الأحد ١٥ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم زياد يوسف صيدم

فانوس رمضان

جرت إليه وهى تبكى..لم تمهله التقاط أنفاسه..بادرته: بابا ..لم تحضر لي الفانوس الذي وعدتني به.. نظر إليها بعطف وحنان ، مسح على رأسها.. ضمها إليه ضاحكا ثم أجابها: وجدتك نائمة بعد الفطور مباشرة.. ألم اقل لك بأننا سنذهب سويا للسوق كي تختاري لون الفانوس..لا عليك صغيرتي، بعد انتهاء مسلسل رمضان سنذهب فورا.. لم يرق لها حديثه ولم تستوعب قوله، فتملصت من بين يديه هاربة كقطعة صابون..وفى ركن من البيت، جلست مقرفصة تبكى بحرقة..كان الجميع مشدودا نحو التلفاز، فأولى حلقات باب الحارة قد بدأ.. كانوا يستدعون بان لا ينفذ وقود مولد الكهرباء ، أو يعطب كعادته...

بلمح البصر لبس جلبابه من جديد.. فقد عاد لتوه من صلاة التراويح وعرقه لم يجف منه بعد ..حيث غرق المصلين في أجواء من الحر والرطوبة.. وهم ما يزالون في صلاتهم بعد أن صمت مولد الكهرباء فجأة؟ فتعطلت مراوح الهواء عن الحركة.. ولعلع صوت الإمام جهورا، فكانت تزداد نبرات صوته كلما تصبب العرق أكثر...

 اقترب منها: صغيرتي أنا جاهز، هيا بنا..

 نفضت حزنها ..جففت دمعها بلمح البصر.. نهضت مسرعة وهى تقول:انتظر أبى قليلا .. ثم سمعها تخاطب أختها الأكبر وبيدها المشط .. وعلي وجهها كانت تقفز علامات الفرح...

عادا للبيت بمشقة؟..بعد أن تجولا في سوق شبه مغلق، فالظلام يتشح هذه الأمكنة في مثل هذه الأوقات، خاصة بعد صلاة التراويح..وبداية مسلسل باب الحارة الذي منع تجوال الكثيرين على مدار سنوات.. كانا يتلمسان قدميهما عبر طرق قد انطفأت مصابيحها..على ضوء ينبعث من فانوس يتأرجح بيدها الصغيرة.. كانت تغنى معه: رمضان جانا..أهلا رمضان.. وعلى ثغرها البريء قد ارتسمت أجمل ابتسامة.. كانت أرق من نبع عذب، لم تمسسه يد إنسان.. وأكبر من حجم الكون !!

إلى اللقاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى