السبت ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠

المرأة وانسجام المتناقضات

سيمون عيلوطي

السمات التي تميز أعمال الفنانة سناء فرح بشارة النحتية هي المرأة، والمرأة عندها لا تنتمي إلى وطن بعينه، ولا تعود إلى قومية محددة، إنما تأتي في منحوتاتها وهي تتشكل بالمرأة العصرية الكونية مع الأيحاء الواضح الذي يعبر عن انبثاقها من الزمن الغابر نحو هذا العصر بجميع أبعاده ومتناقضاته مما يجعلها تبدو مهمومة ما بين تقاليد الماضي التي أرهقتها، وما بين مقتضيات هذا العصر الذي يلزمها بالانطلاق.

إن رؤية سناء للحياة عموما وللمرأة خصوصا، والتي تتلخص في رأيي حول الصراع الأزلي الذي يواجه المرأة في كل زمان ومكان في سبيل تحقيق ذات الأنا – الأنثى،لا يحد من جمال النحت، ولا ترهقه الفكرة، وتحس أنك أمام تمثال لم تبدعه يد فنانة، إنما تشكل هكذا من تلقاء ذاته، وسر هذا يعود إلى تمكن الفنانة سناء فرح بشارة من أدواتها الفنية، وطريقة نحتها التي لا تظهر به الصنعة، ولا يد الفنانة التي أبدعته، ولعل استعمالها لمادة البرونز، أضاف إلى تماثيلها تلك الدهشة التي تشعر بها عند مشاهدتك لمنحوتاتها التي تحمل المواصفات الانوثية بكل ما فيها من انسانية نلحظها بوضوح، خاصة حين تحاول أن تنهض باعتزاز وترتفع بعنقها نحو السماء، وهذا ليس غرورا أو تكبرا .. إنما تحد، وبالتالي توبيخ الأعراف التي ظلمتها وكبلتها عبر التاريخ، وقد لاحظت ذلك كاتبة المقال الذي ورد في موقع سناء تحت عنوان(الكامل بكلّ أجزائه / كشفٌ وتقَصٍّ للعالم الفنيّ لدى سناء فرح- بشارة)، حين قالت: (إن انسياب وحيوية الجسدِ المنشدّ نحو الأعلى يجد له تعبيرا قويًّا في الجزء العلوي من الجسد الأنثويّ – العُنُق. فعُنُق النساء في تماثيلها عضو حيويّ ورئيسيّ يحظى بالتِفات بالغ. العُنُق كمكان لمجرى الهواء، لإسماع الصوت، ولبدء عملية البلع. يمرّ العنُق معالجة بيديّ الفنانة، فهي تؤكّد على حركته. حركة ترمز هي أيضًا نحو الأعلى.)

من يدخل إلى عالم سناء، ويتأمل تماثيلها، يجد نفسه أمام عالم متناثر ومفكك إلى حد يلزمه هو أيضا أن يساهم مع الفنانة في إعادة بنائه وتشكيله من جديد، إنه عالم يتداخل فيه الشكل الخارجي الذي ترمز إليه فنانتنا بالفراغات، واللباس الخشن، والأعناق المرفوعة، أقول: يتداخل ذلك بالمضمون الفلسفي الذي تحاكي الفنانة من خلاله المرأة المنغمسة بجذور التقاليد التي تحد من شأنها، وتهمش دورها الاجتماعي، وعلى مختلف الصعد ، فنشاهدها تتمرد على هذا الواقع الذي ترمز إلية فنانتنا من خلال الأعناق المنتصبة والتي تلامس السماء باعتزاز واصرارعلى الفعل المؤثر في شتى ميادين الحياة، وبهذا تبرز أمامنا هذة المرأة بالتفاصيل التي كُوّنت في الحياة من أجلها.. فنراها تأخذ صورة الأم حينا، والأخت حينا، والحبيبة التي تعانق شموخ الحب، وهموم الوجود الذي تمر به عبر زحمة التناقضات الوجودية والكونية في حوار سرمدي بين الأنثى الروح، والأنثى الجسد، وتأتي في النهاية مجسدة على هيئة الأنثى التي تجمع في صفاتها وملامحها جميع النساء بامرأة واحدة.. وان ذلك ما يجعلها تغدو متوّجة بالكمال أو تكاد . وفي هذا الصدد يقول الكاتب خالد حوراني في ملاحظاته المنشورة في موقع سناء، (المرأة، من وجهة نظر المرأة، عالم مليء بالجمال والسلام والقوة وهشاشة الكائن في آن. تنقلنا سناء من واقعية الشكل تدريجياً الى التعبير عنه، ومن ثم تحليله.. وحتى تفكيكه في اطار من الشك الضمني في جدوى مطابقة تمثيل الواقع ، ولكن هذا يتم بهدوء وتحفظ ملحوظ) .

تستخدم سناء في عملها للتعبيرعن شخصية المرأة التي تبدعها في تماثيلها، عدة أساليب، وانطباعي الشحصي حول ذلك هو أن استخدامها مادة البرونز، أضاف إلى أساليبها الفنية في النحت الكثير من الأبعاد والرؤى، ولعل اختيارها للملابس الخشنة،" كما تقدَّم"، وإلى أسلوب التقطيع، وغيرهما من أساليبها الفنية، إنما يعطي طرف الخيط للدخول الى عالمها الفني واكتشاف المضامين التي تريدها، ولكنها فنانة عربية تعيش في حيفا – كما لاحظت ر. ميلانو في مقالها القيم حول تماثيلها، جعلها تستطيع الجمع ما بين النقيض والنقيض بطريقة تعكس واقع عيشها في مدينة لا تعبر عن ثقافتها وانتمائها القومي، وربما هذا الأمر في رأيي هو السبب الذي حدا بها أن تذهب في أعمالها إلى المرأة الكونية التي ترتفع عن القوميات، بغية أن تلتقي "هذه القوميات" في انسجام ووئام، وقد تمثَّل كل هذا عند الفنانة سناء فرح بشارة، بأبهى صور الشفافية، والإنسانية، والجمال .

سيمون عيلوطي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى