الثلاثاء ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم زهير الخراز

طفلتي والقمر

اللقاء الأول:

في ليلة بيضاء.. في ليلة غابت فيها الغيوم عن جو السماء وحضر القمر.. في ليلة صرخت طفلتي الصغيرة مندهش، في أول لقاء لها بالقمر: أنظر بابا كم هو جميل هذا الشيء المضيء المعلق في السماء!!!

قلت لها: إنه القمر...

فرددت ورائي: القمر.. الق...مر، كم هو جميل هذا الضوء المعلق في السماء.

فامتحنتها قائلا: ما اسمه؟

قالت: ال.. ال.. الق.. القم.. القمر...

همست في أذنها مشجعا: أنت طفلة نجيبة..

واختفى البدر وراء بناية عالية.. حزنت طفلتي.. فاضت عيناها.. همست في انكسار كاد أن ينفطر له قلبي: لقد فر القمر..

قلت ضاحكا: لا يا بنيتي.. القمر لم يفر.. إنه فقط يلاعبك لعبة الغميضة.. ألا ترين إنه يداعبك..

ونزلت بها إلى الشارع.. وعندما تجاوزنا البناية الضخمة أشرت إليه قائلا: أنظري هاهو ذا قمرك!!!

فضحكت وصفقت بيديها، ولا أدري من أضاء الآخر ، أهو وجه طفلتي أم وجه القمر؟
اللقاء الثاني:

في ليلة ظلماء.. في ليلة حضرت فيها الغيوم السوداء وغاب القمر.. في ثاني لقاء لطفلتي بالقمر.. في ليلة غلف الحزن وجه ابنتي فانفجرت باكية: - بابا..بابا.. أنظر.. لقد سرق القمر...

طمأنتها باسما: لا يا بنيتي لم يسرق القمر..إنه يتوارى فقط وراء غيوم عابرة..

قالت وهي تخبئ وجهها في صدري : لكن ما هذا الشيء الذي يضيئ ويختفي؟
إنه البرق...

وما البرق؟

قلت بعد تفكير قصير: البرق رسالة عاجلة، يبرقها إلينا القمر.. يبشرنا بقدومه القريب..

قالت: أخبرني بابا، أيأتي يوم يذهب فيه القمر و لا يعود؟

قلت: إن ظل في مداره فلن يحصل هذا أبدا..

قالت: و ما هو المدار؟

قلت محاولا إخفاء ضجري: القمر مثل السمكة.. فإن...

قاطعتني معقبة: السمكة إذا خرجت من مائها اختنقت، لكن ماذا عن القمر؟

قلت: والقمر بدوره إن خرج عن مداره التهمته الشمس..

فنامت طفلتي عميقا في تلك الليلة السوداء، لكن بعد أن وعدتها بليالي بيضاء، وقمر لا يفر.. لا يسرق.. ولا يخرج عن مداره.. وحسبتها حلمت بالقمر طوال تلك الليالي السوداء، فقد سمعتها مرارا تردد وهي نائمة: القمر.. القمر.. متى يعود القمر..."

وأنا أصول وأجول بين القنوات الفضائية، إذا بجهاز التحكم عن بعد يعلن تمرده ويكف عن التحليق بعيدا.. أقول تمرد لأن بطارياته لا تزال في عز شبابها.. فهي لم تعمر في بطن هذا الجهاز اللعين سوى ساعات قليلة فقط... أدركت في الحال أن جهاز التحكم قد قرر اليوم ان يتحكم بي ويشدني قسرا إلى قناة (سي.إين.إين) التي أعاني بسببها من حساسية الربو كلما تفرجت عليها، فأذعنت للأمر الواقع،لكن قبل أن أدس أنفي فيما يعنيني أو لا يعنيني في هذه الفضائية وضعت كمامة على وجهي، تحسبا لما هو آتي...

كان لقاءا تلفزيا مع أحد كبارموظفي الوكالة الفضائية الأمريكية، تعرفت عليه من خلال مجسمين صغيرين لمركبتا أبولو و كليمونتين يعلقهما على صدره.. كان محاوره يفحمه بالإحتجاجات التي صدرت عن معظم الشعب الأمريكي الذي استنكر بشدة الرحلة الأخيرة للقمر والأموال الطائلة التي صرفت على هذه الرحلة التي لم ترج منها أية منفعة. فلا جديد تحت ضوء القمر.. ولذرء الفضيحة وحفظا لوجه "النازا " و بوجه لا تفارقه البسمة أبدا،زف ضيف البرنامج نبأ أسماه بالنبأ العظيم حيث قال: رحلتنا الأخيرة للقمر أدت إلى اكتشاف مبهر ولا يقدر بثمن.. فقد اتضح لنا بعد هذه الرحلة العلمية أن القمر عبارة عن كتلتين يفصلهما صدع عميق ، مما يؤكد أن هاتين الكتلتين قد انفصلتا عن بعضهما في زمن ما ثم عادتا لتلتحمان من جديد.

كان اليأس قد بدأ يتملكني من عودة جهاز التحكم إلى رشده، حينما قر قراري على رمي هذا المتمرد اللعين عبر النافذة،حيث يعربد البرق والرعد والمطر.

ومن سخرية الأقدار أن قناتي المفضلة قد انبعثت من بين شظايا جهاز التحكم لتحل مكان السي إين إين ،لكن في لحظة من لحظات نفسها الأخير،حيث مسك الختام.
كان المقرئ يتلو بصوته الرخيم مطلع من سورة ًًالقمرً :اقتربت الساعة وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر...

لقاء ثالث:

لم أعد أذكر متى وكيف سرقني النعاس ،كل ما أذكره أن الوقت كان فجرا حينما استفقت، فوجدت نورالقمر يغمر وجه طفلتي الوحيدة..كان الضوء يتسلل من كوة صغيرة ،كانت قد أحدثتها عاصفة من عواصف الليالي السبعة الماضية،عبر نافذة من النوافذ المغلقة...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى