الأحد ١ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم أوس داوود يعقوب

أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس

حملت مدينة القدس عبر تطورها التاريخي، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، عدة أسماء، منها أورشـليم، وتعني مدينة السلام، يبوس نسبة إلى سكانها اليبوسيين الأوائل، المدينة، إيليا كابيتولينا، إيليا، بيت المقدس، القدس الشريف، دار السلام والقدس.

 ويذكر أهل اللغة أن معنى القدس والقُدُس ــ بسكون الدال المهملة وضمّهاــ هو الطهر والبركة، والتقديس هو التطهير والتبريك وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بذاته العليّة عزّ وجلّ. 

 ومن الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) الذين دخلوا بيت المقدس إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب وداوود وسليمان وموسى وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد.

 ومن الصحابة (رضوان الله عليهم) عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وأبو الدرداء عُوَيمر بن عجلان، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وابناه عبد الله وعبيد الله، ومعاذ بن جبل، وأبو ذر الغفاري، وسمرة بن جندب، وسلمان الفارسي، وخالد بن الوليد، وعياض بن تميم، وعبد الله بن سلام، ويزيد بن أبي سفيان، وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر.
 
 ومن التابعين (رحمهم الله) كعب الأحبار، وهو مخضرم، وعبيد عامل عمر بن الخطاب على بيت المقدس، وعمير بن سعيد، ويَعْلَى بن شدّاد بن أوس، وجُبير بن نُفير الحضرمي، وأبو نُعَيم المؤذن، وأبو الزبير المؤذن، وأبو سلاّم ممطور الحبشي، وعبد الرحمن بن تميم الأشعري، وقَبيصَة بن ذُؤَيب، وعبد الله بن مُحَيريز، وهانئ بن كلثوم، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، ورابعة العدوية.

 ونظراً إلى ما تتميز به مدينة القدس من أهمية دينية تاريخية وحضارية، فقد حظيت بمكانة مرموقة في الوجدان العربي، ومنذ صدر الإسلام اهتم الرحالة العرب الذين وفدوا فلسطين على مر العصور بزيارة أماكنها المقدسة ومعالمها التاريخية ونالت مدينة القدس القسط الأوفر من عنايتهم، وقد دون بعضهم صفحات بالغة الأهمية عن رحلاتهم، وفي طليعتهم من رحالة أهل الشام والأندلس والمغرب الذي زاروا القدس أبو بكر بن العربي الذي زارها سنة 485 هـ وابن بطوطة الذي زارها سنة 662 هـ. أما أكثر الرحلات إثارة للجدل فهي رحلة الإمام الشيخ محيي الدين بن عربي الذي ولد بمرسية سنة 560هـ واستقر في فاس عام 591 هـ، ثم رحل لأداء فريضة الحج في سنة 598 هـ ووصل بغداد عام 601 هـ، وقصد القاهرة سنة 603 هـ وجادل فقهاءها في وحدة الوجود وكادوا يبطشون به لولا ان السلطان العادل الأيوبي تدخل وحماه فعاد إلى بغداد سنة 608 هـ والتقى بالسهروردي، ثم غادر القاهرة إلى حلب فاحتفى به السلطان الظاهر غازي، وأخيراً استقر به المقام في دمشق حتى توفي رحمه الله عام 638هـ، وفيها ألّف كتابيه الشهيرين (فصوص الحكم) و (الفتوحات المكيّة).

أدب الرحلات الدينية

من أشهر الرحلات التي قام بها أهل الشام إلى فلسطين تلك التي ذكرها المربي والأديب المقدسي أحمد سامح الخالدي (1896-1951م) في كتابه الشهير «رحلات من دمشق إلى القدس»، وقد صدر الكتاب في طبعته الأولى في مدينة يافا عام 1946م، وأعيدت طباعته ضمن سلسلة (آفاق ثقافية مقدسية) التي أصدرتها الهيئة العامة السورية للكتاب بمناسبة اختيار القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009م، وقد قدم لهذه الطبعة وأعدها الأديب خيري الذهبي الذي يقول عن هذا الكتاب: "في كتابنا هذا شكل جديد من أدب الرحلات والرحلات الدينية تحديداً أي الشكل المبسط من الحج، والحج طقس موجود في الكثير من الأديان".‏

 ويستعرض الكتاب أربع رحلات دينية من دمشق إلى بيت المقدس، قام بها في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري (السابع عشر ميلادي)، ثلاثة أعلام هم، الشاعر الصوفي والمؤلف الشهير والرحالة عبد الغني النابلسي الدمشقي، وكانت رحلته من دمشق إلى بيت المقدس وما حواليها ذهاباً واياباً في عام (1101هـ-1689م)، والشيخ مصطفى البكري الصديقي الدمشقي، وهو باحث ورحالة وتلميذ للنابلسي، قام برحلتين الأولى عام (1122هـ-1710م) والثانية في (1126هـ-1714م)، وأما الرحالة الثالث فهو الشيخ مصطفى أسعد اللقيمي، ولد في دمياط سنة (1105هـ-1693م) ونزل دمشق وفيها توفي عام (1178هـ-1764م)، وقد قام برحلته التي أسماها "سوانح الأنس برحلتي لوادي القدس" عام (1143هـ-1730م)، وهو من مريدي الشيخ مصطفى البكري، وقد اجتمع به القدس.

 ويعلق الذهبي على هذه الرحلات بقوله:‏

 «يا حبذا لو أن النابلسي والبكري والدمياطي وصفوا لنا البلاد وصفاً موضوعياً أكثر مما فعلوا، ولكن هؤلاء الثلاثة هم من شيوخ التصوف ومن البديهي أن يقصدوا من سياحتهم الزيارة والتبرك، إذن فقد انصرف همهم الأول إلى زيارات الأماكن المقدسة وقبور الأنبياء والصحابة والتابعين والأقطاب حتى إنهم تجنبوا بالفعل الاتصال بالمناسب والاحتكاك بهم إلا رجال الطرق وما شابهم فكانوا يقضون أكثر أوقاتهم في التعبد وقراءة الأوراد والاجتماع بالأقطاب والمتصوفين، فقد كان هؤلاء هم قطب الرحى في ذلك القرن وما بعده.‏

 "سلام على الإخوان في حضرة القدس"

 ولد عبد الغني النابلسي ونشأ في دمشق، وأغلب الظن أنه من أحفاد النابلسيين الذين وفدوا إلى دمشق أثناء الحروب الصليبية مع بني قدامة هرباً من الخضوع لحكم الصليبيين فقطعوا ضاحية قريبة من دمشق هي التي ستسمى فيما بعد الصالحية، أما تاريخ ولادته فهو 1641م ووفاته 1731م.

 وهو شاعر صوفي وعالم بالدين والأدب، رحل إلى بغداد وعاد إلى سورية وزار فلسطين ولبنان ومصر والحجاز لكنه استقر في دمشق وفيها توفي.‏

 له مصنفات كثيرة جداً منها: (شرح فصوص الحكم لابن عربي) و (إيضاح الدلالات في سماع الآلات)،‏ و (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية- ط) و (تعطير الأنام في تعبير الأنام).

 وقد زار النابلسي في رحلته إلى فلسطين الأماكن المقدسة وسجل للحياة الثقافية والاجتماعية وغيرها في المدن التي مر بها.‏
 وللنابلسي قصيدة تعد من أشهر القصائد التي نظمت عن مدينة القدس في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعنوانها «سلام على الإخوان في حضرة القدس» وفيها يقول:

سلامٌ على الإخوانِ في حضْرةِ القدسِ 
ومن مُحِيتْ آثارُهمْ في ضِيا الشّمسِ 
سقى اللهُ أياماً بهمْ قد تقاصرتْ 
وليلاتِ وصْلٍ بالمسرّةِ والأُنسِ 
سترْتُ الهوى إلاّ عنِ القومِ فارتقى 
فؤادي إلى غيبٍ عنِ العقلِ والحسِ 
سريرٌ من التحقيقِ يسمو بأهلِهِ 
على العرشِ في أوجِ الُعلا وعلى الكُرسي 
سَريتُ بهِ ليلاً إلى رفْرفِ المنى 
وبي زُجَّ في النورِ الذي جلَّ عن لبس 
سماءُ التجلي بالبُراقِ صعِدتُها 
وقد غبتُ عن جسمي الكثيفِ وعن نفسي 
سأهدمُ ما تبني العقول لأهلِها 
من الفكرِ في أرضِ الخيالاتِ والحَدْسِ 
سريعاً إلى أسرارِ روحٍ شريفةٍ 
عن النوعِ قدْ جلّتْ ودقّتْ عن الجنسِ 
سباني جمالُ الوجهِ والكلُّ هالكٌ 
وعِلْمي تسامى عن كتابٍ وعنْ دَرسِ 
سُروري وأفراحي خُروجي عنِ السوى 
وإني من الحقّ الوجود على الأسِ 

 ومن يوميات رحلة الشيخ النابلسي نقتطف وصفه لسور بيت المقدس يقول:‏

 «.. سور بيت المقدس سور جديد متين مشيد قوي الأركان، عظيم البنيان، يحيط بالبلد كلها، وعرها وسهلها مبني بالشيد والحجر المنحوت وفي داخله جميع الأماكن والبيوت، وقد أخبرنا أنه من بناء السلطان الملك المظفر سليمان خان ومن المعروف أن الملك المعظم عيسى بن العادل أخا صلاح الدين أرسل من دمشق كما جاء في أبي الفداء، الحجارين والنقابين إلى القدس فخرب أسواره (616-1219م) وكانت قد حصنت للغاية وذلك على زعمه خوفاً من استيلاء الفرنجة عليها.‏

 وفي سنة (626هـ 1228م) سلم الملك الكامل القدس للامبراطور فردريك على أن يستمر سورها خراباً ويكون الحكم في الرساتيق لوالي المسلمين ويكون للافرنج من القرايا ما هو على الطريق من عكا إلى القدس.‏

 ويعدد لنا الشيخ عشرة أبواب لسور القدس منها: باب العمود من جهة الشمال وباب آخر يسمى باب الداعية الموصل إلى حارة بني زيد وباب يسمى باب دير السرب، وباب الساهرة ومن جهة القبلة باب المغاربة وباب صهيون (باب داود) ومن جهة الغرب باب صغير لصق دير الأرض وباب المحراب المعروف بباب الخليل وباب الرحبة.‏

 وهذه الأبواب هي ذات الأبواب التي يعددها الحنبلي في كتابه الأنس الجليل الذي ألف سنة (901هـ).‏

أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس
 الرحلة الثانية والثالثة التي يقف عندهما الكتاب قام بهما الشيخ مصطفى البكري الصدِّيقي المولود في دمشق ( 1099هـ1688م)، وهو تلميذ النابلسي، متصوف على الطريقة الخلوتية، وقد سكن في القدس بعد زيارته لها وتزوج فيها، وألَّف كثيراً من كتبه هناك، وأكثرها في موضوع التصوف، ومنها انتقل إلى حلب فبغداد، فمصر، فالقسطنطينة، فالحجاز، ومات بمصر في العام (1162هـ1749م).

 وتشمل رحلتا البكري وصفاً من دمشق إلى بيت المقدس وما حواليه ووصفاً للساحل الفلسطيني، وقد أسمى الرحلة القدسية الثانية (الخطرة الثانية..الأنسية للروضة الدانية القدسية).

 أما الرحلة الرابعة فهي للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي، وقد بدأ رحلته يو الثلاثاء من ذي القعدة عام (1143هـ-1764م) انطلاقاً من ثغر دمياط مخترقاً شبه جزيرة سيناء فغزة فالرملة فيافا فالقدس وما حواليها ثم رجوعاً إلى دمشق، فصيدا فقبرص.

 ومن أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس في القرن العشرين رحلة علاّمة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي (1866-1914م) عام 1903م، وهي تعد أول رحلة يقوم بها رحالة عربي إلى القدس الشريف مستخدماً القطار وسيلة للنقل، ووصف المشاعر المقدسة في هذه المدينة وصفاً يرتقي إلى المصنفات الكلاسيكية الكبرى التي وضعت عن مدينة القدس خلال القرون الهجرية العشرة السابقة.

وكذلك رحلة الصحفي والكاتب محمد كرد علي الدمشقي المولد عام 1876م (أصله من أكراد السليمانية-من أعمال الموصل)، وفي هذه الرحلة يوثق محمد كرد علي رحلة (العثمانيين) الأخيرة التي قام بها أنور باشا (وزير الحربية العثماني) ورفيقه جمال باشا (قائد الفيلق الرابع المرابط في بلاد الشام) أواخر العهد العثماني إلى فلسطين بطلب من الأخير.

ورحلة خير الدين الزركلي المولود في بيروت عام 1893م لأبوين دمشقيان، والمتوفي عام 1976م، وكانت رحلته التي أسماها (ما رأيت وما سمعت) عام 1920م. ورحلة الشاعر والسياسي خليل مردم بك عام 1923م، والتي كانت ضمن رحلة له شملت بلاد الشام،ونشرها على حلقات في الجرائد الدمشقية، وقام عدنان مردم بك بجمع أخبار هذه الرحلة في كتاب أصدره قبل سنوات بعنوان (دمشق والقدس في العشرينات).

ورحلة الكاتب والصحفي الدمشقي بشير كعدان (1913-1988م) التي قام بها عام 1945م، ويذكر تيسير خلف في موسوعته القيمة (رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين -8-مجلدات، الصادرة عن دار كنعان للدراسات والنشر/دمشق 2010) أن هذه الرحلة هي "آخر رحلة إلى فلسطين قبل احتلالها".

وأخيراً نذكر رحلة الرياضي الدمشقي عدنان بن حسني تللو المولود في دمشق عام 1918م والتي قام بها على متن دراجته النارية عام 1957م متوجهاً من دمشق إلى لبنان ثم رجع إلى سورية وانطلق منها إلى الأردن، وفي صباح يوم الأحد 27 شباط 1957 بلغ مدينة القدس وفور وصوله إليها زار الحرم الشريف وما حوله من المنشآت وقد وصفه قائلا ً : 

«وللحرم عشرة أبواب مفتوحة وأربعة مقفلة وفيه عدة سبل وخمس وعشرون بئرا ً عذبة وله أربع مآذن عالية، وعدة أروقة ومكتبة ومتحف، ويوجد في الحرم مسجد الصخرة الشريفة التي يقدسها المسلمون لعلاقتها بالإسراء والمعراج.. ويقال: أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو الذي بنى مسجد الصخرة وأظهره بهذا الشكل الرائع»، ثم زار الرحالة تللو معالم مدينة القدس التاريخية والأثرية والدينية ووقف طويلا تكتنفه مشاعر الهيبة أمام الصخرة الشريفة وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى، و يقول الرحالة أنه حل ضيفا على رئيس بلدية القدس روحي الخطيب الذي استقبله وأكرمه وأحاطه بالرعاية الموفورة، وفي نهاية زيارته زوده المكتب الإسلامي في القدس بالعديد من الصور التي تظهر فظائع الصهاينة ووحشيتهم لعرضها في البلدان التي ستشملها رحلته». 

أهم المصادر والمراجع:

1.أحمد سامح الخالدي، رحلات من دمشق إلى القدس، تقديم وإعداد وضبط:خيري الذهبي، (سلسلة: آفاق ثقافية مقدسية) الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة، دمشق 2009م.

2.بشار منافيخي، مقال: "رحلات العرب والأجانب إلى القدس"، موقع مجلة الحرية الالكتروني (www.alhourriah.org)، بتاريخ 29/11/2008م.

3.تيسير خلف، موسوعة "رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين" -8-مجلدات، دار كنعان للدراسات والنشر،دمشق 2010.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى