الاثنين ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم فاطمة عاصلة

في بلاد الميتين هو

اتَكَأ على بَابِ مَنزِلَهُ الخَشَبِي العَجوز، أحنى ظَهرَهُ قَليلاَ بِتثَاقُلْ، وباطرَافِ اصَابِعَهِ انتَعَل حِذَاءَهُ الضَيِقْ

وَدَعَ امرَأتَهُ بابتسامتها الخَفيفة المُتسللة بينَ ضَبابِ الصَمتْ، بِصَوتٍ يَكَادُ لا يُسمَعْ، أغلَقَ البَابَ بِخفَةِ المُختَلِسِ الا أنَه أبَى

الا أنْ يُدوِىَ صَرِيرِهُ الموحِش، لِيُعَكِرَ صَفوَ أحلَامَ النَاسِ ويَقُضُ مَضجَع الفَجرِ الموغِلُ فِي السَكينَة (المُقدسَة)

امتَلأ بَالضَجيجِ وَمُلِئ ...وَوَلَى...

نَزَلَ الدَرجَاتَ وَاحِدَةً واحِدَة كَأنْ يَخشَى عَليَها مِنَ الانْكِسَارِ مَشَى بِالازِقَةِ الكالِحَةِ، يُحَدِقُ فِيه البَشَرُ بِعيونٍ ضَيقَةٍ مِنْ كُثرِ مَا اتَسَعَتْ، تُراقِبَه الجُدرانُ والنوافِذُ والحِجَارَة، يُحملِقُ بِقامَتِهِ العَجَزَةُ المُتَجمعِينَ عَلى كُوبِ شَاي أمَامَ دَكَاكِينَهُمْ العَتيقَةِ، الاطفَالُ بِنصفِ غَفوَة، وكُلِ صَحوَة الرِجَالُ ذو الاكتافِ العَريضَةِ المُنكَبينَ عَلى عَمَلَهُم، النِسَاءُ اللاتِي يَنفَضنَ أكوامَ الغَسيلِ مِنْ عَلى الشُرِفاتِ...

وَيمضونَ...وَيمضِي...يُهرولونَ مع عَقاربِ الساعَةِ المُعلقةِ على حائطِ العُمرِ...وَيمشِي مَع دَقاتِ الساعَةِ، يُقاتلَ (بلا مبالاة) رَقاصَ الساعَةِ الذيِ يَخرجُ مِن المَعدنِ صائحَا كَمجنونْ ...يُسرعُ في جَنونٍ.

وَصلَ الى مَكَانِ عَمَلَهُ عَن ظَهر قَلبْ(فهوَ يَستطيعَ ان يَصلَهُ مَغمَض العَينينِ والاذنينِ والعَقلْ)، هو ذاتَ المَكَانِ الذي بَقِيَ عَلى حَالِه مَنذَ زَمَنٍ، لَم يَتَغَيَرْ فِيه شَيئ سِوَاه، وبعض ضَوءٍ حَالَ قِتامْ!

خَمسَةُ عُقودٍ وهوَ يرقَبُ المُوظفينَ جِيئَة وذَهَابَا-بَينَ اكوام مِن الدفاتِر وبضعُ ضحكاتْ- المُديرُ تَكَادُ تَخنِقَه رَبطَةُ عُنِقَهُ السِكرتِيرَة بِتَنورَتِهَا القَصِيرَة وقَميصهَا بازراره المغلقة حَتى نِضفَهُ، وَبَعضِ مُوظفاتٍ يَمشينَ مُتعالينَ بكعبٍ يُطقطقُ فِي رأسَهُ كَمِطرَقَه، المُراقِبُ المَتكبِرُ، الحارِسُ الغافِي الضَجِر، عَامِلَ النَظافَة بِكفُوفه البَيضَاءَ يَحمِلُ اكَوامَا مِنَ الاكيَاسِ الثَقيلَة، النَاسُ وقَد انهَكَ قَسماتَهَم الانتظَارَ لِخدمَةٍ، يَتأففونَ، يَشكونَ، يَصرخونَ..هباءا...لا حَياةَ لِمَنْ تَستَجدِ!

هُو أمامَ فِنجان مِن القَهوةِ (المُرَة) يفرغُ فِي الخمس دقائق الاولى للِعَمل، هوَ لَم تَطاله جَلبَةَ هَذِه الحَرَكَة اللامُتنَاهِيَة طَوال الخَمسونَ سَنَة مَا زال يُراوِحَ كُرسِيَه المُتعِب، يَسمَعُ –ولا يَستمعُ-لموسيقى لا يَعرفها تَبقى تتندن فِي رأسه الى المَنام، ، يَقرَأ الجَرائِدَ بِالاخبَارِ المُبتَذلَة، يَملؤها اسماءَ سياسيينَ يَبغضهَم(دونَ تصريحٍ يذكر)، اسماء فنانينَ لا يأبه لَهم، ورياضيين لا يَفهمَ ما هَمهم وأشغالهم.

الهاتفُ يزمجرُ كَصفارة انذارٍ، والساعة توشوشُ، ولا يأبه...فما زال هناكَ مُتسع مِن التَحديقِ الدَفاتِرَ والمعاملات لا تَنقًص، القَلمَ صارَ يتصببُ عَرقا...

الساعَة المعلقَةُ عَلى الحَائِطَ تدُقُ هَذِه المَرةَ دَقَةً قويةً ويَهتَزُ عَقربَاهَا فِي اذنِه فَينَهَضُ على حِين غَرَة-كأنَ الوقتَ وَخَزهُ -لكن بطيئا!!

يتركَ كل شيئ على حالِه..فالحالُ تَنتظرهُ الى أبد الابدينْ يَنسَل مِنَ الابوابِ الموصَدَةِ بِعصبيةٍ لا تُعكر هدوءه المُعتادَ..واحِدَا واحدَا كَما يَنسَلُ شُعَاعَ الشَمسِ مِن السِتَارَةِ

يَجُرُ قَدمَاه هَذه المَرة على الارصِفَةِ ثُم على ذَاتِ الزقاقِ، ملتَمسا بَاصابِعَ الجُدرانَ عَينها، الا انه الان لا يَجِد العُيونَ المُحدقَةُ بِه، بَل يراها مِنْ مَوقِعٍ اخر، لانَ القَمَرَ قَد انهى مَراسِيمَ ظُهورَهُ منذُ وَقتٍ غَيرَ وَجيز!

الكَونُ يَغرَقُ فِي السِكونْ، المَائدَةُ التِي يَراهَا مَليئَةً بِالفراغِ مُمتَدَةً امَامَهُ، الى نِهَايَةِ احلامَه القصيرة قيدَ انكسارٍ باذِخٍ، تَنَاوَلَ مِلعَقَةً مِنْ حَديدِ، رَفَعَهَا رُويدا وريَدا الى فَمِه الراجِفِ ...وحينَ اطبَقَتْ شَفتَاهُ، ارتَطمَتٍ اسنَاَنهُ بالمِلعقًة، تَناثَرَت السنونُ الخمسونَ على المائِدَة متحَطِمة فاحدثَتْ الزَلزَلة، تلكَ الزلزلةِ التي لا يعرفُ لها الكونُ مثيلا ....صَرخَ مِلأ حُنجَرَتِه، وسعَ الكونِ... فصحا...

صَحا بَعدَ غَفلة دَامَتْ مِلأ تَحديقَهُم ومِلأ مُراقَبَته الهَشةِ للاشياءَ!!!

استيقَظَ.....

فَوجَد النَاسَ لَيسوا الا احلامَه المُلقَاة عَلى ارصِفًة الحَيَاةِ يًحدقون بِصعوبَاته ويحدق بَسبلِ تَخطِيهَا مرتشفةَ شَايَ الوعودِ الازقَةَ والجدرانَ ليستَ الا السُبلَ المُتعرجِةَ الى دربه التِي يَبغَى(وما بَغى)

مَكان عَمله ليس سوى وَطنه يتراكَضُ العَالم فِي قَاعَاته عَلى مِرأه ليلَ نهارَ لِيسعفوهُ -او كأَنهم- وهو مَا زال مُلقى عَلى كرسي النكَساتِ مُنكبا عَلى انهزامَاتِه -فَهذا وقتُ الاعنَاقِ المُزينَة بِربطاتِ النِفاقْ، و "الحامي الحرامي" و الكعوب المبالغة في زيفها، والقمصان المتعرية!

لا يحني ظهَره الا ليَنتعِلَ العُمرَ الضَيقَ الضائقِ، يَنزلَ درجَ العمرِ برهبةٍ وترقُبِ كُلَ يَومٍ قَبل أنْ يُودعَ صَباحَ لحَظاتِه الموسِيقى حنَينَه...الجَريدة أنينَه...حَبل

الغسيل...النافِذَة..الطِفل النائِمَ..و و و..

رباه-كل شيئ يُشبِهَه-كل مَا حوَله هُو...هُوَ كلُ ما حَولِهِ

وَجَدَ كُل شَيئ يُشبِه الى ذَاك الحَدْ -حَد الرِعبُ، الحَد الذي لا نفهمه...حَد اللا-حَدْ ..
صَرَخ كمجنونٍ..زمجرَ...صهلَ... فَذَهَبَ ادرَاجَ مَتاهَةٍ لم يَخرجْ مِنهَا الا الانْ...ففي بلادِ الميتينَ هُوَ!!

توضيح من الأديب نازك ضمرة

الأستاذ الشاعر والأديب الروائي عادل سالم، والأساتذة المحترمون والقائمون على إخراج الديوان

تحية طيبة

آمل تحويل الملاحظات النقدية التالية، كتفاعل مع (ديوان العرب) ولكي يبقى منبراً أدبياً رصينا، وحسب رأيي طبعاً، إلى الكاتبة الأستاذة فاطمة عاصلة، عن قصتها المنشورة في الديوان تحت عنوان: في بلاد الميتين، لم أتمكن من إرسال النقد في البند الذي يأتي بعد القصة، بسبب طوله عن المقرر حسب شروط الديوان، لذا مادام أنني تعبت في كتابة ملاحظاتي النقدية أردت أن تصل لكاتبتنا، وياليت أعرف عنوانها الإيميل، أو نسمع وجهة نظرها، ووجهات أنظار القراء والادباء، ولكم تحياتي.

المخلص نازك ضمرة.

تحية للأستاذة فاطمة عاصلة، لاشك أنك تستطيعين العيش في الموقف المتخيل في القصة وخاصة المكان والطبيعة والأشياء، وأنت قاصة لا شك، ولكن أتوقع أنك لم تعرضي كتاباتك على نقاد مخلصين، أولم تتعرضي لنقد ولو لقصة من قصصك، ففي قصة اليوم (في بلاد الميتين) فإن النقطة الأساس التي أردت إثارتها على هذه القصة، هو

1- يجب أن تنتهي القصة بعد مفرد : .....اســـــتفاق، وكل زيادة هي شرح وتوضيح لما مر، وتقلل من أهمية القصة وبلاغتها، ثم تسخر من عقل القارئ ولا تتركي فسحة للقارئ كي يفكر ويفسر ويتأمل القصة والأحداث، باحثاً أو متوقعاً . وفي نظري إن كل السطور التي تلي (استفاق) فضلة وثرثرة تضعف من أثر القصة

2- تقولين في أول القصة: يقض صري الباب مضجع الفجر، ثم بعد ذلك تناقضينه بوصف الناس ، مثل: يحدق فيه البشر بعيون ... ، وكذلك متجمعين على كوب شاي أمام دكاكينهم العتيقة، وكذلك: النساء اللاتي ينفضن أكوام الغسيل، السؤال هو : ودع الرجل زوجته عند الفجر، وصرير الباب أحدث ضجة يتضايق لها الجيران والفجر كما جاء في مطلع القصة، فكيف يمكن أن يرى أصحاب الدكاكين؟ وكيف تخرج النساء لنشر الغسيل في ذاك الوقت المتقدم من النهار؟؟؟؟؟

3- أخطاء لغوية نفترض أن لاتحدث مع أديب، مثل (بعض موظفات يمشين متعالين،) ما دام انهن موظفات فيلزم ان نقول: (موظفات متعاليات) والصفة تتبع الموصوف في التذكير والتأنيث،

4- ملاحظة مهمة ولو انها خاطفة، لا تلزم مفردة (هو) لتكون في العنوان.

العجوز أبوخالد نازك ضمرة/أمريكا

ملاحظاتي النقدية على قصة فاطمة عاصلة عن قصتها : في بلاد الميتين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى