الخميس ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم ياسمين محمد عزيز مغيب

حمـــام التوبة والغفران

كانت تعاني من الأرق وعدم الراحة حتى أنها بدأت تشعر بألم في كل أنحاء جسدها، ربما أجهدت نفسها بالدراسة والعمل من أجل تحقيق أحلامها.

جلست مع صديقتها تبثها تعبها وإرهاقها وأنها تود أن تأخذ إجازة للاستجمام لتجدد نشاطها، وفجأة أخبرتها صديقتها أنها لديها حل سحري لكل هذا التعب، وهنا تساءلت ميادة: هل عندك حل لكل ما أنا فيه حقا؟

ولمَ لم تتكلمي يا ميس؟ هيا أخبريني بسرعة.

وهنا بدأت ميس تخبرها عن الحل السحري الذي يزيل كل أوجاع جسدها ويجدد نشاطها، ألا وهو الحمام المغربي.

ميادة: الحمام المغربي، وهل هذا هو الحل؟

فأجابتها ميس قائلة: نعم هو.

أنتِ لم تجربيه ولم تعرفي الكثيرعنه ولكني غدا سآخذ موعد من صاحبة الحمام لتري بنفسك.

وبالفعل أخذت ميس الموعد وذهبت بصحبة ميادة إلى الحمام المغربي الذي كان مكتظ بالنساء، كل منهن تنتظر دورها.

ودخلت ميادة عندما حان دورها غرفة صغيرة مجاورة لغرفة الحمام، وهنا جاءتها امرأة مفتولة العضلات وقالت لها بصوت أجهر: هيا القِ كل ما عليك من ثياب وادخلي هذه الغرفة فالحمام معد لكِ.

هنا صرخت ميادة: لا لا لن أخلع ثيابي، فأنا استحي.

تعالت ضحكة المرأة الغليظة شبه العارية وقالت لها: ولما أتيتِ إلى هنا إذا كنتِ تستحين، وتركتها وخرجت لتقص على باقي النساء المنتظرات لأدوارهن ما قالته ميادة، فتعالت الضحكات.

شعرت ميادة بالخزي، وأخذت تتوعد صديقتها بالقصاص منها، بعد أن تخرج من هذا الموقف الذي وعدتها بعده بالراحة والاسترخاء.

واضطرت ميادة أن ترضخ لطلبات المرأة حتى لا تسخر منها الأخريات.

خففت من ثيابها، وفتحت الباب الذي طلبت منها المرأة أن تدخله فإذا ببخار سخن يدخل بعينيها، وفقدت القدرة على الرؤية تماما، فأغمضت عينيها وأخذت تتحسس المكان بكلتا يديها، حتى وجدت جدار معد للجلوس عليه كأنه تابوت مغلق مفروش بطبقة من مفرش بلاستيكي سميك.

كادت أن تصرخ ميادة من لهيب البخار الذي بدأ يزيد حرارة جسدها، وشعرت وكأن الأكسجين بدأ يختفي من المكان، فهُيأ لها أنها في بداية طريق الموت، وكأنهم ألقوا بها في قبر.

وأخذت تستغفر ربها وتتذكر كل من أساءت لهم، وأخطأت بحقهم، وقطعت رحمهم.

طفقت تدعو الله أن يخرجها من هذا القبر لعلها تعمل صالحا.

وسمعت صوت الباب يفتح، وصوت يزأر هل أنتِ مستعدة، فأجابت ميادة: مستعدة لماذا؟ أنا لا أرى شيئا.

فردت المرأة المتسلطة: وما فائدة الرؤية هنا؟؟ فقط اتركي نفسك لي ولا شأن لكِ بما سأفعل.

وقامت المرأة بدهن جسدها بمادة نفاذة الرائحة، وشديدة الرغوة، وتركتها وخرجت.

كانت ميادة تحسب الوقت وكأن سنين مرت عليها، وهي في هذا الكهف المظلم.

ظلت تستغفر ربها وتدعوه أن ينقذها مما هي فيه.

وفجأة دفعت المرأة الباب ثانية، وبدأت في إحكام مسك جسدها، وطفقت في غسله دون أن تتفوه ببنت شفاة.

شعرت ميادة وكأن المرأة تعدها للدفن، وتقوم بتغسيل كل جسدها، وتقلبها ذات اليمين وذات الشمال، وهي مسلوبة الإرداة، لا خيار لها.

أخرجت المرأة قفازا خشنا وارتدته بكلتا يديها، وبدأت تحك به جسدها فأخذت ميادة تصرخ من شدة الألم، والمرأة لا تعيرها أي اهتمام، فقد شعرت وكأن أشواك تقطع جسدها.

وهنا أدركت ميادة أنها ماتت وأن هذا هو العذاب الذي لا مفر منه، وازداد صوت البخار الساخن الذي كان يتوهج وكأن جهنم تقول: هل من مزيد؟؟

همت ميادة على الوقوف للخروج من هذا المكان فقد طفح بها الكيل، حتى لو سخر منها الجميع، فلا يهمها المهم هو نجاتها من الموت الأكيد.

وقامت وغسلت وجهها كي ترى ما تفعله بها هذه المرأة.

وهنا قالت لها المرأة: أين ستذهبين؟ ألا ترين ما سقط من جسدك من أوساخ؟

ونظرت ميادة فلم تصدق ما سقط من جسدها من خيوط بنية وأخذت تتساءل كيف وأنا حريصة على تنظيف جسدي بشكل يومي كما أنني استعمل المنظفات بصفة مستمرة.

وهنا ضحكت المرأة ضحكة مدوية تردد صداها في الحمام،

وقالت: هكذا تدعي كل النساء أنهن نظيفات وناعمات ولا يتهاون في تنظيف أنفسهن.

أما أنا فأعريهن وأظهر حقيقتهن التي لا يقدرن على رؤيتها بأعينهن، تمهلي وستري المزيد مما يسقط من جسدك.

وهنا سكتت ميادة ولم تتلفظ وأخذت تنتظر برغم من أن القفاز كان يقطع في كل أنحاء جسدها إلى أن فرغت المرأة من التنظيف، وقالت لها الآن سأسكب عليكِ الماء لتري بأم عينك ما خرج من جسدك.

ورأت ميادة الخيوط كانت قد زادت حتى تغير لون أرضية الحمام من اللون الأبيض إلى البني، وهنا صعقت ميادة من الصدمة، وقالت: لقد كان يهيء لي أنني نظيفة الجسد والروح، وإذا كنت بحاجة لأن أنظف جسدي بمثل هذه الطريقة المؤلمة حتى أتخلص من القاذورات اللاصقة عليه بفعل العرق والافرازات فكيف يمكن لي أن أنظف روحي وأطهرها مما أرتكبه من ذنوب؟؟؟ سواء كانت بإرادتي أو دون قصد.

ومنذ ذلك اليوم قررت ميادة أن تداوم على الحمام المغربي مرة كل أسبوع على الأقل، وأخذت تواسي نفسها كي تتحمل ألم القفاز الذي يشبه الأشواك في وخذاته، وكانت كلما دعكت المرأة جسدها كلما قامت ميادة بالاستغفار، وبتذكر كل من أساءت لهم حتى تطهر روحها مع طهور جسدها، وأصبحت ميادة مع مرور الوقت تستمع بالحمام المغربي لأنها بدأت تدرك أنه ينظف ظاهرها وباطنها.

فكانت تخرج منه وهي منتعشة وسعيدة لأنها كانت على يقين من أن ذنوبها كانت تُمحا مع كل ما يسقط من أوساخ جسدها، حتى أنها أضحت تسميه حمام التوبة والغفران.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى