السبت ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠

آثار القدس إثبات لعروبتها

د.إبراهيم فؤاد عباس

يذكر المهندس رائف نجم أن أول حفرية تمت في القدس الشريف كانت في سنة 1863م من قبل بعثة فرنسية برئاسة عالم الآثار (ديسولسي) الذي اكتشف مقابر الملوك، خارج بلدة القدس القديمة، وادعى أنها ترجع إلى عصر الملك داود.وكان فيها مخطط باللغة الآرامية نقله ديسولسي إلى متحف اللوفر في باريس .

وخلال الفترة (1867-1870) قامت بعثة بريطانية باسم (الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين) برئاسة المهندس الكولونيل (تشارلز وارين) بأعمال التنقيب في القدس ، وكان هدفه منصبًا على منطقة الحرم القدسي الشريف. أما أهم مكتشفاته فكانت آبار مائية متصلة بنبع جيحون. ثم قام بحفريات عمودية وأنفاق أفقية نحو جدران الحرم القدسي الشريف الشرقية والجنوبية والغربية بهدف اكتشاف طبيعة هذه الجدران وأنواع حجارتها التي كان يعتقد أنها هيرودية. ومن تلك الحفريات النفق الذي يقع مدخله بين باب السلسلة وباب القطانين ويتعامد مع الجدار الغربي للحرم القدسي الشريف بطول (25م) وبعرض ( 6 م) ويصل إلى سبيل قايتباي، ولكن ذلك النفق لم يحقق له آماله. وقد نشر الكولونيل وارين نتائج حفرياته في كتابه (اكتشاف القدس) في عام 1871م، وفي كتابه (توثيق القدس) في عام 1884م.

وأجرى الأب فنسنت حفريات قرب نبع جيحون، واكتشف أروقة ومغارات محفورة في الصخر كانت تحتوي على أوان فخارية ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد. ومن هذه المكتشفات استنتج أن التل الجنوبي الشرقي كان الموقع الأصلي للقدس، وأن نبع جيحون لعب دورًا هامًا في تشجيع إنشاء المساكن في هذا الموقع .

وقد تمت حفريات بعد ذلك أهمها ما قام به الجنرال الألماني المعماري (كونراد تشيك) الذي تخيل ورسم الهيكل "الذي حلم بإنشائه"، ووصفه مازار (رئيس الجامعة العبرية سابقًا) فيما بعد في عام 1975 بأنه أسطوري. أما أهم مكتشفات هذا الجنرال فهي القناة التي تبتدئ من أسفل المدرسة المنجكية (المجلس الإسلامي حاليًا) وتصل إلى البرك الصخرية الرومانية الموجودة في دير راهبات صهيون بطول حوالي (80 متراً) وارتفاع (8 م) وعرض (1,5م).

وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين تأسست بعض معاهد الآثار، وكان أولها (المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية) برئاسة و.أولبرايت ، ثم جاء (الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين) وتمت أهم حفرياتهم الأثرية خلال الفترة (1928-1923) في مناطق ملاصقة لبلدة القدس القديمة .

وبعد ذلك أمضى علماء الآثار الفترة اللاحقة لاستيعاب وهضم وفهم ما تم اكتشافه للوصول إلى مفاهيم أفضل حول تاريخ القدس، إلى أن بدأت فترة الحكم الأردني (1948-1967) فجاءت عالمة الآثار البريطانية (كاثلين كنيون) وترأست المدرسة البريطانية للآثار ومارست عملها في بلدة القدس القديمة في عام 1961 باتباع الأسس العلمية الحديثة للبحث عن الآثار، ودرست ما تم التوصل إليه في أعمال من سبقها من علماء الآثار. وركزت اهتمامها على الحدود الشرقية للبلدة القديمة، ونقضت عدداً من الأفكار والمعتقدات التي نشرها أولئك العلماء في كتابها الذي نشرته في عام 1967 بعنوان (القدس/ حفريات 3000 سنة) .

وكانت كينيون كشفت عام 1961 عن بقايا حائط حجري علي الحافة الغربية لوادي قدرون بني في العصر البرونزي الوسيط (القرن 18 ق. م) و"هو الحائط الأقدم لمدينة القدس" .

وأكدت كاتلين كينيون- من خلال حفرياتها - أن البرج اليبوسي الذي كشفه ماكليستر أعلي المنحدر الشرقي لمدينة داود لا يعتبر جزءً من تحصينات المدينة في العصر البرونزي الوسيط ولا يؤرخ بعصر الهيكل الأول، وبالتالي قطعت مقطعًا من الحائط (حفائر منطقة(A من أجل تحديد العصر الفعلي لهذا الحائط وعثرت علي بقايا فخارية تشير إلي تأريخ هذا الحائط بالقرن الثامن عشر ق. م.- أي قبل مجيء اليهود إلى القدس بحوالي ثمانية قرون.

(الحفريات الأثرية في القدس، المهندس رائف يوسف نجم)

http://www.palestine-info.info/arabic/alquds/mukhtarat/alhafriat.htm

وهنالك العديد من الآثار الثابتة التي تثبت عروبة القدس يأتي في مقدمتها أسوار القدس وأبوابها التي بنيت كما سبق ذكره - في عهد اليبوسيين . ورغم أن هذه الأسوار هدمت وأعيد بنائها على مر العصور إلا أنه من الثابت أن اليبوسيين هم أول من بناها وأن المسلمين آخر من جدد عمارتها ، وذلك في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني . وهنالك إلى جانب الأسوار مئات الآثار الثابتة التي تنتمي إلى حضارات الأمم التي توالت على حكم القدس خلال العصور المتعاقبة والتي تشكل الحقبة العربية والإسلامية الحقبة الأكبر في تاريخها. وتضم آثار هذه الحقبة العديد من المواقع الأثرية الدينية، ففيها – إلى جانب المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة - حائط البراق، الجامع العمري، كنيسة القيامة التي يقع إلى شرقها جبل الزيتون، الذي يعود تاريخه إلى تاريخ القدس ذاتها ، فيضم مدافن ومقامات شهداء المسلمين وعلى سفحه بعض الكنائس والأديرة مثل الكنيسة الجثمانية التي قضى فيها المسيح أيامه الأخيرة . والقدس إلى جانب ذلك كله حافلة بالمباني الأثرية الإسلامية النفيسة، وفيها أكثر من مائة بناء أثري إسلامي. وسنتعرض إلى الحديث عن آثار القدس وتراثها العظيم في مواضع أخرى من هذا الكتاب.

ويدل اسم القدس الكنعاني (أورسالم) – كما سبق ذكره أيضًا- على عروبة القدس .

وهنالك برديتان مكتوبتين في عهد فرعون مصر رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة (وهما موجودتان في متحف لايدن في هولندا) ترجمهما من المصرية القديمة عالم اسمه (ساباش) حيث ذكر العابيرو أو الخابيرو الذين ينقلون الحجارة لهيكل الشمس في "منف" .

ويذكر د. سيد فرج راشد (كتابه القدس عربية إسلامية ص46) أن أقدم النقوش التي ورد فيها اسم القدس موجودة في مجموعة اللوحات المسمارية المكتوبة باللغة الأكادية وتتخللها تفسيرات قليلة بالكتابة المسمارية الأوغارتية الكنعانية المبسطة .وهذا النقوش عرفت باسم "لوحات تل العمارنة" وهي وثائق دبلوماسية ترجع – كما سبق ذكره- إلى عهد فرعون مصرأمنحتوب الثالث (1411- 1375 ق.م) وابنه اخناتون (1375- 1350 ق.م) ، وقد ورد اسم القدس في هذه النقوش تحت اسم (أورسالم) ، وهو اسمها الكنعاني ، وذلك عندما استنجد حاكمها عبدو خيبا (أو عبدو هيبا)– وكان حاكمًا من قبل فرعون مصر- بأمنوفيس الثالث لصد غارات الخابيرو. وهذا النقش موجود الآن في المتحف المصري.

وأكدت كشوفات حضارة ايبلا (أو عبلة) في شمال سورية حقيقة التواصل بين أجزاء منطقتنا والترابط بين حضارة الوديان في الجزيرة العربية، وحضارة النهر في العراق ومصر والهلال الخصيب بعامة.

ويشير صاحب موسوعة بيت المقدس الباحث الفلسطيني الأستاذ فؤاد إبراهيم عباس في بحثه القيم (مصادر عروبة فلسطين) إلى أنه تم العثور في العصر الحجري الحديث – حوالي سنة 3300 ق.م. - على منحدرات جبل الطور على فخار يعود إلى فترة العصر الحجري الحديث المتأخر، حيث كان موقع القدس على هذا الجبل.كما يشير أيضًا إلى آثار يبوسية تعود إلى العصر البرونزي الوسيط (2300 ق.م) حيث عثر الأثريون على عين روجل (سميت فيما بعد عين العذراء نسبة إلى السيدة العذراء مريم، أو عين الدرج لوجود درج في أزمنة لاحقة ينزل إليها منه) أسفل شمالي شرق المدينة في وادى (قدرون). كما وجدوا ما يدل على أن اليبوسيين جروا مياه عين روجل هذه في قناة حفروها إلى داخل الحصن الذي أقاموه والذي عرف (بحصن يبوس) عبر نفق شقوه في الجبل الصخري كما وجدوا البئر التي حفروها للوصول إلى نبع الماء.

وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية التي أجريت في القدس حتى الآن أن معظم ما اكتشف من آثار في تلك المدينة الأثرية العريقة يعود إلى المرحلة الرومانية أو الصليبية أو الإسلامية.

د.إبراهيم فؤاد عباس

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى