السبت ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم محمد أسعد قانصو

الموسيقى في قراءة علمية إسلامية 

لعلّه من نافلة الكلام الإشارة إلى أنَّ للموسيقى تاريخاً طويلا يمتد بامتداد الأمم والشعوب، فهي ليست بدعاً أو حدثاً طارئاً, أو واحدة من خزعبلات الجاهلية المتوارثة, أو نزغاً من الجن والشيطان. تشير الدراسات التاريخية إلى أنَّ أول أثر للموسيقى العربية يعود للقرن السابع عشر قبل الميلاد، وقد اتّضح أنّ الموسيقى لدى العرب القدماء كانت ترتبط بالطقوس الدينية والشعر، وكانت تؤدى بآلات موسيقية عربية الأصل وصل أثرها إلى الحضارات المجاورة، وأهمها سكان بلاد الرافدين والإغريق والعبرانيين, ولقد كان الفارابي موسيقياً رائعاً وعالماً بتأثير الموسيقى على النفس البشرية, حيث يروي لنا ابن خلكان في كتابه(وفيات الأعيان) أنّ الآلة المسماة بالقانون هي من وضع الفارابي، وأنه أول من ركّبها بهذا التركيب, وقد قام الفارابي بتأليف كتاب(الموسيقى الكبير) الذي تضمّن الأسس والقواعد الموسيقية التي يسير على نهجها الموسيقيون العرب حتى يومنا هذا.
 
يعتقد علماء تاريخ الحياة الموسيقية بأنَّ كلمة موسيقى يونانية الأصل وقد كانت تعني سابقاً الفنون عموماً, غير أنّه أصبحت فيما بعد تطلق على لغة الألحان فقط، وقد قيل في تعريف الموسيقى الكثير ولعلَّ أطرف ما قرأت من تعريفات:’ الموسيقى غذاء للروح وشفاء للنفس، ملهمة الفنًان، مفكّكة الأحزان، محرّكة الشعور، مهدئة الأعصاب، مقوّية العزيمة، مبعدة الهزيمة، علاج المرضى يتذوقها الطفل الرضيع والشاب المراهق، الرجل العاقل والكهل المسن، يطرب لسماعها كل إنسان أياً تكن البيئة التي ينتمي إليها أو اللغة التي يتكلم بها, وكأنها وجدت قبل وجوده وجبلت وعجنت بدمه فأخذت من حواسه وتفكيره, كيف لا؟ وقد خلق الله الإنسان في طبيعة موسيقية، من خرير مياه النهر إلى صوت الموج الصاخب، ومن حفيف أوراق الأشجار إلى صوت الرعد الصارخ، ومن هديل الحمام وزقزقة العصافير إلى زمجرة أسد غاضب.’ 

أما عن تأثير الموسيقى فقد أكّدت الدراسات العلمية أنّ الموسيقى تخفف من الآلام بنسبة 21%، والكآبة بنسبة 25%، خاصة عند الأشخاص الذين يمرّون بظروف نفسية ومشاكل إجتماعية سيئة، وأنّ الموسيقى تؤثر بشكل إيجابى على المرضى الذين تصل أعمارهم إلى خمسين عاماً ويعانون من التهابات فى المفاصل والانزلاق الغضروفي. 

وأفادت الدراسة أنّ أطباء جامعة ’ ستانفورد ’ الأمريكية نصحوا الأشخاص كثيري النسيان بالاستماع إلى الموسيقى ’موزارتسان’، بعد أن أثبتت قدرتها على تحسين قدرات التعلّم والذاكرة عند الإنسان، وقد نصح كثير من خبراء التعليم وعلم النفس والاجتماع ومعهم خبراء الموسيقى بضرورة استماع مرضى ضغط الدم والقلب للموسيقى الهادئة، لما لها من تأثير على تحسين حالة الإنسان الصحية والمزاجية, وفى أوروبا مثلا أنواع عديدة من الموسيقى، أنغام للصباح، وموسيقى للمساء, وأخرى يتمّ الاستماع إليها أثناء تناول الشاي، لذلك أصبح هناك ما يسمّى بــ لايت ميوزيك وسوفت ميوزيك. 

وتشير نتائج البحوث الحديثة أنّ سماع الجنين للموسيقى يؤدي إلى تغييرات هرمونية من شأنها وقايته من الأمراض العصبية والنفسية، كما تساعد على وقايته من عيوب النطق والعجز فى التعليم، واكتساب المعرفة والمهارات عندما يخرج إلى الحياة.

وفيما يختص بتأثير الموسيقى على حياة الزوجين، فقد أكّد أحد الأخصائيين في العلاج النفسي أنّ الأزواج يجب عليهم الراحة ثلاثة أيام أسبوعياً من مشاهدة برامج التلفزيون بكل أنواعها, ونصح بالاستماع إلى الموسيقى الهادئة ولو ساعة في اليوم. 

ولا بدّ من التمييز بين نوعين من الموسيقى: النوع الأول وهو ما يعرف بالموسيقى الهادئة أو الموسيقى الكلاسيكية والوجدانية التي تبعث على الراحة النفسية وتؤدي إلى ما تقدّم ذكره من نتائج وآثار محمودة إلا أنّه في الوقت عينه توجد أنواع عديدة من الموسيقى الصاخبة أو ما يمكن تسميته بالموسيقى الشاذّة والتي تؤدي إلى اختلالات عصبية ونفسية, فقد أثبت الدراسات أن الإستماع للموسيقى الصاخبة مثل الروك، والراب تُحدث تداخلاً فعلياً مع التفكير المجرد, وبعض أنواع الموسيقى هذه يمجّد العنف والانتحار وتعاطي المخدرات، والقتل، والاغتصاب، ويحرّض على الكراهية ضد المجتمع، والمرأة، والقانون.ولذا لا بدّ من التمييز بين المستحسن من الموسيقى والمستقبح منها جلباً للفائدة ودفعاً للمفسدة. 

وإذا أردنا أن نتعرّف على موقف الإسلام من الموسيقى ربطاً بما تقدم ذكره من فوائد ومضار, فإنَّ الإسلام الذي ينطلق في تشريعاته وأحكامه من المصلحة العائدة على الفرد والمجتمع, لا يمكن أن يطلق حكماً واحداً أو موقفا شاملاً من الموسيقى ككلّ، وإنما يدور الحكم مدار المصلحة والمفسدة، فما كان مفيداً ومستحسناً من الموسيقى فإنّ الإسلام يتبناه ولا يحرّمه، إذ كيف يمكن أن يقف الفقه الإسلامي موقفاً سلبياً من الموسيقى العلاجية أو الموسيقى التي أدخلت كمادة دراسية في المناهج التربوية تحت مسمّى التربية الموسيقية؟, وكيف لفقيه إسلامي أن يفتي بحرمة الموسيقى التي يمكن بواسطتها علاج أو إصلاح ما عجز الأطباء عن علاجه من أمراض أو فشل المصلحون في إصلاحه من مشكلات؟! ولعلّ ما يصدر من فتاوى هنا وهناك بالتحريم المطلق للموسيقى, لا شكَّ أنّه نتاج قصور علميّ أو تعبّد ظنيّ في غير محله.. 

وربما يسأل البعض عن مدلول الأحاديث الشريفة التي وردت في تحريم المعازف والموسيقى كالحديث الوارد عن الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ( عليه السلام ): ’ لَا يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً فِيهَا بَرْبَطٌ يُقَعْقِعُ وَ تَائِهٌ تُفَجِّعُ ’،( الكافي: 6 / 434 ) و البربط و التَائِه آلتان موسيقيتان قديمتان، وهنا لا بدّ من الوقوف أمام القرائن والمقيّدات التي تصرف هذه الأحاديث عن إطلاقها وتحصرها في دائرة ما ثبتت حرمته لثبوت مفسدته, أو لثبوت التحريم فيما يتصل به من مجالس اللهو والفسوق التي لا تليق بالإنسان السويّ أو بما يقترن به من غناء محرّم يستفز الغرائز والشهوات المحرمة, ويحرّض على الانحلال والمعصية وفي كلِّ الأحوال لا بدّ من دراسة الأدلة دراسةً علميةً مبتنيةً على القواعد والأصول المرعية في الاستنباط الشرعي ما يجعل منها أدلة راجحة, وبيّنة ملزمة في تحديد الموقف العملي. 

وفي الخلاصة فإنّ الموسيقى واحدة من الفنون التي لا بدّ لنا من الإعتراف بوجودها والاستفادة منها كقيمة روحية ومعنوية تربّي النفوس وتهدئ الأرواح وتسمو بالإنسان إلى التفكّر والسكينة. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى