الاثنين ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

خارطة طريق

أمسك بعصا البليارد متكئاً عليها، محاولا استقامة ظهره الذي أحدودب من كثرة انحناء على طاولتها، انطلقت الكرات مسرعة نحو جيوب مؤقتة، كل منها تحمل علامات ضرب وشتم، تلقتها نتيجة ارتباك ضاربها من تحقيق هدف، لم تتوجع بعد أن صقلت نفسها صلادة وبلادة، وباتت تتراقص على مسرحها بشغف، أما هو فيفضل أن تكون الكرات الملونة من نصيبه، كونه يتفاءل بالكرات ذات الألوان المتعددة، ويكره الكرات ذات اللون الواحد لسماجتها وبؤسها، كونها لا تثلج الصدر أثناء تحرك، كما يحب أن يساوم على كل لعبة يلعبها، لا لشيء سوى اعتقاده انه الأفضل، يظن أنه محترفا بهذه اللعبة هذا إحساسه بالطبع، فتراه ينصب الكمائن للكرات في عدة جوانب، ناطحا إياها برأس عصا تعممت الضمادة مسبقا، خوفا من كسر رأس بضربة مساوم بكرات عصية، ترفض الدخول في جيوب يشاركها الحيز من أرادت هزمه في نزال وتنازع، وربما تكون اعتادت التلاطم مع بعضها البعض للوصول بنتيجة عنوان من سيكون الرابح.

كانت ضربة البداية قوية لخصمه الذي أطاح بكرات ثلاث من ضربة واحدة، أحرجت موقفه بعدما سمح له، كونه يشعر أن خصمه ليس نداً لبراعته فأعطاه الانطلاقة، هز رأسه هامسا... على نفسها جنت براقش، لم لا.. فأنا سمعت أن هذا الند صعب الفوز عليه، وله من الحظ ما يكسر الصخر، وما نزالِ اليوم معه إلا لإثبات جدارة وسمعة، همس لعصاه.. يا له من وغد، يبتسم لي وينظر إلى قسمات وجهي بطرف عينه، هذا يعني انه يريد سحقي وهتك سيرتي التي عملت عليها سنين عديدة لنيل لقب، لا يهم سيخسر رغم أن الأقدار ساقت لي الكرات ذات اللون الواحد، وهذه علامة شؤم بالنسبة لي، ولا ادري!؟ هل ستعمل الكرات التي حقدت عليها بتقديم عون ومساعدة؟ وكيف لي أن أطلب منها أن تتعامل مع رأس عصاي بانسيابية؟ وأنا طيلة تلك الفترة لم أرغب أو أحظى بأن ترافقني في مسيرة لعب، هذا ما يعلمه عني الجميع، لذا حصلت على لقب بطل الكرات المتعددة الألوان، كان هناك العديد ممن يتلهفون لهذه اللعبة، وحديث دار بين الجمع عن دهاء وخبث هذا الند، قد يكون شكله وديعا إلا أنه يخبئ مخالب تحت أوداج منتفخة حين ابتسامه، بعدها أخذ يتصيد الكرات الباقية ليرميها في جيوب مستهلكة اعتادت السكن فيها بشكل مؤقت، تعلم جيدا الكرات بأنواعها المختلفة أنها تحيا حياة مليئة بالضياع، فهي لا تركن في بقعة واحدة، لذا حرمت نفسها من أن تحمل في باطنها بذور مستقبلية كونها ضائعة وبلا سكن، ناهيك أيضا أنها فقدت الذاكرة من تلاطم رؤوس بعصي مختلفة، وكانت الريادة فيما بينها إلى الكرة ذات الرقم 15 كونها لا تقطن مع الأخريات فهي دوما تحب أن تسكن في جيوب وسطية، مثلها مثل رقم 1 من الكرات ذات اللون الواحد، أما الأخريات فهن يتساقطن في جيوب هرعات ما أن يسقط صاحب الريادة، مسرعات في تغيير مصير من يتصدى له رأسهن من ضرب رؤوس مدببة، هناك لاح له الأمل فقد أخطأ الند في إسقاط آخر كرتين له، وركن بعيدا ينظر الى من أطلقوا عليه أسم القناص كلاعب محترف، في اصطياد فرائس جامدة، تطلع إلى ساحة النزال، بعد أن أشاع إلى كرات ذات اللون الواحد أسفه لتهميشها وأهميتها، معتذرا لعدم توطيد العلاقة معها، فالجميع يعلم أنه فضل الألوان المتعددة، وما هي وتلك إلا نفس واحدة، قُسمت لتتميز عن الأخريات إرضاء لأهواء ونفوس بشرية متقلبة، حملت صفة الأنا بين أضلعها كخطوط متوازية ممتدة بلا نهاية، أخذ يفرك رأس العصا وكأنه يغسل رأسا أصلعا فارقته الكثة من تصافقه بأسطح ملساء زلقة لذة ومتعة، فترى الرأس يتذوق مكان الضربة على جسد الكرة كما يحسها من حَمَل العصا، ويفرغ فيها من قلقه واضطراب دقات قلبه الكثير، حتى يواريها مكانها الغير طبيعي في أحد الجيوب التي تناثرت على أطراف ارض مسطحة واحدة، حاول خلق هدنة بينه وبينها، فأطلق الكرة البيضاء محاورة بينهما، وما أن أطلقها، حتى استرسلت هي توزع خطب السلام وطلب الهدنة لفتح طريق، فما من أحد معصوم في هذا الزمان، الذي تغير اللعب فيه وأصبح مكشوف الوجه مبطن النوايا، فالكل يريد ان يستحوذ ويلملم مساحات أرض، سواء حوت جيوب بساكنيها أو بقيت جرداء لا زرع فيها ولا ماء، فالاستيطان واللعب بكرات ملونة، يرسم لك صورا مختلفة لا يمكنك أن تميز أو تستوضح اختلافا في تحرك سريع، هكذا أخذ يتلاعب بضرب الكرات ذات اللون الواحد، على إنها مختلفة الألوان، فتناغم معها رقصا بطرب، أدهش الحاضرين وهو يتلاعب بحرفة فنية تراشق رؤوس، اختلطت بها مقاييس الحسابات حتى باتت ترضخ لتوجيهها نحو سقوط محتم، ها هو ينظر إلى ذاك الند، الذي لزم عصا الطاعة فركا مؤملا أن يخرج الجني منها، ليلبي له طلبه في هزم من أعترك الساحات بيع وشراء ومساومة، فغمس رأسه بين من تزحلقت كراتهم نتيجة مراهنات الأنا، فتناثرت أشلاء الأنا قهقهات بصالات فنادق موزعة بطاقات بريدية، إما هو فقد حظى مرة أخرى بالفوز بلقب بطل الكرات ذات اللون الواحد، المجتمعة حين اختلفت ألوان وصور بلا رتوش، رغم اختلاف خارطة ألوان وطريق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى