الاثنين ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠

الندوة السنوية للرواية العربية

مِلده شويكاني

عنوان الندوة السنوية التي أقامتها جمعية القصة والرواية في مقر اتحاد الكتّاب العرب، وشارك فيها عدد من الروائيين الذين قدموا محاضراتهم وشهاداتهم، بعضهم جاء من الأقطار العربية مثل المهندس الروائي صبحي الفحماوي والروائي رشاد أبو شاور، قد نتساءل للوهلة الأولى ما هو مفهوم الزمن، هذه المفردة التي تحمل الكثير من الرومانسية والشفافية وتصلح لتكون مسرحاً لأفكارنا وذكرياتنا وأحلامنا وأشياء نتمنى أن نعيشها...كيف سيتحدث الروائيون عن الزمن.. أهو الزمن الماضي أم الحاضر أم ما يأتي مع المجهول أم أنه دائرة تحتضن جميع الأزمنة، وتدور مع تعاقب الأحداث والعودة بها إلى عتبات الذاكرة أو تتكهن بالقادم من الأيام.

لقد عرض كل من الأساتذة رؤيته ومفهومه للزمن مستعرضاً رواية اختارها أنموذجاً لمحاضرته أو مداخلته.. وإن اتفقوا جميعاً على أن الكاتب له مطلق الحرية باستخدام الزمن في الصورة، التي يراها مناسبةً ومتوافقةً مع الحبكة الدرامية للمتن الروائي، الشيء الملفت للنظر أن أغلب الباحثين تطرقوا إلى مفهوم الزمن من خلال أغنيات أم كلثوم أيضاً التي كتبها كبار شعراء القرن الماضي منها (حسيبك للزمن).

أدار الجلسات الأستاذ عوض سعود عوض الذي لخص مفهوم الزمن بأنه: «تعدد الأزمنة وليس زمناً واحداً» وترك ملاحظة للمتلقي كي يعود بذاكرته إلى الروايات التي قرأها وليستشف منها مفهوم الزمن.

صبحي فحماوي- الزمن لغز من ألغاز الفكر والفلسفة

قدم الروائي المهندس صبحي الفحماوي من الأردن ورقة عمل لخص فيها مفهوم الزمن فهو (شيء غير مادي وغير ملموس، لكننا نشعر به من ملاحظاتنا لتغيّر الأشياء، الزمن لغز قديم من أقدم ألغاز الفكر والفلسفة ثم استشهد بقول أرسطو: «إن الزمن هو شيء لا نعرفه»، وشارك الروائي فحماوي بشرح الزمن في الخطاب الروائي من خلال روايته الأخيرة «الإسكندرية 2050» الصادرة عن دار الفارابي- بيروت 2009، إذ جسد الزمن البطل (السارد) /مشهور شاهر الشهري/ الذي هاجر رضيعاً من عكا ويعيش مشرداً في المخيمات وينتقل للدراسة الجامعية في الإسكندرية وبعدها للعمل مهندساً في الإمارات، ثم يعود إلى الإسكندرية للقاء ابنه برهان العالم في الهندسة الوراثية، وحفيده الأخضر كنعان، وينتقل القارئ من زمن إلى زمن خلال مراحل تنقل البطل.. يستعرض الروائي مجموعة من التساؤلات من خلال روايته؟ هل يستطيع الإنسان التحكم بالزمن، كما فعلت التكنولوجيا في المستقبل 2050 كما نقلت مركبة الفضاء مشهور ورفاقه بزمن قياسي؟ يستطيع السارد (الكاتب) أن يتحكم بالزمن ويأتي بعوالم ومعالم جديدة مختلفة ويتحكم بالأفكار وبالمكان لذلك نشأت مفردة (الزمكان) وتوصل الروائي إلى خلاصة بأن الزمن ليس في الرواية فقط، وإنما في الحياة هو سلاح ذو حدين وإنه يقتلنا عند انتهاء الصلاحية، فنتوقف عن القدرة على التعبير.

تحدث الروائي مطولاً عن شخصيات الرواية ومعالمها وتصاعد الحدث الروائي فيها المرتبط بالزمن وبنهايات شخوصها التي تخص بطلها بمسار الزمن في الخطاب الروائي.

أيمن حسن: الزمن نوعان: زمن حقيقي وزمن وظيفي

اتخذ الباحث أيمن حسن مقولة أخرى لشرح الزمن بأنه إحساس ندركه من خلال تتابع الحوادث ولا ندركه بصورة مباشرة لأنه كما يقول البنيويون: إنه شيء مجرد، ثم انتقل للحديث عن أهمية الزمن في السرد الروائي، وكان يعني في الرواية التقليدية الماضي، بينما الزمن في الرواية المعاصرة اتخذ شكلاً مغايراً، فقد أسهمت المنهجيات الحديثة في التعمق فيه، فمن الصعوبة البقاء على تقديم الأحداث وفق ترتيب خطي مسترسل كما حصل في الواقع، إذ لابد من قطع تسلسل الزمن بالعودة إلى الماضي واستشراف المستقبل في وقفات تتناوب مع السرد،

ثم قسم الباحث الزمن إلى نوعين: زمن حقيقي (معيشي) مجرد وهم مرجعي واقعي، وزمن سردي له مدلول وظيفي، ثم استفاض الباحث بشرح رأيه من خلال رواية (الوطن في العينين) (لحميدة نعناع) تدور حول تنقل حياة البطلة نادية- وهي فتاة عربية مثقفة خيبت الثورة أملها في بلدها، فراحت تبحث عنها خارجه، فتتخلى عن تنظيمها الثوري الذي تلتزم فيه بتنفيذ قراراته بخطف الطائرات، ثم تنفصل عن زوجها في باريس.. ولتلقي مع مفكر ثوري كبير.. أعجبت بمؤلفاته واقتبست أفكاره ومؤلفاته لتكتشف أثناء علاقتها معه أنه انحرف عن مبادئه بعد فترة أمضاها في السجن في دولة أفريقية (الكونغو) فتفقد توازنها النفسي والفكري، ومن خلال هذه الرواية بيّن الباحث أهمية الزمن الذي قسمه إلى أزمنة داخلية وأزمنة خارجية.

تمضي جميعها وفق نسق زمني صاعد، وزمن هابط، وزمن متقطع، وفي منحى آخر تحدث عن تنقل الزمن بإيقاع متواتر ما بين الحذف أي حذف مرحلة زمنية، والاستراحة أي الوصف والمشهد أي الحوار.. وختم حديثه بالتعليق على الرواية التي هي مستمدة من حياة البطلة ليلى خالد.

جميل شقير: الزمن ترتيب متعاقب للأحداث

أما الأستاذ جميل شقير فعرف الزمن بأنه ترتيب متعاقب للأحداث أو الفاصل بين حدثين في هذه السلسلة المتعاقبة ثم تحدث عن أهمية الزمن في الرواية فإذا كان المكان هو الإطار الطبيعي لأحداث الرواية ومسرح لتحرك شخصياتها فالزمان هو الرباط الذي ينظم حياتها والسلسلة التي تربط بين حلقاتها واستشهد برواية ألف ليلة وليلة التي استأثرت بالزمن، إذ نجد فيها زمنين زمن الحكايات والزمن الذي يستغرقه قصّ الحكايات وأشار الباحث إلى نقطة هامة جداً، فإذا حاولنا حذف الزمن من الرواية فلا يمكن للحبكة وحدها أن تربط الأحداث وهو يؤرخ للأحداث الهامة التي لها علاقة بالرواية يبين أهمية الزمن الذي اعتمد عليه الروائيون كما تضمن السرد وخاصةً في الرواية التاريخية والرواية المتكئة على التاريخ أو الأسطورة وقد اختار الباحث روايتين لشرح مفهوم، زمن الخطاب الروائي أولهما رواية عزازيل - دار الشروق – القاهرة ترجمها يوسف زيدان عن السريانية يبدأ زمن الرواية بـ 300 م ويؤرخ لأحداث تمت خلال 150 عاماً وتمضي الأحداث تنقل الراهب /هيبا/ من دير أخميم إلى الإسكندرية وتدور أحداثها خلال انشقاقات الكنيسة في نهاية فترة الحكم اليوناني في مصر وانتهاء بفترة تسلط الامبراطورية الرومانية على الشرق.

ويتطرق الباحث إلى أهمية الأحداث التي دوّنها الراوي من خلال مقولات الراهب هيبا والأحداث المروّعة التي حدثت، والرواية الثانية مدينة الله لحسن حميد، إذ قدمت بانوراما متكاملة شملت القدس وكل المقدسات فيها محاولاً الانتصار على الزمن وتخليد المكان وفاضحاً ممارسات اليهود الفظيعة في فلسطين والتي هي أشد فظاعةً من الهولوكوست، وتحدث الباحث عن الأسلوب الزمني في الرواية، والذي اتخذ شكل الرسائل التي يرويها فلاديمير.

محمود حسن: الزمن يتوافق مع البناء الفني للرواية.

خرج الباحث الأستاذ محمود حسن عن المألوف والموضوع المحدد للندوة فتحدث عن الزمن من خلال روايتين اختلفتا بالبناء الفني واتفقتا بالمضمون وهما: رواية العصف والسنديان للروائي فوزان رزق ورواية، من ضباب أزرق للروائي نبيل حاتم.

زرياف المقداد: الزمن هو الإحساس بالبداية والنهاية

توسعت الأستاذة زرياف المقداد في مفهوم الزمن الذي وصفته بالإحساس فهو الشيء الوحيد الذي أضفى معنى البداية والنهاية الأبدية إذ يشكل الزمن أحد أهم البنى الجوهرية في البناء الروائي، فهو رباط حركي يجلب الحوادث، أو حقبة أو عهد أو تاريخ. يأخذ بعداً واقعياً وتاريخياً، ثم تحدثت عن شكل زمن الخطاب في الرواية فقد يعلن عنه الروائي صراحةً كما في السرد الروائي في الرواية التاريخية مثل سلسلة روايات تاريخ الإسلام لجرجي زيدان، أما الحالة الثانية فهي إدراك الزمن بفعل تقنية السرد الروائي في الرواية المعاصرة التي تخضع لزمن منطقي للأحداث وزمن متعدد الأبعاد، كما بينّت الباحثة خروج الروائي عن إطار ارتباطه بالزمن من خلال تحرير الشخصيات من خاصية الزمن، وتوظيف حركتها بالعودة إلى الذاكرة، واستشهدت بقول عبد الرحمن عمار الذي تناول مصطلح الزمن المتوقف كما في الملحمة لإظهار البطولة، وحالة الاسترجاع الزمني وتعني حالة الكاتب الذي يعيش زمناً غير زمنه.

وفي القسم الثاني من بحثها تطرقت إلى عدة روايات كنماذج مثل وداعاً يا أفاميا 1957، لشكيب الجابري، إذ اعتمد الروائي على عدة عوامل زمنية، ورواية زهرة الصندل لوليد إخلاصي 1981، إذ امتد الزمن فيها إلى أكثر من مئة عام ورواية الوباء لهاني الراهب الذي قسم إلى قصدي ومكاني وتوثيقي.

مِلده شويكاني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى