الجمعة ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم محيي الدين غريب

أيها الناس، لا تسمعوا ولا تعوا

ولا يهم أن ينتفع الناس بما يسمعون، ولا أن يسمعوا ولا أن يعوا، فليس فى الأرض عبرا، وليس كل من عاش مات، ولا من مات فات، فليس فى الإمكان أفضل مما هو الآن كما لم يقل الجاحظ أبو عثمان.

هكذا تبدو الأشياء من الوهلة الأولى أو حتى من الوهلة الأخيرة، فلا شيئ يهم بعد أن رشح الحزب الحاكم الرئيس مبارك لولاية سادسة، نشاذ ديمقراطى بجميع المقاييس، وإن دل على شيء فإنما يدل على أن مصر تتخبط لتبدأ من تحت الصفر مرة أخرى. وأيضا لا شيئ يهم لأن الشعب بجميع طوائفه لا يريد أن يسمع ولا أن يعى.

نشاذ ليس فقط لأن الرئيس مبارك فى العقد التاسع من عمره ومريض ولم يثبت بتوجيهاته أي كفاءة عالية أو متميزة تؤهله لولاية سادسة، سواء من حيث السياسة الخارجية أو من حيث السياسة الداخلية، وليس فقط لأن نظامه فشل فى إدارة وقيادة دولة بحجم مصر وبحجم المشكلات الضخمة القائمة فيها، ولكن لأن حقيقة وجود الرئيس لخمسة ولايات متتالية ولأكثر من ثلاثين عاما أدى إلى إنتهاء تاريخ الصلاحية منذ زمن بعيد، وكأى بضاعة معروضة منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستعمال، يصبح استعمالها أو حتى عرضها ضارا.

البقاء فى الحكم لمدد طويلة أدى إلى تفشى الفساد وإلى التراجع الاقتصادى والاجتماعى، وانعكس ذلك على السلوكيات والأخلاقيات، وهو ما حدث بالفعل فى السنوات الأخيرة لينعكس ذلك على موقع مصر المتأخر بين دول العالم، وعدم رضاء الغالبية العظمى من الشعب.

والبقاء فى الحكم لمدد طويلة كان عبأ وضررا على الحكومات المختلفة التى تولت الحكم، بصرف النظر عن نجاح وإنجازات هذه الحكومات أو إخفاقها. وبالرغم من أن هناك العديد من الوزراء والمسئولين وأعضاء الحزب الوطنى ومجلس الشعب فى محاولات دائبة مخلصة لعمل الأصلاحات، إلا أن كونهم من المحسوبين على الرئيس وأن صلاحيتهم مرتبطة بصلاحيته جعل مجهوداتهم تذهب هباءا.

أيضا سمعة وحضارة مصر العريقة تأثرت وأرتبطت بتاريخ الصلاحية المنتهى، لذلك فإن إسم مصرنا الحبيب، رضينا ذلك أم لم نرضى، أصبح مقترنا بأشياء مثل الفساد والفقر والمرض وعدم الشفافية وما إلى ذلك من سلبيات كافية أن تطغى على أية إيجابيات.
الاحتمال الأول أن الرئيس أراد ولاية سادسة بمحض إرادته وقناعته وبمساندة من حوله من حاشية وأصدقاء، بينهم الصادقين وبينهم المتملقين، بغرض المحافظة على كيان الدولة والصالح العام ولأمن وأمان مصر وشعبها، كما يعتقد هو أيضا.

والاحتمال الثانى هو أنه مضطرا لذلك تحت ضغوط المنتفعين وأصحاب المال والأعمال اللذين ترتبط منافعهم بالأوضاع السياسية القائمة، وبعد أن قوضت فكرة التوريث لردائتها، وربما نتيجة بعض التخويفات فى حالة إنتقال النظام إلى جهة معادية له أو بعيدا عن سيطرة العسكر.

والرئيس له الحق فى ذلك حسب الدستور المفصل، ولكن أيضا وفى كلا الاحتمالين بل فى كل الاحتمالات ومهما تعددت الأسباب فهو أى الرئيس يغامر بمصير ومستقبل شعب مصر على حساب مستقبله السياسي والأعتبارات الشخصية، ويضرب بعرض الحائط أبسط المبادئ الديمقراطية، متجاهلا عمره المتقدم ومرضه والحالة التى وصلت إليها البلاد.

هل يجرؤ الرئيس أن يضحى بمستقبله السياسي والأعتبارات الشخصية من أجل مصر ومستقبلها واحتراما لسمعة مصر والمصريين؟؟ 

هل يجرؤ الرئيس أن يتنحى بعيدا عن السلطة وسدة العرش، ويعطى الفرصة لأجيال أخرى أن تتولى السلطة ليتفرغ هو للعناية بصحته والتمتع بما بقى له من عمر فى هدوء وسلام؟؟

إذا جرؤ فإن شعب مصر الطيب جدا سيقيم له تمثالا لأنه سيكون أول رئيس مصرى يتنحى طواعية ودون تدخل الأقدار السماوية أو الأرضية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى