الخميس ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

الأنثى (2)

من مقتضيات الرحمة- كما يقول ابن الجوزية-: (.. إيصال المفاهيم والمنافع والمصالح إلى الغير، وإن كرهتها نفس هذا الغير وشقت عليها، فهذه عين الرحمة التي نرجوها، فأرحم الناس بنا من شق علينا في إيصالها إلينا، وأن لا تكون رحمة مقرونة بجهلٍ، كرحمة الأم التي لا تُكره ابنها على التأدب بالعلم والعمل، ولا تشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ولا تمنعه شهواته التي تعود بضرره، وهي تظن أنها بذلك ترحمه وترفهه وتريحه..)..

ففي غياب مثل هذه المفاهيم ذات الصبغة الحِكْمِيَة، وعدم معرفة السبل المؤدية إلى استنباطها واستخراجها إلى الحيِّز الوجداني تصبح تلك المسلمات العتيقة ذات التاريخ الإرثي الجامد هي تلك الغشاوة السميكة التي تجعل العينين تنظران دائماً إلى الأشياء والكائنات بذات صورها وتراكيبها الشكلية النمطية، ومنطقها المشهود الممل، الذي ألفه واعتاده كل الناس، فإذا ما قُـدِّرَ لطارقٍٍ جاء يطرق- على مهل - بالجديد، رُمِيَّ بـ «الجنون» وبالإدعاء وبالسحر!! إلا من تلك القلة التي تسمع بسمع الوجدان وترى برؤيته، وهو عين الأمر الذي عايشه جميع أنبياء هذه الإنسانية وصالحيها، وأُوذوا في سبيل ذلك!! ولكن.. !!

وعـاء سيدنا أبوهريرة ما يملؤنا عزاءاً قول سيدنا أبوهريرة- رضيَّ الله عنه - الذي يقول فيه:(وعيت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعاءين، أمّا أحدهما فبثثته لكم، وأمّا الآخر لو بثثته لقطع هذا البلعوم).. رواه البخاري.. ومن خلال آيات الله الكريمة وأحاديث نبيينا الشريفة يمكن لنا أن نستنبط ولو الجزء اليسير الذي يمكن أن تصل إليه أفهامنا.. فالهدف من كليهما هو «الفهم» ولا شيء سواه!!

وعلى ضوء هذا لم يصح عندنا أخذ تفاسير غيرنا من الناس- السابقين أو اللاحقين - على أنها التفاسير النهائية لما لا يعلم تأويله إلا الله؟! فبمثلما أنهم توصلوا إلى ما زامنهم من تفسير جاءوا به إلينا، فكذلك نحن علينا مزامنة تفسيرنا لنتقدم به لمن سيأتون بعدنا!!

فكلنا يعلم تمام العلم– وكما ذكر العلماء - بأن هذا القرآن صالح لكل زمان ومكان، وأنه يحمل في داخله الحجة على خصومه، وعلى المؤمنين به أيضاً، وأن به الكثير من المعلومات والمفاهيم التي لم يحط الإنسان علماً بها بعد، ولا يمكن لأي تطور علمي أو فكري أن يقضي على صلاحياته، فكلما كان الفكر عميقاً وراسخاً، كان الإيمان قوياً ومتزايداً بل ومتطلعاً، ولا يتأتى هذا العمق والرسوخ والتطلع إلا من بعد ركوب سفائن الهمم العالية، والنوايا البيضاء القاصدة- توكلاً على الحي الذي لا يموت - والإبحار- بكل ثقة فيه - في هذا المدى اللامحدود، وهذا العمق اللانهائي، لكل من كانت لديه أدوات الغوص والبحث والتنقيب، فإن لم تكن لديه، فعليه بهذه السطوح لا يتعداها، إيماناً بظواهرها التي تحيط بها حواسه، وعملاً بهذه الأحكام الظاهرة، للطرفين المكلفين، فربما كان في ذلك نجاته، ولكن..! إنما للطرف الآخر- إضافة لكل هذا - مزيد الدرجات، التي قلنا عنها، ويالها من درجات!!!

فهل يمكن أن نقول بأن كل ما يطرحه القرآن من مواضيع هي مواضيع عفا عليها الزمن، ولم تعد من أولويات النظر في مجتمعاتنا أو حتي في مجتمعات غيرنا من الأمم اليوم؟؟!!

لا شك أن الإنسان ما دام يبحث عن ضالته «الحقيقة»، وما دام بحثه هذا لا يتجاوز به محظوراً، فلا ضير من أن لا يفهمه إلا من فَهِمْ مادام الإيمان الراسخ هو المعتقد والمنطلق وفي هذا الصدد نذكر هذا الحديث: فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي جحيفة، قال:- قلت لعليٍ- كرَّم الله وجهه – «هل عندكم شيء من الوحي ليس في كتاب الله ؟! فقال: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا "فهماً" يعطيه الله رجلاً في القرآن»!!..

فهماً!!!!

عليه،

كلنا يعلم- أيضاً - بأن آدم – أي الذكر - خُلِق من هذا التراب. وأن حواء خلقت من باطن أعماق هذا الذكر، وذلك قوله – سبحانه وتعالى-(خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعلَ مِنْها زَوْجَها.. ) "الزمر/6"..

و"ثم" – كما هو معلوم - حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي.

والحديث الصحيح يقول:(استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خُلِقت من "ضلع".. )

نعم، من ضلع!!..

ولا شك أن هذا الضلع– كما جاء في الأحاديث النبوية - هو ضلع آدم الأيسر، ولا خلاف في ذلك، وكما أشار إلى ذلك– أيضاً – "الإنجيل"، في الاصحاح الثاني من سِفْر "التكوين" !!

الأمر الذي جعلنا نقبل بوجود التمييز حقاً، وبأنه مفطور مع هذا الخلق منذ قوله – سبحانه وتعالى -:(..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..) والذي هو أشبه ما يكون بالكفتين اللتين لا تمايز بينهما إلا بما وُضِعَ فيهما من صفات وخصائص غير وراثية من ذينك المصدرين.

فقد ذكر العلماء بأنّ تعليل:(بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يكون بمعنى "فضَّلهم الله عليهن" فضمير الجمع المضاف إليه في(بِمَا فضَّلَ اللهُ بَعضَهُمْ) لكلتا الطائفتين تغليباً، وإنما عدل عنه إلى هذا التعبيرلا لظهور المعنى فقط كما في "روح المعاني"، بل لإفادة الاشتراك في الجنس، وأن الرجال والنساء جنس واحد، والتفضيل إنما وقع في أفراد هذا الجنس، لا في الأجناس المتغايرة، حمايةً لجانب المرأة حتى لا تتخيل أنها بسبب تفضيل الرجل عليها صارت من جنس آخر دون جنس الرجل) !!0

وهذا من أدب القرآن، كي لا يقصر في شأن المرأة بشيء، كما في قوله- تعالى -:(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ) "التوبة/67"..

وأصرح منه قوله- تعالى - في سورة "آل عمران"، بعد أن ذكر خمسَ آياتٍ في أحوال أولي الألباب بأنهم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً، وأنهاه إلى قوله- تعالى - حكاية دعائهم بتوفيهم الله مع الأبرار:(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) "آل عمران/ 195".. للدلالة على أن إعطاء أجر العامل يترتب على العمل بلا فرق في المقام بين أن يكون العامل ذكراً أو أنثى، فهما من جنس واحد لم يلاحظ فيه خصوصية الذكورة والأنوثة0

وفي المقام دلت الآية على أن القيام بالأمر للرجل لمكان لياقته بهذا المقام، لا يخرجه من جنس المرأة إلى جنس أعلى من جنسها، بل كان الطائفتان من جنس واحد.)..

أي من جزع واحد انفلق إلى شعبتين!!

وقال الإمام القشيري في:(تفسير لطائف الإشارات) عند قوله - تعالى -(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)، قال:- "خُصَّ الرجال بالقوة فزيد بالحمل عليهم، فالحمل على حسب القوة، والعبرة بالقلوب والهمم، لا بالنفوس والجثث0 "..

وصرح بعض علماء النفس: "بأن الرجل يجد في أوان بلوغه حسَّ قيمومته على امرأةٍ يقوم بأمرها ويحفظها، والمرأة تجد في نفسها أوان بلوغها أنها تحتاج إلى رجلٍ تتكئ عليه، و"أصل" تعتمد عليه، ووليجة تكون لها كهفاً وملاذاً0 "

إذن، لا الذكر يود لو أنه جاء أنثى، ولا الأنثى تود لو أنها جاءت ذكراً، فلا خيرة لأحد في ذلك:(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ) "القصص/68"..

بل صار ذلك من العيوب المتبادلة!! لأن لكل طرف منهما "حمله" الثقيـل الذي أنيط به، فذاك معنوي الجوهر، وهذا حسي المضمون!! - سبحان الله!! - والحمل هو الحمل!!

إذن هذا التمييز المنظور - والذي تكافح هذه الأنثى - اليوم - جاهدة على إزالته دون تأمل أو تريث في هذا التأمل إن وجد إلا تكليف أُمِرَ به هذا الذكر "الرجل" نحوها، ليس إلا.. فما عليها إلا الطاعة أو العصيان!! فورود الدارين- بالنسبة لها – لا يتم إلا تحت قدميه هو، رضيت بذلك أم أبت!! وأعني به ذلك الرجل "الصالح" وإن كان فقيراً معدماً!!

ونأتي الآن إلى هذه الآيات القرآنية التي تجيبنا على ذلك السؤال المطروح منذ بداية تاريخنا البشري الإنساني القائل: هل في شرع الله تمييزاً للذكرعلى الأنثى؟!؟! وذلك لتأمـلٍ أشمل وتوضيحٍ أعمق لما خفيَّ وغمض على الكثير من الأفهام، ففي سورة "الكهف" يقول - سبحانه وتعالى -:-

◄( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ و"َذُرِّيَّتَهُ" أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) "الكهف/50"..

وهذه هي "الذرية" التي عرّفنا بها الحق سبحانه وتعالى وأوصانا بأن لا نتخذها ولا رأسها أولياء من دونه، إنها الذرية التي على رأسها هذا اللعين المدعو "إبليس"، هذا "الروح" الفاسق!! الذي جاء رده- وكما حكى الله عنه – بقوله:-

◄( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يوْمِ الْقِيَامةِ لأَحْتنِكَنَّ "ذُرِّيَّتهُ" إَلاَّ قَليلاً) "الإسراء/62"..

وحنك الدابة واحتنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به..
وقيل "لأحتنكن" أي لأستأصلن!!
و"الذرية" المشار إليها هنا هي تلك الأولى التي على رأسها ذلك "المَلَكْ" المسمى، ذلك "الروح" الأمين، والتي كان لها "الاصطفاء" وإليها جاء الخطاب !!

ومن هنا نستطيع أن نتبين قوله– سبحانه وتعالى -:(إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً.. ) !!

ونستطيع– بالتالي - أن نتأكد بأن هنالك في الأفق "ذريتان" تتصارعان!!!!

فقال له– سبحانه وتعالى -:(.. اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ "مِنْهُمْ"..) - أي من هذه " الذرية" المذكورة في آية سورة الإسراء–(.. فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً، َاسْتَفْزِزْ..)، والاستفزاز: هو الخداع للإيقاع فيما يريده المُسْتَفِز،(.. منِ استَطَعْتَ منْهُمْ بِصَوْتِكَ.. ) وهو الصوت المصاحب لهذه المزامير والطبول التي تُقرع إيذاناً ببدء اللهو والمجون والفسوق، وانظروا معنا- الآن - إلى هذا الكم الهائل المخيف من عدد القينات- أي المغنيات والمغنيين- وما يصحبهم من مزامير وطبول ودفوف وإغراء وإغواء في هذا العالم الحيران السكران، وإلى هذا الكم الهائل الآخر من الشعراءٍ والملحنين، هؤلاء الذين أطلقنا عليهم مجازاً اسم "الفنانين" الذين أوشكوا أن يسجدوا ويعبدوا هذه "الأنثى" كما دلت الكثير من أشعارهم المريضة الخبيثة، وما أكثر هؤلاء الشعراء والأدباء وأتباعهم من الغاوين الذين -وكما قال صديقي - قد صلبتهم هذه "الأنثى" في هوامش حركة الإبداع الفكري الحقيقي المنشود، وحوَّلتهم إلى مجانين ودراويش بل وإلى نجوم لامعة وأبطال مآس خرافية مضحكة، وضعاف نفوس، وربما كان لأفلاطون سببه في نفيه للشعراء من "مدينته الفاضلة" كنموذج انفعل بالعاطفة وحدها وقفل منافذ الفكر وتيارات التأمل الإيجابية في حياته، الأمر الذي يدعونا إلى القول بأنه إن لم يكن هنالك تجاوز أدبي وشعري حقيقي هادف، وتحرر تام من الاستسلام والخضوع لسطوة أي كائن حتى ولو كان هو هذه الحبيبة الأنثى، فإننا لن نغادر-وإلى الأبد - هذا المستنقع القذر الموحل وسيجني "الشيطان" حصاد "قرآنه" الوفير هذا الذي يتلوه الآن أكثر سكان هذه المعمورة!! العالم كله يغني اليوم، ذلك الغناء الذي يغمز الغرائز فيحركها!! والعياذ بالله، وهم لا يدرون!! ولم يستثن– سبحانه وتعالى – من هؤلاء الشعراء إلا الذين توجهوا بأشعارهم إلى تلك الجهة المضادة تماماً لهذا الطريق الشيطاني!!(.. وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ..) أي أكثر عليهم من هذه الجلبة الناتجة، بأعطاف أفراسك المائلة وحماية فرسانك ومشاتك لهن، بل(.. وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ..) أي بالربا ومشتقاته، وفي(.. والأَوْلادِ..) وذلك بإفسادهم عن طريق هذه العاطفة السالبة المؤدية إلى الإباحية والخنوثة واللواط والسحاق، وإلى زواج المثلين، وعن طريق هذه الفضائيات التي تدرسهم وتعلمهم الآن كيف تُمارس الأفعال الجنسية الشاذة وكل ما يمكن أن يؤدي إلى الضعف النفسي وإلى الخور وإلى الموت البطيء،(.. وَعِدْهُمْ..) بأكاذيبك وأمانيك العذبة المتعددة وأغرقهم في بحر هواك(.. وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً.. ) وذلك بتزيين الخطأ بما يوهم أنه الصواب، أما،(.. إِنَّ عِبَادِي..) وهم أولئك الأنبياء والشهداء والصالحين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين، فـ(..لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً..) "الإسراء 62/65"..

فهؤلاء "العباد" المستثنون من ذرية الذكورة هم الذين أخرجهم الله من زمرة من سيتبعون هذا الشيطان من بني آدم!! وحينما نقول(بني آدم) فإنما نعني هذا الجانب الذكوري فقط دون الجانب الأنثوي - ليجعلهم لهذا الجانب الأخير منارات مضيئة ونماذج حية وقدوة حسنة خلال أعمار الدنيا القصيرة في سيرهم الطويل فيها!! الأمر الذي تبينه هذه الآيات التالية بوضوح لا لبس فيه لأنه هو الجانب المكلف:-

("يَا بَنِي آدَمَ" لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) "الأعراف/27"..

( "يَا بَنِي آدَمَ" قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) "الأعراف/26"..

( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ "يَا بَنِي آدَمَ" أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) "يس/60"..
( "يَا بَنِي آدَمَ" إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ "مِّنكُمْ" يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) "الأعراف/35"..

فهؤلاء هم جميعاً المعنيون بكلمة "منهم" الواردة أعلاه في قوله- سبحانه وتعالى-:(.. اذهب فمن تبعك "منهم".. ) !!

أما قوله– سبحانه وتعالى – عن هذا الجانب في آيات أخرى كقوله تعالى:

(يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ.. ) "الأعراف/31"..
(.. وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..) "الأعراف/172"..
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدم.. ) "الإسراء/70"..
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدم.. ) "المائدة/27"..
فإنما تشير كلها إلى هذا الجانب "الذكوري" !! بل الطريف في الأمر أن معظم هذه الآيات جاءت في سـورة "الأعراف" وعلى الأعراف– كما نعلم - لا توجـد نساء إنما يوجد "رجال" !!(.. وَعَلَى الأَعْرَافِ "رِجَالٌ".. ) !! فأين النساء هنا!!؟؟

ورغم هذا فكل هؤلاء الذكور- أيضاً وبهذا التمييز- تشملهم الآية التي تقول:

( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَـ "مِنْهُمْ" ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَ "مِنْهُم" مُّقْتَصِدٌ وَ "مِنْهُمْ" سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) "فاطر/32"..

ويتضح من خلال كلمة "عبادنا" هنا أنها عامة، فهي تشمل جميع هؤلاء الذكور، الذين منهم من تبع الشيطان حتى ألقى به في نار جهنم، ومنهم المقتصد الذي وقف على الأعراف، ومنهم من خاطبه ربه بكلمة "عبادي" التي هي خصوصية تمييز داخل تمييز..

ولا يوجد لـ "الأنوثة" – كما تتبعنا - طريقاً للتميز له أدنى ارتباط بهذا التمييز- سوى الاتصاف بالصفات– التي سبق ذكرها – والتي جسدها– سبحانه وتعالى - في ذلك الأنموذج الواحد المتمثل في تلك "العذراء" المسماة مريم(خادمة الله)، والتي جاءت إليها من الجهة المقابلة إنعكاساً!! مريم هذه الأنثى(..الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا.. ) !!

عمــق الهـدف وأحاديث النبوة بهذا يتضح لنا تماماً عمق الهدف الإنساني السامي النبيل، وبُعدُه الرباني الجميل، فما على الرجل إلا أن ينظر إلى عِظَّم المسئولية الملقاة على عاتقه دون غيره من الكائنات.. وأن يعي تماماً بأن دثار "التقوى" الذي التحفه أولاً، هو عين الدثار الذي أُمِرَ بطرحه- وقايةً - على هذا التجسيد الحي المتحرك أمامه تنويراً وتعليماً له، خوفاً من التآكل والران، وستراً من الضياع والنهب، أي تغطية "الأمانة" فيهما معاً، وهو- ويا للعجب - دثار من نور ذلك العلم الواقي!!

ذلك العلم الإلهي!!..

الأمر الذي فطنت إليه السيدة- أم سلمة - زوج النبي- صلى الله عليه وسلم - والذي برز لها من خلال نظرها في القرآن وسألت عنه زوجها- وهو النبي - قائلةً له:- "ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟! ".. والذي فطنت إليه– أيضاً – أم عمارة الأنصارية التي سألت بدورها رسول الله– صلى الله عليه وسلم – قائلة: "يا رسول الله ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء"..

فكانت الإجابة نزول الآية الكريمة: -

( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً35 ) "الأحزاب"..

وهذه الآية - كما أدركنا - هي جوهر الولاية "الذاتية" الخاصة بهذه الأنثى في أمر دينها، أي أن تسعى– كفريضة - إلى تعلمه وفهمه، وإن فقدت ذلك(الرجل) المعلم "الصالح" في محيطها الخاص بها، أو رماها القدر أمام ذَكَرٍ لا دين له، فلا عذر لها أمام الله غداً، وهذا لا يتطلب إلا الاستماع، والاستماع فقط لما يقول الرجل الصالح - ولو من وراء جدر، أي البحث الذاتي عن تلك الحكمة المخفية بين طيات معاني آيات القرآن الكريم، وإن كانت غير ذات إلمام بالقراءة والكتابة!!

■ فقد ثبت أن الحصين بن محص روى، أن عمة له أتت النبي- صلى الله عليه وسلم - في حاجةٍ لها، فلما فرِغت من حاجتها، قال لها النبي- صلى الله عليه وسلم -:(أذات زوجٍ أنت؟)

قالت: نعم، يا رسول الله،

فقال- عليه الصلاة والسلام -:(كيف أنت منه؟!)

قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه..

فقال- عليه الصلاة والسلام -: -(فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك) !! حديث صحيح أخرجه الامام أحمد والنسائي والحاكم!!

■ وعن أبي حاتم المزني– رضي الله عنه – عن النبي– صلى الله عليه وسلم – قال:-(إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟(أي فيه فقر وخسة أصل) قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ثلاث مرات)..رواه الترمذي وحسنه.

■ وفي الحديث الذي رواه أبوهريرة- رضيَّ الله عنه - قال:(أتت فتاة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله: أنا فتاة أكره الزواج، فما حق الزوج على الزوجة؟ قال:(لو كان من فرقه إلى قدمه صديد فلحسته ما أدت شكره) قالت: أفلا أتزوج ؟ قال:(بلى تزوجي فإنه خير) !!..

■ وثبت- أيضاً أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:-

(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه).. حديث صحيح رواه عبدالله بن عمر– رضيَّ الله عنهما -.

■ كما ثبت عن أم سلمة- رضيَّ الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:- "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة"..

وقال- عليه الصلاة والسلام -:-

■ (لو كنت آمراً أحداً لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَمِ حقه عليها، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها)..

وقال:-

■(إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: أدخلي الجنة من أي الأبواب شئت)..

وهو القائل في حجة الوداع، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ:-

■(.. ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن [عوانٍ] عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، إن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضـرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)..

■ كما لا يفوتنا في هذا المقام إلا أن نلقي بأنظارنا وأبصارنا إلى تلك المحادثة الهادفة التي ابتدرتها تلك الأنصارية- أسماء بنت يزيد - ابنة عمة معاذ بن جبل، حينما أتت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهو جالس بين أصحابه، فقالت:-

(بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلَمْ- نفسي لك الفداء - أنه ما من امرأةٍ كائنةٍ في شرقٍ ولا غربٍ سمعت لمخرجي هذا إلا وهي لي مثل رأيي..

إن الله بعثك بالحق، إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنّا معشر النساء محصورات مقسورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وأنكم معشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة، والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟!

فالتفت النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه بوجهه كلِّه، ثم قال:-

(هل سمعتم مقالة امرأةٍ قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟)

فقالوا:- يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا0 فالتفت النبي- صلى الله عليه وسلم - إليها، ثم قال:-(انصرفي أيتها المرأة، واعلِمي مَنْ خَلفك من النساء أنَّ حُسْنَ تَبَعُـلِ إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتِّبَاعَها موافقَتَه تعدِل ذلك كلَّه)..

فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً).. أخرجه البيهقي0

هذا وقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي سعيد الخدري– رضيَّ الله عنه – أنه قال:(خرج رسول الله– صلى الله عليه وسلم – في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار" وفي رواية: "تصدقن وأكثرن الاستغفار".. فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟..

قال عليه الصلاة والسلام: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن"..

قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟..

فقال عليه الصلاة والسلام: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ "..

قلن: بلى يا رسول الله..

قال عليه الصلاة والسلام: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصمْ؟ "..

قلن: بلى يا رسول الله..

قال عليه الصلاة والسلام: "فذلك من نقصان دينها". ) أخرجه البخاري(1/83) ومسلم(2/67)..

ويقول عمارة بن خزيمة– رحمه الله – بيـنا نحن مع عمرو بن العاص– رضيَّ الله عنه – في حج أو عمرة قال:(بينما نحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم – في هذا الشعب– إذ قال: "انظروا، هل ترون شيئاً؟ "..

فقلنا: نرى غرباناً، فيها غراب أعصم، أحمر المنقار والرجلين..

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان "..

■ وعن أبي التيَّاح قال:(كان لمطرف إمرأتان فجاء من عند إحداهما، فقالت الأخرى: جئت من عند فلانة؟ فقال: جئت من عند عمران بن الحصين فحدثنا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم – قال: "إنّ أقل ساكني الجنة النساء"..

■ وعن أسامة بن زيد قال:(قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أُمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء"..

■ ويقول– عليه أفضل الصلاة والتسليم -:- "صنفان من أهل النار لم أرهما، قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا.. "..

■ ويقول- عليه الصلاة والسلام -:- "إنّ الدنيا حلوة خضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"..

■ ويقول– عليه أفضل الصلاة والتسليم -:- "اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن إبليس طلاّع رصّاد، وما هو بشيء من فخوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء " مسند الفردوس للديلمي/ فيض القدير للمناوي ج1..

■ ويقول– عليه الصلاة والسلام -:- "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء".. ■ ويقول- عليه الصلاة والسلام-:- "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود" فقلت: يا رسول الله ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر؟ فقال: "الكلب الأسود شيطان".. صحيح مسلم..

■ ويقول– عليه أفضل الصلاة والتسليم-:- "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها".. السنن باسناد صحيح..

■ ويقول- عليه أفضل الصلاة والتسليم – للمرأة المستحاضة:- "إنما هي ركضة من ركضات الشيطان"..

■ ويقول– صلى الله عليه وسلم-:- " إذا كان خياركم أشراركم، وأغنياءكم بخلاءكم، وامركم شورى في أيادي نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظاهرها "..

■ ويقول– عليه الصلاة والسلام-:- "لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة".. صحيح البخاري..

■ ويجدر بنا بعد جملة هذه الأحاديث النبوية الشريفة أن نذكر هذا الحديث لعموميته التي يشهد بها واقع العالم اليوم، فقد جاء عن ابن عباس أنه قال:-

(لما حج رسول الله– صلى الله عليه وسلم – حجة الوداع أمسك بيده حلقة الكعبة، وبكى بكاءً شديداً، قال أبوبكر: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال:- "وكيف لا أبكي وهي آخر حجة لا أحج بعدها، وأبكاني فراق الكعبة وتوديع المسلمين، ثم قال: ليبلغ الحاضر الغائب، إن أمثالكم كمثل ورق بلا شوك إلى تمام سبعمائة سنة، ثم تكون أمتي شوكاً وورقاً إلى تمام ألف سنة، ثم تكون أمتي شوكاً بلا ورق، فلا ترى منهم إلا سلطاناً جائراً، أو غنياً بخيلاً، أو عابداً مرائياً، أو تاجراً فاجراً، أو فقيراً كذاباً، أو شيخاً غافلاً، أو إمرأةً لا حياء لها، فقال له أبوبكر: ما علامات ذلك الزمن؟ قال: قوم يصلون، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، أقوالهم كالعسل، وأفعالهم أنتن من رائحة البصل، وقلوبهم مسودة بأعمالهم وخبث سرائرهم، قد صار الغش فاكهتهم، وغيبة الناس مجالسهم، يرفعون أصواتهم في المساجد بحديث الدنيا، لا يرحم غنيهم فقيرهم، ولا يوقر صغيرهم كبيرهم، فقال: ما علامات ذلك الزمن؟ قال: زمن يركب السروج الفروج، وتأكل القضاة الرشاة، ويشهد أهل العدل بالزور، ويخفض فيه الحق، ويظهر فيه الباطل، ويتمادى البنيان، وتهان المساجد، فقال: ما علامات ذلك الزمن؟ قال: إذا أُكرِم الشعراء وأُهين العلماء، وتُشاور النساء، وخُلِطَ في الأموال الربا، فيجعلون الدنيا فوق رؤوسهم، والعلم والقرآن وراء ظهورهم، ويظلم الأحرار عبيدهم، وتأكل الأم من كسب فرج ابنتها، المؤمن فيهم ذليل والفاسق فيهم عزيز، فقال: ما علامات ذلك الزمن؟ فقال: زمن يكون فيه الأمير كالأسد، والقاضي كالذئب، والتاجر كالثعلب، والفاسق كالكلب، والمؤمن كالشاة، ثم بكى– صلى الله عليه وسلم – وقال: يا لها من شاةٍ بين أسد وذئب وثعلب وكلب ".

الخـيانـــة وطالما أن الله لا يستحي من الحق لأن(..قَوْلُهُ الْحَقُّ.. )، فما من باب اللباقة، ولا القيم الاجتماعية، ولا التحرج أن نقع في الوهم، فنقول بأنه لا يليق بامرأة نبي أن تكون زانية مع أنها- كما يقول - سبحانه وتعالى - من أهل النار، وأن جريمتها هي "الخيانة"، وذلك قوله تعالى: -

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) "التحريم/10"..

فإن كانت هذه الخيانة في أمور أخرى غير"الزوجية" لكانت الكلمة مغايرة تماماً!!..

الكيــدان كما يجدر بنا أن نقول بأن من أول المهام التي يوليها هذا "العدو" اللعين جُلَّ اهتمامه- والتي لتنفيذها يجند أعتى جنده من أصل "ذريته"، وأفتكها بالقلوب والعقول، مرتدياً لذلك ثوب حاله(الحمقاء) التي عوقب بها من بعد قوة- هذا الكساء "الأنثوي" - في أغلب تهاديه وتمخطره بين الناس، هي التفريق- ما أمكن - بين المرء وزوجه، ظاهراً وباطناً، حتى لا تتغلب هذه "المودة والرحمة" المهداة من رب العالمين- كقطرة ماءٍ قادرة على إطفاء نار هذه العداوة - على "كيده" اللطيف الخفي المدمر، حتى لا يحدث ذلك "التوحيد" الذي يريده الله، لذلك قال - سبحانه وتعالى:-(.. إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) "النساء/76"..

وهي إشارة– كما نرى - إلى كيد الباطن، لتعلقه بالوسوسة.. التي يمكن طردها بعدم فعلها..

ثم قال عن هذه "الأداة":-

(.. إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ 28) "يوسف"..

وهي الإشارة إلى كيد الظاهر، لتعلقه بالمواجهة والمقابلة المباشرة المحسوسة وبالإغراء !!

وفي الحالتين ذكر الله كلمة [الكيد]، مما يعني أن الوسوسة الباطنة يمكن- بعد العلم والمعرفة والفهم - قهرها وإبطال مفعولها تماماً، فتصبح ضعيفة الأثر إلا من محاولات(اللمم)، التي تحدث بين الفينة والأخرى من جهة هذا اللعين لتعطيل، أو قل لتأخير النهوض بهذا الإدراك الإيماني المتجه صوب:(.. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى "الحجرات/3".. إلى الاتجاه الآخر المعاكس!!

ولا يمكن لهذا الإدراك الرفيع أن يتأطر ما لم تُسد جميع المجاري التي يتموج من خلالها هذا "اللعين" داخل هذه الأجساد المتحركة، وقد أجملها لنا رسولنا الكريم في جملة من أحاديثه الشريفة..

أمّا ثاني "الكيدين" فهو- بلا شك - كيد الظاهر الخطير، القاهر لضعاف النفوس، أولئك الذين غرَّتهم الحياة الدنيا، والتي تتمثل ذروة ظواهر زينتها، وجمال ظاهرها، في صورة هذه "الأنثى" الرائعة، ذات الوجه "الجميل" و"الجسد" الغض المثير، الفاتن المثمر إغراءً وجاذبية!! هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار بأن لا وجود لأي كائنٍ آخر أمام هذا الذكر- في هذا الكون الفسيح – سوى هذه الأنثى, بل وعلى مدار كل حقب الكائنات السابقة لا وجود لذكر دون أنثى!! حتى في الجماد!! وهذا هو الأمر المحسوس بعينه!! إذن دعونا نتأمل مضمونه من خلال هذه الواقعة – هذا "المَثلْ" الأعظم - التي جرت أحداثه لأحد "الرجال" من أنبياء الله الصالحين من جهة هذه الأنثى!!

(.. وَتِلْكَ "الأَمْثَالُ" نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ "يَتَفَكَّرُونَ" ) "الحشر/21"..

(وَيَضْرِبُ اللّهُ "الأَمْثَالَ" لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ "يَتَذَكَّرُون"َ ) "إبراهيم/25"..

(وَتِلْكَ "الأمْثَالُ" نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا "الْعَالِمُونَ" ) "العنكبوت/43"..

سيدنا " يوسف فمَنْ منَّا هو ذلك القوي الأمين، القادر على التصرف وكبح الجماح كما فعل سيدنا(يوسف) - نبي الله، ذلك الشاب الأعزب الوسيم– أمام تلك الأنثى الناهدة - شبه العارية - والزوجة لأحد الملوك الأثرياء؟!! والتي لا نشك في أنها كانت من أجمل الجميلات، وهي تخلي ردهات قصرها الفاره من خدمها وخادماتها وتغلق الأبواب وتنادي هذا النبي الصالح بكل دلال وغنج وميوعة في "الصوت" الرقيق المائي الليِّن قائلةً في إغراء لا يجيده سواها: (.. هَيْتَ لَكَ.. ) !!؟؟

يقيننا أن سيدنا "يوسف" ما تصرف تصرفه ذاك وكبح جماحه ذاك- كما قال الله - إلا من بعد أن رأى برهان ربه، وما نرى برهان الرب في هذه الحالة- حالة البدء الأولى - وفي كل الحالات المشابهة الأخرى الآتية عبر الأيام واللحظات والساعات- سوى "العلم" !!

فما انتصبت هذه المرأة أمامه بهذه الصورة المغرية الفاضحة، لا لشيء إلا(لتغويه)، وتحتنكه- بفعل الشيطان – حتى تتمكن من استئصال نور نبوته وتميزه بها، وتغلبه بـ(ضعفها) إظهاراً على أنها هي الأقوى وليس هو!! لتهد- بكل عنف - هذا الكيان النبوي القوي المتماسك السامق، وتحط من تلك(الدرجة) المميزة الفارقة وتذهب بها أدراج الرياح، كيف لا ؟! وهذه هي أعلى النماذج "الرجولية" وصفوتها التي تتوق إلى سحقها حتى تتمكن من "حجب" هذا النور فيه عنه، وعن غيره، في غفلة منه!!(مثلما حدث مع أبيه في بداية الخلق من بعد "الأكل من الشجرة" ) - غيرةً وحسداً منذ فجر التاريخ – هذه الغفلة التي لا يحدثها سوى هذا الموقف!! لتسهل بذلك سلاسة القيادة والتبعية الرائدة إلى دائرة الظلام، إلى دائرة "الجهل"، ليتم تسجيله كأبرز وأهم عضو في دفاتر(الحزب) !! ولكل من سـار سيره واقتفى أثره!! فإن أصابت غرضها، فهذا هو معنى الانتصارالحقيقي الداعي فعلاً للزهو والغرور، وإن لم تصبه، فهي لا تعدم الوسائل، فهذه هي رسالتها الأزلية التي فُطِّرت على القيام بها وعلى تأديتها كما يُراد على كر العصور ومر الدهور، بمثلما استهلت بها صفحة تاريخنا الأولى، والتي ستختمها بها- إلا من رحم ربي منهن - !! وهن نسبة لا تتعدى الـ 4٪ من النساء،(وهذا موضوع يطول شرحه الآن) !! – متمنياً أن تكون أمي وجميع الأمهات الصالحات من صميم هذه النسبة يا أختاه- فـ "الأم" الصالحة لها كل التقدير والاحترام!! وإلا لما قال– سبحانه وتعالى –(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ.. ) "الأحزاب6".. فالسيدة خديجة "أم"، وكذلك ماعز "أم" !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

وكما يقول العقاد في كتابه "المرأة في القرآن" فإن المرأة:(.. تتعرض، والتعرض هو الخطوة الأولى في طريق الإغراء فإن لم يكف فوراءه الإغواء بالتنبيه والحيلة والتوسل بالزينة والإيماء، وكل أولئك معناه تحريك إرادة الآخرين..

فالإغواء كان للأنثى ولا حاجة بها إلى الإرادة القاسرة بل من العبث تزويدها بالإرادة التي تغلب بها الذكر عنوة، وعلى هذا فالإغواء هو محور المحاسن في النساء، والإرادة الغالبة هي محور المحاسن في الرجال، ولذا زودت الطبيعة المرأة بعدة الإغواء وعوضتها عن عدة الغلبـة والعزيمة، بل جعلها حين تُغلب هي الغالبة في تحقيق مشيئة الجنسين على السواء)..

-وكما ذكرنا – فإن هذا الموقف الذي وجد سيدنا يوسف نفسه فيه ألا يجعلنا نتساءل كيف لهذا الرجل الذكى والقوى، أن يكون فريسة سهلة "تجره" هذه الأنثى إلى الموبقات وهو فاغر فاه لا حول له ولا قوة؟؟!! ألا يقنعنا كل ماحدث بأن دور هذه الأنثى يجعلها "وقتها" هي الأجدر بالتفوق؟؟!!(..الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ.. ) !!

 حتى وقد قالت بعض كتب التفسير بأنه قد جلس منها مجلس الرجل من المرأة، وبأنه قد فكّ(تكة) سرواله- ليرينا بأنه فعلاً قد هَمَّ بها، لأنه رجل حيٌ، كامل الرجولة، يختزن في قلبه الطاهر وفي مسامه وفي تفكيره وفي عروقه، هذا المعنى الحيوي الخالد لهذه "الأنثى" الخالدة- كقدرٍ إنساني وحياتي وفيزيقي، لا سبيل إلى التحرر منه، حتى وإن أراد التحرر!! والذي لا يخـلو منه كائنٌ حي!! فهو أول(المعاني) وجوداً في قلب "الذكر"، وأشدَّها تشبثاً به وتمكناً والتصاقاً، بل إنه ليخلق فيه، لأنه الإشارة إلى معنى أهم صنفٍ من صنوف لذات(الجنان) – إذ يقول– سبحانه وتعالى –(..علِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ..) "البقرة/235"..

فكيف الفرار!!؟؟ وصوت الأنوثة يستفز المسام والعروق، وكل مهاد "الرجولة" ؟!! لا خيار أمامها سوى الكتم أو الإنفجار!! وما جاء(العلم) إلا من بعد هذه الصورة !!

ونعلم أن الله لا يؤاخذ بالـ "هَـمْ"، إنما يؤاخذ بالقول والفعل0

وفي حالة هذا النبي الكريم نجد أنه علمٍ وعرف وفهم هذا "المعنى" في ذات اللحظة التي فيها كاد، فعامل المفاجأة ووقوع الحدث المباغت اللامتوقع فعلياً كانا هما الاستدرار الآني لفيوض هذا النوع من العلم والحكمة في تلك البرهة المفاجئة الشيطانية الخبيثة!!

ولعل في قوله- سبحانه وتعالى -:-(..امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاها..) "يوسف/30".. بهذه الصيغة المستقبلية(الفعل المضارع) الدال على الاستمرار والوقوع، حالاً واستقبالاً، ولم يقلن: "راودت فتاها" - ما يدلنا - كما أشرنا- على أن هذا الشأن شأن خاصٌ بهذه الأنثى وحدها، وأنه باقٍ ما بقيت هذه(الذكورة) في مواجهتها!! لأنه امتحان الرب للعالمين!!

ولأنه موقف باقٍ ما بقيت الحياة، وموقف عنده يستجاب دعاء الصالحين العالمين، يتبين لنا أن مثل هذا الأمر غير متوقف على الأنبياء وحدهم، فهم الأمثلة والقدوة الحسنة لنا، لأن الخالق– سبحانه وتعالى - في آخر الآية يقول:(.. وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) "يوسف22".. ففي هذه الكلمات إشارة لا لبس فيها ولا غموض إلى أن هذا الأمر سيتعرض له الكثير من المؤمنين.. لأنه سلاح الشيطان الوحيد الذي سيقاتلهم به هم دون غيرهم من الذكور!! لأنه في غنى عن تلك العلاقات المشبوهة التي أقامها بين الذكر والأنثى في الخفاء وفي "الظلمة"، فهذا أمر قد استحوذ فيه على الكثير والكثير من خلق الله، فهو أمرٌ لم يعد يسره أويجلب إليه سعادة الانتصار بل إن أشد ما يؤرقه ولا يكمل له فرحه هو هؤلاء المحسنين الذين وجدوا في جناب الله الملاذ والأمن والطمأنينة والسلام، بل والتشوف إلى جنانه التي وصفها لهم وإلى حورها العين، وإلى وجهه الكريم، هؤلاء الذين تمت علاقتهم بهذه الأنثى في "النور" المبين، إعلاناً مشهوداً، في رابعة النهار، تلبية لنداء الله ورسوله إليهم، دفعاً لخبث هذا الشيطان وأحابيله، بل ولزجره وطرده، ما تمكن الإنسان من ذلك، هؤلاء الذين يقولون:-

(.. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) "الفرقان/74"..

فمتى ما تمكن هذا الملعون من التفريق أو الإسقاط لهؤلاء اكتملت فرحته وزاد غروره!!

ففي الحديث النبوي الوارد في صحيح مسلم، عن جابر يقول رسولنا الكريم:-

"إن عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين إمرأته، قال: فيدنيـه منه، ويقول: نِعْمَ أنت، قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه".. رواه مسلم..

ولعلنا نذكر بأن المرأة في الجاهلية الأولى كانت تسير مكشوفة الصدر، بل كانت تطوف بالبيت الحرام وهي عارية تماماً!!(.. كانت لهن مشية، وتكسر، وتغنج، فنهى الله عن ذلك)

تفسير ابن كثير(3/482)0

وهذا ما قاله قتادة– رحمه الله – حينما فسر معنى التبرج في آية "الأحزاب/33"..:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى..) وكما قاله مجاهد– رحمه الله -:(كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال ).. !! – المصدر السابق -

والذي أوضحه رسولنا الكريم بقوله: -(.. شر نسائكم: المتبرجات، المتخيلات، وهن المنافقات ".. – حديث حسن أخرجه ابن عبدالبر والبيهقي 82/7 -

ولهذا جاء قوله– سبحانه وتعالى - آمراً نبيه الكريم بقوله-:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) "الأحزاب/59"..

ليستقر في أذهاننا بأنه أمرٌ إلهي لجميع النساء بما فيهن أمهات المؤمنين للالتزام بالحجاب مدى أعمارهن، بمثلما أن الخمار أمرٌ آخر ملزم لهن– أيضاً - جميعاً، ليأتي الأمران ويعنيان تغطية جميع أركان الجسد:-(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "النور/31"..

وأن المراد من كل هذا هو ستر المفاتن وستر الزينة، بتغطية الرؤوس، والأعناق، والصدور بكل ما فيها من زينة وحُلي ومفاتن، حتى لا يكون كل هذا سبباً في تحريك غريزة الذكر وتهييجها.. وكما هو معروف فإن المرأة قادرة على أن تحكم غيرها بأساليبها التي تعرفها جيداً.

فبعد نزول هذه الآية الكريمة قالت أم المؤمنين عائشة – رضيَّ الله عنها - كما جاء في كتاب(عيوب النساء) لمجدي فتح السيد:

(إني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله، وإيماناً بالتنزيل، لقد نزلت سورة النور:(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهن فيها، فيتلو الرجل على إمرأته، وابنته، وأخته، وعلى كل ذي قرابة، فما منهن إمرأة إلا قامت واختمرت، تصديقاٌ، وإيماناً بما أنزل الله في كتابه. )..

وقد استقصى الشيخ "الألباني" – رحمه الله - أوصاف هذا الحجاب الشرعي من خلال نصوص القرآن الكريم، والسنةالنبوية المطهرة والآثار التي وردت عن سلفنا الصالح، وأجملها في الآتي:-

أن يستوعب جميع البدن إلا ما استثني0
ألا يكون زينة في نفسه0
أن يكون سميكاً لا يشف ما تحته0
أن يكون فضفاضاً غير ضيق0
ألا يكون مطيباً مبخراً0
ألا يشبه لباس الرجال0
ألا يشبه لباس الكافرات0
ألا يكون لباس شهرة0
فمتى ما استمسكت المرأة المسلمة بكل هذه التعاليم لا شك في أنها بذلك قد وضعت قدميها على صراط الله المستقيم المؤدي إليه وإلى جنته، والتي من خلالها تخلصت– تدريجياً – من الكثير من عيوب النساء، التي من أبرزها– كما أحصوها في المصدر السابق:-

" الكيد والمكر،

كثرة الكلام،

حب الدنيا،

حب الظهور،

التبرج،

قلة الطاعات،

الكِبر،

عقوق الوالدين،

كفران العشير،

كثرة اللعن 00 "

وكذلك للتخلص من ساقط المفاهيم الأولى، تلك التي دعت بعض القبائل العربية الكافرة في تلك الجاهلية الأولى المظلمة إلى وأد البنات، كراهةً فيهن، وازدراءً لشأنهن، الأمر الذي دعاهم– من شدة كفرهم – إلى أن ينسبوا البنات إلى الله– وهوالخالق – القائل:(وإذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ..) !! "النحل/58-59".. وإلى النظر كذلك في تلك الدوافع التي أملت وأدت إلى اختراع "حزام العفة" في تلك الأزمنة الغابرة!!

فحشدنا لتلك الظواهر التي بدأنا بها مقالنا السابق عن(الأنثى) كشواهد من حضارات مختلفة على مر العصور والدهور- وحتى عصرنا الراهن(جاهليتنا الثانية) – ولمقالات لبعض المشاهير إنما هي تعبيرعن "حقيقة" أن المرأة- ما عدا تلك النسبة التي ذكرناها والتي اقتبسناها من حديث المعصوم- صلى الله عليه وسلم – والذي روى من طرق صحيحة أنه قال فيما رواه عنه أبو هريرة:(خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد)..

ومن حديث ابن عباس- أيضاً - عن النبي– صلى الله عليه وسلم -:(أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون)..

فليس هنالك إذن ما يثير الانتباه بإيماني الذي لا يخامره شك في أن هؤلاء الذين استشهدت بأقوالهم ما أصابوا عين الحقيقة إلا من بعد ما نظروا وعاينوا وتبينوا وتدبروا كلام الله وأحاديث رسوله الكريم، حتى وإن كانوا من غير المسلمين، فجوهر الأديان في بعض الأمور يظل واحداً!! ولأن الأنثى لا تقبل الحقيقة العارية فإنها تقابل كل ما يقال عنها من آراء في هذا الصدد بوصفها بالآراء التافهة التي لا تستند إلى منطق ولا إلى عقل!!

ولا أدري هل عفا الزمن على مواضيع القرآن وعلى أحاديث النبوة وواقع حياتنا المعاش لأن كل هذا لم يعد من أولويات النظر في مجتمعاتنا؟؟!!

كيف يكون النظر إذن إلى مثل هذه الآية التي تقول:

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ "يوسف33".. ؟؟!!

ما يفهم من خلال هذه الآية يفيد بأن التصابي إلى النساء والتشبب بهن ومجالستهن ومحادثتهن تميت المطامح، وما ذلك إلا لأن مجالسة النساء ومحادثتهن التي أصبحت طابع جهلاء هذا العصر- كما يقول شيخنا " الحفيان في كتابه " النظرات " -:-(.. تميت المطامح، وتحط من علو الهمم، فلا يكاد جليس النساء يسمع منهن إلا أحاديث سمّار، وأقوال سفوح ملئها الاعجاب والاطراء ببهارج الحياة الدنيا، فلا يكاد من اعتاد مجالسة النساء ومحادثتهن أن يطمح إلى ما يطمح إليه ذوو النفوس الكبيرة والهمم العالية من مطامح الدنيا، ناهيك عن أن يطمح إلى عالم السمو والاشراق الروحي) لأن النساء- كما يقول –أيضاً -:(جرت عادتهن الاقبال على هذه الحياة، يعشنها بكل ما أتيح لهن من متعة ولذة، يجمعن من الماعون في عادة غالبة حتى لكأنها طبع وجبلة، يملن إلى الدّعة والراحة والتنعم والترفه، استجابة لداعي الأنوثة التي تنفر طبعاً من الشدة والتعب وشظف العيش، وجهد البلاء بمخاشنة النفس ومجاهدة الهوى ومغالبة العاطفة، وبداعية من العناية بجمال المظهر من جسم وثوب، بدافع من اطالة رونق الشباب والمحافظة على مقومات الأنوثة، نجد النساء في كل عصر– إلا ما ندر – يتبارين ويتسابقن إلى ما يحقق لهن هذه المطامح.. أما أن تكون المرأة مسلمة، ومؤمنة، قانتة، تائبة، عابدة، وسائحة، وإلى جانب ذلك زاهدة، متقشفة، مجتهدة في أمر الله، متجهة بكلها إليه في معرفة بالله ينتج عنها الاقبال على الله والتقرب إليه والأنس به، فهذا ما يشكل الظاهرة الغريبة والسمة البارزة!! )..

ولهذا نجد أن الله– سبحانه وتعالى – بعد أن أصاب المسلمون الكثير من الغنائم التي تهافتت إليها نساؤه قد خاطب نبيه قائلاً:(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) "الأحزاب/28-29".. فلما خيّرهن رسول الله– صلى الله عليه وسلم – قلن له: بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة، وهذا ما أورده جابر بن عبدالله– رضيَّ الله عنه - في حديثه الذي يقول فيه: "دخل أبوبكر يستأذن على رسول الله– صلى الله عليه وسلم – فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحدٍ منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم – جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، قال: فقال: والله لأقولن شيئاً أُضحِكَ به رسول الله– صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله– صلى الله عليه وسلم – وقال: "هن حولي كما ترى يسألنني النفقة" فقام أبوبكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله– صلى الله عليه وسلم – ما ليس عنده؟!! فقلن: والله لا نسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما ليس عنده!! ثم اعتزلهن شهراً، أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت هذه الآية:(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ – حتى بلغ – لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) قال فبدأ بعائشة، فقال: "يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك" قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يارسول الله أستشير أبويَّ!! بل أختار الله ورسوله والدار الاخرة، وأسألك ألا تخبر إمرأة من نسائك بالذي قلت، قال: "لا تسألني إمرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسِّرا" ).. رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم..

وقيل:(أن الله– سبحانه وتعالى – خيَّر النبي– صلى الله عليه وسلم – بين أن يكون نبياً ملِكَاً وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا وبين أن يكون نبياً مسكيناً؛ فشاور جبريل، فأشار عليه بالمسكنة فاختارها؛ فربما كان فيهن من يكره المقام معه على الشدة تنزيهاً له0 ).. القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" م/7 - 162

وفي حال عدم اختيارهن لله ورسوله والدار الاخرة، وعده الله بقوله:(عسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) "التحريم/5"..

والسياحة هنا– كما قيل – تعني التأمل والتدبر في ابداع الله 0

وهذا ما يؤكده الحديث النبوي الشريف الوارد في الصحيحين والذي جاء فيه:-

(حدثنا يحي بن بكير قال: حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله– صلى الله عليه وسلم – قال: "فُرِجَ عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل فَفَرَجَ صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتليء حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعَرَجَ بي إلى السماء الدنيـا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء: افتح؟ قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: هل معك أحدٌ؟ قال: معي محمد– صلى الله عليه وسلم – فقال: أُرسِلَ إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجلٌ قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، إذا نظر قِبَلَ يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟! قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نَسَمَ بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.. "

من هذا الحديث جاء اعتقادنا بعدالة التصنيف وكمال الاحصاء الرباني للذريتين اللتين أشرنا لهما سابقاً وأن هذا قد تم في تنسيق مذهل- لا نظير له - في عددية متساوية تماماً لمن هم في "يمين" هذا الكيان- وهم أهل الهدى - ولمن هم في "شمال" الكيان- وهم أهل "الضلال" ! بمعنى 50٪ "إلى الجنة ولا أبالي"، و 50٪ "إلى النار ولا أبالي" !!.. وهذا كما ذكرنا يحتاج إلى تفصيل، نرجو أن نتطرق إليه في سانحة أخرى؟!!

وقبل الختام، وبما أن مقال الحال هو القرآن الكريم وهو الحمّال لموقف الاسلام من المرأة هذا الموقف الذي كانت فيه المرأة مكلّفة ومحاسبة شأنها شأن الرجل، لابد من القول بأن الحلول لجميع قضايانا الاجتماعية والسياسية تكمن في معرفة تلك البدايات، ولا سبيل إلى معرفة تلك البدايات إلا بالغوص في عمق محيط هذا القرآن الحكيم تدبراً وفهماً وربطاً وقراءةً بصوت الداخل!!

والله من وراء القصد0


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى