 

وما كانت آلة الإرهاب الصهيوني التي نمت تحت سمع وبصر السلطات البريطانية خلال هذه المرحلة أن تبلغ هذا الشأن إلا بمساعدة بريطانيا نفسها. وعبارة الإرهابي الصهيوني إسحق بن تسفي ذات دلالة، إذ قال: "نعم.. هناك جبهة بريطانية يهودية.. إن لم تكن في السياسة فهي في الخنادق"، بمعنى أنه رغم الاختلافات السياسية إلا أن السلطات البريطانية هي التي أمدت المنظمات العسكرية الصهيونية بالسلاح ومنحت المستوطنين الصهاينة تراخيص حمله (جرى منح 120 رخصة لليهود في مدينة القدس وحدها) وحجبت هذه التراخيص عن المواطنين الفلسطينيين، وهي أيضاً التي اعترفت بهذه المنظمات، ومن المعروف أن 800 عضوا في «الهاجاناه» التحقوا بصفوف الشرطة البريطانية في فلسطين وتدربوا على استخدام البندقية البريطانية عام 1936في وضح النهار. 

ولقد اشتركت المؤسسات الصهيونية على اختلافها في الإعداد للعمل الإرهابي حيث كانت التدريبات تجرى أسبوعياً في المدارس العبرية والدينية والمصانع الصغيرة والحمامات ودور العبادة اليهودية. وهكذا لم يكن النشاط الإرهابي عملاً على هامش الحركةالصهيونية. بل كان عملاً يرتبط بالوجود الصهيوني وبطبيعة الاستيطان الإحلالية. 
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية دخلت المنظمات العسكرية الصهيونية في جدل حول السياسة التي يتعين إتباعها إزاء السلطات البريطانية. فهل تواصل الطريق الذي شرعت فيه بعد صدور الكتاب الأبيض عام 1939 فتوجِّه قسطاً من أعمال العنف تجاه أهداف بريطانية، أم تلتزم بمهادنة بريطانيا ودعمها في الحرب ضد النازية؟ وإذا كانت أعمال الإرهاب الصهيوني في فلسطين لم تتوقف تماماً خلال فترة الحرب العالمية، فإن نشاطها الذي خفَّت حدته كثيراً بين عامي 1940 و1944 يمكن وصفه بالكمون مقارنة بسنوات قبل الحرب وبعدها. وقد لا يعود ذلك إلى محض اختيار المنظمات العسكرية الصهيونية، فالسلطات البريطانية من جانبها شدَّدت قبضتها على البلاد مع نشوب الحرب فاعتقلت على الفور نشطاء وقيادات الحركة الصهيونية إلى جانب الثوار الفلسطينيين. وتوصلت إلى تسويات مع «الهاجاناه» و«إتسل» قبل أن تعيد إطلاق سراح المعتقلين. وهكذا أعلنت قيادة الحركةالصهيونية أثناء فترة الحرب نبذ أعمال الإرهاب وهو الأمر الذي أعلنت كل من «الهاجاناه» و«إتسل» قبوله (ورفضته منظمة ليحي). 

وقد وجدت المنظمات الصهيونية سنوات الحرب العالمية فرصة لتطوير نفوذها وتقوية هياكلها وتسليحها تمهيداً للانطلاق عند انتهاء الحرب. فزادت عدداً وعدة وأضفت على وجودها قدراً من الشرعية بالتعاون مع بريطانيا والحلفاء. وهكذا أعدت المنظمات نفسها للانطلاق لاحقاً نحو هدفين: الأول إجبار الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين على مغادرة أراضيهم بما فيها تلك التي يشكلون فيها أغلبية ساحقة وهي الأرض التي خصهم بها مشروع التقسيم لاحقاً. والثاني الضغط على البريطانيين لإلغاء القيود المفروضة وبخاصة على الهجرة والعمل من أجل إقامة دولة صهيونية بأسرع الوسائل. 

هذا لا ينفي امتداد دائرة العنف الصهيوني لتشمل البريطانيين والأوربيين بل أحياناً اليهود. ففي عام 1944 أعلنت «إتسل» وقف هدنتها مع البريطانيين بنسف منزل في يافا بحجة أنه مقر للشرطة البريطانية، وكررت نفس الأعمال في حيفا والقدس. وقد بلغ النشاط الإرهابي الصهيوني ضد البريطانيين ذروته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحديداً خلال عام 1946، حيث اتفقت المنظمات على توجيه ضربات للبريطانيين كان أشهرها نسف فندق الملك داود في 22 يوليو عام 1946 والذي كان يضم مكاتب إدارة الانتداب البريطاني، والتي افتخر بيجين بتنفيذها باتفاق مسبق مع «الهاجاناه» و« ليحي». وقد أسفر الانفجار عن مقتل 91 شخصاً بينهم 41 فلسطينياً و28 بريطانياً و17 يهودياً وخمسة من جنسيات أخرى بينهم أمريكيون. 

إلا أن الطابع الذي غلب على العمليات التي استهدفت سلطات الانتداب البريطاني كان السعي لتدمير البنية الأساسية للبلاد مثل السكك الحديدية والجسور والمطارات والموارد الاقتصادية مثل خط البترول الواصل إلى حيفا. ويبدو أن الهدف من ذلك كان إظهار عجز السلطات البريطانية عن إدارة البلاد وحفظ الأمن. ولقد أصدرت السلطات البريطانية في يوليو عام 1946 كتاباً أبيض يكشف وقائع الإرهاب الصهيوني والتنسيق بين المنظـمات الثلاث، وهو الكـتاب الذي اعترف بيـجين بمصـداقية ما جاء فيه. 
و شهدت فترة ما بعد إعلان الحرب العالمية الثانية، ما يمكن تسميته، إعادة تصدير بؤر النشاط الإرهابي الصهيوني إلى المنطقة العربية وأوربا. ولا يقف الأمر عند حدود قيام إلياهو حكيم وإلياهو بيت زوري من عصابة «ليحي» بقتل الوزير البريطاني اللورد موين في القاهرة في 6 نوفمبر عام 1944. (اعترف بن جوريون لاحقاً أنه ساهم في التستر على القتلة رغم تظاهره بإدانة الحادث). فقد نفَّذت العصابات الصهيونية العديد من الأعمال الإرهابية التي راح ضحيتها أبرياء في أوربا، فدبرت « ليحي» انفجاراً في فندق بفيينا ينزل به ضباط بريطانيون أسفر عن مصرع سيدة نمساوية. وقد بلغ إجرام العصابات الصهيونية حد التخطيط في مطلع عام 1948 لتسميم مصادر المياه في العاصمة البريطانية بجراثيم الكوليرا. وقد تولَّى إلياب، أحد قادة« ليحي» بنفسه، تدبير زجاجات الجراثيم عبر بعض الأطباء اليهود في معهد باستير في باريس. إلا أن صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين والإعلان عن إنهاء الانتداب البريطاني عليها جعل المنظمة تصرف النـظر عن تنفيذ العمـلية التي كانت قد بـلغت نهاية مرحـلة الإعداد. وذلك كما ورد في مذكرات يعقوب إلياب نفسه. (من المعروف أن وباء الكوليرا انتشر في مصر بعد عام 1948، وقد انتشرت شائعات في ذلك الحين عن أن الأمر قد يكون له علاقة بالدولة الصهيونية). 

ويُلاحَظ أن مثل هذا النشاط الذي جرى خارج فلسطين لم يقف وراءه فقـط مبعوثو منـظمات الإرهاب الصهيوني المتجولون في أنحاء العالم، بل إن العديد من الخلايا الإرهابية تم زرعها لتستقر في مدن وعواصم العالم والشرق الأوسط وبخاصة بغداد. والجدير بالذكر أن عزرا وايزمان كان عضواً في خلية إرهابية زرعتها إتسل في بريطانيا. ولقد أدخل الإرهاب الصهيوني إلى المنظمات أساليب الطرود الملغومة والاختطاف واغتيال الشخصيات البارزة (مثل الوزير) البريطاني اللورد موين في معاهدة 1946) على نطاق واسع منذ الأربعينيات. 

كما تواصل قبل قيام الدولة عام 1948 قيام منـظمات الإرهاب الصهيونية بالأعمال التي تضم عصابات السرقة والإجرام العادية. إلا أن الأكثر مدعاة للتأمل هو تفاخر قادة المنظمات الصهيونية العسكرية (وقادة الدولة الصهيونية فيما بعد) بقيامهم بتخطيط وتنفيذ السطو على البنوك والممتلكات. ومن بين هذه الأعمال سرقة البنك العثماني في 13 سبتمبر 1946 وبنك باركليز في أغسطس عام 1947 لحساب ليحي. وقد أُلقي القبض على بعض أعضاء الجماعات الإرهابية الصهيونية وحُكم على بعضهم بالسجن بسبب تلك الأعمال المشينة ومن بين هؤلاء يهوشاع زلتر الذي حُكم عليه بـ 15 عاماً بسبب سطوه على أحد البنوك في تل أبيب. والملاحظ أن العديد من تلك الأعمال مثل سرقة 27 ألف ليرة من بنك ديسكونت في 24 مارس 1947 لحساب منظمة « ليحي» قد حظيت باهتمام مذكرات قيادات الإرهاب الصهيوني والتي أبرزت وقائعها المشينة في وصف ملئ بالفروسية والإثارة والتفاخر. 

إلا أن التعبير الأساسي والمتبلور عن الإرهاب الصهيوني في هذه الفترة هو سلسلة المذابح التي ارتكبت ضد الفلسطينيين بهدف إبادة الأقلية وإرهاب الأغلبية حتى يترك الفلسطينيون أرضهم لتصبح أرضاً بلا شعب. 

ولم ترحم آلة الإرهاب الصهيونية المهاجرين اليهود أنفسهم، حيث تصدت المنظمات العسكرية الصهيونية في الثلاثينيات لجماعات البوند وحزب بوعليه صهيون(عمال صهيون) الذين جاءوا من بولندا مطالبين بإلغاء سيطرة اللغة العبرية على المُستوطَن الصهيوني والاعتراف الرسمي باللغة اليديشية. فأشبعوهم ضرباً وتهديداً ورجماً بالحجارة وتهشيماً لواجهات حوانيتهم التي تحمل لافتات كتبت باليديشية. كما قام عضوان من الحركة التصحيحية في عام 1933 بقتل حاييم أرلوزوروف رئيس القسم السياسي فيالوكالة اليهودية وأحد قادة «الماباي». كما قامت إحدى المنظمات الصهيونية باغتيال يعقوب دهان المفكر الديني اليهودي الذي كانمعروفاً بعدائه للصهيونية. وقد اعترف قتلته بارتكاب الحادث في الثمانينيات بعد ما يزيد عن نصف قرن من الإنكار، وبعد التلميح لعدة سنوات بأن يعقوب دهان كانت تربطه علاقة شاذة مع أحد الشبان العرب، وأن هذا هو الذي تسبب في مصرعه. 

ولعل أشهر الحوادث التي تعرَّض لها اليهود في المنطقة خلال عام 1940 كان على أيدي العصابات الصهيونية نفسها حين فجَّر إرهابيو «الهاجاناه» السفينة (باتريا) في ميناء حيفا وسقط ضحية العمل 250 يهودياً ثمناً للضغط على السلطات البريطانية كي تستجيب لطوفان الهجرة غير الشرعية بعد تحميلها وزر هؤلاء الضحايا. أما الأطفال اليهود في اليمن والعراق فقد اختطفهم الإرهاب الصهيوني عنوة بالعشرات من أُسرهم إلى فلسطين. 

إلا أن خط الحركة الصهيونية وتنظيماتها العسكرية لم يكن مستقيماً بأية حال إزاء الأطراف المتحاربة. فرغم الضجة العنصرية التي أحاطـت بها الصـهيونية ما تعـرَّض له يهود أوربيين على أيدي النازية، فإن المذكرات والكتابات التاريخية للصهاينة أنفسهم قد كشفت في وقت لاحق الروابط التي تم نسجها بين الحركتين الصهيونية والنازية وتحديداً في مجال النشاط الإرهابي. وبين ذلك التعاون السياسي والاستخباري بين «الهاجاناه» وجهاز الأمن الألماني منذ وصول النازيين إلى السلطة. وقد قام أيخمان نفسه بالفعل بزيارة يافا عام 1973 وأسفرت الزيارة عن إنشاء مكتب لتنظيم الهجرة تابع لجهاز «الهاجاناه». أما أيخمان نفسه (الذي اختطفته السلطات الصهيونية فيما بعد وقامت بإعدامه) فكان مسؤولاً عن الهجرة اليهودية لدى السلطات الألمانية النازية. كما كان للجانبين الصهيوني والألماني النازي عميل مشترك يُدعَى "بوليكي" وهو صهيوني كان يمد النازيين بمعلومات استخبارية عن الحلفاء والحركتين القومية العربية والشيوعية. وكان يتم إعداد وتدريب وتسليح الإرهابيين الصهاينة في بولندا حتى عام 1940 بالاتفاق مع من أسمتهم المصادر الصهيونية بالمعادين لليهود. وذلك في إطار خطة جابوتنسكي و«إتسل» الرامية إلى إعداد جيش من 40 ألف صهيوني يقوم بغزو فلسطين. وقد اعترف الإرهابي الصهيوني إلياب أن العديد من كوادر «إتسل وليحي» قد طورت قدراتها الإرهابية تدريباً وتسليحاً في إطار هذه الخطة. كما فضح استمرار التعاون مع النازية والفاشية حين ذكر أن« ليحي» حصلت على أسلحة أثناء الحرب العالمية من الأراضي اللبنانية التي كانت تحت سيطرة حكومة فيشي وعن طريق الألمان والإيطاليين ولأغراض سياسية مشتركة. 
المذابـح الصهيونيــة بين عامـي 1947 و1948: 

تعتبر مذبحة دير ياسين من أهم المذابح الصهيونية وأكثرها منهجية ومع هذا لم تكن دير ياسين سوى جزء من نمط أعم: القيام بمذابح ذات طابع إبادي محدود، يتم الإعلان عنها بطريقة درامية لتبث الذعر في نفوس الفلسطينيين فيهربون. وبذا تتم عملية التطهير العرْقي وتصبح فلسطين أرضاً بلا شعب. كما كانت فرق الإرهاب الصهيونية تنفِّذ بعض المذابح للانتقام ولتلقين الفلسطينيين درساً في عدم جدوى المقاومة. ومن أهم المذابح الصهيونية قبل عام 1948 ما يلي: 

مذبحة قريتي الشيخ وحواسة (31 ديسمبر عام 1947):

انفجرت قنبلة خارج بناء شركة مصفاة بترول حيفا وقتلت وجرحت عدداً من العمال الفلسطينيين القادمين إلى المصفاة. وإثر ذلك ثار العمال الفلسطينيين بالشركة وهاجموا الصهاينة العاملين بالمصفاة بالمعاول والفؤوس وقضبان الحديد وقتلوا وجرحوا منهم نحو ستين صهيونياً. وكان قسم كبير من العمال الفلسطينيين في هذه المصفاة يقطنون قريتي الشيخ وحواسة الواقعتين جنوب شرق حيفا، ولذا خطط الصهاينة للانتقام بمهاجمة البلدتين. وفي ليلة رأس السنة الميلادية 1948 بدأ الصهاينة هجومهم بُعيد منتصف الليل وكان عدد المهاجمين بين 150، 200 صهيوني ركزوا هجومهم على أطراف البلدتين، ولم يكن لدى الفلسطينيين سلاح كاف، ولم يتعد الأمر وجود حراسات محلية بسيطة في الشوارع. 

هاجم الصهاينة البيوت النائية في أطراف هاتين القريتين وقذفوها بالقنابل اليدوية ودخلوا على السكان النائمين وهم يطلقون نيران رشاشاتهم. وقد استمر الهجوم ساعة انسحب إثرها الصهاينة في الساعة الثانية صباحاً بعد أن هاجموا حوالي عشرة بيوت وراح ضحية ذلك الهجوم نحو 30 فرداً بين شهيد وجريح معظمهم من النساء والأطفال وتركوا شواهد من الدماء والأسلحة تدل على عنف المقاومة التي لقوها. 
مذبحة قرية سعسع (14 ـ 15 فبراير 1948):

شنت كتيبة البالماخ الثالثة هجوماً على قرية سعسع، فدمرت 20 منزلاً فوق رؤوس سكانها، وأسفر ذلك عن مقتل 60 فلسطينياً معظمهم من النساء والأطفال. وقد وُصفت هذه العملية بأنها "مثالية". 

مذبحة رحوفوت (27 فبراير 1948):

حدثت في مدينة حيفا قرب رحوفوت حيث تم نسف قطار القنطرة الأمر الذي أسـفر عن اسـتشهاد سـبعة وعشرين فلسطينياً وجرح ستة وثلاثين آخرين.
 
مذبحة كفر حسينية (13 مارس 1948):

 قامت«الهاجاناه» بالهجوم على القرية وقامت بتدميرها وأسـفرت المذبحـة عن اسـتشهاد ثلاثين فلسطينياً. 

مذبحة بنياميناه (27 مارس 1948):

حدثت مذبحتان في هذا الموضع حيث تم نسف قطارين، أولهما نُسف في 27 مارس وأسفر عن استشهاد 24 فلسطينياً وجرح أكثر من 61 آخرين، وتمت عملية النسف الثانية في 31 من نفس الشهر حيث استُشهد أكثر من 40 فلسطينياً وجُرح 60 آخرون. 

مذبحة دير ياسـين (9 أبريل 1948):

مذبحة ارتكبتها منظمتان عسكريتان صهيونيتان هما «الإرجون» (التي كان يتزعمها مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد) و«شتيرن ليحي» (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة). وتم الهجوم باتفاق مسبق مع «الهاجاناه»، وراح ضحيتها زهاء 260 فلسطينياً من أهالي القرية العزل. وكانت هذه المذبحة، وغيرها من أعمال الإرهاب والتنكيل، إحدى الوسائل التي انتهجتها المنظمات الصهيونية المسلحة من أجل السيطرة على الأوضاع في فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة الصهيونية. 

وقد عبَّرت الدولة الصهيونية عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عاماً من وقوعها، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية: «الإرجون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه» على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.
 
مذبحة ناصر الدين (14 أبريل 1948):

 اشتدت حدة القتال في مدينة طبربة بين الفلسطينيين والصهاينة، وكان التفوق في الرجال والمعدات في جانب الصهاينة منذ البداية. وجرت محاولات لنجدة مجاهدي طبرية من مدينة الناصرة وما جاورها. وجاءت أنباء إلى أبناء البلدة عن هذه النجدة وطُلب منهم التنبه وعدم فتح النيران عليها. ولكن هذه الأنباء تسربت إلى العدو الصهيوني الذي سيطر على مداخل مدينة طبرية فأرسلت « منظمتا ليحي والإرجون» في الليلة المذكورة قوة إلى قرية ناصر الدين يرتدي أفرادها الملابس العربية، فاعتقد الأهالي أنهم أفراد النجدة القادمة إلى طبرية فاستقبلوهم بالترحاب، وعندما دخل الصهاينة القرية فتحوا نيران أسلحتهم على مستقبليهم، ولم ينج من المذبحة سوى أربعين فلسطينياً استطاعوا الفرار إلى قرية مجاورة. وقد دمر الصهاينة بعد هذه المذبحة جميع منازل ناصر الدين. 

مذبحة تل لتفنسكي (16 أبريل 1948):

قامت عصابة يهودية بمهاجمة معسكر سابق للجيش البريطاني يعيش فيه الفلسطينيون وأسفر الهجوم عن استشهاد 90 فلسطينياً.
 
مذبحة حيفا (22 أبريل 1948):

هاجم المسـتوطنون الصـهاينة مدينة حيفـا في منتصف الليل واحتلوها وقتلوا عدداً كبيراً من أهلها، فهرع الفلسطينيون العُزل الباقون للهرب عن طريق مرفأ المدينة فتبعهم اليهود وأطلقوا عليهم النيران، وكانت حصيلة هذه المذبحة أكثر من 150 شهيداً و40 جريحاً. 

مذبحة بيت داراس (21 مايو 1948):

حاصر الإرهابيون الصهاينة قرية بيت داراس التي تقع شمال شرق مدينة غزة، ودعوا المواطنين الفلسطينيين إلى مغادرة القرية بسلام من الجانب الجنوبي، وسرعان ما حصدت نيران الإرهابيين سكان القرية العُزل وبينهم نساء وأطفال وشيوخ بينما كانوا يغادرون القرية وفق تعليمات قوة الحصار. وكانت نفس القرية قد تعرضت لأكثر من هجوم صهيوني خلال شهري مارس وأبريل عام 1948. وبعد أن نسف الإرهابيون الصهاينة منازل القرية وأحرقوا حقولها أقاموا مكانها مستعمرتين. 
الإرهاب الصهيوني منذ عام 1948 و حتى عام 1967: 

بعد الإعلان عن قيام إسرائيل في مايو 1948، أسرعت القيادة الصهيونية إلى إطلاق تسمية ( جيش الدفاع الإسرائيلي) على جماعة « الهاجاناه« في 26 مايو وإلى إدماج الجماعات العسكرية الأخرى في الجيش، مثلما جرى مع منظمة « إتسل« في أول يونيو من العام نفسه . وإذا كانت جماعات الإرهاب قبل عام 1948 ظلت تحتفظ باستقلالية تنظيمية عن الجيش لحوالي عام في مدينة القدس فقط فإن سياسة النخبة الصهيوني الحاكمة كانت تهدف بالأساس إلى ما يمكن تسميته بمركزية الإشراف والتخطيط للعمل العسكري الإرهابي الصهيوني، وذلك بصرف النظر عما حاولت أن تروجه بأن عصراً جديداً قد بدأ وأن سلطة الدولة قد وضعت حداً للممارسات السابقة. ولذا فإن القانون الذي يُسمَّى «قانون منع الإرهاب» الصادر في 20 سبتمبر 1948 لا يعني وضع حد فاصل في تاريخ الإرهاب الصهيوني وإنما وضع حد لحرية الحركة التي يتمتع بها تنظيم« شتيرن. « 

ولقد انقطعت عن الذكر أسماء «إتسل وشتيرن« وربما باستثناء «الهاجاناه« التي احتفظ الجيش الصهيوني نفسه بتسميتها، وسواء أكان ذلك بهدف ضبط وسيطرة هيكل سياسي عسكري موحد أطلق عليه الصهاينة اسم "الدولة" على النشاط الإرهابي باتفاق وتراضي أجنحة الحركة الصهيونية، أم كان ذلك حلقة في صراع السيطرة بين أجنحة الحركة الصهيونية ومنظماتها العسكرية الإرهابية جاءت نتائجه لصالح العماليين وزعامة بن جوريون (حيث قام أيضاً بحل البالماخ التابعة للمابام في نوفمبر (1948الذي لم يتورَّع عن اللجوء إلى العنف للضغط على «إتسل وشتيرن« لتصفية استقلالهما، أم كان الأمر مزيجاً من الاعتبارين السابقين. إلا أن هذا لا يعني، بأية حال، أن الإرهاب الصهيوني قد اختفى. فما حدث هو تحوُّله من إرهاب ميليشيات غير منظمة إلى إرهاب مؤسسي منظم من خلال الجيش الصهيوني، إذ أن الحقيقة البنيوية التي تسببت في الإرهاب ظلت قائمة، وهي أن الأرض التي تصور الصهاينة أنها بلا شعب، أثبتت أنها ذات شعب يعي تاريخه وحضارته، ولذا استمر الإرهاب واستمر تصاعد عنفوانه حتى بعد 1948 لإفراغ الأرض التي لا شعب فيها من الشعب الذي "تصادف" وجوده فيها (حسب التصور الصهيوني للقضية. ( 
وقد احتل أبطال العمليات العسكرية الإرهابية الصهيونية قبل عام 1948 أعلى مراكز الجهاز السياسي والعسكري في البلاد، الذي استمر في ممارسة نشاطه الإرهابي والعنصري متكامل الأبعاد (عسكرياً ـ اقتصادياً ـ سياسياً ـ أيديولوجياً ـ دعائياً... إلخ) على جبهتين أساسيتين: الأولى ضد الشعب الفلسطيني بالداخل بهدف طرده خارج أرضه ودفعه بعيداً عن الوطن استمراراً لمهام الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. والثانية العمل على بناء هيبة القوة ضد البلدان العربية بل إلى ما يتجاوز المنطقة العربية بالتعاون مع الإمبريالية الأمريكية. 

وفي سياق استمرار الإرهاب الصهيوني وتطـوُّره في أعقاب 1948، عملت، وتعمل، المؤسسة العسكرية الصهيونية في الداخل والخارج. وإن لم يمنع ذلك من استحداث فروع خاصة لأغراض إرهابية محددة. مثل إنشاء الوحدة 101 عام 1953 التي عُيِّن أرييل شارون قائداً لها. وقد ظل أمر إنشائها إلى فترة ما من الأمور السرية (فهي تتبع الجيش الصهيوني)، وقد أوكل إليها العديد من المذابح ضد اللاجئين الفلسطينيين في مناطق الهدنة مثل مذبحة قبية. وهكذا قد يجري من آن لآخر إنشاء وحدات إرهابية خاصة من رحم الأجهزة الرئيسية التي يدخل ضمن وظائفها ونشاطها العمل الإرهابي مثل الجيش والموساد التي تختص بأعمال الإرهاب خارج إسرائيل والتي من بين أشهر فضائحها قضية لافون عام 1954، حيث قامت شبكة تخريب وتجسس إسرائيلية بتفجير بعض المرافق الأمريكية والبريطانية والمصرية في القاهرة والإسكندرية. وهناك كذلك جهاز الشين بيت الذي يُعَدُّ المخابرات الداخلية في فلسطين المحتلة والمعروف بجرائمه العديدة ضد الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال. كما تم إعادة تشكيل فرقة المستعربين الخاصة بالاغتيالات. 

وإذا تتبعنا تاريخ النشاط الإرهابي الصهيوني بعد عام 1948 فلن نجد صعوبة في استنتاج أن وقائع هذا النشاط كانت تقع في نطاق المسؤولية المباشرة للأجهزة الرسمية الصهيونية وما زالت. علاوة على ظاهرة المنظمات الإرهـابية التي بدأ ظهـورها خـلال السبعينيات والثمانينيات. وإن كان ذلك لا ينفي الصلة غير المباشرة والمستترة بين هذه المنظمات والأجهزة الرسمية. 

ولمحاولة تتبع أبرز وقائع وسمات الإرهاب الصهيوني بعد عام 1948، يمكننا أن نقسِّم المرحلة إلى ثلاث فترات: الأولى حتى حرب 1967، والثانية حتى منتصف السبعينيات، أما الثالثة فقد شهدت إلى جانب استمرار إرهاب الدولة بروز تنظيمات المستوطنين اليهود. وتُعَدُّ مذبحة قبية وكفر قاسم نموذجاً جيداً للإرهاب الصهيوني شبه المؤسسي في الفترة التي تلت عام 1948 وحتى 1967. وإذا كان هذا العنوان المكون من مجزرتين فقط ضمن عشرات لا تقل وحشية لا يمكنه أن يفي بالإشارة إلى مجالات الأنشطة الإرهابية الصهيونية الأكثر اتساعاً وتنوعاً، فإنه يضع أيدينا على المجالين الأساسيين والأكثر شـيوعاً في تاريخ الإرهـاب الصهـيوني بعد عام 1948. 

وحصر الجرائم الإرهابية الذي نُفِّذت بأيدي القوات الرسمية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة تبدو عملاً جديراً بالجهد رغم صعوبته. وما يستحق التأكيد أن معركة التغيير الديموغرافي لفلسطين المحتلة لجعلها أرضاً بلا شعب لم تتوقف حسب ما يُعتقد بانتهاء حرب 1948 وما نتج عنها من تشريد مليون لاجئ. فقد استمر الكيان الصهيوني في سياسة الاقتلاع الاستعمارية الاستيطانية بوتيرة لم تقل مطلقاً عن عامي 1947 و1948 وعلى الأقل حتى نهاية الستينيات، وإن لم تتوقف هذه السياسة مطلقاًفيما بعد. وفي إطار ذلك جنَّد الكيان الصهيوني إمكاناته وسلطة قمعه ضد الشعب الفلسطيني بالداخل، وضمن سياسات قانونية واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية إرهابية عنصرية. وإذا كانت الصورة التاريخية السائدة لضحية الإرهاب الصهيوني في تلك الفترة هي "اللاجئ المشرد"، فإن الشهداء والجرحى كانوا كذلك من بين ضحايا هذه السياسة الإرهابية فضلاً عن المعتقلين والمنفيين قسراً. كما يلفت النظر أن منطقة الجليل كانت هدفاً أساسياً للنشاط الإرهابي الصهيوني خلال الخمسينيات والستينيات نظراً لشعور الصهاينة بخطورة استمرار التركز البشري الفلسطيني فيها. 

وقد قامت القوات الإسرائيلية بانتهاك الهدنة مع البلدان العربية المجاورة ونفَّذت العديد من الجرائم الإرهابية ضد المدنيين وبينهم لاجئون فلسطينيون آثرت تعقُّبهم لتمارس مرحلة ثانية من الطرد. وإذا كانت الأمم المتحدة قد أحصت اعتداءات الصهاينة المتكررة والتي أسمتها «حوادث الحدود» بين عامي 1948 و1967 بـ 21 ألف اعتداء، فإن القائمة الدموية تشمل العديد من المذابح التينفَّذت عملياتها بناء على قرارات اتخذت على أعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. 

وقد يكون من الضروري إعادة التذكير بأن الكيان الصهيوني كان صاحب السبق في ممارسة ما سُمِّي فيما بعد «أعمال الإرهاب الدولي»، حيث بادر في ديسمبر عام 1954 إلى اختطاف طائرة مدنية سورية، وأجبرها على الهبوط في الأراضي المحتلة، وحاول أن يتخذ من ركابها المدنيين رهينة للمساومة على جنود صهاينة وقعوا قيد الأسر لدى سوريا حين تسللوا إلى الأراضي السورية. وقد اعترف موشي شاريت بنفسه أن وزارة الخارجية الصهيونية قد أكدت بنفسها أن هذا العمل غير مسبوق في مجال السلوك والأعراف الدولية. وهو نمط من السلوك لم يتورع الصهاينة عن تكراره فيما بعد متضمناً انتهاكاً لسيادة دول قد لا تكون في حالة حرب معها (مثل أوغندا وحادث عنتبي). وليس اللافت للنظر هو إدخال إسرائيل مثل هذه الأساليب والسلوكيات فيالمنطقة وفي التاريخ العالمي فحسب، بل الاعتراف الصهيوني الرسمي بهذه الجرائم الإرهابية الدولية. 

وكما قلنا من قبل فإن عنوان كفر قاسم وقبية لا يستوعب جميع مجالات أنشطة الإرهاب الصهيوني بعد عام 1948 وحتى عام 1967. ففي المقابل كان يلزم لتنفيذ الشق الثاني من إستراتيجية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي تنشيط حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة وإلى الدولة الجديدة ولو بالإرهاب. ومن الطبيعي أن يسجل لنا التاريخ وقائع عدة وباعترافات القادة الصهاينة كان اليهود خلالها هدفاً للإرهاب الصهيوني ولإرهاب الدولة التي تزعم تمثيلهم أو بالأصح تغتصب هذا التمثيل. حيث خطط جهاز الموساد لعديد من عمليات إلقاء القنابل على أماكن التجمع اليهودي والمقدَّسات اليهودية في العراق عامي 1950 و1951، بل كوَّن شبكة إرهابية لهذا الغرض أشرف عليها موردخاي بن بورات بهدف دفع يهود العراق إلى الهجرة إلى فلسطين المحتلة بعد أن أقلقت استجابتهم الضعيفة وغير المرضية القادة الصهاينة إزاء نداءاتها بالهجرة إلى(إسرائيل) وحتى بعد أن فتحت السلطات العراقية باب الهجرة واسعاً أمام من يشاء منهم. 

وجريمة قتل الكونت برنادوت، الوسيط الدولي للأمم المتحدة، في فلسطين بتاريخ 17 أغسطس 1948 تقف مثالاً لنشاط الإرهاب الصهيوني ضد "الأغيار" من غير الفلسطينيين والعرب. فقد تم اغتياله رغم جهوده المعروفة في إنقاذ آلاف اليهود من معسكرات الاعتقال النازية عندما كان رئيساً لمنظمة الصليب الأحمر الدولي خلال الحرب العالمية الثانية. كما تشهد بالمسؤولية الجماعية للقادة الصهاينة على اختلاف انتماءاتهم الحزبية. وفي هذا الصدد اعترف بن جوريون نفسه فيما بعد بأنه كان على علم تام بهوية الجناة وأنه آثر تسهيل فرارهم دون أي عقاب. 
إلا أن تاريخ الاستيطان الصهيوني حافل بصفحات طواها النسيان لممارسة الإرهاب ضد الأغيار من غير العرب والفلسطينيين من بينها ممارسة الإرهاب المتكرر ضد سفارات ومصالح الدول الاشتراكية. 

وفي الوقت نفسه تقريباً نُظِّمت سلسلة من الأعمال الإرهابية لم يجر حتى الآن الكشف عن الجهة الصهيونية المسؤولة مباشرةً عن تدبيرها. وجرت هذه الأعمال تحت حملة دعائية صهيونية تروج لفكرة الانتقام من المواطنين الألمان الأبرياء. وفي وقت لاحق نظَّمت جماعة صهيونية معارضة لمفاوضات التعويض مع ألمانيا الغربية بعض العمليات الإرهابية من بينها إرسال طرود ناسفة إلى المستشار الألماني أديناور وإلى أعضاء بعثة التعويضات الألمانية في هولندا، وتفجير سيارة مفخخة بجوار مجلس النوابالألماني (البوند ستاج). 

وإذا كان من الضروري إعادة تأكيد طابع الإرهاب الرسمي الغالب في أعقاب 1948، والموجه تحديداً نحو الفلسطينيين والعرب، فإن من الواجب أيضاً رصد مجموعة من الوقائع التي تبدو هامشية إلا أنها تكتسب دلالة بالنسبة لطبيعة التجمُّع الصهيوني في فلسطين. فقد شهدت بدايات العقد الخامس من القرن العشرين عدة جماعات محدودة العضوية مارست العنف واعتمدته كلغة بين جماعات هذا التجمُّع الصهيوني. وتعود هذه الجماعات، التي لم تحظ باستمرارية أو نفوذ واضحين، إلى مصدرين رئيسيين: الأولبعض أعضاء جماعتي «إتسل وشتيرن« الذين لم يتقبلوا قسمة السلطة التي أسفر عنها عام 1948 فوجهوا نشاطهم ضد قادتهم حين أقدم بعض أعضاء « شتيرن« على تعقب قادتهم الذين انصاعوا لأوامر سلطة بن جوريون فقاموا بحرق منازلهم. والثاني بعض الجماعات اليهودية الأرثوذكسية التي رفضت مظاهر العلمنة في التجمُّع الصهيوني. وكان أبرزها عصابة "الغيورين" أو "المعسكر" التي تأسَّست عام 1950 في القدس. وفي إطار سعيها لفرض ما تراه التعاليم الصحيحة لليهودية أحرقت سيارات من أقدموا على انتهاك حُرمة يوم السبت ومحلات اللحوم التي لا تلتزم الشريعة اليهودية في إجراءات الذبح. إلا أن أشهر أعمالها كان التخطيط لإلقاء قنبلة على الكنيست أثناء مناقشة قرار تجنيد الفتيات المتدينات في الجيش. ومقابل ذلك وقعت عملية ضد المتدينين حين دمرت عبوة ناسفة منزل ديفيد تسفي بنكيس وزير المواصلات احتجاجاً على عزمه تقييد الحركة يوم السبت وذلك في يونيو 1952. 

وعلى أية حال فإن السلطات الصهيونية كان يسهل عليها تدارك الموقف، ففضلاً عن تصعيد التوتر بين المستوطن الصهيوني من جهة والشعب الفلسطيني والشعوب العربية عامة من جهة أخرى وحشد متناقضات تجمُّعها الصهيوني في مواجهة ذلك، كان من السهل عليها بث عملائها داخل هذه الحركات وتفريغها وضربها في الوقت المناسب. 

وإذا كان هناك ثمة مفارقة في أن دوف شيلانسكي، الذي دبَّر عام 1952 محاولة نسف وزارة الخارجية الإسرائيلية وحُكم عليه بالسجن 21 شهراً لمحاولته، قد شغل مقعداً عن الليكود في الكنيست فيما بعد، فإن تلك المفارقة مشحونة بدلائل مهمة تكشف أن التناقضات بين مكونات التجمُّع الصهيوني، مهما بلغت ضراوتها وعنفها، لا تحول مطلقاً دون عملية الاندماج المستمر في إطار نظام لا تشكل لديه مثل هذه السوابق أو السلوكيات أمراً يستلزم استبعاد مرتكبها من بين صفوف نخبته. 
المذابح الصهيونية حتى عام 1967 
من أهم المذابح التي ارتكبها المستوطنون الصهاينة بين عامي 1948 و1967 ما يلي: 

مذبحة الدوايمة (29 أكتوبر 1948):

هاجمت الكتيبة 89 التابعة لمنظمة « ليحي« وبقيادة موشيه ديان قرية الدوايمة الواقعة غرب مدينة الخليل. ففي منتصف الليل حاصرت المصفحات الصهيونية القرية من الجهات كافة عدا الجانب الشرقي لدفع سكانها إلى مغادرة القرية إذ تشبثوا بالبقاء فيها رغم خطورة الأوضاع في أعقاب تداعي الموقف الدفاعي للعرب في المنطقة. 

وقام المستوطنون الصهاينة بتفتيش المنازل واحداً واحداً وقتلوا كل من وجدوه بها رجلاً أو امرأة أو طفلاً، كما نسفوا منزل مختارالقرية. إلا أن أكثر الوقائع فظاعة كان قتل 75 شيخاً مسناً لجأوا إلى مسجد القرية في صباح اليوم التالي وإبادة 35 عائلة فلسطينية كانت في إحدى المغارات تم حصدهم بنيران المدافع الرشاشة. وبينما تسلل بعض الأهـالي لمنازلهـم ثانية للنزول بالطعـام والملابس جرى اصطيادهم وإبادتهم ونسف عدد من البيوت بمن فيها. 

وقد حرص الصهاينة على جمع الجثث وإلقائها في بئر القرية لإخفاء بشاعة المجزرة التي لم يتم الكشف عن تفاصيل وقائعها إلا عندما نشرت صحيفة (حداشوت) الصهيونية تحقيقاً عنها. ويُلاحَظ أن الصهاينة أقاموا على أرض القرية المنكوبة مستعمرة أماتزياه. 

مذبحة يازور (ديسمبر 1948):

كثَّف الصهاينة اعتداءاتهم المتكررة على قرية يازور الواقعة بمدخل مدينة يافا. إذ تكرر إطلاق حراس القوافل الصهيونية على طريق القدس/تل أبيب للنيران وإلقائهم القنابل على القرية وسكانها. وعندما اصطدمت سيارة حراسة تقل سبعة من الصهاينة بلغم قرب يازور لقي ركابها مصرعهم وجَّه ضابط عمليات منظمة «الهاجاناه« ييجال يادين أمراً لقائد «البالماخ« ييجال آلون بالقيام بعملية عسكرية ضد القرية وبأسرع وقت وفي صورة إزعاج مستمر للقرية تتضمن نسف وإحراق المنازل واغتيال سكانها. وبناءً عليه نظمت وحدات «البالماخ« ولواء «جبعاتي« مجموعة عمليات إرهابية ضد منازل وحافلات يستقلها فلسطينيون عُزَّل. وتوجت العصابات الصهيونية نشاطها الإرهابي في 22 يناير 1949، أي بعد 30 يوماً من انفجار اللغم في الدورية الصهيونية، فتولى إسحق رابين (وكان آنذاك ضابط عمليات البالماخ) قيادة هجوم مفاجئ وشامل على القرية عند الفجر، ونسفت القوات المهاجمةالعديد من المنازل والمباني في القرية وبينها مصنع للثلج. وأسفر هذا الاعتداء عن مقتل 15 فلسطينياً من سكان القرية لقي معظمهم حتفه وهم في فراش النوم. 

وتكمن أهمية ذكر مذبحة يازور في أن العديد من الشخصيات "المعتدلة" بين أعضاء النخبة الحاكمة في الكيان الصهيوني اشتركوا في هذه الجريمة. كما أن توقيت تنفيذ المذبحة يأتي عقب قيام الدولة. ولم يُكشف عن تفاصيل هذه المذبحة إلا عام 1981. 

مذبحة شرفات (7 فبراير 1951):

في الثالثة من صبيحة يوم 7 فبراير عام 1951 وصلت ثلاث سيارات من القدس المحتلة إلى نقطة تبعد ثلاثة كيلو مترات ونصف عن خط السكة الحديدية جنوب غرب المدينة وتوقفت حيث ترجل منها نحو ثلاثين جندياً واجتازوا خط الهدنة وتسلقوا المرتفع باتجاه قرية شرفات الواقعة في الضفة الغربية والمطلة على القدس بمسافة تبعد نحو خمسة كيلو مترات. 

وقطع هؤلاء الجنود الأسلاك الشائكة المحيطة بالمدينة وأحاطوا ببيت مختار القرية، ووضعوا عبوات ناسفة في جدرانه وجدرانالبيت المحاذي له، ونسفوهما على من فيهما، وانسحبوا تحت حماية نيران زملائهم التي انصبت بغزارة على القرية وأهلها. وأسفرت هذه المذبحة عن سقوط عشرة شهداء: شـيخين وثلاث نسـاء وخمسة أطفال، كما أسفرت عن وقوع ثمانية جرحى جميعهم من النساء والأطفال. 

مذبحة بيت لحم (26 يناير 1952):

في ليلة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام لدى الطوائف المسيحية الشرقية، 26 يناير 1952، قامت دورية صهيونية بنسف منزل قريب من قرية بيت جالا على بُعد كيلو مترين من مدينة بيت لحم وأدى ذلك إلى استشهاد رب المنزل وزوجته. 
وفي الوقت نفسه اقتربت دورية أخرى من منزل آخر، على بُعد كيلو متر واحد شمالي بيت لحم قريباً من دير الروم الأرثوذكسي في مار إلياس، وأطلقت هذه الدورية النار على المنزل وقذفته بالقنابل اليدوية فقُتل صاحبه وزوجته وطفلان من أطفالهما وجُرح طفلان آخران. 

ودخلت دورية ثالثة في الليلة نفسها الأرض المنزوعة من السلاح في قطاع اللطرون، واجتازت ثلاثة كيلو مترات إلى أن أصبحت على بُعد خمسمائة متر من قرية عمواس فأمطرتها بنيران غريرة. 

مذبحة قرية فلمة (29 يناير 1953):

هاجمت سرية صهيونية معززة قوتها بين 120 إلى 130 جندياً قرية فلمة العربية الواقعة في الضفة الغربية، ودكت القرية بمدافع الهاون حيث هدمت بعض بيوتها وخلفت تسعة شهداء فضلاً عن أكثر من عشرين جريحاً. 

مذبحة مخيم البريج (28 أغسطس 1953):

هاجمت قوات الجيش الصهيوني مخيم البريج الفلسطيني في قطاع غزة حيث قتلت 20 شهيداً وجُرح 62 آخرون. 

مذبحة قلقيلية (10 أكتوبر 1953(:

حرص أهل قلقيلية على جمع المال وشراء أسلحة وذخيرة للجهاد ضد الصهاينة، ولم تنقطع الاشتباكات بينهم وبين عدوهم. ولم يكتم الصهاينة غضبهم من فشلهم في كسر شوكة سكان القرية، حتى أن موشيه ديان قال في اجتماع له على الحـدود إثر اشـتباك في يونيو 1953: "سأحرث قلقيلية حرثاً". 

وفي الساعة التاسعة من مساء العاشر من أكتوبر عام 1953 تسللت إلى قلقيلية مفرزة من الجيش الصهيوني تقدَّر بكتيبة مشاه وكتيبة مدرعات تساندهما كتيبتا مدفعية ميدان ونحو عشر طائرات مقاتلة، فقطعت أسلاك الهاتف ولغمت بعض الطرق في الوقت الذي احتشدت فيه قوة كبيرة في المستعمرات القريبة تحركت في الساعة العاشرة من مساء اليوم نفسه وهاجمت قلقيلية من ثلاثة اتجاهات مع تركيز الجهد الأساسي بقوة كتيبة المدرعات على مركز الشرطة فيها. لكن الحرس الوطني تصدى بالتعاون مع سكان القرية لهذا الهجوم وصمدوا بقوة وهو ما أدَّى إلى إحباطه وتراجُع المدرعات. وبعد ساعة عاود المعتدون الهجوم بكتيبة المشاه تحت حماية المدرعات بعد أن مهدوا للهجوم بنيران المدفعية الميدانية، وفشل هذا الهجوم أيضاً وتراجع العدو بعد أن تكبد بعض الخسائر. 

شعر سكان القرية أن هدف العدوان هو مركز الشرطة فزادوا قوتهم فيه وحشدوا عدداً كبيراً من الأهالي المدافعين هناك. ولكنهم تكبدوا خسائر كبيرة عندما عاودت المدفعية القصف واشتركت الطائرات في قصف القرية ومركز الشرطة بالقنابل. وفي الوقتنفسه هاجم العدو الصهيوني مرة ثالثة بقوة وتمكَّن من احتلال مركز الشرطة ثم تابع تقدُّمه عبر الشوارع مطلقاً النار على المنازل وعلى كل من يصادفه. وقد استُشهد قرابة سبعين من السكان ومن أهل القرى المجاورة الذين هبوا للنجدة، هذا فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة. 

وكانت وحدة من الجيش الأردني متمركزة في منطقة قريبة من قلقيلية فتحركت للمساعدة في التصدي للعدوان غير أنها اصطدمت بالألغام التي زرعها الصهاينة فتكبدت بعض الخسائر، وقد قصفت المدفعية الأردنية العدو وكبدته بعض الخسائر، ثم انسحب الصهاينة بعد أن عاثوا بالقرية فساداً وتدميراً. 

مذبحة قبية (15 أكتوبر 1953( :

في منتصف شهر أكتوبر عام 1953 أغار جنود الفرقة 101 التابعة للجيش الصهيوني بقيادة أرييل شارون على القرية التي تقع شمال مدينة القدس في المنطقة الحدودية تحت إدارة الأردن. وطوَّق 600 جندي صهيوني القرية تماماً وقصفوها بصورة مركَّزة ودون تمييز، ثم دخلت قوة منهم إليها وهي تطلق النار عشوائياً بعد أن تمكنت من التخلص من المقاومة التي أبدتها قوة الحرس الوطني المحدودة في القرية. وبينما كان يجري حصد المدنيين العُزَّل بالرصاص قامت عناصر أخرى بتلغيم العديد من منازلالفلسطينيين وتدميرها على من فيها. 

وقد تذرع الصهاينة في البداية بأن الهجوم يأتي انتقاماً لمقتل امرأة يهودية وطفلها. كما مارست الخداع بادعائها أن مرتكبي المذبحة هم من المستوطنين الصهاينة وليسوا قوات نظامية. إلا أن مجلس الأمن الذي أدان الجرم الصهيوني قد اعتبره عملاً تم تدبيره منذ زمن طويل، وهو الأمر الذي أيدته اعترافات بعض القيادات الصهيونية فيما بعد. 

وأسفرت المذبحة عن سقوط 69 شهيداً بينهم نساء وأطفال وشيوخ، ونسف 41 منزلاً ومسجد وخزان مياه القرية في حين أُبيدت أُسر بكاملها مثل عائلة عبد المنعم قادوس المكونة من 12 فرداً.
 
وتُعَد مذبحة قبية علامة شهيرة في انتهاك الكيان الصهيوني للقانون والأعراف الدولية فضلاً عن حقوق الإنسان، ونموذجاً سافراً لسياسته الهادفة إلى مطاردة الشعب الفلسطيني واقتلاعه بتفريغ مناطق الهدنة عام 1948. وقد قام الفدائيان العربيان خالد أكر (من سوريا) و التونسي ميلود بن الناجح نومة يوم 25 نوفمبر 1987 (في الذكرى الحادية والثلاثين لمذبحة قبية) بعملية فدائية سمياها «عملية قبية». وقد استُشهد الفدائيان بعد أن قتل أحدهما ستة صهاينة.
 
مذبحة مخالين (29 مارس 1954):

قامت قوة من الجيش الصهيوني مؤلفة من 300 جندي باجتياز خط الهدنة وتوغلت في أراضي الضفة الغربية مسافة أربعة كيلو مترات حتى وصلت إلى قرية مخالين بالقرب من بيت لحم، حيث ألقت كمية من القنابل على تجمعات السكان وبثت الألغام في بيوت القرية وفي المسجد الجامع. وأسفرت هذه المذبحة عن استشهاد أحد عشر فلسطينياً وجُرح أربعة عشر آخرون. 

مذبحة دير أيوب (2 نوفمبر 1954):

في الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم خرج ثلاثة أطفال من قرية يالو الغربية لجمع الحطب، تراوحت أعمارهم بين الثامنة والثانية عشرة، وعند وصولهم إلى نقطة قريبة من دير أيوب على بُعد نحو أربعمائة متر من خط الهدنة فاجأهم بعض الجنود الصهاينة فولت طفلة منهم هاربة فأطلق الجنود النار عليها وأصابوها في فخذها، لكنها ظلت تجري إلى أن وصلت إلى قريتها وأخبرت أهلها.
 
أسرع أهل الطفلين المتبقين إلى المكان المذكور فشاهدوا نحو اثنى عشر جندياً صهيونياً يسوقون أمامهم الطفلين باتجاه بطن الوادي في الجنوب حيث أوقفوهما وأطلقوا عليهما النار ثم اختفوا وراء خط الهدنة. وقد استشهد أحد الطفلين لتوه، بينما استشهدت الطفلة الأخرى صبيحة اليوم التالي في المستشفى الذي نُقلت إليه.
 
مذبحة غزة الأولى (28 فبراير 1955) :

 بسبب طبيعة (إسرائيل) كدولة وظيفية حرص الاستعمار على استغلال وجودها لتصفية العداء المصري لسلسلة الأحلاف الاستعمارية ومنها حلف بغداد الذي كان يتزعم الدعوة إليه وتنفيذه نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي آنذاك. ومع وضوح الموقف المصري صعَّد الكيان الصهيوني موقفه العدواني تجاه مصر وعمد إلى تنفيذ مذبحة في قطاع غزة الذي كانت الإدارة المصرية تشرف عليه.
 
وبدايةً حاولت إدارة الصهاينة توجيه تهديد صريح لمصر بإمكان استعمالها سياسة القوة لتأديب الثورة المصرية وردعها. ومن ثم، ففي الوقت الذي كان فيه صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة المصري يجتمع مع نوري السعيد رئيس وزراء العراق في 14 من أغسطس 1954 لإقناعه بالعدول عن ربط العراق بالأحلاف الاستعمارية ودعوته إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك مع مصر، كانت قوة من الجيش الصهيوني تتسلل عبر خط الهدنة وتتوغل نحو ثلاثة كيلو مترات داخل حدود قطاع غزة حتى وصلت إلى محطة المياه التي تزود سكان غزة بالماء، فقتلت الفني المشرف على المحطة وبثت الألغام في مبنى المحطة وآلات الضخ. 

ومع رفض الإدارة المصرية هذه التهديدات ومع استمرارها في الاتجاه الذي اختارته لنفسها، قامت قوات الصهاينة بتنفيذ مذبحة حقيقية في القطاع.
 
ففي الساعة الثامنة والنصف من مساء 28 فبراير عام 1955 اجتازت عدة فصائل من القوات الصهيونية خط الهدنة، وتقدمت داخل قطاع غزة إلى مسافة تزيد عن ثلاثة كيلو مترات، ثم بدأ كل فصيل من هذه القوات يُنفذ المهمة الموكولة إليه. فاتجه فصيل لمداهمة محطة المياه ونسفها، ثم توجَّه إلى بيت مدير محطة سكة حديد غزة، واستعد فصيل آخر لمهاجـمة المواقع المصرية بالرشاشـات ومـدافع الهاون والقنابل اليدوية، ورابط فصيل ثالث في الطريق لبث الألغام فيه ومنع وصول النجدة. ونجح المخطط إلى حدٍّ كبير. 

وانفجرت محطة المياه، ورافق ذلك الانفجار انهمار الرصاص الصهيوني على معسكر الجيش المصري القريب من المحطة. وطلب قائد المعسكر النجدة من أقرب موقع عسكري فأسرعت السيارات الناقلة للجنود لتلبية النداء لكنها وقعت في الكمين الذي أعده الصهاينة في الطريق وارتفع إجمالي عدد ضحايا هذه المذبحة 39 شهيداً و33 جريحاً. 

مذبحة غزة الثانية (4 و5 أبريل1956) :

قصفت مدافع الجيش الإسرائيلي مدينة غزة، حيث استشهد 56 عربياً وجُرح 103 آخرون.
 
مذبحة خان يونس الأولى (30 مايو 1955) والثانية (1 سبتمبر 1955) :

وقعت بهذه المدينة مذبحتان في عام واحد، حيث شن الصهاينة عليها غارتين وقعت أولاهما في فجر يوم 30 من شهر مايو، وثانيتهما في الثانية من بعد منتصف ليلة الفاتح من سبتمبر في عام 1955. وراح ضحية العدوان الأول عشرون شهيداً وجرح عشرون آخرون. أما العدوان الثاني فشاركت فيه توليفة من الأسلحة شملت سلاح المدفعية والدبابات والمجنزرات المصفحة ووحدات مشاة وهندسة. وكانت حصيلة هذه المذبحة الثانية استشهاد ستة وأربعين فلسطينياً وجرح خمسين آخرين. 

مذبحة الرهوة (11ـ12 سبتمبر 1956) :

قامت قوات الاحتلال الصهيوني في اليومين بمهاجمة مركز شرطة ومدرسة في قرية الرهوة حيث تم قتل خمسة عشر شهيداً فلسطينياً ونُسفت المدرسة. 

مذبحة كفر قاسم (29 أكتوبر 1956 :

في 29 أكتوبر 1956 وعشية العدوان الثلاثي على مصر تولت قوة حرس حدود تابعة للجيش الصهوني تنفيذ حظر التجول على المنطقة التي تقع بها قرية كفر قاسم في المثلث على الحدود مع الأردن. وقد تلقَّى قائد القوة، ويُدعى الرائد شموئيل ملنيكي، الأوامر بتقديم موعد حظر التجول في المنطقة إلى الساعة الخامسة مساءً وهو الأمر الذي كان يستحيل أن يعلم به مواطنو القرية، وبخاصة أولئك الذين يعملون خارجها، وهو ما نبه إليه مختار القرية قائد القوة الصهونية. كما تلقَّى ملنيكي توجيهات واضحة من العقيد شدمي بقتل العائدين إلى القرية دون علم بتقديم ساعة حظر التجول. "من الأفضل أن يكون هناك قتلى.. لا نريد اعتقالات.. دعنا من العواطف..".
 
وكان أول الضحايا أربعة عمال حيوا الجنود الصهاينة بكلمة "شالوم" فردوا إليهم التحية بحصد ثلاثة منهم بينما نجا الفلسطيني الرابع حين توهموا أنه لقى مصرعه هو الآخر. كما قتلوا 12 امرأة كن عائدات من جمع الزيتون وذلك بعد أن استشار الملازمجبرائيل دهان القيادة باللاسلكي. وعلى مدى ساعة ونصف سقط 49 شهيداً فلسطينياً و13 جريحاً هم ضحايا مذبحة كفر قاسم. ويُلاحَظ أن الجنود الصهاينة سلبوا الضحايا نقودهم وساعات اليد. 

وقد التزمت السلطات الصهيونية الصمت إزاء المذبحة لمدة أسبوعين كاملين إلى أن اضطرت إلى إصدار بيان من مكتب رئيس الوزراء عقب تسرُّب أنبائها إلى الصحف ووسائل الإعلام. وللتغطية على الجريمة أجرت محاكمة لثلاثة عشر متهماً على رأسهم العقيد شدمي. وأسفرت المحاكمة عن تبرئة شدمي حيث شهد لصالحه موشي ديان وحاييم هيرتزوج، بينما عوقب ملنيكي بالسجن 17 عاماً وعوقب دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاماً في حين حُكم على خمسة آخرين بأحكام تصل إلى سبع سنوات. وحظيالباقون بالبراءة. 

وإذا كانت محاكمة المتهمين الصهاينة قد بدأت بعد عامين كاملين من المذبحة، فإنه قبل عام 1960 كانوا جميعاً خارج السجن يتمتعون بالحرية، حيث أصدر إسحق بن تسفي رئيس الدولة عفواً عنهم. والطريف أن الملازم دهان قد سارع بالرحيل إلى فرنسا معلناً سخطه على التمييز بين اليهود السفارد والإشكناز في الأحكام القضائية التي صدرت على مرتكبي مذبحة كفر قاسم. 

وتُعَد مذبحة كفر قاسم مثالاً على إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني تجاه الفلسطينيين وبتدبير وتواطؤ مختلف سلطاتها. كما يُعَد كل من بن جوريون رئيس الوزراء ووزير الدفاع وموشيه ديان رئيس أركان الجيش وشيمون بيريس نائب وزير الدفاع المسئولين الأساسيين عن المذبحة ورغم ذلك لم يحاكمهم القضاء الصهيوني. 
 
مذبحة خان يونس الثالثة (3 نوفمبر1956):

 وقعت المذبحة أثناء احتلال الجيش الصهيوني بلدة خان يونس حيث تم فتح النار على سكان البلد، ومخيم اللاجئين المجاور لها حيث كان عدد الشهداء المدنيين من القرية والمخيم معاً 275 شهيداً. 

مذبحة السموع (13 نوفمبر 1966):

شنت قوات المظليين الصهيونية هجوماً على قرية السموع في منطقة جبال الخليل. وقد خطط للعملية روفائيل إيتان واشترك في تنفيذها لواء دبابات ولواء مشاة تعززهما المدفعية وسلاح الجو الصهيوني. 

بعد قصف القرية التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية تسللت القوات الصهيونية إليها ونسفت 125 منزلاً وبناية بينها المدرسة والعيادة الطبية والمسجد، وذلك رغم المقاومة الباسلة التي أبداها سكان القرية والحامية الأردنية صغيرة العدد. 
وقد أدان مجلس الأمن الدولي بقرار رقم 288 في ديسمبر من نفس العام المذبحة الصهيونية، ورفض تذرُّع الكيان الصهيوني الواهي بانفجار لغمين في أكتوبر 1966 جنوبي الخليل كمبرر للعدوان. 

أدَّت المذبحة إلى استشهاد 18 وجرح 130 جميعهم من المدنيين بينهم نساء وأطفال وشيوخ. وتُعَد المذبحة نموذجاً للإرهابالمؤسسي المنظم الذي تمارسه الدولة الصيهونية. 

الإرهاب الصهيوني منذ عام 1967حتى الثمانينيات: 

كان من الطبيعي أن تنشط آلة الإرهاب الصهيوني مع عدوان 1967 وبعده، الذي أسفر عن ضم المزيد من الأراضي المحتلة (الضفة الغربية وغزة والقطاع الشرقي من القدس) وهي ذات تركيب سكاني فلسطيني خالص. 

ولتمهيد الطريق أمام الاستيطان الإحلالي في الضفة الغربية وقطاع غزة اختار المخطط الصهيوني بعناية نمط القتل الجماعي/ المذبحة بوصفه أكثر أنواع الإرهاب دموية وأوضحها فجاجة. ولذا فإن الأيام والأسابيع القليلة التي تلت دخول القوات الإسرائيلية إلى الضفة وغزة في 5 يونيو 1967 شهدت سلسلة من عمليات القتل الجماعي للمدنيين دون تمييز. كما لابد وأن يذكر مئات الأسرى والجرحى المصريين الذين تم قتلهم ودفنهم فى مقابر جماعية. وسجل مراقبو الأمم المتحدة وهيئة غوث اللاجئين التابعة لها في تقارير عديدة جانباً من هذا السلوك الإرهابي الفج الذي لم يَسلْم منه حتى اللاجئون الفلسطينيون الذين أخذوا في الفرار عَبْر معبر اللنبي/الملك حسين على نهر الأردن. وفيما بعد جرى اكتشـاف العـديد من القـبور الجماعية في قطاع غزة والضفة الغربية. 

واقترنت ممارسات القتل الجماعي/المذابح بإزالة قرى وأحياء بكاملها وطَرْد سكانها الفلسطينيين وتشريدهم بدعوى شق الطرق الأمنية للقوات الغازية. وعلى ذلك فإن المذبحة والطَرْد الجماعي وهَدْم الديار هو أول ما واجه به جيش الاحتلال الصهيوني الفلسطينيين في الضفة وغزة في إطار السعي لتحطيم معنويات شعب بأسره ودفعه لتقبُّل الهزيمة والإعداد لاقتلاعه من الوطن. 

وخلال السنوات العشرين الفاصلة بين يونيو 1967 والانتفاضة في 1987 طوَّرت سلطات الاحتلال آليات ممارسة إرهاب الدولة المنظم منتهكة كل بنود الاتفاقات الدولية الخارجية بمعاملة السكان المدنيين تحت الاحتلال. ولذا فإن المقارنة ظلت حاضرة وبقوة بين ممارسات الاحتلال الصهيوني والممارسات المنسوبة للاحتلال النازي الألماني. 

ويبرز بين هذه الآليات الإرهابية الاستخدام الواسع والمكثَّف لأساليب العقاب الجماعي من حظر للتجوال وفرض الحصار الأمني (الإغلاق) وهدم البيوت وغيرها. وعلى سبيل المثال فإن الفترة بين يونيو 1967 ويونيو 1980 شهدت قيام قوات الاحتلال بهدم 1259 بيتاً فلسطينياً. ولقد خص مدينة القدس العربية اهتمام خاص في سياسة هدم المنازل (525 بيتاً فلسطينياً خلال الفترةالمشار إليها)، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بمركزية القدس في المشروع الاستيطاني الإحلالي الصهيوني. 

وتاريخ الأراضي المحتلة عقب 1967 هو سجل يومي لشتى ممارسات الإرهاب التي تعتبر ثمرة تراث سلطة احتلال استيطاني، بدءاً من إطلاق النار على المتظاهرين وسقوط الشهداء والجرحى وضمنهم الأطفال والنساء، والاعتداء على السياسيين والمثقفين وترحيلهم خارج البـلاد. وفرض أوامر الإقامـة الجبرية والاعتقال والتعذيب بمختلف أنواعه. 

ولقد لجأت سلطة الاحتلال الصهيوني إلى قوانين الطوارئ البريطانية الصادرة عام 1945 وكذلك إلى قانون الأحكام العرفية المشدد (العسكرية) الذي فرضه الاستعمار البريطاني لقمع الثورة الفلسطينية (عام1936 . (ويجيز هذا القانون العسكري سيء السمعة الاعتقال التعسفي بكل أشكاله. وبعد نحو ثلاث سنوات من احتلال الضفة وغزة لجأ الصهاينة إلى إصدار الأمر العسكري رقم (378) الذي يمنح سلطات الاحتلال صلاحيات أوسع في ممارسة الاعتقالات، وأصبح أي مواطن فلسطيني معرَّضاً للاعتقال في أي مكان وأي وقت بدون أسباب وبدون إذن قضائي. كما بات مسكن أي فلسطيني بالضفة وغزة عرضة للتفتيش دون سبب ودون إذن مسبق. ومما يلفت النظر أن سلطات الاحتلال عادت وأدخلت 46 تعديلاً على هذا الأمر لسد الثغرة تلو الأخرى التي تتيح حماية ضحايا الاعتقال. وتذهب بعض التقديرات إلى أن واحداً من بين خمسة فلسطينيين قد تعرَّض للاعتقال أو السجن في الفترة الواقعة بين عامي 1967 ـ 1987. وهو الأمر الذي يعكس ضراوة الصراع بين سـلطة الاحتـلال الاستيطاني ومقاومة الفلسطينيين له. 

ويقترن الاعتقال بممارسة التعذيب على نطاق واسع في المعتقلات والسجون الصهيونية. ولما كانت منظمات حقوق الإنسان الدولية قد بدأت مع الثمانينيات تنتبه إلى أن تعذيب الفلسطينيين يشكل ركناً لا يتجزأ من سياسات الاحتلال الصهيوني، وضمنه نظامه القانوني العنصري التمييزي، فقد كلفت الحكومة الصهيونية في عام 1987 مائير شامجر رئيس المحكمة العليا بتعيين لجنة قضائية للتحقيق في ممارسات التعذيب التي يقوم بها جهاز الأمن الداخلي المسمى «شين بيت». وكان من الواضح أن قرار الحكومة الصهيونية يحصر نطاق التحقيق في جهاز واحد «الشين بيت»، متجاهلاً عن عمد الممارسات اليومية الواسعة لجنود جيش الاحتلال بصفة عامة. وجاءت أبلغ المفارقات دلالة في أن شامجر نفسه كان أحد الإرهابيين الذين طردتهم سلطات الانتداب البريطاني خارج فلسطين عام 1944 لتورطه في أنشطة إرهابية كما عمل فيما بعد مستشاراً قانونياً لوزارة الدفاع الصهيونية في غضون حوادث 1967. ومن جانبه فإن شامجر قام بتعيين الماجور جنرال إسحق هوفي بين أعضاء اللجنة الثلاثية المكلفة بالتحقيق. وهوفي هو الآخر كان من بين إرهابيي «البالماخ» وكان قائد وحدة بالجيش الصهيوني جرى تكليفها بأعمال انتقامية إرهابية في سيناء خلال حرب 1956 وفيما بعد تولَّى رئاسة جهاز الموساد بين عامي 1974 و1982. 
وبالطبع فإن اللجنة الصهيونية انتهت إلى محاولة إضفاء الشرعية على انتزاع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين تحت وطأةالتعذيب بدعوى "اعتبارات أمن إسرائيل". ونتائج لجنة التحقيق الإسرائيلي وتُدعَى «لجنة لاندو» تعترف ضمناً بأن التعذيب ركن أساسي في النظام القانوني العنصري الصهيوني، لكن فلسفة ممارسة التعذيب استناداً إلى آلاف الوقائع الواردة في تقاريرالمنظمات الدولية تتجاوز هدف انتزاع الاعترافات بالإكراه إلى غلبة إشاعة "أجواء الرعب" بين أبناء الشعب الفلسطيني بأسره. واستخدام التعذيب كأداة انتقامية ضد كل أشكال المقاومة وإثبات رموز الوجود الوطني. 

وعلى مستوى نشاط آلة الإرهاب الصهيوني ضد العرب في البلدان المجاورة، شهدت مرحلة ما بعد 1967 طفرة جديدة تتناسبمع ما استشـعرته النخبـة الصهيونيـة من تفوُّق عسـكري وبخاصة في مجال الجو. فاتسع حيز ممارستها جغرافياً، وانتقل تركيز نشاطها الإرهابي من الأردن إلى لبنان. فقد صعَّدت حجم اعتداءاتها على المحيط العربي المجاور لفلسطين، حتى لو بدا في حالة استسلام تام لواقع وجودها وسيطرتها. ولقد سقط مئات الضحايا من المدنيين العُزَّل نتيجة الاعتداءات الإرهابية الصهيونية.ويكفي التذكير بضحايا مدرسة بحر البقر للأطفال في دلتا النيل بمصر، وعمال مصانع أبي زعبل بجوار القاهرة وذلك خلال عام 1970، وضرب 15 قرية ومخيماً للاجئين على امتداد نهر الأردن بقنابل النابالم في فبراير 1968. أما لبنان فيصعب على المرء انتقاء حادث دون آخر من سلسلة حافلة من الأعمال الإرهابية بلغت ذروتها بغزو البلاد عام 1982، واستخدام الأسلحة المحرَّمة دولياً ضد مواطنيه ومواطني الشعب الفلسطيني، ومن بينها القنابل الانشطارية والأسلحة الكيماوية. 
وقبلها كان عام 1972 ذروة لنشاط الموساد في الاغتيال على الساحة اللبنانية حيث اغتيل الأديب الفلسطيني غسان كنفاني وابنة شقيقه في 8 يوليو 1972، وأصيب د. أنيس صايغ فضلاً عن د. باسل القبيسي الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت. كما اغتيل ثلاثة من كبار القيادات الفلسطينية في بيروت: محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال نصر. وهو نفس العام الذي شهد تركيزاً في أعمال الاغتيال الصهيوني خارج المنطقة حيث اغتيل وائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في روما ومحمود الهمشري ممثلها في باريس. 

ولقد شهدت مرحلة ما بعد 1967 كذلك مزيداً من جرائم الصهيونية ضد الطائرات المدنية وكان أشهرها نسف طائرة الركاب الليبية المدنية في الجو عام 1973 وقتل 106 شخص على متنها، وهو نفس العام الذي أُجبرت فيه طائرة لبنانية على الهبوط في مطار فلسطين المحتلة. 

والأمر الذي يحتاج إلى الالتفات هو ذلك الطابع التفاخري الإعلاني والفوري الذي يقترن بهذا النشاط، حيث تسعى إسرائيل لتأكيد بطشها وقدرتها على مجافاة المنطق وانتهاك الأخلاقيات والأعراف الدولية. ومن اللافت أيضاً ذلك الميل الاستعراضي الفج لهذه الأعمال الإرهابية الدولية وما تلقاه من اهتمام وإعجاب داخل التجمُّع الصهيوني بصفة عامة. 

ولا تزال العمليات الإرهابية الصهيونية يجرى الإعلان عنها رسمياً حتى الآن، وقد أصبحت نشاطاً ذا صفة كونية إذ وسَّع دائرة حركته إقليمياً (بغداد ـ تونس ـ عنتيبي.. إلخ). كما يوجد تعاون عسكري صهيوني أمريكي على مستوى النشاط الإرهابي المُعلن والنشاط الاستخباري بين الموساد والـ سي. آي. آيه. وقد أُعلن في الثمانينيات عن دور الصهاينة بالتعاون مع الولايات المتحدة في تدريب خبراء الإرهاب والقمع وتوفير معداته للأنظمة الدكتاتورية والعدوانية في أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص. 

الإرهاب الصهـيوني والانتفاضة:
 
مع اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني في ديسمبر 1987 أصبحت سلطات الاحتلال الصهيوني في مواجهة يومية مع حركة عصيان مدني تمتد جغرافياً بمسافة الضفة الغربية وقطاع غزة وتتخذ من الحجارة والعَلَم الفلسطيني رموزاً لمقاومة الاستعمارالاستيطاني الإحلالي الذي استهدف محو الوجود العربي الفلسطيني. وبحكم طبيعته الاستيطانية الإحلالية لجأ الاستعمار الصهيوني إلى المزيد من الإرهاب، فدخل حلقة مفرغة إذ جاء الرد على المزيد من الإرهاب بالمزيد من الانتفاضة. 
وبعد اندلاع الانتفاضة بأيام معدودة (في 22 ديسمبر 1987) أصدر القضاء العسكري حكماً على حسين أبو خاطر (29 عاماً ) من مخيم النعيرات بالسجن لمدة عام بتمهة الاشتراك في مظاهرة (وكانت أقصى عقوبة من قبل شهرين فقط). ولكن المظاهرات تحولت إلى سلوك يومي لمئات الآلاف من الفلسطينيين. 

ولقد لجأت سلطات الاحتلال إلى تكثيف آليات العقاب الجماعي من حظر تجوُّل وحصار أمني للبيوت فضلاً عن التوسع في الاعتقالات وأحكام السجن والتعذيب والطَرْد والإبعاد. لكن الجهود الصهيونية لتطوير آلة الإرهاب اتجهت أساساً إلى كيفية قمع حركة الاحتجاج اليومي الجماهيري في شوارع المدن والقرى ومخيمات اللاجئين. ومن هنا يمكن أن نلحظ مأزق فشل معالجة الإرهاب بالمزيد من الإرهاب عندما تلجأ سلطات الاحتلال للرصاص الحي والرصاص البلاستيكي والرصاص المطاطي. وقد بدأت في أغسطس عام 1988 في استخدام ذخيرة جديدة تمزج بين المطاط (الغلاف الخارجي للطلقة) والمعدن وهو ما أسفر عن استشهاد 47 فلسطينياً في الخمسة شهورالأولى من استخدام هذه الذخيرة. وفي العام نفسه (1988) لجأت السلطات الإسرائيلية إلى طائرات الهليكوبتر بتوسُّع لمطاردة المتظاهرين وإطلاق النار عليهم. 

ثم توسع جيش الاحتلال في استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع على نحو غير مسبوق وهو ما أسفر عن حالات اختناق بين النساء والصبية والأطفال على نحو خاص. ثم استخدمت سلطات الاحتلال قنابل غازية تدخل في نطاق أدوات الحرب الكيماوية تحتوي على مكونات كيماوية تفضي إلى الاختناق والموت. وخلال عام 1988 بدأت في استخدام هذه القنابل (الأمريكية الصنع) في بلدة حلحول واستشهد خمسة فلسطينيين من جرائها في قباطية خلال العام نفسه. 

ولكن تكنولوجيا الإرهاب المدعومة أمريكياً أخفقت في قمع الانتفاضة وصبية الحجارة، فحاول إسحق رابين (وزير الدفاع) أن يعيد استخدام بربرية القمع البدائي فأصدر أوامره لقواته "بتكسير عظام الفلسطينيين" وكأنه كان يبحث عن لغة يفهمها من لا يعبأون بآخر منجزات تكنولوجيا قمع المتظاهرين. ولمعاونة الجنود الإسرائيليين في مهمة القمع البدائي البربري تم إنتاج هراوة من ألياف زجاجية ومعدنية لتحل محل الهراوات الخشبية. 

وقد حاول الإسرائيليون اكتشاف سر الحجارة فقامت ورش الجيش بتطوير مقلاع لقذف الأحجار لاستخدامه ضد المظاهراتالفلسطينية، وبدأ أولى تجاربه في مخيم بلاطة قرب نابلس. 

وقد تعمقت أزمة الإرهاب الصهيوني، فالمواجهات اليومية مكشوفة أمام أعين العالم. فوجهت آلة الإرهاب جانباً من نشاطها ضد رجال الإعلام وضمن ذلك وسائل الإعلام الأمريكية والغربية الحليفة للمشروع الاستيطاني. وتلقى العديد من الصحفيين والمصورين الضرب على أيدي جنود جيش يزعم قادته أنهم يمثلون الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة. وقد تبيَّن أن الجيش الصهيوني قد استورد تكتيكات عصابات الموت في أمريكا اللاتينية، إذ قام جنوده (من فرقة المستعربين) والمتخفون في ملابس عربية بقتل الفلسطينيين. 

وقد قامت الدولة الصهيونية برفع عدد جنود جيشها في الضفة وغزة بما يزيد عن خمس مرات مقارنةً بالفترة السابقة علىالانتفاضة. وبالمقابل فإن ظاهرة محاكمة الجنود والضباط الذين يرفضون أو يتهربون من الخدمة هناك قد طرحت نفسها بقوة على التجمُّع الصهيوني.
 
وقد أصدرت (وزارة الدفاع الصهيونية) أوامر ترخص للمستوطنين إطلاق النار فوراً على من يُشتبه في شروعه في إلقاء الزجاجات الحارقة، وشاع أن إطلاق النار يجرب حتى إزاء من يحمل زجاجات مياه غازية. ويمكن القول بأن المستوطنين المسلحين تحولوا إلى احتياطي لجيش الاحتلال يعاونه في تنفيذ سياسته الإرهابية ويقوم بأعمال البلطجة الفجة التي لا تلائم الزي العسكري الرسمي الذي تطارده عدسات الإعلام العالمي. ولذا فإن الشكل التنظيمي لإرهاب المستوطنين الصهاينة انتقل من الجماعة شبه السرية التي تخطط لعمليات مدروسة من اغتيالات ونسف لأهداف مختارة بعناية إلى عصابات يَغلب على حركتهاالمظهر التلقائي. وتندفع هذه العصابات في موجات عنف عشوائي المظهر لتحرق السيارات والمتاجر الفلسطينية في الشوارع وتختطف الأطفال الفلسطينيين وتعتدي عليهم بالضرب المفضي إلى الموت أحياناً.
 
وتقدر حصيلة الإرهاب الصهيوني أثناء الانتفاضة (من 1987 ـ 1991) بحوالي ألف شهيد ونحو 90 ألف جريح ومصاب و15 ألف معتقل فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية. 

ولقد ظلت السياسة الأمريكية تمارس دور الراعي والحامي للإرهاب الصهيوني رغم ذلك. ويعكس اتجاه تصويت الولايات المتحدة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الإصرار على الوقوف إلى جانب الكيان الصهيوني. وإن كان صمود الانتفاضة في وجه الإرهاب قد عمَّق انقساماً بين الإدارة الأمريكية وبين قطاعات من الرأي العام الأمريكي. 

ولكن يتعين تأكيد أن أبرز نتائج سنوات الانتفاضة هي تعميق أزمة الإرهاب الصهيوني بسبب فشله في تحقيق أهدافه الإستراتيجية، إذ جاء الرد بليغاً من أبناء الشعب الفلسطيني الذين وُلدوا بعد الاحتلال (1967) 

المذابح الصهيونية بعد عام 1967: 

من أهم المذابح التي ارتكبتها الكيان الصهيوني بعد عام 1967: 

مذبحة مصنع أبي زعبل (12 فبراير 1970):

بينما كانت حرب الاستنزاف بين مصر و الكيان الصهيوني محصـورة في حدود المواقع العسـكرية في جبهة القتال وحسب، أغارت الطائرات الصهيونية القاذفة على مصنع أبي زعبل، وهو مصنع تملكه الشركة الأهلية للصناعات المعدنية وذلك صبيحة يوم 12 من فبراير عام 1970، حيث كان المصنع يعمل بطاقة 1300 عامل صباحاً. وقد أسفرت هذه الغارة عن استشهاد سبعين عاملاً وإصابة 69 آخرين، إضافة إلى حرق المصنع.
 
مذبحة بحر البقر (8 أبريل 1970):

وقعت هذه المذبحة أيضاً بتأثير وجع حرب الاستنزاف من قلب الكيان الصهيوني حيث قامت الطائرات الصهيونية القاذفة فيالثامن من أبريل عام 1970 بالهجوم على مدرسة صغيرة لأطفال الفلاحين في قرية بحر البقر، إحدى القرى التي تقع على أطراف محافظة الشرقية، ودكتها بالقذائف لمدة زادت عن عشر دقائق متواصلة وراح ضحيتها من الأطفال الأبرياء تسعة عشر طفلاً وجُرح أكثر من ستين آخرين. وجدير بالذكر أن القرية كانت خاوية من أية أهداف عسكرية. 

مذبحة صيدا (16 يونيه 1982):

وقعت إبان العدوان الصهيوني على لبنان حين أجرت قوات الاحتلال الصهيوني في لبنان عملية قتل جماعي لما لا يقل عن 80 مدنياً ممن كانوا مختبئين في بعض ملاجئ المدينة. 

مذبحة صبرا وشاتيلا (16 ـ 18 سبتمبر 1982):

 وقعت هذه المذبحة بمخيم صبرا وشاتيلا الفلسطيني بعد دخول القوات الصهيونية الغازية إلى العاصمة اللبنانية بيروت وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها. وكان دخول القوات الصهيونية إلى بيروت في حد ذاته بمنزلة انتهاك للاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية والذي خرجت بمقتضاه المقاومة الفلسطينية من المدينة.
 
وقد هيأت القوات الصهيونية الأجواء بعناية لارتكاب مذبحة مروعة نفَّذها مقاتلو الكتائب اللبنانية اليمينية انتقاماً من الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين. وقامت المدفعية والطائرات الصهيونية بقصف صابرا وشاتيلا ـ رغم خلو المخيم من السلاح والمسلحين ـ وأحكمت حصار مداخل المخيم الذي كان خالياً من الأسلحة تماماً ولا يشغله سوى اللاجئين الفلسطينيين والمدنيين اللبنانيين العزل. وأدخلت هذه القوات مقاتلي الكتائب المتعطشين لسفك الدماء بعد اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل. واستمر تنفيذ المذبحة على مدى أكثر من يوم كامل تحت سمع وبصر القادة والجنود الصهاينة وكانت القوات الصهيونية التي تحيط بالمخيم تعمل على توفير إمدادات الذخيرة والغذاء لمقاتلي الكتائب الذين نفَّذوا المذبحة. 

و راح ضحية مذبحة صابرا وشاتيلا 1500 شهيداً من الفلسطينيين واللبنانيين العزل بينهم الأطفال والنساء. كما تركت قوات الكتائب وراءها مئات من أشباه الأحياء. كما تعرَّضت بعض النساء للاغتصاب المتكرر. وتمت المذبحة في غيبة السلاح والمقاتلين عن المخيم وفي ظل الالتزامات الأمريكية المشددة بحماية الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين من المدنيين العزل بعد خروج المقاومة من لبنان. 

مذبحة عين الحلوة (16 مايو 1984):

عشية الانسحاب الصهيوني المنتظر من مدينة صيدا في جنوب لبنان، أوعز قادة الكيان الصهيوني إلى أحد عملائها ويُدعى حسين عكر بالتسلل إلى داخل مخيم عين الحلوة الفلسطيني المجاور لصيدا، واندفعت قوات الجيش الصهيوني وراءه بقوة 1500 جندي و150 آلية. وراح المهاجمون ينشرون الخراب والقتل في المخيم دون تمييز تحت الأضواء التي وفرتها القنابل المضيئة في سماء المخيم. واستمر القتل والتدمير من منتصف الليل حتى اليوم التالي حيث تصدت القوات الصهيونية لمظاهرة احتجاج نظمها أهالي المخيم في الصباح. كما فرضوا حصاراً على المخيم ومنعوا الدخول إليه أو الخروج منه حتى بالنسبة لسيارات الإسعاف وذلك إلى ساعة متأخرة من نهار ذلك اليوم. 

وأسفرت المذبحة عن سقوط 15 فلسطينياً بين شهيد وجريح بينهم شباب وكهول وأطفال ونساء فضلاً عن تدمير 140 منزلاً واعتقال 150 بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
 
مذبحة سحمر (20 سبتمبر 1984):

داهمت قوات الجيش الصهيوني وعميلها أنطون لحد (جيش لبنان الجنوبي) قرية سحمر الواقعة بجنوب لبنان. وقامت القوات بتجميع سكان القرية في الساحة الرئيسية لاستجوابهم بشأن مصرع أربعة من عناصر العميل لحد على أيدي المقاومة الوطنيةاللبنانية بالقرب من القرية. وأطلق الجنود الصهاينة وأتباع "لحد" النار من رشاشاتهم على سكان القرية العزل وفق أوامر الضابط الصهيوني ولحد شخصياً. فسقط من ساحة القرية على الفور 13 شهيداً وأربعون جريحاً. 

مذبحة حمام الشط (11 أكتوبر 1985):

بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بنحو ثلاثة سنوات تعقبت الطائرات الصهيونية مكاتبها وقيادتها التي انتقلت إلى تونس. وشنت هذه الطائرات في 11 أكتوبر 1985 غارة على ضاحية حمام الشط جنوبي العاصمة التونسية، وأسفرت عن سقوط50 شهيداً ومائة جريح حيث انهمرت القنابل والصواريخ على هذه الضاحية المكتظة بالسكان المدنيين التي اختلطت فيها العائلات الفلسطينية بالعائلات التونسية. 

مذبحة الحرم الإبراهيمي (25 فبراير 1994 ـ الجمعة الأخيرة في رمضان): 

سمحت القوات الإسرائيلية التي تقوم على حراسة الحرم الإبراهيمي فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الموافق 25 فبراير عام 1994 بدخول المستوطن الصهيوني المعروف بتطرفه باروخ جولدشتاين إلى الحرم الشريف وهو يحمل بندقيته الآلية وعدداً من خزائن الذخيرة المجهزة. وعلى الفور شرع جولدشتاين في حصد المصلين داخل المسجد. وأسفرت المذبحة عن استشهاد 60 فلسطينياً فضلاً عن إصابة عشرات آخرين بجراح، وذلك قبل أن يتمكن من تبقَّى على قيد الحياة من السيطرة عليه وقتله. 

ولقد تردد أن أكثر من مسلح الصهيوني شارك في المذبحة إلا أن الرواية التي سادت تذهب إلى انفراد جولدشتاين بإطلاق النار داخل الحرم الإبراهيمي. ومع ذلك فإن تعامل الجنود الصهاينة والمستوطنين المسلحين مع ردود الفعل التلقائية الفورية إزاء المذبحة التي تمثلت في المظاهرات الفلسطينية اتسمت باستخدام الرصاص الحي بشكل مكثَّف، وفي غضون أقل من 24 ساعة على المذبحة سقط 53 شهيداً فلسطينياً أيضاً في مناطق متفرقة ومنها الخليل نفسها. 

مذبحة قانا (18 أبريل 1996 (:

تعد مذبحة قانا جزء من عملية صهيونية قذرة، كبيرة سُميَّت «عملية عناقيد الغضب» بدأت في يوم 11 من الشهر نفسه واستمرت حتى 27 منه حين تم وقف إطلاق النار. ويُعَد هذا العدوان الإرهابي الرابع من نوعه للجيش الصهيوني تجاه لبنان بعد اجتياح 1978 وغزو 1982، واجتياح 1993، واستهدفت 159 بلدة وقرية في الجنوب والبقاع الغربي. 

ولا يمكن تجاهل اقتراب موعد الانتخابات الصهيونية ورغبة رئيس الوزراء (شيمون بيريز) آنذاك في استعراض سطوتهوجبروته أمام الناخب الصهيوني حتى يواجه الانتقادات التي وجهها له المتشددون داخل الكيان الصهيوني بعد الخطوات التي قطعها في سبيل تحقيق قدر يسير من التفاهم مع المفاوض العربي. 
وأسفرت هذه العملية الإرهابية عن مقتل 250 لبنانياً منهم 110 لبنانيين في قانا وحدها، بالإضافة للعسكريين اللبنانيين والسوريين وعدد من شهداء حزب الله. كما بلغ عدد الجرحى الإجمالي 368 جريحاً، بينهم 359 مدنياً، وتيتَّم في هذه المجزرة أكثر من 60 طفلاً قاصراً. 

الإرهاب الصهيوني بعد أوسلو : 

لم يتضمن إعلان المبادئ بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية (واشنطن 13 سبتمبر 1993) والمعروف باتفاقات أوسلو نصوصاً محددة تنطوي على تعهد صهيوني أساسي وصريح وشامل بالتخلي عن ممارسة الإرهاب. ومع هذا كان من المتصور أن توقيع اتفاقية أوسلو سيخلق واقعاً جديداً في العلاقة بين الشعب الفلسطيني وحكومة المستوطنين الصهاينة لاعتبارات عدة يمكن أن نوجزها فيما يلي: 
1 ـ تراجُع الاحتكاك بين الفلسطينيين والقوة العسكرية الصهيونية بسبب تقلص سلطات الاحتلال فوق مناطق تركز الكثافةالسكانية للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
 
2 ـ كان المفروض أن السوق الشرق أوسطية والمؤتمرات الاقتصادية المختلفة ستؤدي إلى ظهور علاقات اقتصادية قوية بينالدول العربية (وضمن ذلك السلطة الفلسطينية) وهي علاقات تتجاوز الخلافات العقائدية والحضارية السابقة.
 
3 ـ كان المفروض أن تقوم السلطة الفلسطينية بمكافحة "الإرهاب" ( المقاومة ) والقضاء على أية مقاومة للاحتلال الصهيوني، الأمر الذي يعفي سلطات الاحتلال الصهيوني من هذه المهام. وكل هذه العناصر إن هي إلا تعبير عن صهيونية عصر ما بعد الحداثة والنظام العالمي الجديد ونهاية التاريخ، فهي تفضل اللجوء إلى التفكيك من خلال آليات غير مباشرة بدلاً من المواجهة القتالية المباشرة (على أن يقوم بهذا الدور أفراد "متطرفون" يمكن التحلل من جرائمهم). وقد لوحظ أنه مع مذبحة الخليل تم استنفار الجماهير العربية واستعادة الروح الجهادية والذاكرة التاريخية وهو ما يتنافى ومرامي النظام الاستعماري الجديد. 

وفي هذا السياق يؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيري أن البنية الاستيطانية الإحلالية العنصرية للكيان الصهيوني، بما تحتويه منإرهاب حتمي، تجعل توقُّع تلاشي الإرهاب الصهيوني أو حتى احتواؤه دون فك هذه البنية أو التخلص منها أمراً شبه مستحيل. 
وعلى أية حال صيغت الاتفاقات المتلاحقة بين الكيان الصهيوني والقيادة الفلسطينية على نحو يجعل لهواجس الأمن الإسرائيلي أولوية شبه مطلقة. فنصوص أوسلو وما تلاها قد انطوت على تزييف واضح للأدوار التي لعبها الفلسطينيون والصهاينة إذ أصبح الفلسطينيون هم الطرف الذي تطارده لعنة الاتهام بممارسة الإرهاب وباتت أعمال المقاومة الوطنيــة لسـلطات الاحتـلال تشـكل "إرهاباً" وموضع إدانة ومطعـوناً في مشروعيتها بمقتضى النصوص التعاقدية بين الجانبين. 

والجدير بالذكر أن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك منظمة العفو كانت قد التفتت مبكراً وفور اتفاقات أوسلو إلى خلو النصوص من الضمانات الأساسية اللازمة لحقوق الفلسطينيين. وجاءت ممارسات الصهاينة على الأرض خلال الفترةالانتقالية (الحكم الذاتي) لتعزيز الاعتقاد بأن الدولة التي لم تعلن تخليها عن عقيدتها الصهيونية العنصرية لم تتجه إلى التفريط في آليات العنف الإرهابي الذي طالما ظلت ولا تزال تعتمده مكوناً أساسياً في تعاملها مع الآخر(الفلسطيني والعربي). 

ولقد شهدت الشهور القليلة التي تلت اتفاق أوسلو استمرار السلطات الصهيونية في أعمال قتل وإصابة الفلسطينيين فوق أراضيهم المحتلة فضلاً عن اعتماد الاعتقال والسجن والتعذيب سياسة مستقرة في التعامل مع الشعب الفلسطيني.
 
وإذا كانت عمليات الإفراج عن أعداد من المعتقلين الفلسطينيين قد اجتذبت جهود المفاوضين واهتمام وسائل الإعلام، فإن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية اللاحقة على أوسلو تسجل مواصلة حملات الاعتقال الجماعي (ويقول تقرير لمنظمة العفو الدولية ـ استناداً إلى إحصاءات رسمية ـ إن ما يزيد عن 6 آلاف فلسطيني اعتقلتهم سلطات الاحتلال بعد سبتمبر 1993 وحتى نهاية عام 1994).
 
وأبقت الحكومات الصهيونية المتعاقبة بقيادة العمل أو الليكود على نفس القوانين العسكرية العنصرية(التمييزية) ضد الفلسطينيين لتلاحقهم بها أينما ظلت سلطاتها فاعلة في الضفة وغزة والقدس. بل استمر اتجاه السياسات الإرهابية الصهيونية نحو المزيد من التشدد حيث اتخذت قرارها في 5 فبراير 1995 بتمديد فترة الاعتقال الإداري في حدها الأقصى من 6 شهور إلى عام كامل قابل للتجديد. 

ولا يخلو تقرير لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بعد أوسلو من رصد إدانة لاتخاذ الصهاينة التعذيب سياسة معتمدة رسمية ضدالفلسطينيين. وفي عام 1997 دعا بيان لجنة الأمم المتحدة سلطات الاحتلال الصهيوني مجدداً إلى التوقف الفوري عن ممارسة التعذيب. ويلفت النظر أن حكومة رابين التي كانت تلبس ثياب الإيمان بالسلام حاولت إصدار تشريعات خلال عام 1995 لإضفاء المشروعية على ممارسة التعذيب ولكنها اضطرت للتراجع تحت ضغط دولي. إلا أن تجذر الإرهاب العنصري داخل المؤسساتالصهيونية دفع المحكمة العليا في نوفمبر 1996 للإقرار للمحققين الصهاينة باستخدام ما وصفه بدرجة محددة من الإجبار والضغط البدنيين للحصول على معلومات من الفلسطينيين وذلك تحت دعوى "أمن إسرائيل" والحق في مكافحة ما وصفته "بالإرهابالفلسطيني الأصولي". 

وكما أسلفنا، كان من المتصور أن تنحسر ممارسات إطلاق النار والاعتقال والسجن والتعذيب وهدم المنازل مع تقلُّص سلطات الاحتلال فوق الضفة والقطاع ومع تقدُّم عملية الحكم الذاتي الفلسطيني، إلا أن آليات العقاب الجماعي شهدت تطوراً في اتجاه ترسيخ أسلوب الحصار والتجويع عن طريق ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" سواء لكل أنحاء الضفة والقطاع أو لمناطق محددة منهما.

وتؤكد خبرة السنوات الماضية منذ توقيع اتفاق أوسلو وبدء إعادة الانتشار الصهيوني أن الحكومات بقيادة حزبي العمل أو الليكود تنتهج فرض الحصار والتجويع عقب أية عملية تستهدف الصهاينة أو لأغراض الضغط على المفاوض الفلسطيني. ولا يمكن فهم ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" بمعزل عن الطبيعة الاستعمارية الصهيونية التي تسعى لتحويل مناطق الحكم الذاتي إلى "معازل" على غرار تجربة جنوب أفريقيا العنصرية في السابق. 

كما تقترن سياسة الحصار والتجويع هذه عادةً بتهديدات إرهابية من كبار المسؤولين الصهاينة بإعادة اقتحام مناطق الحكم الذاتي لشن"عمليات تأديب" داخلها. وبحجة الأمن الصهيوني أيضاً يمتد نشاط إرهاب الكيان إلى الدول العربية وذلك في ظل الترويج لمشروع التعاون الشرق أوسطي. وتظل الاعتبارات المتحكمة في المشروع الصهيوني هي السائدة في مواجهة مقاومة الاحتلال. وتجسد حالة لبنان سطوة هذه الاعتبارات الصهيونية إذ لم يتورع شيمون بيريز "مهندس" الشرق أوسطية عن شن عدوان إرهابي وحشي على لبنان في مارس وأبريل 1996وارتكاب مذبحة "قانا". 

ولعل أكثر الإشكاليات المطروحة بشأن الإرهاب الصهيوني بعد أوسلو هي: العلاقة بين الدولة والمستوطنين. ويوحي اغتيال إسحق رابين رئيس الوزراء السابق على يد مستوطن يهودي ـ في سابقة تُعَد الأولى في تاريخ التجمُّع الصهيوني ـ بأن إرهاب المستوطنين يأخذ طابعاً مستقلاً عن الدولة إن لم نقل متحدياً لهيبتها وسياساتها. وربما يعزز ذلك الإيحاء عودة المستوطنين إلى اتخاذ المبادرة في أعمال إرهابية مدوية من قبيل مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل وإطلاق النار على سوق المدينة نفسها قبيل أيام من التوصل إلى اتفاق إعادة الانتشار بها. 

وتتجه أنشطة المستوطنين الإرهابية إلى التبلور مرة أخرى في أشكال تنظيمية بعد فترة سابقة من الكمون ورغم قرار الحكومة الإسرائيلية حظر جماعتي كاخ وكاهاناحي، فإن اسمي هاتين الجماعتين وقيادتيهما يعود إلى الظهور في أعمال إرهابية متفرقة ضد الفلسطينيين. 

ولعل أوضح الأشكال التنظيمية حضوراً بعد اتفاق أوسلو هو ما يُسمَّى "بلجنة الأمن على الطرق" والتي تعود أصلاً إلى عام 1988. ولكنها لم تظهر بقوة سوى بعد سبتمبر 1993. ويبدو دور هذا التنظيم الاستيطاني ـ الذي يتكون من مجموعات شبه مستقلة عن بعضها ـ متمماً لصيغة الطرق الالتفافية وآلية "الحصار الجماعي". 

ومن الواضح أن مجموعات الأمن على الطرق تحاول بث أقصى درجات الفزع بين الفلسطينيين لإجبارهم على التزام حالة من الوجود الهامشي حيث يتعين عليهم تحت تأثير الفزع التحرك في هامش بالغ الضيق داخل مناطق الحكم الذاتي وحولها. وتعتبر هذه المجموعات أن غايتها هي تكثيف شعور الفلسطينيين بانعدام الأمن والسلامة خارج مناطق أو معازل الحكم الذاتي وتأكيد انفصال هذه (المناطق/المعازل) عن بعضها البعض. 

وتتغاضى الحكومات الصهيونية بقيادة حزبي العمل والليكود عن النشاط الإرهابي لمجموعات الأمن على الطرق. ويدلي قادة هذه المجموعات بتصريحات متكررة عن أنشطتهم الإرهابية لوسائل الإعلام الصهيونية دون أن يتلقوا إشارة ردع من السلطات. بل إن هذه التصريحات تحمل الطابع التفاخري الذي بات شهيراً في تاريخ الإرهاب الصهيوني. 

وإذ كان هناك تصور يقضي بأن المستوطنين يمارسون ضغوطاً على الحكومة الصهيونية لقطع الطريق على احتمال إخلاء المستوطنات وأن هذه الضغوط وصلت إلى حد التهديد بالعصيان ضد الحكومة نفسها، فإن علاقة إرهاب المستوطنين بالدولة تظل تميل إلى كونها أقرب إلى علاقات التعاون والتكامل في إطار ثوابت المشروع الصيهوني. 
وبعد مرور سنوات على اتفاق أوسلو المشؤوم فإن الدولة الصهيونية تُبقي على قوانينها التمييزية العنصرية لصالح مشروعية إرهاب المستوطنين الموجه إلى الفلسطينيين.

كما أن الحكومات الصهيونية بقيادة حزبي الليكود أو العمل لم تقترب مطلقاً من محاولة التفكير في المساس بصورة المستوطن اليهودي المسلح. ورغم مذبحة الخليل فإن السلطات الصهيونية لم تسع مطلقاً لنزع سلاح المستوطنين، بل يحق التساؤل عن وجود تخطيط مسبق في قرار اتخذته الحكومة الصهيونية قبل أسابيع معدودة من اتفاق أوسلو يقضي بتحديث تسليح المستوطنين والسماح بحرية حركة مطلقة في تجولهم بأسلحتهم بالضفة وغزة (القرار صدر في مارس 1993). 

ويؤكد المفكر الباحث الصهيوني إسرائيل شاهالو أن ثمة علاقة وثيقة بين الدولة والجيش والمستوطنين في القضايا الأمنية بعد اتفاق أوسلو. كما يرصد التحول في خصائص المستوطن اليهودي من أجل الكيبوتس بوصفه "مزارعاً أو عاملاً مسلحاً" إلى رجل المستوطنات الأمنية والدينية بوصفه "موظفاً ومجنداً لدى جهاز الدولة".فأعتى المستوطنين اليهود تطرفاً هم بالأساس يعملون كموظفين مدنيين أو عســكريين يعيـشون على أمـوال ودعـم الحكومة الصهيونية. وتقدَّر مع حلول النصف الثاني من التسعينيات نسبــة الموظفين التابعين لأنشطة الدولة بين المستوطنين بأكثر من الثلثين. 

والحكومة الصهيونية تبدو بعد أوسلو رهينة لميول المستوطنين المتطرفة والإرهابية ولذا فإنها لم تبد بعد أي استعداد لتخفف بجدية من بعض مهامها القمعية والإرهابية الرسمية ضد الفلسطينيين في ظل التفاوض مع قيادتهم. 

ومن الواضح أن عمليات الإرهاب المؤسسية، أي التي تقوم بها أجهزة الدولة الصهيونية، لا تزال نشيطة لأقصى درجة، الأمر الذي يتضح في اغتيال الشهيد "المهندس" يحيى عياش، وفي محاولة اغتيال خالد مشعل، من خلال استخدام سلاح لا تزال هويته غير معروفة،وإن كان يبدو أنه من الأسلحة الميكروبية التي تحظر هيئة الأمم استخدامها. 

وما تلاها من اغتيالات طالت قادة الصف الأول في حركة المقاومة الوطنية والإسلامية.
ويظل مستقبل الإرهاب الصهيوني (دولة ومستوطنين) رهناً بانتزاع الطبيعة الصهيونية، أي الاستيطانية الإحلالية العنصرية، وبتخلي الحكومات الصهيونية عن شعار "الأمن اليهودي أولاً" وهو أمر لم تتضح بعد شواهد جدية عليه رغم انتهاء المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي. 

وفي ضوء خبرة ما بعد أوسلو يمكن القول بأن حدود وأشكال الإرهاب الصهيوني قد انحسرت جزئياً على رقعة الجغرافيا وذلك بحكم تسلُّم الحكم الذاتي لسلطاته في أكثر من بقعة بالضفة والقطاع، ولكن يبقى صحيحاً أن الدوافع التاريخية المزمنة لهذا الإرهاب لم تنتف بعد.

ويجب أيضاً أن نرى التشـدُّد باعتباره تعـبيراً عن أزمة حقيقية وعميقة، فالصهاينة ـ كما أسلفنا ـ على استعداد لإظهار قدر كبير من التسامح حيال العربي إذا قبل هذا بالتطبيع وبأن يكون قطعة غيار يمكنه استخدامها وتوظيفها. حينئذ يمكن أن يُمنَح العربي كثيراً من الحقوق المدنية وبعض الحقوق السـياسية ويمكنـه أن يلعب ما شـاء من الطاولة أو حتى تنس الطاولة، أي أن يمارس هواياته إذا كان بلا هوية. 

إن غاب العربي، وإن قنع وخنع ولم يتحد الشرعية الصهيونية، فبوسع الصهيوني أن يتخذ موقفاً معتدلاً تجاه دجاج عربي مستأنس تم تطبيعه، أما إن تحوَّل العربي إلى صقر ذي هوية يهاجم دفاعاًَ عنها فإن الاعتدال يختفي ويتخلى العدو عن ديموقراطيته الغريبة المزعومة، ويضرب بيد من حديد. وما عدوانه الوحشي النازي على قطاع غزة في شهر يناير الماضي إلا دليلاً قاطعا على صحة قولنا. 


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى