الثلاثاء ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

الوساطة في بيع الوطن ببساطة

إذا قررت أخي القاريء الدخول في نقاش حول القضية الفلسطينية مع أي مواطن بسيط في مصر غير متابع لأي شيء فستجده يتحدث بلسان طالما تحدثنا به لعشرين سنة مضت، سيقول لك: «الفلسطينيون هم من باعوا أرضهم، وهم يستحقون هذا، وكانوا يسهرون في ليال حمراء مع اليهوديات ثم يوقعون عقود بيعهم لأراضيهم»، فإذا قلت لهم وما ذنب أبنائهم وهم إخواننا في الدين يقول لك: «فليتحملوا أخطاء آبائهم»، وهذا كله كذب وافتراء فالفلسطينيون ما باعوا وطنهم وإن حدث فسيكون من قلة من الخونة كما هو الحال في كل وطن هناك خونة وبائعوا ضمائر.

هذه الصورة التي رسخها الإعلام، هي التي تجعل المواطن المصري مترددا كثيرا في نصرة إخوانه في فلسطين والسبب بسيط أنه تربى على أن الفلسطينيين أحقر وأسوأ من اليهود وأنهم شرذمة وأنهم عملاء وأنهم سيطعنوننا في ظهورنا إذا دافعنا عنهم، ونسى هؤلاء حرب 48 عندما طعنت الحكومة المصرية أبنائها في ظهورهم وليس الفلسطينيين، فالمصريون بارعون في تلفيق التهم إذا ضاقت بهم السبل وبارعون في توجيه دفة الرأي العام باتجاه من يريدون ليتملصوا من واقعهم المرير، يتحدثون عن الفلسطينيين وكأنهم خونه وعملاء وكأنهم لا يرونهم يقاتلون ويقتلون في سبيل الله كل يوم ولا يتركون وطنهم، ويربون أبناءهم على العزة والكرامة والرفعة، إنهم وطن كأي وطن فيهم الصالح والطالح وقد نفى خبثه، والحقيقة أن حكوماتنا هي التي تبيع ضميرها ووطنها وقضاياها وليس الفلسطينيين، بل إنهم يستغلون هذه القضية المقدسة لمصالحهم ومكاسبهم الشخصية.

ما دعاني للكتابة عن هذا هو تصريح وزير الخارجية المصري لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه «سيصل للفلسطينيين في حال التوقيع على اتفاق سلام مع الجانب الإسرائيلي من 40 إلى 50 مليار دولار، بهدف المساهمة في بناء الدولة الفلسطينية وكتعويض عن الأراضي التي فقدوها وفتح المجال أمام قدرة هذه الدولة على الحياة في المنطقة»، عليه من الله ما يستحق، لقد حولوا القضية الدينية والوطنية إلى قضية بيع وشراء، وتحولت الحكومة المصرية إلى سمسار أراضي نعم سمسار أراضي، يحلي بضاعته في أعين الفلسطينيين حتى يقبلوا ببيع تاريخهم ووطنهم المسلوب ودماء أبنائهم الشهداء مقابل الأوراق الخضراء التي سينعم بها الإسرائيليون عليهم، وربما يكون المقابل هو قبول إسرائيل بجمال رئيسا، وربما تكون هناك مصائب أخرى تنتظرنا.

إنه بيع تَلَبَّسَ عباءة المساعدات، فما هذا النبل وتلك الشهامة التي تنزلت على بني إسرائيل، هل يعقل أن يقدموا مساعدات لإعادة الإعمار أو حتى تعويضات لفساد أفسدوه في الأرض، لو صح الأمر لفعلوا هذا بعد تدميرهم غزة، الحقيقة أن هناك صفقة كبيرة تتم وربما يكون للحكومة المصرية فيها نصيب، الذي ينبغي معرفته – وهو معروف أصلا- أن اليهود لا يقدمون تنازلات إلا في موضع الضعف وليسوا كذلك، ولا يقدمون تساهلات ولا يقدمون شيئا إلا بمقابل، فما هو مقابل هذه الأموال؟، الاتفاق، إذن فالاتفاق يصب في مصلحة الإسرائيليين لدرجة أنهم سيدفعون مقابله، السؤال المطروح الآن، هل إسرائيل في موقف ضعف بحيث تدفع مقابل الاتفاق؟، من المسيطر في المواجهة؟، بلا شك اليهود، إذن فدفعهم هذه النقود مقابل الاتفاق يعني أنه بمثابة بيع لفلسطين فبهذا سيوفرون على أنفسهم العتاد والأنفس التي ستزهق في قتال المقاومة، وسيحصلون على وطن مستقر مقابل 50 مليار دولار وهو ليس بشيء مقابل «وطن».


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى