الأربعاء ٤ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم لمى نور الدين محمد

أسرار جنسيّة: طفولة مسروقة

عقوبة الإعدام همجيّة.. لكنّها العدل الأوحد لقاتلي الروح...

لن يشفع الصباح الدمشقي الجميل لما حدث في ذلك اليوم، لن يقدر أي يوم رمضاني آخر على اقناعي بأن الصائمين جميعهم سواسية.

كانت مرة أولى لحدث قرأت عنه لكني لم أشاهد تبعاته قبلا، كانت المرة الأولى التي كان البكاء حليفي الوحيد في مواجهة حالة طبيّة وقفت أمامها شبه عاجزة.

إذا أردت أن تعرف تفاصيلا دقيقة لحيوات تبدو عادية، ما عليك سوى دراسة الأمراض الجلديّة و الزهريّة، حيث لا ينجو الجلد من الانهزامات النفسيّة الدفينة التي يحاول أصحابها عبثا إيقاف ما يلحقها من تساقط أشعار، و (حب شباب ) متسحج، و اندفاعات جلديّة لا تعد و لا تحصى.

أما إذا فتحنا الباب لتفاصيل الأمراض الزهريّة، فتوقعوا عجبا، أمراضا، و حكايا لا تخطر بالبال.

لا أريد أن أشاهد "نجم" مرة أخرى، لا أريده حتى أن يمر بذاكرتي التي هزأتْ مني عندما احتفظتْ بتفاصيل دقيقة لسنواته الخمسين التي دخلت عيادتي على هيئة خمس سنوات!

حدث في مستشفى الأمراض الجلدية و الزهرية التخصصي أن "عبد" ذو السحنة السمراء، و اللحية الطويلة تعارك مع الممرضة في الخارج –لأنها تأخرت في إدخاله، متجاهلة صيامه في سبيل الله...

و الحقيقة أن "عبد" لم يكن المعني بزيارة الطبيب، فالبطاقة بين يديّ كانت لطفل في الخامسة، و طفل الخامسة هذا كان "نجم".

وجه دائري أبيض طفولي في كل معانيه إلا في نظرته..فالنظرة لعجوز حزين، أما أم "نجم" فلا أذكرها أبدا.. لا أدري لماذا لم أرها، ربما لأنني أحسست أنّها غير موجودة بتاتا، و مهما قيل في كونها دخلت معهما العيادة، سأظلّ غير مصدقة أن الأمومة تتجزأ و تُلغى بإلغاء شخصية المرأة.

 بركة (اللي دخلتينا) يا حكيمة..الله يستر عليك.
كانت هي الجملة الأولى ل "عبد" الذي عرفت لاحقا لماذا اختلفت نبرة صوته عند دخوله عيادتي عن الحدة القتاليّة التي هاجم فيها الممرضة في الخارج.

 أهلا و سهلا..هنا يدخلون (بالدور).

 (بس دكتورة الصايم مو متل اللي جاية تكشف عن شعرها أو أظافرها).

 يا أخي هذا علمه عند الله..تفضل بالجلوس، و أخبرني ما المشكلة؟

 ابن أختي .."نجم": نجم سلّم (ع الدكتورة).. (طالعلو حبوب ما عم تروح و عم تكتر)

قاطعتُ بكاء الطفل ببقية الاستفسارات عن قصته المرضيّة، و عند محاولتي فحصه ذُعر المسكين كعصفور وقع في مصيدة، و أخذ صوت بكائه بالخفوت بشكل تدريجي و كأنه قد غُلب على أمره، أو أنّه قد استسلم لحياة فُرضت عليه مذ كان في رحم امرأة لا صوت لها.

كانت الثآليل التناسلية ..المرض التناسلي المنتقل عن طريق الجنس و التي ملأت المنطقة حول الشرج، كافية تماما لتكشف لي عن سبب كهولة هذا الطفل، و عن نظرات "عبد" المرتعدة.

 مع من يسكن الصغير.

 معي أنا و أمه.

 و أين أبوه.

 أبوه طلق أمه و رحل ..يعمل الآن في السعودية.

 هل يذهب إلى رياض الأطفال.

 لا ..لا يغادر المنزل..لماذا تسألين يا حكيمة؟

فكرت قبل أن أرد:

 أريد أن أعرف إن كانت العدوى قد انتقلت لشخص آخر فالمرض معدي.

صمت "عبد" قليلا ثم أجاب:

 لا..لم يعد أحدا.

بعد سلسلة الاعتراضات من " عبد " أخذت الطفل معي إلى الطابق الثاني في المستشفى لأستشير أحد الأساتذة في حالة كانت الأولى في سجل دراساتي العليا، و لكنها و بكل الألم لم تكن الأخيرة.

كان رأي المشرف كالآتي :

 صحيح.. استغلال جنسي واضح ..عالجي المرض و اصمتي، يستطيع الفاعل رشوة الشرطة، فالموضوع يحتاج إلى أكثر من شاهد..و مليون (سين و جيم) .
عصفور صغير آخر قُتل.. هذه المرة في قلبي، أمسكت الطفل من يده إلى أستاذ آخر:

 إذا استطعت إقناع أمه بالتقدم بشكوى فليكن، لكن يجب أولا التأكد من الفاعل، و لا تهملي الظروف التي يعيشون بها..قد يصبحون في الشارع.
كانت الخيارات جميعها سوداء دائرية، جريمة قتل روح صغيرة، شهادتي عليها لا تعني مطلقا إثباتها..وقفت على درج المستشفى أفكر حتى شدني الطفل من يدي ..

 الله يخليك ، (خليني روح )عند ماما .

و مع أني سمعت صوت بكاء في قلبي، لكنها قوة هائلة تلك التي منحتني إيّاها يد "نجم".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى