الاثنين ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم أمينة شرادي

حكايتي مع الأيام

بالأمس، كانت لي حكاية.من أين سأبدأ هذه الحكاية.حكاية مع أيامي التي كانت تتوسد وسادة خالية.مع ساعاتي و دقائقي التي كنت أملكها و أتحكم فيها كمعلم العرائس.كنت أعتقد ذلك.هل كنت غبية؟ أم للزمن سلطة خفية تنوم العقول حتى لا تفكر. لست أدري .اختلطت علي كل الأوراق و هزمتني أيامي التي كنت أعتقد أنها تحلف برأسي.قلت بالأمس،ابتلعت الظلمة، من وهبتني الحياة و زرعت في عقلي الصغير الصمود أمام كل الرياح مهما علا صياحها و هيجانها.كانت تقول لي بأنني باقية ما بقيت الأيام.لم تكن تدرك بأن للأيام آذان صاغية ،و مرارا تصوب سهمها و تصيب الهدف.وضعت ثقتي في الأيام،كما قالت لي أمي.لكن ،في يوم من الأيام العادية ،حيث طلعت علينا شمس تلمع و تقول ببداية يوم جديد.و اختفت في هدوء عجيب،تعلن عن نهاية ذلك اليوم و دخوله في خانة الماضي. و ما بين الشروق و الغروب،أصابني سهم غادر،اخترق أضلعي حتى الألم الشديد.اختطفت الأيام أمي الحبيبة،وهي المسالمة و العاشقة لها. لم أفهم ساعتها ما ذا وقع.هل هو خلل في التوقيت الزمني؟هل هي نزلة برد عابرة ستمر بسلام؟سخرت مني الأيام و أشاحت بوجهها عني. استحالت أيامي التي كنت أعتبرها وسادتي الخالية، لجلاد يتربص بي في كل لحظة وكل حين.كرهت أيامي وانزويت بعيدا عنها في أعلى الجبل أبكي أمي وأعيد حساباتي.

لم تتوقف الحياة و لم تتوقف الأيام. كانت لي أيام بيضاء لا أثر لي فيها .أعيشها بمرارة و أعمل على خلق يوم جديد مع فجر جديد لاأثر للخيانة فيه .صارعت الرياح العاتية كما علمتني معلمتي الأولى،و قلت لنفسي الجريحة،ربما سنجد في مكان ما ،أياما جميلة تسقينا حبا و فرحا.و مشينا طويلا حتى دمت أرجلنا.تغلغلنا وسط الغاب ،نمنا على الأرض العذراء و" تلحفنا السماء".لم نعد نرى لأيامنا الغابرة والغادرة أثرا.تنفسنا الصعداء و قلنا لقد نجونا و لم يعد هناك خوف علينا.

مرة أخرى، تغدر بي أيامي الأخرى.هناك امتداد للألم الماضي الذي لم يمت.كأنها أيامي البعيدة في الزمن تنكرت و ارتدت لباس حمل، و عادت تعلن حربا أخرى من نوع آخر.حرب، أخاف أن أنهزم فيها ويعود الألم من جديد و الخوف من جديد.ابتلتني الأيام هذه الأيام، بطعنة حادة في أعز الأحباب.انه معلمي الآخر الذي رافقني في هذه الحياة بكل حب و ود.لمر يرفع صوته يوما و لم ينظر إلي بعيون معاتبة يوما.كان يراقبني عن بعد و يترك لي حرية التجربة في كل الممنوعات .إذا زرته في بيته، يبتسم و ينهض و يستقبلني بعتاب يكاد يكون منعدما.و يسألني عن سبب الغياب الذي لم يطل سوى ساعات.يخطو خارج غرفته بخطوات متثاقلة و يجلس إلى كرسيه للحظات.لا يتكلم كثيرا .أرمقه بصمت.لا أطلب شيئا ساعتها من رب السماء سوى أن يمد في عمره الهادئ و أن يمنع الزمن من التحرك.أبي، جميل في كل شيء.بسيط في كل شيء.مطالبه من هذه الدنيا الملعونة صغيرة و قليلة.جيوبه التي لم تمتلئ يوما عن آخرها،مفتوحة أمامي حتى و لو كانت فارغة.طيب بلا حدود.و هو لا يعترف بذلك.و أحيانا لا يؤمن به. يوم ألم به المرض الملعون،هاتفني ليلا طالبا المساعدة .كان هو أيضا صديق للأيام.لم يفهم ما سر هذه الأيام التي تتلوى كحية رقطاء. لا يسلم منها لا مسالم ولا محارب.

اتحدنا سويا ضد الألم الغاشم.تسلحنا بكل الأجهزة المتطورة التي تصيب الهدف عن بعد.كسرنا شوكته ولو بشكل مؤقت.فرحنا لانتصارنا.ضحكنا كثيرا و تكلمنا كثيرا.قلت له "لا يقضي على الألم إلا اللامبالاة. "ابتسم كما تعود أن يفعل عندما يكون غير مقتنعا.و قال لي بصوت يحمل دبدبات متهالكة"نتمى ذلك".غيرت دفة الحوار حتى لا أترك مجالا للأيام الباحثة عن لحظة ضعف، أن تنفث سمومها الغير الرحيمة.تضبط ساعتك على جميع تحركاته.رنت الساعة الخامسة مساءا، قام بدون مقدمات وأخذ يستعد للخروج.اشتاق إلى أصدقاءه الذين تركهم فترة صراعه مع الأيام.استغربت كثيرا لهؤلاء الأصدقاء.أعمارهم متفاوتة تفاوت السماء مع الأرض.ومع ذلك ،إذا مررت يوما بجانب المقهى الذي ألفوا أن يجتمعوا فيه،تراهم متحلقين حول بعضهم يتكلمون و يترافعون بالأيدي.. و ترى أبي، يبتسم و أحيانا يقهقه كما لم يفعل منذ زمن.صحبة نادرة وجميلة. لكن أجمل ما فيه، روحه الهادئة و الطيبة.تحمله فوق بساط يرفرف في الأعالي و يمشي دون أن يلتفت إلى الوراء.اكتشفت مؤخرا رغم أني ألوم نفسي كثيرا عن هذا التأخير الغير المفهوم،هو أنه صاحب نكتة و روح مرحة.و أنا التي لم تر فيه سوى الرجل الجاد القليل الكلام.يوم تعرفه على مرضه الملعون، كفر بكل الأطباء و كل الأجهزة الحديثة التي تجعل الإنسان يعيش في حالة صراع و خوف...و رفض أن يسمع.قال يومها بصوت حزين "ما هذه الأيام الملعونة التي لا تترك الإنسان أن ينعم في هدوء بأيامه المتبقية له؟ "واختفى وجهه وراء سحابة حزن، استوطنت روحه المرحة ،كآبة دامت مدة غير محددة. لم أستطع إخراجه منها.كل محاولاتي باءت بالفشل.وعدت من جديد لأنتصر لأمي التي قالت لي بأن لا أخفي رأسي في الرمال.طلبت منه يوما، أن يحكي لي عن أيامه الماضية و كيف عاشها. كانت لحظة خارجة الزمن. تكلم دون حرج،عادت الابتسامة الهادئة و عادت روحه المرحة. فرحت لانتصاري ورميت بمنديلي الأبيض في الفضاء ايدانا بمرحلة جديدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى