الجمعة ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠

ألفن والالتزام في شعر شفيق حبيب

نــــور عامـــــر

ألالتزام ليس شرطا من شروط الشعر، ولا يُمكن أن يُفرض على شاعر ما،
أما وقد اختار الشاعر شفيق حبيب أن يكون ملتزما ً وبلغة ثورية، فهذا يُضفي
على شعره نوعا ً من الأهمية.. ويبرز هذا الالتزام في موقف الشاعر من قضية الأرض، الوطن، الإنسان، هذه القضية التي تشكل المحور الأساس في دواوينه الكثيرة، ذات السياقات المتنوعة التي تنتهي إلى مصبٍّ واحد، هو الرفض لكل مظاهر القهر والعدوان، الذي أحاط بشعبنا الفلسطيني منذ النكبة حتى اليوم.

إن قصائده المعاصرة كرؤية وأداة تعبير، سواء ما كان منها على النظام التفعيلي
أو النظام العمودي، هي في الحقيقة مهيئة ٌ فكرا ً وفنـّا ً وأيديولوجيا، لسدّ ثغرات ٍ
معينة في تخوم عالمنا الشعري، الذي هو دائما بحاجة لاستقطاب المزيد من الابداعات الخصبة، وحيث تكون الخصوبة، تكون عملية التقييم أكثر قابلية ً للنشاط والحركة، وأكثر انفتاحا على المناهج والنظريات النقدية، وإلا ما معنى
أن نستخدم النقد الثيمائي، أي المتجذر من حدود الدالــّة الأدبية، حين لا تكون في الشعر دلالات، وكيف نطوِّع قصيدة ً ما لنظرية "لوك" نظرية التداعي
"ألترابط"، إن لم نجد في القصيدة " ظاهرة استدعاء الفكرة، فكرة أخرى في الوعي".

وإن كنتُ أرى في مفهوم "لوك" لهذه النظرية، أكثر بهجة للخيال، وأكبر تشويقا ً
للنقد المعاصر، إلا أنني أميل في شعر شفيق حبيبب إلى مفهوم "هربرت" لهذه النظرية، باعتبار أن هذا الشعر ليس حالاتٍ نفسية ً بقدر ما هو تجسيد للمعضلة الفلسطينية، وربط الماضي بالحاضر من خلال الثراث.

"أينَ سُمـّارُ الليالي؟؟
وحكايا الزير سالم..
وأبو زيد الهلالي؟؟
أينَ ولى الدفءّ من حضن ِ المواقد؟؟
أينَ جدي...؟؟
يقف النسرُ على شاربهِ
كالمجدِ مارد؟؟
كلُّ ما حَولي سراب ٌ
وخرابٌ..
وانكسارات الشعاع...؟؟

هذه الصورة الشعرية تـُعتبر صورة فنية، بدليل أنها تـُحدث الافتتان، والافتتان
لا يأتي إلا بقوة الفن، لكنه الفن الواقعي لأنه يتجه ناحية المجتمع، ناحية الشعب،
وهذا يؤكد ما قاله "إرنست فيشر": " ألفن الواقعي مرتبط بالحركات الشعبية "وهو بخلاف الفن المتشبث بالأسلوب والمرتبط عادة ً بالنـُّظـُم الأرستقراطية.

وإذا كان "سدني فنكلشتاين" يرى أن الواقعية في الفن " تضمُّ دائما ً كيانا ً من الأفكار عما هو جديد، وكيف يتغير العالم "، يصبح من الضرورة بمكان أن نفهم العالم فهما ً يُتيح لنا رؤية ً صافية ً غيرَ مُشوَّشة، وهذا يتحقق بطرق مختلفة، منها طرحُ الأسئلة ِ كما في قصيدة " لماذا ارتحلنا..؟؟ "، أنما السؤال هنا ليس استفسارا بقدر ما هو ذهولٌ ناتجٌ عن هَوْل الصدمة / الفاجعة:

"لماذا ارتحلنا
عن البحر ِ.. والنهر ِ والبرتقال ْ؟؟
لماذا غـَدَوْنا رمادَ المقادير ِ
في منفضات المُحالْ..؟؟

ومن فنون الشعر أن يضع الشاعر التعبير المناسب في المكان والظرف المناسب،
على أن يكون التعبيرُ مجهولا في المقام المنشود حتى تلك اللحظة، أي لحظة التعبير عنها....

ويصبح التعبير, أكثر جاذبية حين يُغـَلـَّفُ بالرمز، ومن خلال رؤية مستقبلية تتمثل في كلمة موجزة دالـّة كقول الشاعر:

" أنا باق ٍ يا فلسطينُ اشهدي !!
إنما الزائلُ خضراءُ الدِّمَن ْ.

الرمز في خضراء الدِّمَن أي المرأة الحسناء في المنبت السوء، وهذه استـُعملت
في مواطن التحذير "إيـّاكَ وخضراءَ الدِّمَن"، لكن شاعرنا لم يقصد المرأة، أظنه قصد سياسة الاضطهاد التي يحاولون تجميلها، وأن يُخرج الشاعر كلمة ً من سياقها المحدَّد، لتخدم َ غرضا ً آخرَ ربما هو أكثر نفعا ً وإلحاحا ً، وهذا يُعتبر نوعا ًَ من التجديد في الشعر العربيّ المعاصر.....

نــــور عامـــــر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى