الخميس ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد العجلة

إسلام الصحفية البريطانية لورين بوث

لم يكن الإعلان عن إسلام الصحفية البريطانية لورين بوث (43 سنة) يوم السبت الموافق 23 أكتوبر 2010، حدثاً عادياً في الأوساط الإعلامية الأجنبية، خاصة البريطانية، فهي ليست فقط الأخت غير الشقيقة لزوجة طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، ومبعوث اللجنة الرباعية حالياً، ولكنها أيضاً صحفية وكاتبة ومقدمة برامج وناشطة سلام يعرفها الكثيرون، وهي تعمل في التلفزيون الإيراني الناطق باللغة الإنجليزية "برس تي في"، ولو كانت شخصاً عادياً لما استوقف إسلامُها أحداً في بلادها ولما أثار أي نقاش.

صحيفة الديلي ميل (24/10) أوردت الخبر بعنوان "شقيقة زوجة طوني بلير لورين بوث تتحول إلى الإسلام عقب تجربة مقدسة في إيران" وجاء الخبر في صحيفة الجارديان (24/10) تحت عنوان رئيسي "شقيقة زوجة طوني بلير تتحول إلى الإسلام" وعنوان فرعي"رحلة إيران دفعت الصحفية لورين بوث لأن تصبح مسلمة وترتدي الحجاب" والموقع الأمريكي نيويورك ديلي نيوز (25/10) أورد الخبر بعنوان مشابه ووضع صورة لها وفي خلفيتها بوستر للزعيم الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات.

العديد من المواقع الإعلامية الإسرائيلية أبرزت الخبر أيضاً بعناوين مشابهة، وأبرزها صحيفة الجيروزاليم بوست التي نشرت عن الموضوع تقريراً (25/10) وصفت فيه الصحفية بوث بالناشطة ضد إسرائيل واستذكرت فوراً أنها كانت على متن أول سفينة أبحرت إلى ميناء غزة لكسر الحصار الإسرائيلي على القطاع صيف 2008 ضمن ستة وأربعين ناشطاً دولياً، وأن "قائد حماس" إسماعيل هنية منحها جواز سفر دبلوماسي فلسطيني. بوث في تلك الرحلة وصفت غزة بأنها معسكر اعتقال. ولم تنس الصحيفة الإسرائيلية أن تعرج في تقريرها على زميلتها في رحلة السفينة إلى غزة الصحفية والكاتبة البريطانية إيفون ريدلي التي كانت قد اعتنقت الإسلام أيضاً في عام 2003. مما أوردته الجيروزاليم بوست أن لورين بوث قدمت في تلفزيون "برس تي في" برنامجاً بعنوان "تذكروا فلسطين" في الحادي والثلاثين من مايو الماضي، أي في اليوم الذي هاجمت فيه قوات الكوماندوز الإسرائيلي سفينة مرمرة التركية المبحرة إلى غزة وعلى متنها مئات النشطاء، وأن البرنامج ابتدئ بأغنية مؤيدة للفلسطينيين وصور مناوئة لإسرائيل وتضمن مقابلات مسجلة وحية متشابهة تدين عمل القوات الإسرائيلية وتصفه بالبربري، وفي تقديمها للبرنامج قالت بوث أن الكوماندوز الإسرائيلي ارتكب مذبحة ضد المدنيين الأبرياء.

غالبية الصحف التي غطت خبر إسلامها أبرزت أنها غطت شعرها وأقلعت عن شرب الكحول وبدأت في قراءة القرآن (وصلت في آخر الأخبار إلى الصفحة مائة) كما أن هذه التغطية لم تقف عند حد الخبر، فقد تناوله العديد من الكتاب من خلال الأعمدة الصحفية والمقالات، وبعضها كان هجومياً وقاسياً إلى حد بعيد.

ففي مقاله المنشور في "ذس إز لندن" (26/10) بعنوان "اعتناق لورين بوث للإسلام يكشف الحقيقة" يستغرب الكاتب بيفاند خورساندي من الصحفية بوث التي أسلمت بعد زيارتها لإيران بدلاً من أن تعود محملة بالتقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان هناك. وعن تعاطفها مع الشعب الفلسطيني يقول "إن صلاتها من أجل فلسطين تبقى غير مفهومة، ففي نهاية الأسبوع الماضي أحرق وخرب بلطجيون منتجع كريزي ووتر المخصص كمتنزه للأطفال في غزة، بينما إدارة حماس –التي منعت عرض الملابس الداخلية للنساء في نوافذ العرض وحظرت على النساء تدخين الشيشة- غضت الطرف عن ذلك. ويضيف الكاتب "إن كاسيوس كلاي تحول إلى الإسلام وأصبح محمد علي في سياق النضال من أجل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الستينيات. وكذلك كان تحول كات ستيفنز في السبعينيات لأنه اعتقد أن الله نجاه من الموت غرقاً، أما بوث فقد فعلت العكس في هذا الصدد"

وفي مقالها المنشور في صحيفة الإندبندنت (27/10) وصحيفة بلفاست تلغراف (29/10) قالت الكاتبة جولي بورتشل "إن هناك ديناً واحداً يحظر على أتباعه -تحت طائلة التهديد بالقتل- أن يعترضوا عليه، ألا وهو الإسلام، والذي حدث هو أن لورين بوث المولودة كاثوليكية باسم سارة قد اختارته" وتضيف هذه الكاتبة التي يبدو أنها لم تكن قادرة على التحكم في مشاعرها وأعصابها "من الصعب معرفة من أين تكون البداية حينما يتم وصف برود بوث المطلق. إنها (أي بوث) تعمل عميلاً مأجوراً لدى قناة تلفزيون النظام الإيراني القاتل. امرأة تختار أن تكون واجهة لعصابة بلطجية تتمسك بعقوبة الرجم حتى الموت للزانيات!"

وفي تحقيق بالصور لمراسل ديلي ميل (27/10/2010) بعنوان "لماذا يتحول كل هذا العدد من النساء البريطانيات العصريات حملة الشهادات العلمية إلى الإسلام" تناول نماذج من هؤلاء النساء، وأورد آراء عدد من المختصات لتحليل هذه الظاهرة، أولاهن إيف أحمد التي يقول التقرير عنها أنها نشأت مسلمة قبل أن تترك دينها، وهي مولودة في لندن من أب باكستاني وأم إنجليزية، وكل حديثها عبارة عن انتقاد للتعاليم الإسلامية لأنها لم تكن تسمع إلا كلمة لا أو حرام أو ممنوع. ووفقاً لكيفن برايس من جامعة سوانسيا المتخصص في دراسة تحول الأشخاص البيض إلى الإسلام فإن جزء من هؤلاء النساء لديهم اتجاه نحو الفضول، وأخريات يسلمن من أجل إرضاء أزواجهن وعائلاتهم. ويقول أن الأدلة تشير إلى أنه مقابل إسلام كل امرأتين غربيتين يسلم رجل واحد. بينما تعزو المحاضرة في جامعة برمنجهام هيفاء جواد سبب هذه الظاهرة إلى تآكل المجتمع والقيم في الغرب، ويؤيدها في ذلك برايس الذي يرى أن كثيراً من الناس في مختلف مناحي الحياة، يشعرون بالأسى لتلاشي الاحترام التقليدي للمسنين والنساء في مجتمع اليوم، وهذه القيم حث عليها القرآن (الكريم) وعلى المسلمين أن يلتزموا بها في حياتهم.

برنامج هذا الأسبوع في تلفزيون البي بي سي الذي يقدمه الصحفي الشهير أندرو نيل استضاف لورين بوث وناقشها بعمق (29/10) في موضوع إسلامها حيث أكدت له (ولزميلين معه) بكل ثقة ورزانة أن الإسلام منحها معنى جديداً من الاحترام.

أما لورين بوث نفسها، فقد كتبت مقالاً مطولاً في الديلي ميل (31/10) شرحت فيه بالتفصيل جميع الجوانب المتعلقة بإسلامها، بدءً من رد فعل أمها التي تفهمت الأمر أخيراً، وما هو متوقع من أبيها (المدمن على الكحول والذي توجد بينها وبينه قطيعة منذ عدة سنوات) وابنتيها الطفلتين اللتين هتفتا بعبارة "نحب الإسلام" بعد جلسة تفاهم معهما واستفسار ونقاش، وأصدقائها الذين قابلوا إسلامها باستغراب ولكن ليس بعداوة. وتطرقت إلى ردود الفعل في وسائل الإعلام، وأكدت أنها لم تتشيع ولكنها أسلمت رغم أن تأثرها ولحظة الحسم في حياتها باتجاه الإسلام كانت من خلال زيارة إيران. مع ذلك فإن للأمر بداية، تقول لورين في مقالها أن البداية كانت في يناير 2005م، بمدينة رام الله في فلسطين، حينما انتدبتها صحيفة الديلي ميل لتغطية الانتخابات الفلسطينية، وكانت لا تزال –مثل كثيرين من الصحفيين الأجانب- تحمل صورة مشوهة عن الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فهم كما يصورهم الإعلام الغربي بشكل عام أقرب إلى أن يكونوا إرهابيين وقامعين للنساء ومتعصبين. وصلت إلى رام الله قادمة من مطار اللد، ولم تكن تلبس معطفاً يقيها برد الشتاء، بسبب تحفظ سلطات المطار الإسرائيلية على حقيبة سفرها. رأتها مسنة فلسطينية تسير في الشارع بدون معطف وكانت ترتجف، أخذتها من يدها، تحدثت معها بلغة عربية، اتجهت بها إلى بيتها، وفوراً فتحت خزانة ابنتها وأخرجت معطفاً وطاقية ووشاحاً وألبستهم للورين، وبعد فترة وجيزة أوصلتها إلى مركز مدينة رام الله حيث كانت تتواجد. قبلتها وودعتها بحرارة. تركتها المسنة الفلسطينية ومضت إلى حال سبيلها، لكن هذه الحادثة لم تترك لورين في حال سبيلها، فقد بدأت تفكر في فعل المرأة الفلسطينية التي ظنت في البداية أنها يمكن أن تكون إرهابية محتملة حينما أخذتها من يدها!. تقول لورين عن هذه الحادثة "لقد كان من الصعوبة بمكان أن أنسى هذا النوع من الكرم ما حييت، وهو ما شاهدته يتكرر بعد ذلك مئات المرات بأشكال شتى. وحتى اللحظة فإن دفء الروح هذا قلما نجده حتى فيما نقرأه أو نشاهده في الأخبار. وعلى مدار السنوات الثلاث التالية سافرت عدة مرات إلى الأراضي المحتلة التي كانت ذات يوم فلسطين التاريخية. في البداية كان السفر في مهمات، ومع مرور الوقت بدأت أسافر ضمن المجموعات الخيرية والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني. وشعرت كم هي المعاناة التي يواجهها الفلسطينيون من جميع المذاهب. من المهم أن نتذكر أنه يوجد مسيحيون في الأراضي المقدسة منذ ألفي عام وهم أيضاً يعانون في ظل الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي. وقد بدأت من دون شك في تغيير المفاهيم السياسية ومنها أن الفلسطينيين عبارة عن أُسر وليسوا إرهابيين محتملين، وأنهم يشكلون مجتمعات مدن مسلمة وليسوا تجمعات مؤذية". في عام 2007 سافرت لورين إلى لبنان وأمضت أربعة أيام مع طالبات جامعيات جميعهن محجبات معتمدات على أنفسهن صريحات وغير مكرهات على الزواج، فوجدت صورة مختلفة عما اعتادوا أن يقرأوه في الغرب.

من المرجح أن إسلام الصحفية لورين بوث سيثير مزيداً من النقاش في الصحافة الأجنبية، بعضه منصف وموضوعي وآخر هجومي ومتحيز. وكما أن دخولها في الإسلام كان من باب الروحانيات، فإن السياسة ليست بعيدة عن التأثير فيها خاصة وأنها لديها اهتمامات سياسية مبكرة. ومثل هذا الموقف السياسي، المتعاطف مع الشعب الفلسطيني واللبناني والعراقي والمناهض للاحتلال الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية هو أيضاً موضع استغراب لدى غالبية الصحافة الأجنبية، لأنها لا تحاول فهم الأسباب والدوافع الحقيقية التي تجعل أمثال لورين بوث يتبنون هذه المواقف، فهذه الطائفة من الصحفيين والكتاب وناشطي السلام (ومنهم الشهيدة راشيل كوري)، أصحاب ضمائر حية، سواء الذين أسلموا أم لم يسلموا، وقد أرّقهم وأقضّ مضاجعهم هذا الظلم الفادح الواقع على الشعب الفلسطيني منذ ما يقرب من مائة عام وانحياز المجتمع الدولي لإسرائيل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى