الأربعاء ٢٥ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

سميح القاسم شاعر المقاومة

يختلف المثقفون الفلسطينيون كثيرا في شاعر فلسطين الكبير سميح القاسم كما اختلفوا حول الشاعر الراحل محمود درويش، وكالعادة فإن معظم الذين يقللون من قيمة سميح القاسم الأدبية ينطلقون من مواقفه السياسية المتغيرة من مرحلة إلى أخرى. حتى النقاد الفلسطينيين المعارضين له يركزون في تحليلهم على آرائه السياسية أكثر من بلاغته الشعرية. فالمثقفون في بلادنا يبدو أنهم لا يختلفون عن القادة السياسيين .

سميح القاسم بغض النظر عن آرائه السياسية التي لي رأي فيها ووجهة نظر، يظل أحد أبرز شعراء المقاومة في فلسطين في القرن الماضي وتحديدا في ستينات، وسبعينات القرن العشرين حين كانت أشعارة تتردد على ألسنة الطلبة، والمتظاهرين في كل مكان، وحين كان العرب يعانون من وقع الهزائم المتكررة مع إسرائيل.

أذكر أنني تعرفت للمرة الأولى على شعر سميح القاسم عندما كنت طالبا منتدبا عن المدرسة الإبراهيمية في القدس عام 1974 لألقي قصيدة شعرية من تأليف أحد الشعراء، وقد اختار لي الأستاذ المشرف عصام البشيتي قصيدة الشاعر أحمد إقبال، وافقت رغم أنها لم تكن من اختياري فيما قدمت إحدى الطالبات من مدرسة دار الطفل العربي (16 سنة) قصيدة الشاعر سميح القاسم (لن أساوم).

يا عدو الشمس لكن
لن أساوم
وإلى آخر نبض
في عروقي سأقاوم

نعم كانت قصيدته صرخة في وجه الاحتلال، صرخة الفلسطيني الذي يرفض الاستسلام والتنازل عن حقوقه. كان سميح القاسم شاعرنا نحن الطلبة الذين كنا نغني له أغنية (أحكي للعالم أحكي له) والتي غنتها له إحدى طالبات فلسطين آنذاك.

أحكي للعالم أحكي له
عن بيت كسروا قنديله
عن فأس قتلت زنبقة
وحريق أودى بجديلة
أحكي للعالم أحكي له
كنا ما أجمل ما كنا
يا بنت الجار ويا حنا
كنا فلماذا أعيننا
بالغربة صارت مجبولة؟
أحكي للعالم أحكي له
...

نعم حكينا للعالم قضيتنا، ونقلها سميح القاسم ودرويش وتوفيق زياد وغيرهم عبر روائعهم الأدبية.

منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي
وأنا وأنا أمشي

أشعار سميح أقلقت إسرائيل التي اعتقلته مرارا وحاولت منع نشرها، لكن الصحافة الفلسطينية حينما هبت من غفوتها صارت تنشر كل ما يسرب لها من شعراء المقاومة في الوطن السليب.

الشاعر الفلسطيني سميح القاسم

سميح القاسم لم ينكر عروبة فلسطين بل ظل يصرخ عاليا بأنها أرض عربية، وفي قصيدته الشهيرة (صرخة الدم) رد على ذلك:

أرض سميح القاسم عربية

يا أمنا الأرض ابشري واستبشري ما زال يحرس عرضك الأبناء

|لك ان عطشت من الدماء موارد|واذا عريت من الجسوم كساء|

وفي ختامها يقول:

عربية كانت وتبقى أرضنا عربية وليصخب الأعداء

نعم موقفه لا مساومة حوله، فهو لا يقول أنها كانت عربية وأصبحت إسرائيلية. بل كانت وتبقى.
كأنه يقول إن إسرائيل أقيمت على أرض عربية، وفي قصيدة له قرأها من إحدى دواوينه عام 1979 في النادي الأرثوذكسي العربي في القدس الذي يقع بجانب نادي الموظفين قال سميح القاسم:

لن يموت القسام والظلم حي كل طفل من شعبنا قسام

والقسام: هو عز الدين القسام، والشيخ المجاهد الذي انطلق مع رفاقه عام 1935 مقاوما الإنجليز ثم استشهد في(يعبد) قرب مدينة جنين.

وعندما اختار سميح الشيخ عز الدين ليشبه أطفال فلسطين به لم تكن قد انطلقت حركة حماس ولم تكن قد شكلت ذراعها العسكري (عز الدين القسام) لذلك فهو لم يقصد أن يشير إلى حماس، ولكنه اختار القسام لأنه رمز للجهاد الفلسطيني ضد الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، وتأكيدا لوحدة كل فلسطين. لو كان لسميح القاسم موقف آخر حول فلسطين وعروبة فلسطين لما اختار رمز المقاومة الفلسطينية ليشبه كل طفل فلسطيني به. فالاحتلال الإسرائيلي يكره عز الدين القسام ويحاول شطبه من التاريخ الفلسطيني.

صحيح لقد غير سميح القاسم الكثير من آرائه السياسية فبعد أن كان ينتقد الزعماء العرب المهادنين لإسرائيل أصبح بعد عقود من الزمان يمدحهم، وهو ليس وحده في ذلك فهناك قيادات سياسية فلسطينية كانت ترفع شعارات (كل السلطة للمقاومة) في الأردن، تراجعت واضطرت أخيرا الإقامة في الأردن وأوقفت حملاتها ضد الأنظمة العربية، بل وبدأت تغازلها.

ربما رأى سميح القاسم أن انتقاد الزعماء العرب لم يغير شيئا، ولم يفد فلسطين في شيء وربما شعر أن المرحلة تغيرت، والأشكال الكفاحية تغيرت. وربما كفلسطيني يحمل جواز سفر إسرائيلي وحيد وجد أنه لا يستطيع زيارة الدول العربية بجوازه الإسرائيلي إلا الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل (الاردن، مصر مثلا) فرأى أن يغير من رأيه حتى يستطيع زيارتها والالتقاء مع محبيه، وأبناء أمته وشعبه.

فعندما كان ينتقدها كان صحافيو النظام يتهمونه بأنه إسرائيلي، وعندما تراجع وكال لها المديح اتهمه معارضوه بالتخلي عن آرائه السياسية وتنازله!!

صحيح أن سميح القاسم كمثقف وشاعر كان يجب أن يختلف عن السياسيين البراغماتيين في تعاملهم مع الواقع، لكن أيا كان موقف سميح القاسم السياسي، وأيا كان سبب تقلبه فذلك لا يلغي دوره كأحد أبرز شعراء فلسطين وواحد من شعراء المقاومة الذين ألهبت قصائده حماسنا الوطني في معمعان صراعنا اليومي مع العدو الإسرائيلي. فلا مديح المتنبي لسيف الدوله، ولا هجاءه لكافور الإخشيدي قلل من شاعريته.

لذلك سيبقى سميح القاسم ومحمود درويش، وتوفيق زيادة نجوما فلسطينية، وعربية مبدعة، وعلى رأس شعراء المقاومة الفلسطينية في القرن العشرين ويحق لأبناء الشعب الفلسطيني أن يفخروا بهم، وعليهم أن يعلموا أولادهم أشعارهم ليرددوها في مناسباتنا الوطنية والاجتماعية ولتكون مرجعا تاريخيا لصمود شعب فلسطين وإصراره على المقاومة. ولنغني معا نحن الآباء والأجداد مع أولادنا، وأحفادنا ما غناه مارسيل خليفة لسميح القاسم:

منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي
وأنا وأنا وأنا أمشي

ولنصرخ في وجه الاحتلال الصهيوني ما صرخه سميح القاسم قبل أكثر من ثلاثين سنة:


عربية كانت وتبقى أرضنا

عربية وليصخب الأعداء


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى